لقد ادّعى إبليس لعنه الله , كما يحكي المولى سبحانه ذلك عنه في القرآن الكريم ان الذي أغواه هو المولى سبحانه نفسه حين قال: (( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ )) (الحجر: من الآية39).
وهذه الدعوى مردودة من الشيطان, فالشيطان مكلّف حاله حال الإنسان, ولا تكليف مع الجبر, وإنّما يفسّر معنى الاغواء هنا بأنّه التسبيب إلى الغي, أي ان المولى أمره بالسجود لآدم (عليه السلام) فأفضى ذلك إلى غيّه, وما الأمر بالسجود إلاّ شيء حسن وتعريض للثواب بالخضوع والتواضع لأمر الله تعالى, ولكن إبليس اختار الإباء والاستكبار فهلك, والله تعالى برئ من غيّه ومن إرادته والرضا به. ونسبة الاغواء هذه الصادرة من إبليس إلى المولى سبحانه إنما هي على طريقة الجبرية وفي محاولة من إبليس لتبرير فعله وضلاله فالحق سبحانه منزه عن تضليل خلقه.
قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره (الأمثل) [8: 467] : إن إبليس كان أول من وضع أسس مذهب الجبر الذي ينكره وجدان أي إنسان. حيث ان الدافع المهم لأصحاب هذا المذهب تبرئة المذنبين من أعمالهم المخالفة لشرع الله, وكما قرأنا في الآيات مورد البحث من أنّ إبليس تذرع بتلك الكذبة الكبيرة لأجل تبرئة نفسه, وأنّه على حق في إضلال بني آدم حين قال:(( ... رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ )) (الحجر: من الآية39). انتهى.
وكيفما كان : فإن إبليس مخلوق مكلّف حاله حال الإنسان, وقد أودع المولى فيه أسباب الهداية والضلال معاً وتركه مختاراً في فعله, وقد اختار هو بنفسه الضلالة على الهداية والمعصية على الطاعة والاستكبار على الخضوع لله تعالى فاستحق بذلك اللعنة من الله أبد الأبدين وكان مفتاحاً لمعاصي بني آدم, ولا يعد ايداع أسباب الهداية والضلال في المخلوقات جبراً بل هو من الحكمة في الابتلاء , ولتحقيق العدل في باب الثواب والعقاب.
تعليق