اللهم صل على محمد وآل محمد
لا يكتب النجاح لمجتمع إلا إذا كان متماسكاً..
ولا يكون المجتمع متماسكاً، إلا إذا حصل فيه من لا معين له ولا معيل، كالأرملة واليتيم، الرّعاية اللازمة والاهتمام الكبير.
فالمجتمع الذي لا يضيع فيه اليتيم والأرامل، مكتوب له النجاح، والتقدم والازدهار.
أما المجتمع الذي يضيع فيه اليتيم والأرامل، وتهضم فيه حقوقهم، فإن عاقبته إلى بوار. ليس لأن الله يرزق العباد بضعفائهم فحسب - كما يقول رسول الله -، بل لأن فقدان التكافل الاجتماعي، والتراحم الإنساني يؤدي - إن عالجاً أو آجلاً - إلى تفكك المجتمع وانهياره.
فاليتيم إذن عنصر (شدّ) للمجتمع إذا تمت رعايته. وهو عنصر (فكّ) له إذا فقد الرعاية.
ولذلك فإن كل القيم الروحية، والمثل الأخلاقية، تدعو إلى الاهتمام بمن يفتقد الاهتمام.. وإلى الرعاية لمن يفتقد الرعاية.. وإلى العطاء لمن يحتاجه.. وإلى التربية لمن ليس له مربّى. وأي شخص أكثر من اليتيم هو بحاجة إلى ذلك؟ وأي عنصر أكثر من الأرامل يحتاج إلى العطاء والرعاية؟
وإذا افترضنا أن القيم الأخلاقية، في مجتمع ما، تعرضت للإهمال والانتقاص فهل تستطيع القوانين أن تسدّ الخلل؟
فمثلاً لو لم يجد الأيتام من يرعاهم ويربيهم، ويزرع فيهم حب الناس، ثم تحولوا فيما بعد إلى مجرمين وقتلة، فهل تكفي العقوبات لدرء المجتمع أخطار الجرائم؟
لقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الإجرام ينمو في أوساط المهملين في طفولتهم، كما أن العلماء والعباقرة، والعظماء هم من ذوي الأصول الحسنة ممن كانوا في رعاية جيدة في عهد الطفولة..
فاليتيم الذي يجد العطف والحنان اللاّزمين، سيعطي للناس فيما بعد أفضل ما يمكن لإنسان أن يعطيه..
ألم يكن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يتيماً وقد تكفّله أبو طالب، ورعاه أفضل رعاية وهو صغير، ثم وقف معه وقفة الأبطال حينما نزل عليه الوحي، وتعرّض للظلم والعدوان من كفار قريش؟
إن رعاية الأيتام، عدل الإحسان إلى الوالدين، وهما واجبان كعبادة الله (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (1).
وكما يحتاج اليتيم إلى الرعاية والإحسان، فهو بحاجة إلى الحفاظ على أمواله وأملاكه، لو كان له ذلك (وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) (2). كما هو بحاجة إلى أن لا يتعرض لظلم، أو عدوان: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً) (3)، (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (4).
وليس أفضل من الإنفاق على الأيتام، فمن كان غنياً (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ) (5)، فإن له أجراً كبيراً، ذلك لأن (مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (6).
ولليتيم حقوق واجبة في أعناق ذوي اليسر، والمجاهدين في سبيل الله، فلهم حصتهم من الغنمية كما أن لهم حصتهم في أموال الأغنياء (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (7).
ثم أن الأيتام منطقة الخطر، (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) (8).
وكما يجب على ولاة الأمر أن يتعهدوا الأيتام والأرامل، فإن ذلك واجب أيضاً على أحاد الناس كذلك.
:: يروي الكاتب المسيحي جورج جرداق القصة التالية عن مناقب أمير المؤمنين علي عليه السلام ويقول معلقاً: وأنا أكتب هذه القصة عن محبة علي عليه السلام وحنوه على الأطفال والأيتام انهمرت عيناي بالدموع، فابتلت الأوراق التي بين يدي وتبلل ما كنت كتبته...والقصة كما يلي:
ذات ليلة جاء علي عليه السلام بالطعام إلى أسرة فقدت معيلها وفيها أيتام، فوجد بين الأيتام طفلاً لا يهدأ، فسأله الإمام عليه السلام عن سبب ذلك. فقال الطفل: إن الأطفال يقولون لي أن لا أب لك.
فقال له الإمام عليه السلام: قل لهم إن علياً هو أبي.
فلم يهدأ الطفل، وقال: إن أطفال جيراننا لهم حصان خشبي وأنا ليس عندي مثله.
فجاءه الإمام عليه السلام به ليفرح ويلعب به، ولكن الطفل لم يهدأ وبدأ يتذرع بالذرائع الواحدة تلو الأخرى... وقال للإمام عليه السلام: أريد حصاناً أركبه ويسير بي!
وفي ذلك الليل انحنى أمير المؤمنين وخليفة الرسول صلى الله عليه وآله على المسلمين ليركب الولد على ظهره وقال: ها أنا قد صرت حصاناً لك. فاستمر الإمام عليه السلام بإركاب الطفل على ظهره والسير به حتى استحوذ التعب على الطفل وغفا فوق ظهر الإمام عليه السلام فوضعه في سريره وغادر الدار.
يقول الإمام علي (عليه السلام): (الله، الله في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيّعوا بحضرتكم، فقد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: من عال يتيماً حتى يستغني، أوجب الله عزّ وجلّ له الجنّة، كما أوجب لآكل مال اليتيم النار) (9).
وقد كان الإمام يوصي ولاته بقوله: (تعهّد أهل اليتم وذوي الرقّة في السنّ ممن لا حيلة له، ولا ينصب للمسألة نفسه، وذلك على الولاة ثقيل، والحق كله ثقيل، وقد يخفّفه الله على أقوام طلبوا العافية فصبّروا أنفسهم، ووثقوا بصدق موعود الله لهم) (10).
وكان الإمام (عليه السلام) يتعهد شخصياً الأيتام، والأرامل، ويقوم بخدمتهم..
فقد روي: أن علياً (عليه السلام) كان يدعو اليتامى فيطعمهم العسل، حتى قال بعض أصحابه: لوددت أني كنت يتيماً، وكان ذلك منه اقتداءً برسول الله، حيث كان الرسول (صلّى الله عليه وآله) لا تخلو داره على صغرها من يتيم، وكان يقول: (خير بيوتكم بيت فيه يتيم). ويقول: (أنا واليتيم كهاتين في الجنّة) - ويشير إلى السبابة والوسطى من أصابعه - (11).
أليس الإمام هو القائل: (ما من مؤمن ولا مؤمنة يضع يده على رأس يتيم إلا كتب الله له بكل شعرة مرّت يده عليها حسنة) (12). والقائل: (أحسنوا في عقب غيركم، تحسنوا في أعقابكم) (13).
أبا الأيتامِ قد جفت بنا السحبُ ..... فأمسى القلبُ في الرمضاءِ ينتحبُ
يأنُ كأمثالِ الثكالى إذ فقدوا ..... كما المجنون أمسى يهذي وينقـلبُ
أحبك بل عشقي تجاوز مدركي ..... فشعس نعاليك للبي صار مُستلِبُ
أنت الذي تُطعِمُ المسكين تقربا ..... وكذا الأسيرَ وللأيتام تجـــتذبُ
وأنا العبدُ العليل صـــبابة ..... أمسكتَ عني طيفك المــقـتربُ
أقسمت بالزهراء البتول وضلعها ..... أبقى لعشق علي الليث متجلببُ
وتبقى شيعتك ايتامك ياحبيبنا فقدناك اميرا وللحق نصيرا
وجعلكم الله جميعا ممن يحنو عليهم امير المؤمنين(عليه السلام) ويشفع لهم يوم نقف على الصراط انه سميع مجيب.
يأنُ كأمثالِ الثكالى إذ فقدوا ..... كما المجنون أمسى يهذي وينقـلبُ
أحبك بل عشقي تجاوز مدركي ..... فشعس نعاليك للبي صار مُستلِبُ
أنت الذي تُطعِمُ المسكين تقربا ..... وكذا الأسيرَ وللأيتام تجـــتذبُ
وأنا العبدُ العليل صـــبابة ..... أمسكتَ عني طيفك المــقـتربُ
أقسمت بالزهراء البتول وضلعها ..... أبقى لعشق علي الليث متجلببُ
وتبقى شيعتك ايتامك ياحبيبنا فقدناك اميرا وللحق نصيرا
وجعلكم الله جميعا ممن يحنو عليهم امير المؤمنين(عليه السلام) ويشفع لهم يوم نقف على الصراط انه سميع مجيب.
تعليق