من المفردات الإسلامية المقدسة التي ما تزال الأحاديث تدور عنها بحمية هي مفردة (السرداب) حيث ذكرت بعض مصادر التاريخ المدون وكذلك التاريخ الشفوي المتناقل جيل عن جيل والسرداب اليوم يُحاط بهالة من القدسية عند عموم المسلمين المؤمنين كونه يرتبط بغيبة الإمام المهدي (عج) فيه.
وقرباً من معنى ملحقات العمارة الإسلامية ذات الصلة منها بالمراقد المقدسة فإن فكرة الحديث عن السرداب في سامراء ما زالت عند بعض المؤرخين بين أخذ ورد كأي فكرة مماثلة حدثت بالنسبة لا للسرداب في سامراء ذاته بل وحتى لتسمية بعض مراقد القديسين والقديسات ولعل مثال وجود مقامان للسيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام في دمشق والقاهرة بآن واحد لخير دليل على أن وجهات النظر مهما تباعدت أو تقاربت عن الحقيقة التاريخية الواقعة لكنها تبقى تمثل رمزاً من رموز الإيمان والتواصل معه وضمن مراعاة طقوسية محاطة بهالة من حفظ الذكرى وذلك ما ينطبق فعلاً على سرداب غيبة الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه ظهوره المقبل حتماً).
ولا بأس من نقل بعض التحليلات التي دونها عدد من المؤلفين في موضوع السرداب المقدس في سامراء ففي كتاب (الإمام المهدي (ع) وظهوره) دراسة روائية تتناول حياة المهدي (ع) وغيبته الصغرى والكبرى ونهضته، للمؤلف السيد جواد الحسيني الشاهرودي – إصدار مكتبة دار الإرشاد – الكويت ط1 (1405هـ - 1985م) ينقل تحت عنوان (المهدي وزيارته في السرداب).
ذكرنا أن ليس كما يظنه البعض من أن اعتقاد الشيعة أن إمامهم غاب في السرداب ولم يخرج بعدها، وينتظرون بأن يخرج ثانية منه فإن هذا افتراء محض، وقول بغير العلم لأن معتقدنا كما عرفت هو غيبته عنا ولكن لم يتضح مكان غيبته ولم يعين، ولكن كل ما في الأمر أن الشيعة يذهبون لزيارة السرداب لأنه مكان شريف حيث أن الصحن الشريف الذي فيه حرم العسكريين أبي الحسن علي بن محمد الهادي وأبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام والصحن الذي خلف مرقدهما والآخر الذي فيه السرداب محل دورهم وبيوتهم الشريفة وموضع سكناهم كما يتضح من التاريخ.
وحيث أن المهدي المنتظر (ع) لا محل له معين ولا موضع يقصد فيه كان الأفضل والأولى زيارته في بيته، لأن زيارة بيوت الأحباب بعد هجرتهم عنها وتركهم لها من العادات الجارية قال الشاعر:
أمر على ديار ليلى أُقبل ذا الجدار وذا الجداروما حب الديار شغفن قلبي ولكن حبّ من سكن الديارا
وكيف لا تزار مثل هذه البيوت التي كانت يذكر فيها اسم الله وتقام فيها الصلاة وترفع فيها أصوات قراءة القرآن، بل هي جديرة بأن تزار وحين يزورها الزائر يتذكر أهاليها الكرام فيخشع قلبه وترتعد يداه فيتضرع ويبكي لله في تعجيل فرج صاحبنا المهدي عليه أفضل التحية والسلام.
فاللازم علينا أن نعتقد بأن المهدي (ع) يسمع الكلام ويرد الجواب فيصح زيارته في أي مكان وأي زمان وبأي لغة ولسان، والأفضل زيارته (ع) بالزيارات الواردة المودعة في كتب الأدعية والزيارات.
أما في التراث الشفوي المتناقل بين الناس المؤمنين الحقيقيين عن الآباء والأجداد فيستمد اهتمامهم الطيب بسرداب مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكريان عليهما السلام، من كونه رمزاً لغيبة الإمام المهدي المنتظر (عج) فيه حيث اختفى خلاصاً من أعدائه الذين كانوا من رجالات العهد العباسي الذين اتخذوا من الدين الإسلامي جسراً لتحقيق مآربهم الشخصية وانتفاعاتهم الدنيوية بُعداً عن أي إيمان بالإسلام بيد أن معاداتهم لأهل بيت النبوة (ع) هو أفضل برهان يمكن المحاججة به بلا أي تعالٍ.
وإذاً فإن تاريخ سرداب سامراء كان موجوداً كـ(سرداب) بصورة طبيعية لكن غيبة الإمام المنتظر (عج) فيه قد أكسب هذا السرداب اهتماماً وتقديساً لكونه مرتبط بالإمام المقدس المهدي (ع).
ولعل محور الإيمان المطلق بظهور الإمام المهدي (ع) مسألة راسخة في صدور المؤمنين والسرداب في صحن والده الإمام (العسكري) وجده الإمام الهادي (ع)بقدر ما يكتسب كل هذا الاهتمام لدى شيعة آل النبي محمد (ص) الذين يرون في مقدم الإمام المنتظر (ع) خلاصاً للبشرية من عذاباتها، وإنقاذاً للإنسانية من المخاطر التي تحيط بها فنحن في زمن يكاد فيه القوي القادر على الظلم لا يتردد في ممارسته ويتجلى ذلك بشكل جلي في توظيف الإجرام باسم الإسلام البريء من هؤلاء الذين تعرضوا للإساءة لمرقدي الإمام علي الهادي (ع) والإمام الحسن العسكري (ع) بعملية تفجير جبانة سيبقى التاريخ يلاحق من أمر بها ومن نفذها بالخزي والعار الأبديين لأنهم عملية ضد النبي محمد (ص) وضد آله الأبرار (ع) وضد كل المسلمين والمؤمنين في العالم.
تعليق