لا بد من الرجوع إلى بداية التشيع وبذرته التاريخية واستظهار ما إذا كانت سنخيتها تتحد مع الفكر الإسلامي أم لا .
ثم ما هو حجمها أي البنية الشيعية يوم ولادتها .
وما هي أرضية تكوينها .
وهل هي عملية عاطفية أم عملية عقلائية انتهى إليها معتنقوها بمعاناة وتقييم واعيين .
ولما كانت هذه الأمور مما اختلف فيه تبعا لاستنتاج الباحثين ومزاجهم ومسبقاتهم وما ترجح لديهم بمرجح من المرجحات فلا بد من تقديم نماذج من آراء الباحثين في هذه المواضيع تكون المادة الخام ثم يبقى على القارئ أن يستشف الحقيقة من وراء ذلك ويكون له رأيا يجتهد في أن يكون موضوعيا .
إن المؤرخين والباحثين عندما يحددون فترة نشوء التشيع يتوزعون على مدى يبتدئ من أيام النبي ونهاياته بعد مقتل الحسين عليه السلام .
وسأستعرض لك نماذج من آرائهم في ذلك وأترك ما أذهب إليه إلى آخر الفصل .
أ - رأي يرى أنهم تكونوا بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام .
وممن يذهب لهذا :
أولا : ابن خلدون : فقد قال : إن الشيعة ظهرت لما توفي الرسول وكان أهل البيت يرون أنفسهم أحق بالأمر وأن الخلافة لرجالهم دون سواهم من قريش ولما كان جماعة من الصحابة يتشيعون لعلي ويرون استحقاقه على غيره ولما عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك ( 1 ) الخ .
ثانيا : الدكتور أحمد أمين فقد قال : . وكانت البذرة الأولى للشيعة الجماعة الذين رأوا بعد وفاة النبي أن أهل بيته أولى الناس أن يخلفوه ( 2 ) " .
ثالثا : الدكتور حسن إبراهيم فقد قال : ولا غرو فقد اختلف المسلمون أثر وفاة النبي ( ص ) فيمن يولونه الخلافة وانتهى الأمر بتولية أبي بكر وأدى ذلك إلى انقسام الأمة العربية إلى فريقين جماعية وشيعية ( 3 ).
رابعا : اليعقوبي قال : ويعد جماعة من المتخلفين عن بيعة أبي بكر هم النواة الأولى للتشيع ومن أشهرهم سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود والعباس بن عبد المطلب ( 4 ) .
وتعقيبا على ذكر المتخلفين عن بيعة الخليفة أبي بكر قال الدكتور أحمد محمود صبحي : إن بواعث هؤلاء مختلفة في التخلف فلا يستدل منها على أنهم كلهم من الشيعة : وقد يكون ما قاله صحيحا غير أن المتخلفين الذين ذكرهم المؤرخون أكدت كتب التراجم على أنهم شيعة وستأتي الإشارة لذلك في محلها من الكتاب ( 5 ) .
خامسا : المستشرق جولد تسيهر قال : إن التشيع نشأ بعد وفاة النبي ( ص ) وبالضبط بعد حادثة السقيفة ( 6 ) .
( 4 ) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 104 .( 5 ) نظرية الإمامة ص 33 .
( 6 ) العقيدة والشريعة ص 174 . ( * )
ب - : الرأي الذي يذهب إلى أن التشيع نشأ أيام عثمان ومن الذاهبين لذلك : جماعة من المؤرخين والباحثين منهم : ابن حزم وجماعة آخرون ذكرهم بالتفصيل يحيى هاشم فرغل في كتابه ( 1 ) وقد استند إلى مبررات شرحها .
ج - : الرأي الذي يذهب إلى تكون الشيعة أيام خلافة الإمام علي ( ع ) ، ومن الذاهبين إلى هذا الرأي النوبختي في كتابه فرق الشيعة ( 2 ) .
وابن النديم في الفهرست حيث حدده بفترة واقعة البصرة وما سبقها من مقدمات كان لها الأثر المباشر في تبلور فرقة الشيعة وتكوينها ( 3 ) .
د - : الرأي الذي يذهب إني أن ظهور التشيع كان بعد واقعة الطف على اختلاف في الكيفية بين الذاهبين لهذا الرأي حيث يرى بعضهم أن بوادر التشيع التي سبقت واقعة الطف لم تصل إلى حد تكوين مذهب متميز له طابعه وخواصه وإنما حدث ذلك بعد واقعة الطف بينما يذهب ( 4 ) آخرون إلى أن وجود المذهب قبل واقعة الطف كان لا يعدو النزعة الروحية ولكن بعد واقعة الطف أخذ طابعا سياسيا وعمق جذوره في النفوس وتحددت أبعاده إلى كثير من المضامين ، وكثير من المستشرقين يذهبون لهذا الرأي وأغلب المحدثين من الكتاب .
يقول الدكتور كامل مصطفى إن استقلال الاصطلاح الدال على التشيع إنما كان بعد مقتل الحسين ( ع ) حيث أصبح التشيع كيانا مميزا له طابعه الخاص .
في حين يذهب الدكتور عبد العزيز الدوري إلى أن التشيع تميز سياسيا ابتداء من مقتل أمير المؤمنين علي ( ع ) ويتضمن ذلك فترة قتل الحسين ( ع ) حيث يعتبرها امتدادا للفترة السابقة ( 5 ) .
وإلى هذا الرأي يذهب بروكلمان في تاريخ الشعوب الإسلامية حيث
( 5 ) مقدمة في تاريخ صدر الإسلام ص 72 . ( * )
يقول : والحق أن ميتة الشهداء الذي ماتها الحسين ولم يكن لها أي أثر سياسي هذا على زعمه - قد عملت في التطور الديني للشيعة حزب علي الذي أصبح بعد ملتقى جميع النزعات المناوئة للعرب - وهو زعم باطل - واليوم لا يزال ضريح الحسين ( ع ) في كربلاء أقدس محجة عند الشيعة وبخاصة الفرس الذين ما فتئوا يعتبرون الثواء الأخير في جواره غاية ما يطمعون فيه ( 1 ) .
إن رأي بروكلمان بالإضافة لما فيه من دس يخالف ما عليه معظم من ربط ظهور التشيع بمقتل الحسين حيث يذهبون إلى أن التميز السياسي للمذهب ولدته واقعة الطف ، بينما يرى بروكلمان أن لا أثر سياسي للواقعة فهو من قبيل إنكار البدهيات وإنما يقصر أثر الواقعة على تعميق المذهب دينيا فقط .
وقد شايع بروكلمان في هذا الرأي جماعة آخرون ذكرهم يحيى فرغل مفصلا في كتابه ( 2 ) إن هذه الآراء الأربعة في نشأة التشيع لا تصمد أمام المناقشة ولا أريد أن أتعجل الرد عليها فسأذكر الرأي الخامس ومنه يتضح تماما أن هذه الآراء تستند إلى أحداث أو مض فيها التشيع نتيجة احتكاكه بمؤثر من المؤثرات في تلك الفترة التي أرخت بها تلك الآراء ظهور التشيع فظنوه ولد آنذاك بينما هو موجود بكيانه الكامل منذ الصدر الأول . وقد آن الأوان لأعرض لك رأي جمهور الشيعة وخاصة المحققين منهم .
هـ - رأي الشيعة وغيرهم من المحققين من المذاهب الأخرى . حيث ذهب هؤلاء إلى أن التشيع ولد أيام النبي ( ص ) وأن النبي نفسه هو الذي غرسه في النفوس عن طريق الأحاديث التي وردت على لسان النبي ( ص ) وكشفت عما لعلي ( ع ) من مكانة في مواقع متعددة رواها إضافة إلى الشيعة ثقاة أهل السنة ومنها : ما رواه السيوطي عن ابن عساكر عند تفسير الآيتين السادسة والسابعة من سورة النبي بسنده عن جابر بن عبد الله قال كنا عند النبي ( ص ) فأقبل علي ( ع )
فقال النبي ( ص ) : والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة : فنزل قوله تعالى : * ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) * .
وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال لما نزل قوله تعالى : * ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) * قال النبي ( ص ) لعلي ( ع ) هم أنت وشيعتك .
وأخرج ابن مردويه عن علي ( ع ) قال : قال لي رسول الله ( ص ) : ألم تسمع قوله تعالى : * ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) * إلخ هم أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين ( 1 ) ومن هنا ذهب أبو حاتم الرازي إلى أن أول اسم لمذهب ظهر في الإسلام هو الشيعة وكان هذا لقب أربعة من الصحابة أبو ذر وعمار ومقداد وسلمان الفارسي وبعد صفين اشتهر موالي علي بهذا اللقب ( 2 ) .
إن هذه الأحاديث التي مرت والتي أخرجها كل من ابن عساكر وابن عدي وابن مردويه يعقب عليها أحمد محمود صبحي في كتابه نظرية الإمامة فيقول : ولا تفيد الأحاديث الواردة على لسان النبي ( ص ) في حق علي ( ع ) أن لعلي شيعة في زمان النبي فقد تنبأ النبي بظهور بعض الفرق كإشارته إلى الخوارج والمارقين كما ينسب إليه أنه قال لعلي إنك تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين .
ولا يدل ذلك على وجود جماعة مستقلة لها عقائد متمايزة أو تصورات خاصة ( 3 ) وأنا ألفت نظر الدكتور أحمد محمود إلى أن الشيعة لا يستدلون على ظهور التشيع أيام النبي ( ص ) بما ورد على لسانه من أحاديث ، فالمسألة كما يسميها الأصوليون على نحو القضية الحقيقية لا الخارجية ، أي لا يلزم وجودهم بالفعل كما استظهر الدكتور وإنما هي صفات ذكرها النبي ( ص ) للشيعة متى وجدوا وأينما وجدوا ، أما الاستدلال على ظهور الشيعة أيام النبي فمن روايات وقرائن كثيرة يوردونها في هذا المقام ، أورد قسما منها الدكتور عبد العزيز الدوري واستعرض مصادرها ( 4 ) مع ملاحظة أنه قيد
( 4 ) مقدمة في تاريخ صدر الإسلام ص 72 . ( * )
التشيع بأنه تشيع روحي كما نص على قسم من أدلتهم على ذلك يحيى هاشم فرغل في كتابه ( 1 ) .
إن بعض هذه الآراء يرجع بالبداية الزمنية في ظهور الشيعة إلى وقت مبكر في حياة النبي ( ص ) حيث التأمت جماعة من الصحابة تفضل عليا ( ع ) على غيره من الصحابة وتتخذه رئيسا ومن هؤلاء عمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود وجابر بن عبد الله وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري وبنو هاشم الخ ( 2 ) .
ولهذا ذهب الباحثون إلى تخطئة من يؤرخ للتشيع وظهوره بعصور متأخرة مع أن الأدلة التاريخية متوفرة على وجودهم أيام الرسول صلوات الله عليه وآله : يقول محمد عبد الله عنان في كتابه تاريخ الجمعيات السرية عند تعليقه على الحادثة التي روتها كتب السيرة ( 3 ) حين جمع النبي عشيرته عند نزول قوله تعالى : * ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) * 214 / الشعراء ، ودعاهم إلى اتباعه فلم يجبه إلا علي بن أبي طالب فأخذ النبي برقبته وقال : هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا الخ .
علق محمد عبد الله بقوله : من الخطأ أن يقال : إن الشيعة إنما ظهروا لأول مرة عند انشقاق الخوارج بل كان بدء الشيعة وظهورهم في عصر الرسول حين أمر بإنذار عشيرته بهذه الآية .
ثم ما هو حجمها أي البنية الشيعية يوم ولادتها .
وما هي أرضية تكوينها .
وهل هي عملية عاطفية أم عملية عقلائية انتهى إليها معتنقوها بمعاناة وتقييم واعيين .
ولما كانت هذه الأمور مما اختلف فيه تبعا لاستنتاج الباحثين ومزاجهم ومسبقاتهم وما ترجح لديهم بمرجح من المرجحات فلا بد من تقديم نماذج من آراء الباحثين في هذه المواضيع تكون المادة الخام ثم يبقى على القارئ أن يستشف الحقيقة من وراء ذلك ويكون له رأيا يجتهد في أن يكون موضوعيا .
إن المؤرخين والباحثين عندما يحددون فترة نشوء التشيع يتوزعون على مدى يبتدئ من أيام النبي ونهاياته بعد مقتل الحسين عليه السلام .
وسأستعرض لك نماذج من آرائهم في ذلك وأترك ما أذهب إليه إلى آخر الفصل .
أ - رأي يرى أنهم تكونوا بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام .
وممن يذهب لهذا :
أولا : ابن خلدون : فقد قال : إن الشيعة ظهرت لما توفي الرسول وكان أهل البيت يرون أنفسهم أحق بالأمر وأن الخلافة لرجالهم دون سواهم من قريش ولما كان جماعة من الصحابة يتشيعون لعلي ويرون استحقاقه على غيره ولما عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك ( 1 ) الخ .
ثانيا : الدكتور أحمد أمين فقد قال : . وكانت البذرة الأولى للشيعة الجماعة الذين رأوا بعد وفاة النبي أن أهل بيته أولى الناس أن يخلفوه ( 2 ) " .
ثالثا : الدكتور حسن إبراهيم فقد قال : ولا غرو فقد اختلف المسلمون أثر وفاة النبي ( ص ) فيمن يولونه الخلافة وانتهى الأمر بتولية أبي بكر وأدى ذلك إلى انقسام الأمة العربية إلى فريقين جماعية وشيعية ( 3 ).
رابعا : اليعقوبي قال : ويعد جماعة من المتخلفين عن بيعة أبي بكر هم النواة الأولى للتشيع ومن أشهرهم سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود والعباس بن عبد المطلب ( 4 ) .
وتعقيبا على ذكر المتخلفين عن بيعة الخليفة أبي بكر قال الدكتور أحمد محمود صبحي : إن بواعث هؤلاء مختلفة في التخلف فلا يستدل منها على أنهم كلهم من الشيعة : وقد يكون ما قاله صحيحا غير أن المتخلفين الذين ذكرهم المؤرخون أكدت كتب التراجم على أنهم شيعة وستأتي الإشارة لذلك في محلها من الكتاب ( 5 ) .
خامسا : المستشرق جولد تسيهر قال : إن التشيع نشأ بعد وفاة النبي ( ص ) وبالضبط بعد حادثة السقيفة ( 6 ) .
( 1 ) تاريخ ابن خلدون ج 3 ص 364 .
( 2 ) فجر الإسلام ص 266 .
( 3 ) تاريخ الإسلام ج 1 ص 371 . ( 2 ) فجر الإسلام ص 266 .
( 4 ) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 104 .( 5 ) نظرية الإمامة ص 33 .
( 6 ) العقيدة والشريعة ص 174 . ( * )
ب - : الرأي الذي يذهب إلى أن التشيع نشأ أيام عثمان ومن الذاهبين لذلك : جماعة من المؤرخين والباحثين منهم : ابن حزم وجماعة آخرون ذكرهم بالتفصيل يحيى هاشم فرغل في كتابه ( 1 ) وقد استند إلى مبررات شرحها .
ج - : الرأي الذي يذهب إلى تكون الشيعة أيام خلافة الإمام علي ( ع ) ، ومن الذاهبين إلى هذا الرأي النوبختي في كتابه فرق الشيعة ( 2 ) .
وابن النديم في الفهرست حيث حدده بفترة واقعة البصرة وما سبقها من مقدمات كان لها الأثر المباشر في تبلور فرقة الشيعة وتكوينها ( 3 ) .
د - : الرأي الذي يذهب إني أن ظهور التشيع كان بعد واقعة الطف على اختلاف في الكيفية بين الذاهبين لهذا الرأي حيث يرى بعضهم أن بوادر التشيع التي سبقت واقعة الطف لم تصل إلى حد تكوين مذهب متميز له طابعه وخواصه وإنما حدث ذلك بعد واقعة الطف بينما يذهب ( 4 ) آخرون إلى أن وجود المذهب قبل واقعة الطف كان لا يعدو النزعة الروحية ولكن بعد واقعة الطف أخذ طابعا سياسيا وعمق جذوره في النفوس وتحددت أبعاده إلى كثير من المضامين ، وكثير من المستشرقين يذهبون لهذا الرأي وأغلب المحدثين من الكتاب .
يقول الدكتور كامل مصطفى إن استقلال الاصطلاح الدال على التشيع إنما كان بعد مقتل الحسين ( ع ) حيث أصبح التشيع كيانا مميزا له طابعه الخاص .
في حين يذهب الدكتور عبد العزيز الدوري إلى أن التشيع تميز سياسيا ابتداء من مقتل أمير المؤمنين علي ( ع ) ويتضمن ذلك فترة قتل الحسين ( ع ) حيث يعتبرها امتدادا للفترة السابقة ( 5 ) .
وإلى هذا الرأي يذهب بروكلمان في تاريخ الشعوب الإسلامية حيث
( 1 ) عوامل وأهداف نشأة علم الكلام ج 1 ص 105 .
( 2 ) فرق الشيعة ص 16 .
( 3 ) الفهرست لابن النديم ص 175 .
( 4 ) الصلة بين التصوف والتشيع ص 23 . ( 2 ) فرق الشيعة ص 16 .
( 3 ) الفهرست لابن النديم ص 175 .
( 5 ) مقدمة في تاريخ صدر الإسلام ص 72 . ( * )
يقول : والحق أن ميتة الشهداء الذي ماتها الحسين ولم يكن لها أي أثر سياسي هذا على زعمه - قد عملت في التطور الديني للشيعة حزب علي الذي أصبح بعد ملتقى جميع النزعات المناوئة للعرب - وهو زعم باطل - واليوم لا يزال ضريح الحسين ( ع ) في كربلاء أقدس محجة عند الشيعة وبخاصة الفرس الذين ما فتئوا يعتبرون الثواء الأخير في جواره غاية ما يطمعون فيه ( 1 ) .
إن رأي بروكلمان بالإضافة لما فيه من دس يخالف ما عليه معظم من ربط ظهور التشيع بمقتل الحسين حيث يذهبون إلى أن التميز السياسي للمذهب ولدته واقعة الطف ، بينما يرى بروكلمان أن لا أثر سياسي للواقعة فهو من قبيل إنكار البدهيات وإنما يقصر أثر الواقعة على تعميق المذهب دينيا فقط .
وقد شايع بروكلمان في هذا الرأي جماعة آخرون ذكرهم يحيى فرغل مفصلا في كتابه ( 2 ) إن هذه الآراء الأربعة في نشأة التشيع لا تصمد أمام المناقشة ولا أريد أن أتعجل الرد عليها فسأذكر الرأي الخامس ومنه يتضح تماما أن هذه الآراء تستند إلى أحداث أو مض فيها التشيع نتيجة احتكاكه بمؤثر من المؤثرات في تلك الفترة التي أرخت بها تلك الآراء ظهور التشيع فظنوه ولد آنذاك بينما هو موجود بكيانه الكامل منذ الصدر الأول . وقد آن الأوان لأعرض لك رأي جمهور الشيعة وخاصة المحققين منهم .
هـ - رأي الشيعة وغيرهم من المحققين من المذاهب الأخرى . حيث ذهب هؤلاء إلى أن التشيع ولد أيام النبي ( ص ) وأن النبي نفسه هو الذي غرسه في النفوس عن طريق الأحاديث التي وردت على لسان النبي ( ص ) وكشفت عما لعلي ( ع ) من مكانة في مواقع متعددة رواها إضافة إلى الشيعة ثقاة أهل السنة ومنها : ما رواه السيوطي عن ابن عساكر عند تفسير الآيتين السادسة والسابعة من سورة النبي بسنده عن جابر بن عبد الله قال كنا عند النبي ( ص ) فأقبل علي ( ع )
( 1 ) تاريخ الشعوب الإسلامية ص 128 .
( 2 ) عوامل وأهداف نشأة علم الكلام ج 1 ص 106 . ( * ) فقال النبي ( ص ) : والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة : فنزل قوله تعالى : * ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) * .
وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال لما نزل قوله تعالى : * ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) * قال النبي ( ص ) لعلي ( ع ) هم أنت وشيعتك .
وأخرج ابن مردويه عن علي ( ع ) قال : قال لي رسول الله ( ص ) : ألم تسمع قوله تعالى : * ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) * إلخ هم أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين ( 1 ) ومن هنا ذهب أبو حاتم الرازي إلى أن أول اسم لمذهب ظهر في الإسلام هو الشيعة وكان هذا لقب أربعة من الصحابة أبو ذر وعمار ومقداد وسلمان الفارسي وبعد صفين اشتهر موالي علي بهذا اللقب ( 2 ) .
إن هذه الأحاديث التي مرت والتي أخرجها كل من ابن عساكر وابن عدي وابن مردويه يعقب عليها أحمد محمود صبحي في كتابه نظرية الإمامة فيقول : ولا تفيد الأحاديث الواردة على لسان النبي ( ص ) في حق علي ( ع ) أن لعلي شيعة في زمان النبي فقد تنبأ النبي بظهور بعض الفرق كإشارته إلى الخوارج والمارقين كما ينسب إليه أنه قال لعلي إنك تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين .
ولا يدل ذلك على وجود جماعة مستقلة لها عقائد متمايزة أو تصورات خاصة ( 3 ) وأنا ألفت نظر الدكتور أحمد محمود إلى أن الشيعة لا يستدلون على ظهور التشيع أيام النبي ( ص ) بما ورد على لسانه من أحاديث ، فالمسألة كما يسميها الأصوليون على نحو القضية الحقيقية لا الخارجية ، أي لا يلزم وجودهم بالفعل كما استظهر الدكتور وإنما هي صفات ذكرها النبي ( ص ) للشيعة متى وجدوا وأينما وجدوا ، أما الاستدلال على ظهور الشيعة أيام النبي فمن روايات وقرائن كثيرة يوردونها في هذا المقام ، أورد قسما منها الدكتور عبد العزيز الدوري واستعرض مصادرها ( 4 ) مع ملاحظة أنه قيد
( 1 ) الدر المنثور للسيوطي ج 6 ص 376 .
( 2 ) روضان الجنات للخونساري ص 88 .
( 3 ) نظرية الإمامة ص 31 . ( 2 ) روضان الجنات للخونساري ص 88 .
( 4 ) مقدمة في تاريخ صدر الإسلام ص 72 . ( * )
التشيع بأنه تشيع روحي كما نص على قسم من أدلتهم على ذلك يحيى هاشم فرغل في كتابه ( 1 ) .
إن بعض هذه الآراء يرجع بالبداية الزمنية في ظهور الشيعة إلى وقت مبكر في حياة النبي ( ص ) حيث التأمت جماعة من الصحابة تفضل عليا ( ع ) على غيره من الصحابة وتتخذه رئيسا ومن هؤلاء عمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود وجابر بن عبد الله وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري وبنو هاشم الخ ( 2 ) .
ولهذا ذهب الباحثون إلى تخطئة من يؤرخ للتشيع وظهوره بعصور متأخرة مع أن الأدلة التاريخية متوفرة على وجودهم أيام الرسول صلوات الله عليه وآله : يقول محمد عبد الله عنان في كتابه تاريخ الجمعيات السرية عند تعليقه على الحادثة التي روتها كتب السيرة ( 3 ) حين جمع النبي عشيرته عند نزول قوله تعالى : * ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) * 214 / الشعراء ، ودعاهم إلى اتباعه فلم يجبه إلا علي بن أبي طالب فأخذ النبي برقبته وقال : هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا الخ .
علق محمد عبد الله بقوله : من الخطأ أن يقال : إن الشيعة إنما ظهروا لأول مرة عند انشقاق الخوارج بل كان بدء الشيعة وظهورهم في عصر الرسول حين أمر بإنذار عشيرته بهذه الآية .
( 1 ) عوامل وأهداف نشأة علم الكلام ج 1 ص 105 .
( 2 ) المصدر السابق ص 106 .
( 3 ) حياة محمد لهيكل ط مصر الطبعة المؤرخة 1354 ص 104 . ( * )
( 2 ) المصدر السابق ص 106 .
( 3 ) حياة محمد لهيكل ط مصر الطبعة المؤرخة 1354 ص 104 . ( * )