علي بن أبي طالب (عليه السلام) نافذة السماء على الوجود
ميثم العتابي
يهفو له القلب، كما نافذة تضاء على غرة حلم جميل، فينساب ذكره على جفنيّ الليل كالنعاس الرطب، حين يمتد على خد وردة بللها الندى، ليتورد أسمه على شفة الصبح بجنحيّ نورس لونَ بزرقتهما عنق الفنارات المطلة على شواطئ الروح.
نسمعه يحمل هموم العالم أجمع على كاهله، يرسلها زفرة في وحدته وعزلته، حين يتجه بيديه العاريتين صوب السماء فيرتل الوجع بشكواه، ويبث الدمع سيلا بين راحتيه الطاهرتين.
وتارة أخرى نراه مبتسم الوجه، مستفيض السرائر، حين يغطي وجع المدينة النائمة بجناح حضوره الذي يغشى جبين القلق. فيمسح على الهم الوجع والحزن والألم، بركات عطفه، وأمان نظرته. فيأتي اليتامى لينتزع منهم نهر الدمع الرابض على جفونهم، ويزرع بدفئه المستفيض ابتسامتهم. يجيء الأرامل، ابنا وأخا، أبا وسيدا رحيما، يجدد بين أيديهن دموعه، ويثبت لهن عهده بالوفاء، يحنو عليهن كحنو النسر على أفراخه.
هذه الصفات ربما لا يجتمع عليها بشر، ولا يمكن لإنسان ما ان يحيط بها عنايته، ذلك ان الطبيعة البشرية ميالة لحب الذات وتعظيمها، تتحرك غرائزها باتجاهات شتى، حتى تدفع بصاحبها إلى حبه وحرصه الشديدين على ذاته، وحب هذه الذات واحدة من اكبر مفاسد هذه الصفات البيضاء، فهي ـ الذات ـ إذا ما بُنيت على حب الآخر وتقديمه على النفس، ونبذ الأنا الإنسانية العالية.. نجد ان العالم سيتغلب على مصاعبه ومشاكله العميقة.
ولعل سيدَ الأوصياء وإمامَ الأتقياء أبا الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام، خيرُ من روّض هذه الأنا، فلم يغلبه هواه، ولم تجد النفس الأمارة لديه متسعا أو مقاما، وعبر عن ذلك بواقع عملي ملموس، فكان صلوات الله عليه خير من جسّد حب الآخر، والسهر على راحته، وتوفير حياة طيبة سعيدة له، كما كان الآخر لديه (عليه السلام) يمثل القضية الأهم، ان الآخر هو المقصد والغاية، فالآخر هو المسؤولية القصوى التي يطمح لها (عليه السلام) عبر الأولوية التي ألقيت على عاتقه من قبل الله عز وجل، عبر موقع مسؤوليته وتصديه المتمثل في دولته الشريفة، وإمامته العظيمة.
من هنا تكمن العلاقة بين مكنونات الإنسان وطريقه نحو التطبيق، من هنا يكون العمل بالقول، كمثله القول بالعمل، فهما لا يفترقان ولا يتغيران عند أمير المؤمنين عليه السلام، بل هما صفتان متلازمتان، لا يكمل أحدهما الآخر فحسب، بل هما متلاصقتان في رقعة واحدة.
وهذا التجسيد الرائع في القول والعمل قد تلمسه البحث التاريخي الأصيل المطل على سيرة حياته الشريفة (عليه السلام)، وحاز على شهادة المعاندين له قبل المحبين، فكان مثالا يُحتذى به، ومنارا يُستدل به، وملاذا يلتجأ إليه، وكهفا يراد من كل نائبة، ويهرع إليه عند كل نازلة.
فهو الذي أعطى للبشرية دروسا عظيمة في الحكمة والموعظة الحسنة، وحسن الخلق والسلوك، والإيمان بالله جل في علاه، في كل شيء، وعند كل شيء، وقبل وبعد كل شيء.
فهو الذي رأى ان العبادة الحقة تكمن في معرفة ذات الله تعالى، ثم التقرب له سبحانه وتعالى، وبعدها حب الله جل في علاه، فلا الخوف من عذاب الله سبحانه وحده يمكـّن لنا عبادة أصيلة حقيقية، ولا حتى الرغبة والطمع بالآخرة والجنة، فهو الذي قالها بجميل لسانه وفصاحة تعبيره، وصدق قوله وإعجاز بيانه: ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك، ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك.
من عمق مقولته هذه يتضح جليا ان الإمام سلام الله عليه، كان على تقارب تام وكامل مع الله سبحانه وتعالى، واحترامه لخلق الله كان خير دليل على حبه لله وإخلاصه في عمله وعبادته له سبحانه وتعالى، ونهجه لمنهج الإسلام الصحيح على يد معلمه الأول ومربيه وأبي زوجته وجدِّ ولديه، حبيب إله العالمين وخاتم النبيين أبي القاسم محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله).
فما كان منه عليه السلام إلا ان تأدب بآداب الرسالة المحمدية المباركة، كيف لا وهو ينهل من فيض الوحي ويرشف من فم النبوة ويستقي العلم الإلهي على يديّ رسول الله (صلى الله عليه وآله).
شخصية الإمام علي عليه السلام قلَّ نظيرها، وصعب فهمها، وتجلت عظمتها، وذاع صيتها، وفاقت شهرتها السابقين واللاحقين بأدبه وأخلاقه وكرمه وورعه وتقواه وبأسه وشجاعته وحميته على دينه وامتثاله لأمر ربه جل في علاه.
فسلام على علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وأبي السبطين عليه السلام يوم طاب مولده في جوف الكعبة، بيت الله تعالى أطهر بقعة في الكون أجمع، ويوم قتل في مسجد الكوفة، بيت الله الذي انطلقت خلافته منه، وهو ينادي فزت ورب الكعبة. ويوم يبعث حيا، ليقف على الصراط، يجيز لشيعته العبور، ويسقي أحبته من الكوثر.
نسمعه يحمل هموم العالم أجمع على كاهله، يرسلها زفرة في وحدته وعزلته، حين يتجه بيديه العاريتين صوب السماء فيرتل الوجع بشكواه، ويبث الدمع سيلا بين راحتيه الطاهرتين.
وتارة أخرى نراه مبتسم الوجه، مستفيض السرائر، حين يغطي وجع المدينة النائمة بجناح حضوره الذي يغشى جبين القلق. فيمسح على الهم الوجع والحزن والألم، بركات عطفه، وأمان نظرته. فيأتي اليتامى لينتزع منهم نهر الدمع الرابض على جفونهم، ويزرع بدفئه المستفيض ابتسامتهم. يجيء الأرامل، ابنا وأخا، أبا وسيدا رحيما، يجدد بين أيديهن دموعه، ويثبت لهن عهده بالوفاء، يحنو عليهن كحنو النسر على أفراخه.
هذه الصفات ربما لا يجتمع عليها بشر، ولا يمكن لإنسان ما ان يحيط بها عنايته، ذلك ان الطبيعة البشرية ميالة لحب الذات وتعظيمها، تتحرك غرائزها باتجاهات شتى، حتى تدفع بصاحبها إلى حبه وحرصه الشديدين على ذاته، وحب هذه الذات واحدة من اكبر مفاسد هذه الصفات البيضاء، فهي ـ الذات ـ إذا ما بُنيت على حب الآخر وتقديمه على النفس، ونبذ الأنا الإنسانية العالية.. نجد ان العالم سيتغلب على مصاعبه ومشاكله العميقة.
ولعل سيدَ الأوصياء وإمامَ الأتقياء أبا الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام، خيرُ من روّض هذه الأنا، فلم يغلبه هواه، ولم تجد النفس الأمارة لديه متسعا أو مقاما، وعبر عن ذلك بواقع عملي ملموس، فكان صلوات الله عليه خير من جسّد حب الآخر، والسهر على راحته، وتوفير حياة طيبة سعيدة له، كما كان الآخر لديه (عليه السلام) يمثل القضية الأهم، ان الآخر هو المقصد والغاية، فالآخر هو المسؤولية القصوى التي يطمح لها (عليه السلام) عبر الأولوية التي ألقيت على عاتقه من قبل الله عز وجل، عبر موقع مسؤوليته وتصديه المتمثل في دولته الشريفة، وإمامته العظيمة.
من هنا تكمن العلاقة بين مكنونات الإنسان وطريقه نحو التطبيق، من هنا يكون العمل بالقول، كمثله القول بالعمل، فهما لا يفترقان ولا يتغيران عند أمير المؤمنين عليه السلام، بل هما صفتان متلازمتان، لا يكمل أحدهما الآخر فحسب، بل هما متلاصقتان في رقعة واحدة.
وهذا التجسيد الرائع في القول والعمل قد تلمسه البحث التاريخي الأصيل المطل على سيرة حياته الشريفة (عليه السلام)، وحاز على شهادة المعاندين له قبل المحبين، فكان مثالا يُحتذى به، ومنارا يُستدل به، وملاذا يلتجأ إليه، وكهفا يراد من كل نائبة، ويهرع إليه عند كل نازلة.
فهو الذي أعطى للبشرية دروسا عظيمة في الحكمة والموعظة الحسنة، وحسن الخلق والسلوك، والإيمان بالله جل في علاه، في كل شيء، وعند كل شيء، وقبل وبعد كل شيء.
فهو الذي رأى ان العبادة الحقة تكمن في معرفة ذات الله تعالى، ثم التقرب له سبحانه وتعالى، وبعدها حب الله جل في علاه، فلا الخوف من عذاب الله سبحانه وحده يمكـّن لنا عبادة أصيلة حقيقية، ولا حتى الرغبة والطمع بالآخرة والجنة، فهو الذي قالها بجميل لسانه وفصاحة تعبيره، وصدق قوله وإعجاز بيانه: ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك، ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك.
من عمق مقولته هذه يتضح جليا ان الإمام سلام الله عليه، كان على تقارب تام وكامل مع الله سبحانه وتعالى، واحترامه لخلق الله كان خير دليل على حبه لله وإخلاصه في عمله وعبادته له سبحانه وتعالى، ونهجه لمنهج الإسلام الصحيح على يد معلمه الأول ومربيه وأبي زوجته وجدِّ ولديه، حبيب إله العالمين وخاتم النبيين أبي القاسم محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله).
فما كان منه عليه السلام إلا ان تأدب بآداب الرسالة المحمدية المباركة، كيف لا وهو ينهل من فيض الوحي ويرشف من فم النبوة ويستقي العلم الإلهي على يديّ رسول الله (صلى الله عليه وآله).
شخصية الإمام علي عليه السلام قلَّ نظيرها، وصعب فهمها، وتجلت عظمتها، وذاع صيتها، وفاقت شهرتها السابقين واللاحقين بأدبه وأخلاقه وكرمه وورعه وتقواه وبأسه وشجاعته وحميته على دينه وامتثاله لأمر ربه جل في علاه.
فسلام على علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وأبي السبطين عليه السلام يوم طاب مولده في جوف الكعبة، بيت الله تعالى أطهر بقعة في الكون أجمع، ويوم قتل في مسجد الكوفة، بيت الله الذي انطلقت خلافته منه، وهو ينادي فزت ورب الكعبة. ويوم يبعث حيا، ليقف على الصراط، يجيز لشيعته العبور، ويسقي أحبته من الكوثر.
تعليق