زينب (ع )عقيلة الطالبيين في محراب العشق
"في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار"
العقيلة في محراب العشق و لا زال الحديث في مرحلة النماء والإنبات والرعاية العلوية والفاطمية ، إذ أن التربية إنبات "وأنبتها نباتاً حسناً" . في هذا المحيط وفي هذا الفضاء العلوي الفاطمي نمت وترعرعت زينب (ع) . القرآن الكريم لأنه الخطاب الأهم لما جرى ويجري وسوف يجري فهو يتحدث عن بيت علي و فاطمة (ع) .. عن محيط هذا البيت وعن الممارسات والسلوكيات التي حولت العقائد إلى شؤون عائلية .
سورة هل أتى حديث عن هذا المحيط من ابتداء السورة فهي تتحدث عن هذه الرحلة التكاملية في بيت علي وفاطمة (ع ) وكذلك البيوت التي توالي علي وفاطمة (ع) . لاحظوا أن السورة قسمت الناس إلى صنفين لا ثالث لهما "إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً * إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً" قد تقولون أن هذا التقسيم بديهي لكن إذا دققتم من جهة عملية هو خلاف البديهية الموجودة عندنا . الإنسان يتصور أنه يمكن أن لا يتصف بصفات الكفور وأن لا يتصف بصفات الأبرار فيكون هو برزخ بين الوصفين . إذا لاحظتم فالقرآن يؤكد أنه لا يوجد صنف ثالث . لاحظوا التقسيم في اللغة العربية إما هذا وإما ذاك . يعني أنه ليس هناك خيار لبيت أو لأسرة أو لشخص أن يقول أنا لست من الكفار ومن الخارجين عن الخط كما أنني لا أستطيع أن أكون من الأبرار ، فأنا لا من هؤلاء و لا من هؤلاء .
الأمور الواقعية الحقيقية تقول لنا أن الأمر ليس كذلك لأن الإنسان في ممارساته وفي أقواله وفي أفعاله وفي حركته لا بد أن يحدد إحدى الشقين إما مع هؤلاء أو أولئك ، فمن خرج عن هؤلاء بالضرورة دخل في أولئك ومن خرج عن أولئك بالضرورة دخل في هؤلاء . لاحظوا أن القرآن الكريم يؤكد هذه المسألة وهو يتحدث عن النفس وسلوك النفس دائماً تلاحظون "فمنهم شقي وسعيد" ، "فأما الذين شقوا ففي النار" ، "وأما الذين سعدوا ففي الجنة" ، فليس عندنا شق هو ليس في الحسبان .. شق مغفول عنه .. شق لم يوصف و لم يفتح له الطريق ، كلا الشقين مفتوح لهم الطريق .
أول بذور و إمكانيات الهداية والارتباط هي هذه المنافذ الباطنية والروحية وهذه الطاقات وهذه الخزائن التي أودعها الله تعالى في النفوس ، الناس معادن .. الناس خزائن ، الأنبياء .. الأولياء .. الصالحون هم الذين يستخرجون هذه الخزائن . كيف تخرج هذه الخزائن عبر منفذين " سميعاً بصيراً " ، فإذا كان الإنسان يستخدم سمعه في الوصول للحقائق القيمة فهو سميع ، وإذا اهتدى إليها فهو بصير وأما إذا استخدمها في أمور ليست أصلية وليست هي مسؤوليته فهو في الحقيقة " ولهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها " يعني عندهم آلات ، فآلات السمع موجودة لكن ليست المسألة في آلات السمع ، المسألة في المسموع ما هو ؟
فإذا كان الإنسان سميعاً أي يستطيع أن يسمع بإدراك ووعي فسوف يصل إلى أكبر نتيجة في هذا الكون وهي وحدانية الله تعالى .. وهي حضور الله تعالى ، وهذه النتيجة والثمرة هي في الحقيقة نتاج السمع والبصر ، فالذي يسمع و يبصر ولكن لم يصل إلى وحدانية الله تعالى .. الذي لم يفهم إلى الآن معنى الوحدانية .. الذي لم يدرك أن الوحدانية وحضور الله تعالى في كل ذرات هذا الكون فهو لم يسمع .
لاحظوا هذا الماء الذي يجري فهو يسبح بحمد الله ، لاحظوا هذا الخرير .. الهواء .. البر .. البحر .. الحيوان .. النبات كلها توحد الله تعالى . كلها تعترف لله بالتوحيد وكلها عندما تعترف لله بالتوحيد فهي تعترف لأولياء نعمتها بأنهم أولياء نعمتها ، فإذا الإنسان وصل إلى قدرة على السمع واستفاد من السمع والبصر استفادة عميقة سوف يرى أن كل هذه الموجودات تدرك ولي نعمتها .
لاحظوا أنه لا يمكن أن يصل الإنسان لله تعالى ولا إلى أي فضيلة بدون أهل البيت (ع) " إن ذُكر الخير كنتم أوله و أصله و فرعه ومعدنه و مأواه و منتهاه " ، هل يمكن أن تصل إلى شيء .. فكل خير أوله آل محمد (ص) و أصله آل محمد (ص) و فرعه آل محمد (ص) و معدنه ...
( إن ذكر الخير ) يعني أي شيء من الخير ( أخلاق .. فضيلة .. عقيدة .. عمل .. أحاسيس .. مشاعر ..إدراك .. انبعاث باتجاه شيء .. انقباض عن محرم ) ، فالانقباض عن المحرم خير والانبعاث للأعمال الواجبة خير والمستحبات خير ، ( إن ذكر الخير ) يعني إذا كان هناك خير فأنتم أوله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه و منتهاه .
ما أريد أن أصل إليه هو أن العارف أولاً يرى أنوار آل محمد (ص) ثم بعد ذلك يرى المبصر ، فعلامة رهافة الحس وعلامة شدة البصر هي رؤيا هذه الأنوار (ع) . عندنا روايات كثيرة عن أمير المؤمنين (ع) : (معرفتي بالنورانية معرفة الله عز و جل ، ومعرفة الله عز و جل معرفتي بالنورانية ) .. فمعرفة الله تعالى هي معرفة علي (ع ) بالنورانية ولا أريد أن أدخل في أبحاث مفصلة ، فقط أستعرض روايات - لأنه في جمع كهذا الاستفادة من الروايات أسهل من الاستفادة من المطالب المبرهنة - .
أقصر طريق لفهم هذه الحقيقة .. نحن نقول و ندرك ونؤمن و تلقنا في التلقينات الشرعية أن آل محمد هم الواسطة ( ص) .
الآن أريد من جهة عقلية أن تفرقوا بين الوسائط ، هناك واسطة هي توسطها توسط آلي ، يعني مثلا السيارة واسطة توصلك إلى المدينة ، فعندما تصل إلى المدينة فأنت تستغني عنها ، أصلاً هذه الواسطة في الحقيقة العلاقة بينك وبينها علاقة منفصلة فهي ليس لها اتصال بك .. ليس لها ارتباط بذاتك .. ليس لك تعلق واقعي بها وليس لها تعلق واتصال بالهدف ، هي في الحقيقة لها صرف الواسطة الآلية . هذه آلة لكن هناك واسطة أرقى قليلاً .. مثلاً الماء واسطة الإرواء وعلة الإرواء . هل يمكن للماء أن لا تذوب فيه ولا يذوب فيك ويبقى واسطة ؟! أو هو واسطة بشرط الذوبان في بدنك ؟! .
الإرواء متى يحدث ؟! الإرواء يحدث بشرب الماء ، لكن لاحظوا هل يمكن التفكيك بينك وبين الماء ؟! إذا كان هناك تفكيك لا يكون هناك إرواء ، فالإرواء لا يتحقق إلا بهذا الرابط والاندكاك .
الآن كلما ترتقون أكثر يكون هناك اندكاك بين الواسطة وبين المتوسط . يعني لاحظوا المعلم الذي تأخذ منه معارفك وعلومك دائما ، هذا المعلم الرابط بينك بينه .. بينك وبين هذه المعارف التي في قلبه .. في نفسه .. في فؤاده هل يمكن أن تنفصل عنه أو أنت تأخذها وتذوب وتتصل فيها ؟!
أيضاً هذه الواسطة لا تنقطع بعد الوصول إلى الطريق ، بل كلما مشيت أكثر كلما توضحت لك الواسطة أكثر .. كلما تدينت أكثر كلما أدركت أنوار آل محمد (ص) أكثر . ليس أنهم ( ص) واسطة مفصولة عن النتيجة التي تنتهي لها أنت .. لا ، الواسطة هي عين النتيجة .. الواسطة هي عين الهدف الذي سوف تصل إليه ، هذه الواسطة كلما ازددت أنت غرفاً فإنها تزداد ذوباناً فيك ، يعني لا يوجد تفكك وانفكاك بين هذه الواسطة، ثم هذه الواسطة ليست فقط هي مُشيرة على الطريق لله تعالى وإنما أنت لا يمكن أن ترى الله دائماً إلا عبر هذه الواسطة .
لاحظوا في الحديث عن وجود أهل البيت ( ص) في قلوب المؤمنين وموقع أهل البيت ( ع) والأئمة (ع ) في قلوب المؤمنين .. لاحظوا أنه موقع ذوبان وحضور وتجلي . يقول الإمام الباقر (ع ) : " لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار و هم الذين ينورون قلوب المؤمنين " . لاحظوا نحن في المناجاة الشعبانية ماذا نخاطب الله سبحانه و تعالى ؟! " و أنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة " .. هنا نتساءل هل يمكن للإنسان أن يخرق أنوار آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم ويصل إلى الله تعالى ؟! أو إنه لا يمكن لأنه كل نور في قلبه من أين أخذه ؟! أخذه منهم ، ثم عادة النور الأقوى هو الذي يخرق النور الضعيف .
أخلاقنا إذا كانت مستقيمة وصالحة فهي نور .. عقائدنا إذا كانت صحيحة وسليمة فهي نور .. أعمالنا إذا كانت صحيحة وسليمة فهي نور .. نياتنا الخيرة الطيبة إذا كانت صحيحة وسليمة فهي نور ، هذه كم حجم نورانيتها بالقياس إلى النور الذي بسبب اتصالنا بأهل البيت ( ع ) ؟! هذه لا تقاس ، فكيف يخرق الضعيف القوي؟! هذا مستحيل ، أصلاً أن نتصور يوماً من الأيام حتى عند الله تعالى .. حتى في الجنة أن يستغني موجود عن آل محمد (ص) فهذا خطأ ..( فاز الفائزون بولايتكم ) ، لاحظوا الفائزون صفة مشبعة يعني كل من فاز فهو بولايتكم . الفائزون مطلقة ..الأنبياء .. أولو العزم بأي شيء فازوا ؟ بولايتكم .
فهل يمكن للإنسان أن يستغني عن هذه الواسطة في حالة من الحالات ؟ لا يمكن .
كلما كان الإنسان أكثر بصيرة كلما أدرك أن هذه الواسطة أكثر حضوراً في نفسه .. كلما كان الإنسان أكثر سمعاً كلما أبصر و رقّ سمعه فسمع وأدرك أن هذه الواسطة في الحقيقة هي الموصلة فاتحد مع هذه الواسطة .
زينب بنت أمير المؤمنين ( ع) التي وصلت إلى هذه المقامات ، اتركوا الآن المقامات العرفانية .. العملية..النظرية سوف نتحدث عنها فيما بعد ، زينب (ع) التي عاشت في فضاء منزل كله إشارة لوحدانية الله ولربوبية الله .. هل أن زينب تنسى المشير وكلها ذائبة في وحدانية الله ؟! بمعنى هل أنها يمكن أن تقوم بطاعة ولا ترى أن أنوار هذه الطاعة هي أنوار هؤلاء الخمسة الذين هم الواسطة ؟! هل يمكن أن تقوم بعمل .. فضيلة .. صبر .. تضحية .. إيثار .. كل هذه الفضائل هل يمكن أن تصدر عنها فضيلة و لا ترى أن هذه الفضيلة الواسطة لها هو الإمام الحسين ( ع ) ؟! هذا محال ، لأن أنوارنا في قلوب شيعتنا هي أشد إضاءة من الشمس المضيئة بالنهار . نحن لأننا لا نتأمل ولا نعيش عملياً هذه الأمور وهذه المطالب لذلك لا نعيها ولكن زينب التي منذ أن تفتحت بل قبل أن تولد ، عندنا في بعض الروايات أن حديث الكساء كانت الزهراء ( ع) حامل بزينب ( ع) فكانت زينب - وهي جنين - شريك في آية التطهير ، فكيف لا ترى أولياء نعمتها ؟! كيف لا تدرك أن هؤلاء هم حقيقتهم ووجودهم ، هم الواسطة ؟!
إذا زينب التزمت بعبادة وقربة لله تعالى ستعرف أن الطريق الموصل لهذه الخيرات كلها هم هؤلاء الخمسة صلوات الله وسلامه عليهم . لاحظوا الآيات تتكلم عن هذه النتيجة الإنسان الشاكر لم تقل مؤمناً أو كفوراً . "إما شاكراً و إما كفوراً" هنا فيها نقطة جدا ظريفة ، ما هو الشكر ؟! لماذا قال تعالى "إما شاكراً و إما كفوراً" ؟! لماذا لم يقل إما مؤمناً و إما كفوراً ؟! فعادة المقابلة بين الإيمان والكفر و ليس بين الشكر والكفر ، لأنه هناك نكتة أساسية .. إن كلمة الشكر تتضمن أمور كثيرة ليست موجودة في كلمة الإيمان .
أولاً : الشكر هي كلمة تتبع المحبة . الإنسان متى يشكر ؟! الإنسان متى يصل إلى حالة من الاعتراف الكامل بنعم الله ؟! الفارق بين الحديث عن شكر الله والحديث عن الخوف من الله والحديث عن الالتزام بطاعة الله رغبة في الجنة هو فارق أخلاقي يعني طبيعة المزايا الأخلاقية ، إذا كان الإنسان مزيج روحه .. مزاياه الأخلاقية عميقة فهو دائماً يتحرك من منطق الشكر ، الناس الذين يتحركون في طاعة الله تعالى خوفاً من النار .. رغبة في الجنة هؤلاء لم تتحرك فيهم بَعد المزايا الأخلاقية العميقة .. هؤلاء لم تتجذر فيهم بَعْد الخصائص الإنسانية العميقة ، لذلك عندنا آخر الدواء الكي يعني أن الحديث عن نار جهنم يكون آخر شيء بعد أن تعجز عن إحياء الجانب الأخلاقي الظريف العميق في الإنسان بحيث يشكر ، إذا عجزت عن ذلك وعجزت عن ترغيبه فآخر شيء تخوفه ، حتى طريقة تربيتنا من المفترض أن تكون بالعكس ، في البداية أولاً يحاول الإنسان أن يحيي وجدان الشكر لدى الآخرين. لاحظوا أن أول مسألة في العقائد ما هي ؟ هي وجوب البحث عن المنعم ، لماذا ليست وجوب البحث عن الواحد ؟! إذا تلاحظون أن أول مسألة في العقائد هي وجوب البحث ليس عن الخالق الواحد ولا وجوب البحث عن الرازق ، لأن الإنعام يخلق حالة من المحبة وصلة من التعشق وصلة ليست مفروضة على الإنسان.
إن الأعمال التي تأتي بها وأنت في حالة تخويف من جهنم هذه تسبب حالة ضغط .. لا تعمل حالة أبرار .. لا تعمل حالة سعة ، إن الأمور التي تسلبك حريتك و تسلبك اختيارك وتسلبك انتخابك هذه لا تجعلك عبداً حراً لله تعالى ، يقول أمير المؤمنين ( ع ) : " إن قوماً عبدوا الله خوفاً من ناره فتلك عبادة العبيد ، وإن قوماً عبدوا الله طمعاً في جنته فتلك عبادة التجار ، وقوماً عبدوا الله شكراً لنعمته فتلك عبادة الأحرار "
العقيلة في محراب العشق و لا زال الحديث في مرحلة النماء والإنبات والرعاية العلوية والفاطمية ، إذ أن التربية إنبات "وأنبتها نباتاً حسناً" . في هذا المحيط وفي هذا الفضاء العلوي الفاطمي نمت وترعرعت زينب (ع) . القرآن الكريم لأنه الخطاب الأهم لما جرى ويجري وسوف يجري فهو يتحدث عن بيت علي و فاطمة (ع) .. عن محيط هذا البيت وعن الممارسات والسلوكيات التي حولت العقائد إلى شؤون عائلية .
سورة هل أتى حديث عن هذا المحيط من ابتداء السورة فهي تتحدث عن هذه الرحلة التكاملية في بيت علي وفاطمة (ع ) وكذلك البيوت التي توالي علي وفاطمة (ع) . لاحظوا أن السورة قسمت الناس إلى صنفين لا ثالث لهما "إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً * إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً" قد تقولون أن هذا التقسيم بديهي لكن إذا دققتم من جهة عملية هو خلاف البديهية الموجودة عندنا . الإنسان يتصور أنه يمكن أن لا يتصف بصفات الكفور وأن لا يتصف بصفات الأبرار فيكون هو برزخ بين الوصفين . إذا لاحظتم فالقرآن يؤكد أنه لا يوجد صنف ثالث . لاحظوا التقسيم في اللغة العربية إما هذا وإما ذاك . يعني أنه ليس هناك خيار لبيت أو لأسرة أو لشخص أن يقول أنا لست من الكفار ومن الخارجين عن الخط كما أنني لا أستطيع أن أكون من الأبرار ، فأنا لا من هؤلاء و لا من هؤلاء .
الأمور الواقعية الحقيقية تقول لنا أن الأمر ليس كذلك لأن الإنسان في ممارساته وفي أقواله وفي أفعاله وفي حركته لا بد أن يحدد إحدى الشقين إما مع هؤلاء أو أولئك ، فمن خرج عن هؤلاء بالضرورة دخل في أولئك ومن خرج عن أولئك بالضرورة دخل في هؤلاء . لاحظوا أن القرآن الكريم يؤكد هذه المسألة وهو يتحدث عن النفس وسلوك النفس دائماً تلاحظون "فمنهم شقي وسعيد" ، "فأما الذين شقوا ففي النار" ، "وأما الذين سعدوا ففي الجنة" ، فليس عندنا شق هو ليس في الحسبان .. شق مغفول عنه .. شق لم يوصف و لم يفتح له الطريق ، كلا الشقين مفتوح لهم الطريق .
أول بذور و إمكانيات الهداية والارتباط هي هذه المنافذ الباطنية والروحية وهذه الطاقات وهذه الخزائن التي أودعها الله تعالى في النفوس ، الناس معادن .. الناس خزائن ، الأنبياء .. الأولياء .. الصالحون هم الذين يستخرجون هذه الخزائن . كيف تخرج هذه الخزائن عبر منفذين " سميعاً بصيراً " ، فإذا كان الإنسان يستخدم سمعه في الوصول للحقائق القيمة فهو سميع ، وإذا اهتدى إليها فهو بصير وأما إذا استخدمها في أمور ليست أصلية وليست هي مسؤوليته فهو في الحقيقة " ولهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها " يعني عندهم آلات ، فآلات السمع موجودة لكن ليست المسألة في آلات السمع ، المسألة في المسموع ما هو ؟
فإذا كان الإنسان سميعاً أي يستطيع أن يسمع بإدراك ووعي فسوف يصل إلى أكبر نتيجة في هذا الكون وهي وحدانية الله تعالى .. وهي حضور الله تعالى ، وهذه النتيجة والثمرة هي في الحقيقة نتاج السمع والبصر ، فالذي يسمع و يبصر ولكن لم يصل إلى وحدانية الله تعالى .. الذي لم يفهم إلى الآن معنى الوحدانية .. الذي لم يدرك أن الوحدانية وحضور الله تعالى في كل ذرات هذا الكون فهو لم يسمع .
لاحظوا هذا الماء الذي يجري فهو يسبح بحمد الله ، لاحظوا هذا الخرير .. الهواء .. البر .. البحر .. الحيوان .. النبات كلها توحد الله تعالى . كلها تعترف لله بالتوحيد وكلها عندما تعترف لله بالتوحيد فهي تعترف لأولياء نعمتها بأنهم أولياء نعمتها ، فإذا الإنسان وصل إلى قدرة على السمع واستفاد من السمع والبصر استفادة عميقة سوف يرى أن كل هذه الموجودات تدرك ولي نعمتها .
لاحظوا أنه لا يمكن أن يصل الإنسان لله تعالى ولا إلى أي فضيلة بدون أهل البيت (ع) " إن ذُكر الخير كنتم أوله و أصله و فرعه ومعدنه و مأواه و منتهاه " ، هل يمكن أن تصل إلى شيء .. فكل خير أوله آل محمد (ص) و أصله آل محمد (ص) و فرعه آل محمد (ص) و معدنه ...
( إن ذكر الخير ) يعني أي شيء من الخير ( أخلاق .. فضيلة .. عقيدة .. عمل .. أحاسيس .. مشاعر ..إدراك .. انبعاث باتجاه شيء .. انقباض عن محرم ) ، فالانقباض عن المحرم خير والانبعاث للأعمال الواجبة خير والمستحبات خير ، ( إن ذكر الخير ) يعني إذا كان هناك خير فأنتم أوله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه و منتهاه .
ما أريد أن أصل إليه هو أن العارف أولاً يرى أنوار آل محمد (ص) ثم بعد ذلك يرى المبصر ، فعلامة رهافة الحس وعلامة شدة البصر هي رؤيا هذه الأنوار (ع) . عندنا روايات كثيرة عن أمير المؤمنين (ع) : (معرفتي بالنورانية معرفة الله عز و جل ، ومعرفة الله عز و جل معرفتي بالنورانية ) .. فمعرفة الله تعالى هي معرفة علي (ع ) بالنورانية ولا أريد أن أدخل في أبحاث مفصلة ، فقط أستعرض روايات - لأنه في جمع كهذا الاستفادة من الروايات أسهل من الاستفادة من المطالب المبرهنة - .
أقصر طريق لفهم هذه الحقيقة .. نحن نقول و ندرك ونؤمن و تلقنا في التلقينات الشرعية أن آل محمد هم الواسطة ( ص) .
الآن أريد من جهة عقلية أن تفرقوا بين الوسائط ، هناك واسطة هي توسطها توسط آلي ، يعني مثلا السيارة واسطة توصلك إلى المدينة ، فعندما تصل إلى المدينة فأنت تستغني عنها ، أصلاً هذه الواسطة في الحقيقة العلاقة بينك وبينها علاقة منفصلة فهي ليس لها اتصال بك .. ليس لها ارتباط بذاتك .. ليس لك تعلق واقعي بها وليس لها تعلق واتصال بالهدف ، هي في الحقيقة لها صرف الواسطة الآلية . هذه آلة لكن هناك واسطة أرقى قليلاً .. مثلاً الماء واسطة الإرواء وعلة الإرواء . هل يمكن للماء أن لا تذوب فيه ولا يذوب فيك ويبقى واسطة ؟! أو هو واسطة بشرط الذوبان في بدنك ؟! .
الإرواء متى يحدث ؟! الإرواء يحدث بشرب الماء ، لكن لاحظوا هل يمكن التفكيك بينك وبين الماء ؟! إذا كان هناك تفكيك لا يكون هناك إرواء ، فالإرواء لا يتحقق إلا بهذا الرابط والاندكاك .
الآن كلما ترتقون أكثر يكون هناك اندكاك بين الواسطة وبين المتوسط . يعني لاحظوا المعلم الذي تأخذ منه معارفك وعلومك دائما ، هذا المعلم الرابط بينك بينه .. بينك وبين هذه المعارف التي في قلبه .. في نفسه .. في فؤاده هل يمكن أن تنفصل عنه أو أنت تأخذها وتذوب وتتصل فيها ؟!
أيضاً هذه الواسطة لا تنقطع بعد الوصول إلى الطريق ، بل كلما مشيت أكثر كلما توضحت لك الواسطة أكثر .. كلما تدينت أكثر كلما أدركت أنوار آل محمد (ص) أكثر . ليس أنهم ( ص) واسطة مفصولة عن النتيجة التي تنتهي لها أنت .. لا ، الواسطة هي عين النتيجة .. الواسطة هي عين الهدف الذي سوف تصل إليه ، هذه الواسطة كلما ازددت أنت غرفاً فإنها تزداد ذوباناً فيك ، يعني لا يوجد تفكك وانفكاك بين هذه الواسطة، ثم هذه الواسطة ليست فقط هي مُشيرة على الطريق لله تعالى وإنما أنت لا يمكن أن ترى الله دائماً إلا عبر هذه الواسطة .
لاحظوا في الحديث عن وجود أهل البيت ( ص) في قلوب المؤمنين وموقع أهل البيت ( ع) والأئمة (ع ) في قلوب المؤمنين .. لاحظوا أنه موقع ذوبان وحضور وتجلي . يقول الإمام الباقر (ع ) : " لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار و هم الذين ينورون قلوب المؤمنين " . لاحظوا نحن في المناجاة الشعبانية ماذا نخاطب الله سبحانه و تعالى ؟! " و أنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة " .. هنا نتساءل هل يمكن للإنسان أن يخرق أنوار آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم ويصل إلى الله تعالى ؟! أو إنه لا يمكن لأنه كل نور في قلبه من أين أخذه ؟! أخذه منهم ، ثم عادة النور الأقوى هو الذي يخرق النور الضعيف .
أخلاقنا إذا كانت مستقيمة وصالحة فهي نور .. عقائدنا إذا كانت صحيحة وسليمة فهي نور .. أعمالنا إذا كانت صحيحة وسليمة فهي نور .. نياتنا الخيرة الطيبة إذا كانت صحيحة وسليمة فهي نور ، هذه كم حجم نورانيتها بالقياس إلى النور الذي بسبب اتصالنا بأهل البيت ( ع ) ؟! هذه لا تقاس ، فكيف يخرق الضعيف القوي؟! هذا مستحيل ، أصلاً أن نتصور يوماً من الأيام حتى عند الله تعالى .. حتى في الجنة أن يستغني موجود عن آل محمد (ص) فهذا خطأ ..( فاز الفائزون بولايتكم ) ، لاحظوا الفائزون صفة مشبعة يعني كل من فاز فهو بولايتكم . الفائزون مطلقة ..الأنبياء .. أولو العزم بأي شيء فازوا ؟ بولايتكم .
فهل يمكن للإنسان أن يستغني عن هذه الواسطة في حالة من الحالات ؟ لا يمكن .
كلما كان الإنسان أكثر بصيرة كلما أدرك أن هذه الواسطة أكثر حضوراً في نفسه .. كلما كان الإنسان أكثر سمعاً كلما أبصر و رقّ سمعه فسمع وأدرك أن هذه الواسطة في الحقيقة هي الموصلة فاتحد مع هذه الواسطة .
زينب بنت أمير المؤمنين ( ع) التي وصلت إلى هذه المقامات ، اتركوا الآن المقامات العرفانية .. العملية..النظرية سوف نتحدث عنها فيما بعد ، زينب (ع) التي عاشت في فضاء منزل كله إشارة لوحدانية الله ولربوبية الله .. هل أن زينب تنسى المشير وكلها ذائبة في وحدانية الله ؟! بمعنى هل أنها يمكن أن تقوم بطاعة ولا ترى أن أنوار هذه الطاعة هي أنوار هؤلاء الخمسة الذين هم الواسطة ؟! هل يمكن أن تقوم بعمل .. فضيلة .. صبر .. تضحية .. إيثار .. كل هذه الفضائل هل يمكن أن تصدر عنها فضيلة و لا ترى أن هذه الفضيلة الواسطة لها هو الإمام الحسين ( ع ) ؟! هذا محال ، لأن أنوارنا في قلوب شيعتنا هي أشد إضاءة من الشمس المضيئة بالنهار . نحن لأننا لا نتأمل ولا نعيش عملياً هذه الأمور وهذه المطالب لذلك لا نعيها ولكن زينب التي منذ أن تفتحت بل قبل أن تولد ، عندنا في بعض الروايات أن حديث الكساء كانت الزهراء ( ع) حامل بزينب ( ع) فكانت زينب - وهي جنين - شريك في آية التطهير ، فكيف لا ترى أولياء نعمتها ؟! كيف لا تدرك أن هؤلاء هم حقيقتهم ووجودهم ، هم الواسطة ؟!
إذا زينب التزمت بعبادة وقربة لله تعالى ستعرف أن الطريق الموصل لهذه الخيرات كلها هم هؤلاء الخمسة صلوات الله وسلامه عليهم . لاحظوا الآيات تتكلم عن هذه النتيجة الإنسان الشاكر لم تقل مؤمناً أو كفوراً . "إما شاكراً و إما كفوراً" هنا فيها نقطة جدا ظريفة ، ما هو الشكر ؟! لماذا قال تعالى "إما شاكراً و إما كفوراً" ؟! لماذا لم يقل إما مؤمناً و إما كفوراً ؟! فعادة المقابلة بين الإيمان والكفر و ليس بين الشكر والكفر ، لأنه هناك نكتة أساسية .. إن كلمة الشكر تتضمن أمور كثيرة ليست موجودة في كلمة الإيمان .
أولاً : الشكر هي كلمة تتبع المحبة . الإنسان متى يشكر ؟! الإنسان متى يصل إلى حالة من الاعتراف الكامل بنعم الله ؟! الفارق بين الحديث عن شكر الله والحديث عن الخوف من الله والحديث عن الالتزام بطاعة الله رغبة في الجنة هو فارق أخلاقي يعني طبيعة المزايا الأخلاقية ، إذا كان الإنسان مزيج روحه .. مزاياه الأخلاقية عميقة فهو دائماً يتحرك من منطق الشكر ، الناس الذين يتحركون في طاعة الله تعالى خوفاً من النار .. رغبة في الجنة هؤلاء لم تتحرك فيهم بَعد المزايا الأخلاقية العميقة .. هؤلاء لم تتجذر فيهم بَعْد الخصائص الإنسانية العميقة ، لذلك عندنا آخر الدواء الكي يعني أن الحديث عن نار جهنم يكون آخر شيء بعد أن تعجز عن إحياء الجانب الأخلاقي الظريف العميق في الإنسان بحيث يشكر ، إذا عجزت عن ذلك وعجزت عن ترغيبه فآخر شيء تخوفه ، حتى طريقة تربيتنا من المفترض أن تكون بالعكس ، في البداية أولاً يحاول الإنسان أن يحيي وجدان الشكر لدى الآخرين. لاحظوا أن أول مسألة في العقائد ما هي ؟ هي وجوب البحث عن المنعم ، لماذا ليست وجوب البحث عن الواحد ؟! إذا تلاحظون أن أول مسألة في العقائد هي وجوب البحث ليس عن الخالق الواحد ولا وجوب البحث عن الرازق ، لأن الإنعام يخلق حالة من المحبة وصلة من التعشق وصلة ليست مفروضة على الإنسان.
إن الأعمال التي تأتي بها وأنت في حالة تخويف من جهنم هذه تسبب حالة ضغط .. لا تعمل حالة أبرار .. لا تعمل حالة سعة ، إن الأمور التي تسلبك حريتك و تسلبك اختيارك وتسلبك انتخابك هذه لا تجعلك عبداً حراً لله تعالى ، يقول أمير المؤمنين ( ع ) : " إن قوماً عبدوا الله خوفاً من ناره فتلك عبادة العبيد ، وإن قوماً عبدوا الله طمعاً في جنته فتلك عبادة التجار ، وقوماً عبدوا الله شكراً لنعمته فتلك عبادة الأحرار "
تعليق