(حكايات الشظايا)
كانت المذيعة تقرأ الاخبار والبسمة لاتكاد تفارق شفتيهاحين قالت:ادى انفجار عبوة ناسفة في المنطقة الفلانية الى استشهاد ستة مواطنين واصابة اربعة بضمنهم نساء واطفال .
سمعت الخبر بانتباه ضعيف لكثرة ما سمعت اخباراً تشبهه بل واحسست ببعض الارتياح لقلة الخسائر البشرية نسبة الى حوادث مماثلة ولكني وفي وقت لاحق وحين جلست وحيدا شعرت به يلح على عقلي ويتكرر صوت المذيعة وهي تذكر التفاصيل فاخذت اتأمل فيه واسأل نفسي:هل في هذه الحادثة التي اصبحت عادية لدينا شيئ غير عادي ؟!وهل هنالك كلام بين تلك الكلمات القليلة لم تقله مقدمة الاخبار؟؟
لقد افلتُُ خيالي من عقاله وتركته يتغلغل فيما حدث وقد هالني مارأيت!!!
كانت الاحداث كثيرة متشعبة ومتداخلة ولكني لااستطيع سوى ان احكي جزءاً صغيراً من كل منها والذي تلا تلك المأساة مباشرة.
فأول الجرحى رجل في السابعة والثلاثين قوي البنية أب لاربعة ابناء يعمل في البناء وقد تحسن وضعه المادي في الاسابيع الاخيرة بعد ترقيه من عامل عادي ليصبح اسطى ذو أجر جيد بسبب سنين خبرته الطويلة في مجال عمله وكان لتمكنه من ادخار قسم من دخله الجديد قد فتح له ولعائلته آمال عريضة كانوا يحلون بها افواههم بعد انتهاء العشاء,
ولكن جاء الانفجار ليبتر يده اليمنى ويصيب ساقه باضرار بليغة,وهكذا صرف ما ادخره على علاجه واستدان فوقه وسرعان ما غربت شمس الامل ليغرقوا في ظلمة الفقر واللاعمل واللاامل.
اما المصاب الثاني ففتاة في الثامنة عشر حوت من الجمال الواناً تجلى في اخلاقها وشكلها بل وعقلها حيث تفوقها الدراسي المستمر وقد بقي شهران لامتحان السادس العلمي وقد استعدت للامتحان بكل جوارحها لتصل الى هدفها المنشود(كلية الطب) وهو حلمها الاكبر .
وخرجت من المستشفى بعد اسبوعين وقد خرجت قبلها كل احلامها من رأسها حين اخبروها بانها فقدت بصرها والى الابد بعدما مزقت الشظايا عينيها الزرقاوين وحرثت وجهها كالمحراث الصقيل في الارض الناعمة .
واخذت تتعلم كيف تتدفأ باحزانها في ليالي شتاءها الطويل..................
وثالث الجرحى صبي في سنته السادسةكان قد اشترى لتوه مسدساً بلاستيكيا وقفل راجعاً الى منزله غارقاً في احلام طفولته متخيلاً الحرب التي ستندلع بينه واخيه في معركة ليس فيها الا المتعة ولكن كل ذلك تلاشى في دوي الانفجار والذي جعله يتذوق طعماً اخر للاسلحة ...طعم الرعب الذي لم يعد يفارقه وبدد عالم الامان والفرح حيث عاش منذ ولادته ليبدله بدنيا الكوابيس والبكاء والخوف من كل شيئ .............................. ..
امّا قتلى التفجير فقد كان لقصتهم وجهان ,الاول هو الذي تركت خيالي يستكشفه . اشترك الضحايا السبعة في بداية الحكاية ثم تفرعت منهم حكايات وحكايات فقد كانتا عائلتين صديقتين :زوجان شابان مع طفلهما الرضيع ثم صبي وبنت توأمان في السنة الثالثة مع والديهما التقوا صدفة في ذلك المكان المشؤوم
وشكلوا دائرة حول سبب موتهم (العبوة الناسفة) وبينما اندمجوا في حديث الذكريات والضحكات لم يفطنوا الى التوأمين اللذين وجدا لعبة غريبة مغطاة بقطعة من الكرتون قرب اقدامهم وقد احتوت على اسلاك ملونة جميلة جعلتهما يتسابقان في مد ايديهما اليهالاستكشافها .....وكانت اللحظة الفاصلة,تلك اللحظة من عمر الزمن والتي صارت لدى من تأثروا بها بشكل مباشر اوغير مباشر تاريخا يؤرخ ما قبلها وما بعدها في ماضٍ يتذكرونه بشوق والم ومستقبل يرمقونه بخوف وحزن .
وتطايرت الشظايا وتطايرت الاجساد مبتعدة عن احبتها والاجزاء مفترقة عن اجزائها ,وحل هدوء الاموات تبعه صراخ الاحياء حتى اختلطا سويا .
كان الزوجان الشابين قد مضى على زواجهما سنة ونصف وكان كل منهما الوحيد لوالديه, وكانت فرحة لايعدلها شيئ لعائلتيهما فرحة ولدت كبيرة يوم الزفاف وكبرت حتى ولدت فرحة اكبر منها :ذلك المولود الذي كان جداه وجدتيه يحملونه باعينهم قبل اذرعهم حتى اوجع قلوبهم سروراً ,
وهاهم يدفنون افراحهم بايديهم وقد عجزت عقولهم وقلوبهم الهرمة عن استيعاب ما حدث........................... .......................
اما العائلة الضحية الثانية ذات التوأمين فربما كانت قصتها اكثر مأساوية او هكذا ما تتصوره الام والتي نجت من الموت ليصبح اعز امانيها في كل يوم تلا الحادث وهي مستلقية في سرير المستشفى بعد ان تحطم جسدها ليقتله شلل كامل جعله يلحق بزوجها وطفليها دون ان يدفن معهم لان رأسها ظل حيا محتجزاً روحها معه ليتشاركا العذاب ,ولولا سد الايمان المنيع الذي وقف بوجه طوفان حزنها لانهت حياتها بطريقة ما , ولكنها ظلت على قيد الحياة لتبكي وتتذكر وتتذكر وتبكي حتى حيرها حزنها حين تتزاحم صور احبابها كل يطلب ان تفكر به وتحزن عليه اكثر حتى قسمت ايام الاسبوع بين ثلاثتهم لكل واحد يومين تخصص له الدموع والذكريات واستأذنتهم في استحياء ان يبقى لها اليوم السابع لتبكي على نفسها......................... ........
بقيت حكاية لم تروى للموتى انفسهم لان جدار الموت عالي لايقدر ولايجرؤ اي خيال ان يتسلقه ليرى ما وراءه ولكن الاكيد انهم في المكان الذي لاظلم فيه........................... ................
ترى هل كان خيالي مبالغاً عما حدث ويحدث في الواقع ام كان مقصراً كل التقصير؟؟؟؟
اظن الجواب واضح.
كانت المذيعة تقرأ الاخبار والبسمة لاتكاد تفارق شفتيهاحين قالت:ادى انفجار عبوة ناسفة في المنطقة الفلانية الى استشهاد ستة مواطنين واصابة اربعة بضمنهم نساء واطفال .
سمعت الخبر بانتباه ضعيف لكثرة ما سمعت اخباراً تشبهه بل واحسست ببعض الارتياح لقلة الخسائر البشرية نسبة الى حوادث مماثلة ولكني وفي وقت لاحق وحين جلست وحيدا شعرت به يلح على عقلي ويتكرر صوت المذيعة وهي تذكر التفاصيل فاخذت اتأمل فيه واسأل نفسي:هل في هذه الحادثة التي اصبحت عادية لدينا شيئ غير عادي ؟!وهل هنالك كلام بين تلك الكلمات القليلة لم تقله مقدمة الاخبار؟؟
لقد افلتُُ خيالي من عقاله وتركته يتغلغل فيما حدث وقد هالني مارأيت!!!
كانت الاحداث كثيرة متشعبة ومتداخلة ولكني لااستطيع سوى ان احكي جزءاً صغيراً من كل منها والذي تلا تلك المأساة مباشرة.
فأول الجرحى رجل في السابعة والثلاثين قوي البنية أب لاربعة ابناء يعمل في البناء وقد تحسن وضعه المادي في الاسابيع الاخيرة بعد ترقيه من عامل عادي ليصبح اسطى ذو أجر جيد بسبب سنين خبرته الطويلة في مجال عمله وكان لتمكنه من ادخار قسم من دخله الجديد قد فتح له ولعائلته آمال عريضة كانوا يحلون بها افواههم بعد انتهاء العشاء,
ولكن جاء الانفجار ليبتر يده اليمنى ويصيب ساقه باضرار بليغة,وهكذا صرف ما ادخره على علاجه واستدان فوقه وسرعان ما غربت شمس الامل ليغرقوا في ظلمة الفقر واللاعمل واللاامل.
اما المصاب الثاني ففتاة في الثامنة عشر حوت من الجمال الواناً تجلى في اخلاقها وشكلها بل وعقلها حيث تفوقها الدراسي المستمر وقد بقي شهران لامتحان السادس العلمي وقد استعدت للامتحان بكل جوارحها لتصل الى هدفها المنشود(كلية الطب) وهو حلمها الاكبر .
وخرجت من المستشفى بعد اسبوعين وقد خرجت قبلها كل احلامها من رأسها حين اخبروها بانها فقدت بصرها والى الابد بعدما مزقت الشظايا عينيها الزرقاوين وحرثت وجهها كالمحراث الصقيل في الارض الناعمة .
واخذت تتعلم كيف تتدفأ باحزانها في ليالي شتاءها الطويل..................
وثالث الجرحى صبي في سنته السادسةكان قد اشترى لتوه مسدساً بلاستيكيا وقفل راجعاً الى منزله غارقاً في احلام طفولته متخيلاً الحرب التي ستندلع بينه واخيه في معركة ليس فيها الا المتعة ولكن كل ذلك تلاشى في دوي الانفجار والذي جعله يتذوق طعماً اخر للاسلحة ...طعم الرعب الذي لم يعد يفارقه وبدد عالم الامان والفرح حيث عاش منذ ولادته ليبدله بدنيا الكوابيس والبكاء والخوف من كل شيئ .............................. ..
امّا قتلى التفجير فقد كان لقصتهم وجهان ,الاول هو الذي تركت خيالي يستكشفه . اشترك الضحايا السبعة في بداية الحكاية ثم تفرعت منهم حكايات وحكايات فقد كانتا عائلتين صديقتين :زوجان شابان مع طفلهما الرضيع ثم صبي وبنت توأمان في السنة الثالثة مع والديهما التقوا صدفة في ذلك المكان المشؤوم
وشكلوا دائرة حول سبب موتهم (العبوة الناسفة) وبينما اندمجوا في حديث الذكريات والضحكات لم يفطنوا الى التوأمين اللذين وجدا لعبة غريبة مغطاة بقطعة من الكرتون قرب اقدامهم وقد احتوت على اسلاك ملونة جميلة جعلتهما يتسابقان في مد ايديهما اليهالاستكشافها .....وكانت اللحظة الفاصلة,تلك اللحظة من عمر الزمن والتي صارت لدى من تأثروا بها بشكل مباشر اوغير مباشر تاريخا يؤرخ ما قبلها وما بعدها في ماضٍ يتذكرونه بشوق والم ومستقبل يرمقونه بخوف وحزن .
وتطايرت الشظايا وتطايرت الاجساد مبتعدة عن احبتها والاجزاء مفترقة عن اجزائها ,وحل هدوء الاموات تبعه صراخ الاحياء حتى اختلطا سويا .
كان الزوجان الشابين قد مضى على زواجهما سنة ونصف وكان كل منهما الوحيد لوالديه, وكانت فرحة لايعدلها شيئ لعائلتيهما فرحة ولدت كبيرة يوم الزفاف وكبرت حتى ولدت فرحة اكبر منها :ذلك المولود الذي كان جداه وجدتيه يحملونه باعينهم قبل اذرعهم حتى اوجع قلوبهم سروراً ,
وهاهم يدفنون افراحهم بايديهم وقد عجزت عقولهم وقلوبهم الهرمة عن استيعاب ما حدث........................... .......................
اما العائلة الضحية الثانية ذات التوأمين فربما كانت قصتها اكثر مأساوية او هكذا ما تتصوره الام والتي نجت من الموت ليصبح اعز امانيها في كل يوم تلا الحادث وهي مستلقية في سرير المستشفى بعد ان تحطم جسدها ليقتله شلل كامل جعله يلحق بزوجها وطفليها دون ان يدفن معهم لان رأسها ظل حيا محتجزاً روحها معه ليتشاركا العذاب ,ولولا سد الايمان المنيع الذي وقف بوجه طوفان حزنها لانهت حياتها بطريقة ما , ولكنها ظلت على قيد الحياة لتبكي وتتذكر وتتذكر وتبكي حتى حيرها حزنها حين تتزاحم صور احبابها كل يطلب ان تفكر به وتحزن عليه اكثر حتى قسمت ايام الاسبوع بين ثلاثتهم لكل واحد يومين تخصص له الدموع والذكريات واستأذنتهم في استحياء ان يبقى لها اليوم السابع لتبكي على نفسها......................... ........
بقيت حكاية لم تروى للموتى انفسهم لان جدار الموت عالي لايقدر ولايجرؤ اي خيال ان يتسلقه ليرى ما وراءه ولكن الاكيد انهم في المكان الذي لاظلم فيه........................... ................
ترى هل كان خيالي مبالغاً عما حدث ويحدث في الواقع ام كان مقصراً كل التقصير؟؟؟؟
اظن الجواب واضح.
تعليق