... بسم الله الرحمن الرحيم .. والصلاة والسلام على محمد و آله المعصومين..بعد ما قتل المأمون العباسي أخيه الأمين في بغداد وظفر بالسلطة كُليّا واجه مشكلة كبيرة تمثلت بثورات العلويين الرافضة للحكم العباسي .............ولم يكن مخرج المأمون العباسي من الأزمة التي حلّت به وحسب تصوره إلاّ مخاطبة الأمام الرضا /ع/ بقبول ولاية العهد والمشاركة في إدارة شؤون الدولة محاولة منه لأحتواء قوى المعارضة العلوية ورسم خارطة عودة السلطة الى آل محمد ولكن الأمام الرضا /ع/ كان يدرك ماهية اللعبة الساسية للمأمون فرفض أولاًّ ما عرضه المأمون عليه عدة مرات إلاّ أنه إضطرّ للتعاطي معها صوريا لا قبولها بعد أن هدده المأمون بالقتل المحتوم ................تعاطى الأمام الرضا بصورة ظاهرية مع إكذوبة ولاية العهد والتي مثلت شراكاً سياسياً للأيقاع بالعلويين فتعاطى معها /ع/ تحت شروط اشترطها /ع/ على المأمون وأهمها (( أن لا يتدخل /ع/في شيء أو يتحمل أي مسؤولية في الدولة العباسية ))فالرضا /ع/ بعد إعلان تعاطيه الظاهري مع فخ الولاية الجديدة صرّح /ع/ في بعض كلامه لآحد الأشخاص المبايعين له بقوله /ع/ (( ولا تشغل قلبك بهذا الأمر ولا تستبشر له فإنه شيءٌ لا يتم )) إنظر في كتاب الشيخ المفيد// الأرشاد/ ص 312// وفعلا لم يتم أمر ولاية العهد للأمام الرضا /ع/ لآنّ المأمون قد دسّ السم القاتل في بعض طعام الرضا /ع/ فإغتاله وهكذا رحل الرضا /ع/ وهويُردد قوله تعالى (( قُل لو كنتم في بيوتكم لبرزَ الذين كُتبَ عليهم القتل الى مضاجعهم ))والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
(( الأمامُ الرضا /ع/ و إكذوبة ولاية العهد ))
تقليص
X
-
ومن هنا يكون الإمام عليّ الرضا صلوات الله عليه قد ثبّت أموراً عديدة:
رُوي أنّ المأمون لمّا عَرَض الخلافة على الإمام الرضا عليه السّلام فأبى، قال له: إذَن، تقبل ولاية العهد. فأبى عليه السّلام أشدّ الإباء، فقال له المأمون: ما استقدمناك باختيارك، فلا نعهد إليك باختيارك. واللهِ إن لم تفعل ضَربتُ عنَقك (9).
كما روي أنّ المأمون لمّا رأى الإمام يأبى، غضب وقال له: قد أمنتَ سطوتي، فباللهِ أُقسم لئن قبلتَ ولاية العهد وإلاّ أجبرتك على ذلك، فإن فعلتَ وإلاّ ضربت عنقك.
فقال الرضا عليه السّلام: قد نهاني الله تعالى أن أُلقيَ بيدي إلى التهلكة، فإن كان الأمر على هذا فافعل ما بدا لك، وأنا أقبل ذلك على أنّي لا أُولّي أحداً ولا أعزِل أحداً، ولا أنقض رَسماً ولا سُنّة، وأكون في الأمر من بعيد مُشيراً. فرضي منه ( المأمون ) بذلك، وجعله وليَّ عهده على كراهة منه عليه السّلام بذلك (10).
وهكذا يفضح المأمون نفسه، ويُبرّئ الإمامُ عليه السّلام نفسه، وتبقى ولاية العهد لا معنى لها: لا في نظر السلطة، ولا في نظر الناس. فأيّة ولاية عهد تلك والإمام قد أوقف المأمون على أمرٍ رأى نفسه مجبراً.. ألاّ يولّي ولا يعزل، وألا ينقض ؟! بل يكون مشيراً، أي آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، مشيراً إلى الحقّ، رافضاً كلَّ باطل، متنزّهاً عن الخوض فيما تخوض فيه السلطة المنحرفة الظالمة، قادراً في الوقت ذاته على دفع المظالم عن المؤمنين والأبرياء.
فسُمع عليه السّلام وهو يقول: قد أُكرهتُ واضطُررت، كما أشرفتُ من عبدالله المأمون على القتل متى لم أقبل ولاية العهد.
وسأله الريّان بن الصلت يوماً عن سرّ قبوله لولاية العهد فأجابه: قد علم الله كراهتي لذلك، فلمّا خُيّرت بين قبول ذلك وبين القتل، اخترت القبول على القتل (11).
وأجاب المشكّكين والحائرين، كيف يقبل الإمام الرضا عليه السّلام ولاية العهد من المأمون الغاصب للخلافة!، قائلاً: ويحَهُم! أما علموا أنّ يوسُف عليه السّلام كان نبيّاً ورسولاً، فلمّا دفعته الضرورةُ إلى تولّي خزائن العزيز قال: اجعَلْني على خزائن الأرض إنّي حفيظ عليم. ودفعتني الضرورةُ إلى قبول ذلك على إكراهٍ وإجبار بعد الإشراف على الهلاك، على أنّي ما دخلتُ في هذا الأمر إلاّ دخولَ خارجٍ منه، فإلى الله المُشتكى وهو المستعان (12).
ولقد استبان بشكل واضح أنّ المأمون كان قد أجبره على ذلك، وحول إجباره تحوم شكوك وتُحتمل خطط شيطانيّة. كما ثبت أنّ الإمام الرضا عليه السّلام كان مجبراً على ولاية العهد ومهدّداً بالقتل إن رفضها، وفي هذا عذرٌ له واضح وهو الإمام المعصوم، يعرف تكليفه الإلهيّ، ولا يتصرّف إلاّ بما يُرضي اللهَ تعالى ويأتي بمصلحة الأمّة وخيرها ونفع الدين والشريعة.
وكان الإمام الرضا صلَواتُ الله عليه قد أوصل المأمونَ إلى حالة جعله يفضح فيها نفسه بنفسه، ثمّ جعله يقبل بأدنى الأمور، فرضيَ من الإمام الرضا عليه السّلام أن يقبل ظاهرَ ولاية العهد وإن أفرغها من مضمونها وتجرّد عن مسؤوليّتها وجعلها قشراً لا يُعتنى به. ولم ينتبه المأمون إلى هذا، حتّى أصبح الأمر الواقعيّ يشير بفشل خطّته، وخيبة محاولاته من تشويه سمعة الإمام عليه السّلام بأنّه ـ حاشاه ـ يرغب في السلطة ويُعطي الشرعية للحكومة العبّاسيّة. بل جاءت النتائج على عكس ذلك تماماً.
هذا، في الوقت الذي خلق وجودُ الإمام عليه السّلام في مرو عاصمة السلطة العبّاسيّة حالة نزاع في الأُسرة الحاكمة وبني العبّاس وحالة خلاف واعتراض، بينما نفذ حبُّ الإمام الرضا عليه السّلام إلى قلوب الناس في بلاد خراسان، وأخذ الناس يتنعّمون بوصاياه الإلهيّة الكريمة وينتفعون من بركاته، ويشاهدون عن قربٍ وعيان دلائل إمامته. بل اتضّح لهم بوجوده الشريف المبارك عن مقارنة واضحة انحطاطُ المأمون وجهله وضعفه (13).
هذا، فيما هيمنت شخصيّة الإمام على المأمون، فجعل المأمون لا يملك نفسه في الثناء عليه في مواقف عديدة، منها في وثيقة ولاية العهد إذ كتب: لم يَزَل أمير المؤمنين ( يقصد نفسه ) منذ أفضَت إليه الخلافة... مختاراً لولاية عهده، ورعاية الأُمّة من بعده، أفضلَ من يقدر عليه في دِينه وورعه وعلمه، وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقّه... حتّى استقصى أُمورهم معرفة، وابتلى أخبارهم مشاهدة، واستبرأ أحوالهم مُعاينة، وكشف ما عندهم مُساءلة، فكان خيرته بعد استخارته الله، وإجهاد نفسه في قضاء حقّه في عباده وبلاده، في البيتين جميعاً ( أي بيتَي آل أبي طالب وبني العبّاس ): عليَّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب؛ لِما رأى من فضله البارع، وعلمه النافع، وورعه الظاهر، وزهده الخالص، وتخلّيه من الدنيا.. وقد استبان له ما لم تَزَل الأخبار عنه مُتواطئة، والألسن عليه متّفقة، والكلمة فيه جامعة، ولِما لم يَزَل يُعرَف به من الفضل: يافعاً وناشئاً، وحَدَثاً ومكتهلاً (14).
وفي مجالس الاحتجاج، لمّا كان الإمام الرضا عليه السّلام يجيبُ عن كلّ سؤال ويردّ كلّ شبهة ويفنّد كلّ ضلال.. لم يكن من المأمون إلاّ أن يقول: فرّجتَ عنّي يا أبا الحسن فرّج الله عنك.. لله دَرُّك يا ابن رسول الله! أشهد أنّك ابن رسول الله حقّا.. بارك الله فيك يا ابن رسول الله.. جزاك الله عن أنبيائه خيراً يا أبا الحسن.. بارك الله فيك يا أبا الحسن.. لله دَرُّك يا أبا الحسن! (15)
وكلّ الناس، بالفطرة والبداهة، يعلمون أنّ المُجيب عن كلّ معضلة هو العالِم الذي ينبغي أن يُتّبَع ويُتَوَلّى، وأن السائل الجاهل عن كثير من الأمور هو الأولى أن يكون تابعاً طائعاً له. فظهر فضل الإمام الرضا عليه السّلام وبانَ عجز المأمون، وفهم الناس مَن هو الأولى بالخلافة.
الموقف السابع: أثبت الإمام الرضا عليه السّلام بشكل مباشرٍ وغير مباشر أنّ النظام القائم لا يمتلك شرعيّة دينيّة. وقد اتّضح للناس ذلك من خلال رفضه للخلافة التي عرضها المأمون عليه، لأنّ الجهاز الحاكم جهاز منحرف فاسد. وهذا الرفض يوجّه إصبع الاتّهام إلى السلطة. ثمّ لم يصدر من الإمام سلامُ الله عليه ما يشير ـ ولو من بعيد ـ إلى شرعيّة السلطة أبداً، بل الذي صدر هو العكس، حينما أصرّ الإمام على أن لا يتدخل في شؤون الحكم من تعيين أو عزل أو تثبيت. وبذلك فهِم الجميعُ أنه عليه السّلام لا يرى النظام الحاكم إلاّ جهازاً فاسداً غير شرعيّ.
وهنا أصبح المأمون في حيرة من أمره، إذ لم يبقَ له مجال فسيح لتنفيذ جميع مخطّطاته، ولم يتمكّن من إجبار الإمام على تنفيذ إرادات الحكم العبّاسيّ، ولم يستطع إطلاء سلطته بطلاء شرعيّ.
الموقف الثامن: لمّا أُريد للإمام الرضا عليه السّلام أن يقيم صلاة العيد؛ حذَراً على المأمون من احتمال تعرّضه للاغتيال، وأملاً في أن يتعرّض الإمام عليه السّلام للاغتيال.. اشترط عليه السّلام أن يخرج كما خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السّلام. فرضي المأمون، ثمّ ندم حينما بلغته الأخبار أنّه شَرَع في إقامته على هيئة مَهيبة، مطبِّقاً فيها السُّنن الإسلاميّة الشريفة، ممّا أذهل الناس وانقاد له الأُمراء والقُوّاد والحُجّاب، وقد بكّروا كما أمرهم، فلما كبّر سلام الله عليه ورفع صوته والناس معه يردّدون: الله أكبر، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، والحمد لله على ما أبلانا.. تزعزعت مرو بالبكاء، وقد سقط الجند والقوّاد عن الدوابّ إلى الأرض ورمَوا بخِفافهم، وقد تَخيّل للناس أن السماء والأرض والحيطان تُجاوبه.
فأسرع الفضل بن سهل ذو الرئاستين إلى المأمون يقول له: إن بَلغَ الرضا المصلّى على هذا السبيل افتتنَ به الناس، وخِفنا كلُّنا على دمائنا، فالرأي أن تسأله أن يرجع. فبعث المأمون إليه أنه قد كلّفه شططاً، وأنّه ما كان يحبّ أن يُتعبه!.. فرجع أبو الحسن، واختلف أمر الناس في ذلك، ولم ينتظم أمرُهم في صلاتهم (16).
وقد فهم الجميع أن الرضا عليّ بن موسى صلوات الله عليه إمام بحقّ، وهو الأَولى والأجدر بالخلافة، والأعلم بالسنن والشرائع، وأنّ المأمون خاف على نفسه أن يُنبذ بعد أن أخذ إعجاب الناس بالإمام عليه السّلام بمجامع قلوبهم. وقد رأوا منه في كلّ واقعةٍ موقفاً مشهوداً، وفي كلّ حديث عِلماً نيّراً، وعاشوا معه فطابت نفوسهم بلُقياه وهو يفيض رحمة وخلُقاً كريماً وإيماناً فوّاحاً بأزكى عطوره.. من العبادة الخالصة، والتقوى المعصومة.
وأخيراً.. الحسم الشيطاني
لم يجد المأمون أنّه قد بلغ شيئاً من أهدافه، بل راح يواجه نظرات المجتمع ترمقه باستهجان، وأخذ الوضع العبّاسيّ يتخلخل ويتزعزع، ثمّ وجد أنّه استدعى عدوّاً إلى جنبه يفضحه وجودُه معه في كلّ زمان ومكان.. فتحيّر واضطرب، وهاجت هواجسه وسيطرت عليه فكرة العنف والتصفية، فبدأ بمَن حوله لينتهي إلى أن يحسم الأمر بالقتل المباشر بيده اللئيمة، فقدّم عصير العنب المسموم إلى الإمام الرضا عليه السّلام بعد أن كانت مقدّمته العرض المسموم للخلافة وولاية العهد. 1. فضح المأمون في جميع ادّعاءاته، وكشف سرائره ونواياه الخبيثة.. فلو كان حقّاً يُريد أن يتنازل عن الحكم ويرى أنّ الإمام أحقّ بالخلافة لَما عامله بذلك الأُسلوب العنيف، ولَما مارس الطريقة الملتوية في خلع لباس السلطة، وكيف أتاح لنفسه أن يجلس تلك المدّة في مجلس لا يحقّ له ؟! ألم يكن يسمع من قَبلُ بالإمامة يتوارثُها أوصياء رسول الله صلّى الله عليه وآله أباً عن جدّ بنصّ ـ بل بنصوص ـ من الله ونبيّه ؟! 2. أوصل الإمام الرضا عليه السّلام السلطةَ إلى حالة إعلان القتل، ليكون التكليف واضحاً.. وأنّ الإمام سلام الله عليه لم يأتِ إلى مَرْو طوعاً ولا رغبةً في حكم، كما لم يتقبّل: لا الخلافة الظاهرية ولا ولاية عهد المأمون طائعاً أو راغباً أبداً. 3. وبعد أن تكون ولاية العهد قد كُتبت في وثيقة، أخذ الإمام الرضا عليه السّلام يُفرغها من محتواها عمليّاً من جهة، ويُعلن للآخَرين أنّه مُجبَر عليها، وأنّه لم يندمج مع السلطة العبّاسيّة في أيّ شأن من شؤونها من جهة أُخرى.
الاخ مرتضى علي
اشكركم الشكر الجزيل وارجو قبول مداخلتي
sigpic
- اقتباس
- تعليق
تعليق
تعليق