الشيخ محمد صنقور البحراني
قال تعالى في محكم كتابه المجيد: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} سورة الكهف :79. فهنا عبّرت الآية عن أنّ المساكين يملكون السفينة والحال أنّ المسكين هو من لا يملك قوت نفسه فكيف يمكن لهم أن يملكوا سفينة أو قارباً؟!
الجواب:
ليس المراد من المسكين شرعًا هو من لا يملك قوتاً مطلقاً بل هو الذي لا يملك ما يكفية لنفسه وعياله، فهو وإنْ كان أسوأ حالاً من الفقير كما هو رأي المشهور وكما هو مقتضى صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما(عليه السلام): (إنّه سأله عن الفقير والمسكين فقال: الفقير الذي لا يسأل والمسكين هو أجهد منه الذي يسأل)(1)إلاّ أنَّ كونه أسوأ حالاً من الفقير لا يقتضي عدم وجدانه لشيء يملكه وإن كان يسيراً.
امَّا أنَّه كيف يصح وصف الملاَّك لسفينةٍ بالمساكين رغم أنَّ السفينة من الأموال الخطيرة التي لا يملكها إلا أهل الثراء فجوابه أنَّ الآية المباركة لم تُفصح عن عدد المشتركين في السفينة فلعلَّهم كثرٌ بحيث يكون نصيب كلَّ واحدٍ منهم يسيراً لا يُخرجه عن وصف المسكين.
وثمة جواب آخر هو أنَّ المسكين قد يُطلق على العاجز المستضعف الذي لا قدرة له على دفع الظلم عن نفسه ولا حلية له تمنع من وقوع ظلم المتسلَّط عليه، فمثل من يكون هذا حاله يُسمَّى مسكيناً وإن كان متموَّلاً، واطلاق وصف المسكين عليه إنَّما هو لغرض التعبير عن الإشفاق والرحمة له(2). لذلك ورد في الحدث (مساكين أهل النار)(3)، وورد أيضاً (مسكين مسكين رجل لا زوجة له)(4)، وورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام): (مسكين ابن آدم مكتوم الاجل مكنون اللعل.. تؤلمه البقَّة وتقتله الشرقة)(5).
وقال الشاعر العربي:
مساكينُ أهل الحبَّ حتى قبورهم عليها تراب الذلَّ بين المقابر(6)
ــــــــــــ
1- وسائل الشيعة ( آل البيت)- الحر العاملي- ج 9ص210 باب 1 من أبواب المستحقين للزكاة ج2.
2- تفسير مجمع البيان- الشيخ الطبرسي- ج5 ص74.
3- تفسير مجمع البيان- الشيخ الطبرسي- ج5ص75، تفسير الثعلبي- الثعلبي- ج5ص58.
4- تنزيه الأنبياء – الشريف المرتضى- ص123، الدر المنثور- جلال الدين السيوطي- ج2 ص311، وفي مجمع الزوائد – الهيثمي-ج4ص252، قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مسكين مسكين مسكين رجل ليس له امرأة وإن كان كثير المال، مسكينة مسكينة مسكينة امرأة ليس لها زوج وإن كانت كثيرة المال).
5- نهج البلاغة – خطب الإمام علي (عليه السلام)- ج 4ص98، الأمالي – السيد المرتضى- ج1 ص110.
6- تفسير مجمع البيان – الشيخ الطبرسي- ج5ص75، تفسير الثعلبي – الثعلبي- ج5ص58.
تعليق