بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وال محمد
البسملة(بسم الله الرحمن الرحيم ))
وهي أول آية من آيات القرآن الكريم بناءاً على ما هو الصحيح من كون البسملة آية من كل سورة من سور القرآن، وبعض آية من سورة النمل، ما عدا سورة براءة، كما هو مورد اتفاق الإمامية، وعليه ابن عباس وابن المبارك، وأهل مكة كابن كثير، وأهل الكوفة كعاصم، والكسائي، وغيرهما، وهو قول غالب جماعة الشافعي، وهو ما جزم به قراء مكة والكوفة.
بل حتى المخالف في جزئيتها التزم بكونها آية من سورة الفاتحة، كما هو المنسوب للشافعية.
وقد ذهب أكثر الحنفية إلى القول بوجوب قرائـتها في الصلاة قبل الفاتحة.
أدلة جزئية البسملة:
هذا ويستدل على جزئية البسملة[1] من كل سورة من سور القرآن الكريم، بعدة أدلة، نشير إليها:
الدليل الأول: سيرة المسلمين:
فإنها مستقرة على قراءة البسملة في أول كل سورة من سور القرآن الكريم، ما عدى سورة براءة.
بل قد ثبت بالتواتر أن رسول الله(ص) كان يقرأها، فلو لم تكن من القرآن الكريم، لما صرح(ص) بقرائتها، لأنه عندما يقرأها يكون ذلك منه(ص) بيان على أنها جزء من القرآن الكريم، فلو لم تكن من القرآن لزم إغراء الجاهل بقراءة ما ليس من القرآن، وهو قبيح.
الدليل الثاني: مصاحف الصحابة والتابعين:
لقد كانت مصاحف الصحابة والتابعين قبل قيام عثمان بتوحيد المصاحف مشتملة على البسملة، ولو لم تكن من القرآن لما أثبتوها في مصاحفهم. لأن الصحابة قد منعوا من أن يدرج ما ليس من القرآن في القرآن، لدرجة أن بعض المتقدمين قد منع من تنقيط المصحف وتشكيله، فإذن يكون إثباتهم للبسملة في مصاحفهم دليل على أنها جزء من القرآن الكريم.
إن قلت: إن إثبات البسملة في بداية كل سورة يراد منه بيان الفصل بينها وبين السورة التي قبلها، وبالتالي يتضح أنه قد انتهت السورة السابقة، وبدأت سورة جديدة، فيكون الغرض من ذكر البسملة الإشارة إلى هذا المعنى، وقد وردت رواية عن ابن عباس أننا كنا نعرف انتهاء السورة بنـزول بسم الله الرحمن الرحيم.
قلت: إن هذا الكلام لو قبلنا به، لكان في غير سورة الفاتحة، لأنها أول سورة من سور القرآن الكريم.
وأيضاً لكانت البسملة مثبتة في بداية سورة براءة للإشارة إلى انتهاء سورة الأنفال وبداية السورة الجديدة، فإن عدم إثباتها يكشف عن عدم صحة الكلام المذكور.
الدليل الثالث: التمسك بالنصوص الوارد من طريق الجمهور:
منها: ما رواه أنس قال: بينا رسول الله(ص) ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسماً، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أُنزلت عليّ آنفاً سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر..[2].
ومنها: ما أخرجه الدارقطني بسند صحيح عن علي(ع): أنه سئل عن السبع المثاني، فقال: الحمد لله رب العالمين، فقيل له: إنما هي ست آيات، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم آية[3].
ومنها: ما أخرجه الدارقطني بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(ص) إذا قرأتم الحمد فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها أمّ القرآن، وأمّ الكتاب، والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها[4].
ومنها: ما أخرجه ابن خزيمة والبيهقي بسند صحيح عن ابن عباس قال: السبع المثاني فاتحة الكتاب، قيل: فأين السبعة؟ قال: بسم الله الرحمن الرحيم[5].
ومنها: ما أخرجه ابن خزيمة والبيهقي في المعرفة بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن: بسم الله الرحمن الرحيم[6].
ومنها: ما رواه سعيد عن ابن عباس: أن النبي(ص) كان إذا جاءه جبرئيل فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم علم أن ذلك سورة[7].
ومنها: ما رواه جريح قال: أخبرني أبي أن سعيد بن جبير أخبره، قال: ولقد آتيناك سبعاً من المثاني، قال: هي أمّ القرآن، قال أبيّ: وقرأ عليّ سعيد بن جبير بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة. قال سعيد بن جبير: وقرأها عليّ ابن عباس كما قرأتها عليك، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة. قال ابن عباس: فأخرجها الله لكم وما أخرجها لأحد قبلكم[8].
الروايات المعارضة:
هذا وقد يتمسك الخصم بنصوص تدل على عدم جزئية البسملة من كل سورة من سور القرآن الكريم، ما عدى براءة، ويستند في هذه الدعوى إلى روايتين:
الأولى: رواية قتادة عن أنس بن مالك قال: صليت مع رسول الله(ص) وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم[9].
وقد أجيب عنها بوجوه:
الأول: إن هناك نصوص مستفيضة عن أنس دلت على جزئية البسملة، تخالف هذه الرواية، مما يكشف عن كذب هذا النص، وأنه من النصوص الموضوعة على أنس مما يمنع من قبوله والالتـزام بمفاده.
الثاني: إن هذا الخبر معارض لما هو المشتهر بين المسلمين من أن البسملة تقرأ في الصلاة، لدرجة أن المسلمين قد اعترضوا يوماً على معاوية لما صلى بهم ولم يقرأ البسملة، فقالوا له: أسرقت أم نسيت.
ومن الواضح أن مثل هذا الاشتهار، يمنع من التصديق بأن رسول الله(ص) ما كان يقرأ البسملة في الصلاة، لأن هذا الاشتهار لم يأتِ من فراغ، وإنما جاء من إتباع لسنة رسول الله(ص) وإقتداء به.
الثالث: إنها معارضة للروايات المتواترة بحسب المعنى التي نقلت من طريق أبناء السنة، خصوصاً وأن تلك النصوص المنقولة قد اشتملت على ما هو صحيح سنداً، وهذا يكون مانعاً من تصديق هذه الرواية والقبول بها.
ويشهد لعدم قبول ما جاء في هذه الرواية شهادة غير واحد من الصحابة على أن رسول الله(ص) كان يقرأ البسملة في صلاته، ويعدّها آية من آيات سورة البسملة، كابن عباس وأبي هريرة.
كما أن أمير المؤمنين(ع) كان يقول لمن ترك قراءتها بأنه قد نقص، وأنها تمام السبع المثاني.
الثانية: ما رواه ابن عبد الله بن مغفل يزيد بن عبد الله، قال: سمعني أبي وأنا أقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: أي بني! إياك قال: ولم أرَ أحداً من أصحاب رسول الله(ص) كان أبغض إليه حدثاً في الإسلام منه، فإني قد صليت مع رسول الله(ص) ومع أبي بكر وعمر، ومع عثمان فلم أسمع أحداً منهم يقولها فلا تقلها، إذا أنت قرأت فقل: الحمد لله رب العالمين[10].
وقد ذكر أن الأجوبة السابقة بالنسبة للرواية الأولى جارية أيضاً بالنسبة للرواية الثانية، ويضاف في الجواب عن هذه الرواية جواب آخر، وهو أنها اشتملت على أمر مخالف لضرورة الإسلام، وهو أن التسمية قبل الحمد والسورة من المستحبات التي اتفق المسلمون عليها، حتى لو كان منشأ الإتيان بها هو التيمن والتبرك، فلا معنى لأن يقول القائل أنها إحداث شيء في الإسلام!!!.
الدليل الرابع: النصوص الصادرة عن أهل البيت:
وقد ذكرت عدة نصوص في هذا المجال، نشير لواحدة منها، وهي صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله(ع) إذا قمت للصلاة أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة القرآن؟ قال: نعم. قلت: فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة، قال: نعم[11]. وكيفية الاستدلال بها على جزئية البسملة كالتالي: لقد تضمنت الصحيحة سؤالاً من معاوية، وهذا السؤال فيه احتمالان:
الأول: أن يكون السؤال الصادر من الراوي سؤالاً عن مشروعية قراءة البسملة، وعدم مشروعيتها. وبعبارة ثانية: كأن السائل يسأل الإمام(ع): هل يجوز لي أن اقرأ البسملة قبل قراءتي لسورة الفاتحة أم لا يجوز لي ذلك.
الثاني: أن يكون السؤال عن حكم قراءة البسملة قبل الفاتحة، بمعنى أنه هل يجب على المصلي مثلاً إذا أراد أن يقرأ سورة الفاتحة أن يقرأ قبلها البسملة، بحيث لو أخل بذلك فلم يقرأها كان تاركاً لآية من آيات سورة الفاتحة، أم لا يجب عليه ذلك.
والظاهر أن الاحتمال الأول بعيد بسبب وجود مبعدين يمنعانه عن القبول، مثل:
1-كون الراوي هو معاوية بن عمار وهو أحد الفقهاء العظام في المذهب الشيعي، ومن المستبعد أن يكون سؤاله عن حكم واضح وهو جواز قراءة البسملة، وعدم جواز قرائتها.
2-إن جواز قراءة البسملة من الأمور المسلمة الواضحة عند الكل، بل هي من الضروريات التي لا تحتاج بياناً، فيستبعد أن يكون السؤال عنها.
من هنا يتعين الاحتمال الثاني، وهو كون السؤال عن وجوب قراءة البسملة، وعدم جواز تركها، وقد أمضاه الإمام(ع) من خلال جوابه إياه بنعم.
ولا يخفى أن هذا الجواب الصادر من الإمام(ع) يشير إلى أن البسملة جزء من أجزاء السورة، وليس الوجوب لقراءة البسملة يراد منه الوجوب لنفس البسملة، بل المراد من الوجوب أنه جزء من أجزاء السورة.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] البيان في تفسير القرآن ص 442. تفسير سورة الحمد ص 140.
[2] صحيح مسلم كتاب الصلاة ح 607، سنن البيهقي كتاب الافتتاح ح 894، سنن أبي داود كتاب السنة ح 4122.
[3] سنن البيهقي باب الدليل على أن البسملة آية تامة ج 2 ص 45.
[4] المصدر السابق.
[5] المصدر السابق، الحاكم في المستدرك ج 1 ص 551.
[6] سنن البيهقي باب افتتاح القراءة في الصلاة ج 2 ص 50.
[7] مستدرك الحاكم ج 1 ص 231.
[8] المصدر السابق ص 550.
[9] صحيح مسلم كتاب الصلاة ح 605.
[10] سنن ابن ماجة كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها ح 807.
[11] الكافي ج 3 ص 312 ح 1.
تعليق