انقل لكم هذه القصةوهي كرامة من كرامات الإمام الرضا عليه السلام وشفاء شاب مسيحي يدعى أندريه
المريض المعافى: أندريه سيمونيان. من ازبكستان في الاتحاد السوفياتي السابق. الحالة المرضيّة: خَرَس اللسان
ـ أندريه... أندريه...
سمع صوتاً يناديه. صوتاً غير مألوف على الأرض.. كأنّه قادم من أعماق السماء استفاق (أندريه) من النوم، وتلفّت حوله في الصحن. كان جميع الحاضرين فيما حوله نائمين، غير رجل مسنّ هو من خدّام المكان، كان واقفاً في ناحية يتطلّع إليه. فطن الرجل المسنّ إلى حالة أندريه، فتقدّم نحوه ووقف أمامه وعلى وجهه ابتسامة رقيقة.
ـ ماذا يا ولدي ؟
اعتصم أندريه بالصمت، وأحسّ في داخله رغبة في الصراخ.. والبكاء. وتمنّى لو يلقي بنفسه في أحضان الرجل المسنّ، فيبكي حتّى يشبع من البكاء. تمنّى لو يصرخ بأعلى صوته وينوح، لكنّه اختنق بعَبرته، ولم يستطع أن يعبّر عمّا يختلج في صدره. جلس الرجل قِبالتَه، وأخذ يُربّت على كتفه يسأله:
ـ هل حدث شيء ؟
كان أندريه قد أرهقَته الرؤيا التي رآها، فرمى بنفسه في أحضان الخادم الشيخ. ولم يستطع أن يتحمّل فأطلق صوته بالصراخ وانخرط في النحيب. أيقظ صوت نحيبه عدداً من النائمين، فراحوا يفركون عيونهم ثمّ ينظرون إلى أندريه باستغراب. ورَبّت الخادم الشيخ على ظهر أندريه قائلاً:
ـ إبْكِ يا ولدي.. اصرخْ. البكاء يشرح الصدر، ويخفّف عن القلب، إبْكِ.
واستمرّ أندريه يبكي. استيقظ الجميع، وتطلّعوا إليه بعيون متسائلة. وسأله الرجل المسنّ: ماذا حدث ؟ قُل ماذا حدث ؟
انتزع أندريه نفسه من أحضان الرجل، فأتّكأ على الجدار، وراح يحدّق في السماء: نجوم متلألئة، وسِرب من الحمائم يطير ويعلو في الفضاء. أغمض عينيه ولم يُجب عن السؤال، وقال في نفسه: ليتني لم أستيقظ من النوم!
وجاءه صوت الرجل المسنّ:
ـ لماذا لا تتلكّم ؟ قل ماذا حدث ؟ هل رأيتَ حلماً ؟ ماذا رأيت ؟
التقت نظراته بنظرات الرجل الودودة، وأفهمه بإشارة من يده أنّه عاجز عن الكلام. ارتسمت على وجه الرجل علامات الحزن والأسى، فنهض واقفاً وأدار ظهره إلى أندريه محاولاً التستّر على دمعة سالت من عينه، لكنّ أندريه لاحظ اهتزاز كتفَي الرجل المسنّ.
* * *
كان الأب في اشتياق عميق، والأمّ تكاد تطير من الفرح. إنّهم يريدون العودة إلى إيران بعد غياب جدّ طويل، وسوف يلتقون بالأقرباء إن استطاعوا أن يتعرّفوا على أحد منهم. وكان أندريه وأخته (ألنا) فَرِحَين، مع أنّهما لم يشاهدا إيران من قبل. وبعد أن اجتازوا نقطة الحدود... كان الأب يحكي لابنه ـ وهو يقود السيّارة ـ عن المناطق التي يمرّون بها، وقد غلبه الشوق وطارت به الذكريات القديمة. كان الأب مأخوذاً بأشواقه وذكرياته.. حتّى أنّه لم ينتبه إلى الشاحنة الكبيرة المسرعة التي ظهرت أمامهم في الطريق. ولمّا فطن إلى الشاحنة المقبلة كانت صرخات الفزع تنطلق من زوجته وابنته وولده ممتزجةً بصوت اصطدام مَهيب. وفي الحال: قُتل الأبوان، ونُقل أندريه وألنا إلى المستشفى، وفقد أندريه قدرته على الكلام.
وخرجا من المستشفى، فلم تتحمّل ألنا البقاء وعزمت على العودة إلى أزبكستان، لكنّ أندريه آثر البقاء في إيران على الرغم من إلحاح أخته، وعلى الرغم ممّا في بقائه من مشقّات.
وشاء القضاء أن يعيش أندريه في أُسرة جديدة غير أُسرته: زوج وزوجة في عمر الشباب يعيشان في مدينة (هَمَدان) لم يُرزَقا ولداً منذ زواجهما قبل بضع سنين، فاختضنا أندريه ولداً لهما. ولم يدَّخِّر الأبوان الجديدان وسعاً في البحث عن علاج لأندريه، ولكن دونما جدوى. وكان أندريه يلاحظ أنّ هذين الزوجين كثيراً ما يتوجّهان إلى الله تعالى بالدعاء لشفائه وسلامته، وكثيراً ما كان هو يشاركهم في دعواتهم بصمت.
ومرّت سنوات.. كبر خلالها أندريه، وغدا شاباً، فاحترف تصليح الساعات في أحد المحلاّت. لكنّ الهمّ المتّصل الذي يشغل قلبه قد جعله انطوائيّاً قليل العلاقات.
في أحد الأيّام جاءه الأب (الجديد) مُغرورِق العين بالدموع، وهو يقول:
ـ ولدي أندريه، صحيح أنّ كلّ الأطبّاء قد عجزوا عن علاجك، لكنّنا ـ نحن المسلمين ـ عندنا دكتور نذهب إليه عندما نيأس من الجميع، فإذا أردتَ أخذتُك إليه.
نظر أندريه إلى الأب نظرة مليئة بالرجاء، وغدت صورة وجه الأب مهتزّة غائمة: لقد كان ينظر إليه من خلال الدموع. ولمّا أطبق أندريه جفنيه هبطت على خدّيه دمعتان كاللؤلؤ الشفّاف.
وخرجا من المستشفى، فلم تتحمّل ألنا البقاء وعزمت على العودة إلى أزبكستان، لكنّ أندريه آثر البقاء في إيران على الرغم من إلحاح أخته، وعلى الرغم ممّا في بقائه من مشقّات.
وشاء القضاء أن يعيش أندريه في أُسرة جديدة غير أُسرته: زوج وزوجة في عمر الشباب يعيشان في مدينة (هَمَدان) لم يُرزَقا ولداً منذ زواجهما قبل بضع سنين، فاختضنا أندريه ولداً لهما. ولم يدَّخِّر الأبوان الجديدان وسعاً في البحث عن علاج لأندريه، ولكن دونما جدوى. وكان أندريه يلاحظ أنّ هذين الزوجين كثيراً ما يتوجّهان إلى الله تعالى بالدعاء لشفائه وسلامته، وكثيراً ما كان هو يشاركهم في دعواتهم بصمت.
ومرّت سنوات.. كبر خلالها أندريه، وغدا شاباً، فاحترف تصليح الساعات في أحد المحلاّت. لكنّ الهمّ المتّصل الذي يشغل قلبه قد جعله انطوائيّاً قليل العلاقات.
في أحد الأيّام جاءه الأب (الجديد) مُغرورِق العين بالدموع، وهو يقول:
ـ ولدي أندريه، صحيح أنّ كلّ الأطبّاء قد عجزوا عن علاجك، لكنّنا ـ نحن المسلمين ـ عندنا دكتور نذهب إليه عندما نيأس من الجميع، فإذا أردتَ أخذتُك إليه.
نظر أندريه إلى الأب نظرة مليئة بالرجاء، وغدت صورة وجه الأب مهتزّة غائمة: لقد كان ينظر إليه من خلال الدموع. ولمّا أطبق أندريه جفنيه هبطت على خدّيه دمعتان كاللؤلؤ الشفّاف.
* * *
لأوّل مرّة يشاهد أندريه مثل هذا المكان. إنه لا يشبه على الأطلاق الكنيسة التي كان يذهب اليها بصحبة أبوَيه وأخته في أيّام الآحاد. الصحن غاصّ بالناس المتوجّهين إلى الضراعة والمناجاة. ولَفَتت نظره بشكل خاصَ تلكم الحمائم التي كانت تطير أحياناً مارّةً بحفيف أجنحتها من فوق رؤوس الزائرين، ثمّ تحلّق لتحطّ على القبّة الذهبيّة في روضة الإمام الرضا عليه السّلام.
صحب الأبُ أندريه في الصحن العتيق حتّى أوصله إلى الشبّاك الفولاذيّ حيث تجمهر عدد من الذين جاءوا لطلب الحاجات. أجلسه على الأرض، وربط حول عنقه حبلاً، ثمّ عقد طرفَه الآخر في مشبّك النافذة الفولاذيّة المطلّة على داخل الروضة الطاهرة. وأدهش أندريه ما فعله الأب: ترى.. أيّ نوع من الأطبّاء هذا الذي جيء به عبر كلّ هذه المسافات إليه ؟! وما إن اطمأنّ الأب إلى موضع أندريه حتّى غادره ومضى إلى داخل الروضة. كان أندريه متعباً من طول السفر، وما هي إلاّ لحظات حتّى اتّكأ على الجدار، وأخلد إلى النوم:
* تراءى له نور خاطف يتّجه إليه. وحاول أن يمسك بالنور.. فما استطاع. ثمّ اختفى النور. مرّة أخرى ظهر له نور أخضر يُقبل إليه. وسمع من داخل النور صوتاً يناديه:
ـ أندريه... أندريه...
وأفاق من نومته متضجّراً. كان الليل قد هبط منذ زمان، والسماء مقمرة، والصحن مفعم بصمت روحانيّ. وثمّة خادم كبير السنّ من خدمة الحرم واقف ناحيةً يتطلّع إليه. ودقّت ساعة الحرم الكبيرة مرّات عديدة. وتمنّى أندريه لو ينام من جديد، ليرى ذلكم النور وليسمع ذلكم الصوت الملكوتي. وعندها دنا منه الخادم المسنّ.
صحب الأبُ أندريه في الصحن العتيق حتّى أوصله إلى الشبّاك الفولاذيّ حيث تجمهر عدد من الذين جاءوا لطلب الحاجات. أجلسه على الأرض، وربط حول عنقه حبلاً، ثمّ عقد طرفَه الآخر في مشبّك النافذة الفولاذيّة المطلّة على داخل الروضة الطاهرة. وأدهش أندريه ما فعله الأب: ترى.. أيّ نوع من الأطبّاء هذا الذي جيء به عبر كلّ هذه المسافات إليه ؟! وما إن اطمأنّ الأب إلى موضع أندريه حتّى غادره ومضى إلى داخل الروضة. كان أندريه متعباً من طول السفر، وما هي إلاّ لحظات حتّى اتّكأ على الجدار، وأخلد إلى النوم:
* تراءى له نور خاطف يتّجه إليه. وحاول أن يمسك بالنور.. فما استطاع. ثمّ اختفى النور. مرّة أخرى ظهر له نور أخضر يُقبل إليه. وسمع من داخل النور صوتاً يناديه:
ـ أندريه... أندريه...
وأفاق من نومته متضجّراً. كان الليل قد هبط منذ زمان، والسماء مقمرة، والصحن مفعم بصمت روحانيّ. وثمّة خادم كبير السنّ من خدمة الحرم واقف ناحيةً يتطلّع إليه. ودقّت ساعة الحرم الكبيرة مرّات عديدة. وتمنّى أندريه لو ينام من جديد، ليرى ذلكم النور وليسمع ذلكم الصوت الملكوتي. وعندها دنا منه الخادم المسنّ.
* * *
هو النور نفسه من جديد. هذه المرّة: أزرق، أخضر، أبيض.. كلاّ، لم يستطع أن يميّزه. كان نوراً من كلّ
الألوان يقبل نحوه ثمّ ينعطف عائداً من حيث جاء! وتحيّر أندريه: كلّما مدّ يده للإمساك بالنور أفلت منه. وفجأةً سمع صوتاً من داخل النور، صوتاً غير مألوف على الأرض، صوتاً كأنّه قادم من أعماق السماء.. يناديه:
ـ أندريه... أندريه...
أراد أن يصرخ فما استطاع.. وغاب النور. وأفاق أندريه مرّة أخرى من النوم.
الرجل المسنّ تطلّع إلى عنق أندريه، فأدهشه أن يرى عليه صليباً معلّقاً:
ـ هل أنت.. هل أنت مسيحيّ ؟
أجاب أندريه بإشارة من رأسه. ومدّ الرجل يده فانتزع الصليب من عنق أندريه، ثمّ أخرج منديلاً مسح به العرَق الذي كان يَندى به وجه الشابّ ورأسه. أسند الرجل رأس أندريه برفق إلى رُكبته، وقال له:
ـ نَم الآن، لن ترى حلماً مزعجاً بعد الآن.
أطبق أندريه جفنيه، وسرعان ما أخذه النوم: نور آخر، أخضر هذه المرّة. بسهولة يستطيع أن يميّزه.. وأقبل النور إليه، والصوت من داخله أيضاً يسأله:
ـ ما اسمك ؟
اهتزّ أندريه في الرؤيا واحتوَتْه الدهشة: كان قد سمع النور يناديه باسمه مِن قبل، فلماذا يسأله الآن عن اسمه ؟! تحيّر، وما أسعفته قدرته على الجواب. وجاء الصوت مرّة أخرى من داخل النور:
ـ قل ما اسمك.
أومأ أندريه إلى لسانه ليقول إنّه غير قادر على النطق والكلام. عندها شاهد يداً عليها كُمّ أخضر فاتح اللون تَخرُج من قلب النور. امتدت إليه كفّها ومسحت على لسانه.
ـ قل الآن ما اسمك ؟
ورُوَيداً رُوَيداً.. بدأ أندريه ينطق، قال:
ـ أنـ... أند... أندر...
لكنّه ما قدر أن ينطق باسمه كاملاً. ومن جديد سمع الصوت من قلب النور يناديه:
ـ قُل. قُل ما اسمك ؟
فتح أندريه فمه، وحرّك لسانه، ثمّ صاح بصوتٍ واثق رفيع:
ـ اسمي رضا، رضا...
* كان رضا بين الأيدي كقارب بين الأمواج. تخرّقت ثيابه التي على بدنه قطعةً قطعة، طلباً من الناس للتبرّك. وارتفع صوت نقّارة الحرم
الألوان يقبل نحوه ثمّ ينعطف عائداً من حيث جاء! وتحيّر أندريه: كلّما مدّ يده للإمساك بالنور أفلت منه. وفجأةً سمع صوتاً من داخل النور، صوتاً غير مألوف على الأرض، صوتاً كأنّه قادم من أعماق السماء.. يناديه:
ـ أندريه... أندريه...
أراد أن يصرخ فما استطاع.. وغاب النور. وأفاق أندريه مرّة أخرى من النوم.
الرجل المسنّ تطلّع إلى عنق أندريه، فأدهشه أن يرى عليه صليباً معلّقاً:
ـ هل أنت.. هل أنت مسيحيّ ؟
أجاب أندريه بإشارة من رأسه. ومدّ الرجل يده فانتزع الصليب من عنق أندريه، ثمّ أخرج منديلاً مسح به العرَق الذي كان يَندى به وجه الشابّ ورأسه. أسند الرجل رأس أندريه برفق إلى رُكبته، وقال له:
ـ نَم الآن، لن ترى حلماً مزعجاً بعد الآن.
أطبق أندريه جفنيه، وسرعان ما أخذه النوم: نور آخر، أخضر هذه المرّة. بسهولة يستطيع أن يميّزه.. وأقبل النور إليه، والصوت من داخله أيضاً يسأله:
ـ ما اسمك ؟
اهتزّ أندريه في الرؤيا واحتوَتْه الدهشة: كان قد سمع النور يناديه باسمه مِن قبل، فلماذا يسأله الآن عن اسمه ؟! تحيّر، وما أسعفته قدرته على الجواب. وجاء الصوت مرّة أخرى من داخل النور:
ـ قل ما اسمك.
أومأ أندريه إلى لسانه ليقول إنّه غير قادر على النطق والكلام. عندها شاهد يداً عليها كُمّ أخضر فاتح اللون تَخرُج من قلب النور. امتدت إليه كفّها ومسحت على لسانه.
ـ قل الآن ما اسمك ؟
ورُوَيداً رُوَيداً.. بدأ أندريه ينطق، قال:
ـ أنـ... أند... أندر...
لكنّه ما قدر أن ينطق باسمه كاملاً. ومن جديد سمع الصوت من قلب النور يناديه:
ـ قُل. قُل ما اسمك ؟
فتح أندريه فمه، وحرّك لسانه، ثمّ صاح بصوتٍ واثق رفيع:
ـ اسمي رضا، رضا...
* كان رضا بين الأيدي كقارب بين الأمواج. تخرّقت ثيابه التي على بدنه قطعةً قطعة، طلباً من الناس للتبرّك. وارتفع صوت نقّارة الحرم
يشاركه مَسَرّته. ما أروع هذه المشاعر المعنويّة الشفّافة! وما أقدس هذه العظَمة الخالدة!