من هو صاحب الخلق العظيم؟
صاحب الخُلق العظيم
حين يصف الحقُّ جلّ جلاله أحداً بصفات العظَمة فلابدّ أن يكون الموصوف عظيماً من غير النمط الذي تَوارَد البشرُ على وصفه.
ولقد خاطب الله تعالى رسوله محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله القرآنيّ {وإنّكَ لَعلى خُلُقٍ عظيمٍ}.
كما أنّ العظيم الأعظم لا يقول لأحد إنّه عظيم إلاّ إذا كان المخاطَب في غاية العظَمة في ميزان الله سبحانه، وذلك فضل من الله خصّ به محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) من بين سائر مَن خلَق واصطفى {وعلّمكَ مالَم تكن تَعلمُ، وكانَ فضلُ اللهِ عليكَ عظيماً}.
وهذه الآية إنّماتشير إلى المقامات المعرفيّة التوحيديّة التي وهبها اللهُ النبيَّ، وعبّر عنها (صلى الله عليه وآله وسلم) في مثل قوله عُلِّمتُ علومَ الأوّلين والآخرين، وفي مثل قوله يعترف بتعلّمه على يدَي الله، وتربيته على عينه سبحانه وتعالى (علّمني ربيّ وأدّبني ربيّ، فأحسنَ تعليمي وأحسنَ تربيتي)
وثمّة تناسب محتوم بين مقام كلّ نبيّ والكتاب المنزل عليه، وقد وصف اللهُ القرآن بالعظمة لهذا التناسب بين مقام رسوله محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكتابه القرآن {ولَقد آتَيْناكَ سَبْعاً مِن المَثاني والقرآنَ العظيمَ}.
وقالت إحدى زوجاته (صلى الله عليه وآله وسلم) حين سئلت عن خُلقه كان خُلقه القرآن
الخُلق المحمّديّ العظيم هو خُلق الله تعالى في عالمَي الجمال والجلال.
أوَ ليس هو البرزخ الجامع للعوالم قاطبة؟ نفهم الآن إذَن معنى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) مَن رآني رأى الحقّ.
ونستمدّ هذا المعنى من قول القرآن العظيم في المعنى الإلهيّ للنبيّ: {وما رَمَيْتَ إذ رَميتَ، ولكنّ الله رَمى} .
وتكون طاعة الناس للنبيّ، في مقام رسالته، طاعةً لله: ومَن يُطعِ الرسولَ فقد أطاعَ الله ، لأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) الناطق عن الله، المبرّأ من شبهات الأهواء وما يَنطِقُ عن الهوى.
هذه المعاني الشريفة في الخُلق المحمّديّ العظيم كلّها من مظاهر الطُّهر الإلهيّ، وقد طهّر الله عزّوجلّ نبيَّه وأهلَ بيته الهداة تطهيراً تَفرّدوا به لا يَشرَكُهم فيه أحد، ولا يقاس بهم فيه أحد، وقد حكى القرآن هذا التطهيرَ القدسيّ في آية التطهير، بقوله {إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عنكمُ الرِّجسَ أهلَ البيتِ ـ ويُطهِّرَكم تطهيراً}.
هذا التطهير يدلّ إذَن على مقاماتِ النبيّ وأهل البيت الخاصّة التي لا تضمّ اليهم فيها سواهم (صلوات الله عليهم أجمعين). ولم تضمَّ حتّى زوجتَه الصالحة أُمّ سلَمة التي كانت حاضرة لدى نزول الآية، في ضمن حادثة تَلفُّع النبيّ وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) بالكِساء اليَمانيّ، يومَها سألَتْ أُمُّ سلمة وأنا معهم يا رسول الله؟ فقال لها (صلى الله عليه وآله وسلم) لا، ولكنّكِ على خير.
هذا الطُّهر العُلْويّ المصفّى الذي فعله الحقّ تعالى بالنبيّ وأهل بيته يعني أشياء كثيرة وفيرة، منهامقام العصمة الخالصة، بكلّ آفاقها وميادينها، العصمة في التلقّي عن الله، والعصمة في ضبط ما يُتلقّى، والعصمة في التبليغ، والعصمة في العمل والسلوك. وينفرد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بين سائر الأطهار المشمولين بآية التطهير
بمقام الرسالة وتلقّي الوحي الخاصّ
نسالكم الدعاء
تعليق