بسم الله الرحمن الرحيم
أنقل لكم نبذه من مواقف الحر بن يزيد الرياحي (رضي الله عنه)
جاء ابن سعد لقتال الحسين (عليه السلام) بأربعة آلاف، و انضمّ إليه الحرّ و أصحابه فصار في خمسة آلاف، و تتابعت عليه الرايات و الجيوش و تقابلا للحرب، فقال الحر لعمر بن سعد: أصلحك الله! أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال عمر: إي والله قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس و تطيح الأيدي.
قال الحر: أفمالك في واحدة من الخصال التي عرض عليك رضا؟
فقال عمر: أما والله لو كان الأمر إليّ لفعلت، و لكن أميرك قد أبى.
فأقبل الحرّ حتى وقف من الناس موقفاً و معه رجل من قومه يقال له قرّة بن قيس الرياحي، فقال له: يا قرّة هل سقيت فرسك اليوم؟ قال: لا! قال: فما تريد أن تسقيه؟ قال: فظظنت والله أنه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال، فقلت أنا منطلق فأسقيه، فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه، فو الله لو أطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين (عليه السلام).
فأخذ الحر يدنو من الحسين قليلاً قليلاً، فقال له المهاجر بن أوس: ما تريد يا ابن يزيد أتريد أن تحمل؟ فلم يجبه و أخذه مثل العرواء ، فقال له المهاجر: ان أمرك لمريب! و ما رأيت منك في موقف قط مثل الذي أراه الآن؟ و لو قيل لي: من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك؟
فقال الحر: اني والله أخيّر نفسي بين الجنّة و النار، و و الله لا أختار على الجنّة شيئاً و لو قطّعت و حرّقت، ثم ضرب فرسه قاصداً إلى الحسين (عليه السلام) و يده على رأسه و هو يقول: أللهم إليك أنيب فتب عليّ فقد أرعبت قلوب أوليائك و أولاد بنت نبيّك، فلما دنا منهم قلب ترسه فقالوا: مستأمن، حتى إذا عرفوه سلّم على الحسين و قال: جعلني الله فداك يا ابن رسول الله! أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع و سايرتك في الطريق و جعجعت بك في هذا المكان! والله الذي لا إله إلا هو ما ظننت أن القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم أبداً، و والله لو ظننتهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك. و إني قد جئتك تائباً مما كان منّي إلى الله و مواسياً لك بنفسي حتى أموت بين يديك. فهل ترى لي من توبة؟
قال (عليه السلام): «نعم! يتوب الله عليك و يغفر لك، فانزل».
قال: أنا لك فارساً خيرٌ منّي راجلاً، أقاتلهم على فرسي ساعة و إلى النزول يصير آخر أمري.
قال (عليه السلام): «فاصنع ـ يرحمك الله ـ مابدا لك».
فتقدّم الحرّ أمام أصحاب الحسين و خاطب عسكر الأعداء قائلاً: أيها القوم! ألا تقبلون من الحسين خصلة من هذه الخصال التي عرضها عليكم فيعافيكم الله من حربه و قتاله؟ أدعوتم هذا العبد الصالح حتى إذا جاءكم أسلمتموه، و زعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه، و أخذتم بكظمه، و أحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجّه في بلاد الله فصار كالأسير في أيديكم، وحرمتموه و نساءه و صبيته و أصحابه عن ماء الفرات، لاسقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا عمّا أنتم عليه. فحملت عليه الرجال ترميه بالنبل، فرجع حتى وقف أمام الحسين (عليه السلام).
شهادة الحرّ (رحمة الله عليه):
استأذن الحرّ الحسين (عليه السلام) للقتال، فأذن له، فحمل على أصحاب عمر بن سعد و جعل يرتجز و يقول:
إني انا الحر و مأوى الضيف ـــــ أضرب في أعراضكم بالسيف
عن خير من حلّ بلاد الخيف ــــ أضربكم و لا أرى من حيف
عن خير من حلّ بلاد الخيف ــــ أضربكم و لا أرى من حيف
فبينما الناس يتجاولون و يقتتلون، و الحر بن يزيد يحمل على القوم مقدماً و يتمثل بقول عنترة:
ما زلت أرميهم بثغرة نحره ـــ و لبانه حتى تسربل بالدم
و أن فرسه لمضروب على أذنيه و حاجبيه و أن دماءه لتسيل إذ قال الحصين بن تميم التميمي ليزيد بن سفيان: هذا الحرّ الذي كنت تتمنّاه. قال نعم! و خرج إليه فقال له: هل لك يا حرّ بالمبارزة؟ قال: نعم قد شئت، فبرز له، قال الحصين: و كنت أنظر اليه فو الله لكأن نفسه كانت في يد الحر، فخرج إليه فما لبث الحر أن قتله.و يروي أبو مخنف عن أيوب بن مشرح الخيواني أنه كان يقول: جال الحر على فرسه فرميته بسهم فحشأت فرسه، فما لبث أن أرعد الفرس و اضطرب و كبا، فوثب عنه الحر و كأنه ليث و السيف في يده و هو يقول:
إن تعقروا بي فأنا ابن الحرّ ــــ أشجع من ذي لبد هزبر
قال: فما رأيت احداً يفري فريه، و أخذ يقاتل راجلاً و هو يقول:آليت لا أقتل حتى أقتلا ـــــ و لن اُصاب اليوم إلا مقبلا
أضربهم بالسيف ضرباً معضلا ـــــ لا ناكلاً عنهم و لا مهلّلا
لا عاجزاً عنهم و لا مبدّلا ـــــ أحمي الحسين الماجد المؤملا
و جعل يضربهم بسيفه حتى قتل نيفاً و أربعين رجلاً، ثمّ حملت الرجالة على الحر و تكاثروا عليه فاشترك في قتله أيوب بن مسرح و رجل آخر في فرسان الكوفة، فاحتمله أصحاب الحسين حتى وضعوه بين يديه (ع) و به رمق، فجعل يمسح التراب عن وجهه و يقول: أنت الحرّ كما سمتك اُمّك، حرٌّ في الدنيا و سعيد في الآخرة.أضربهم بالسيف ضرباً معضلا ـــــ لا ناكلاً عنهم و لا مهلّلا
لا عاجزاً عنهم و لا مبدّلا ـــــ أحمي الحسين الماجد المؤملا
و قبر الحرّ على فرسخ من مدينة كربلاء المقدّسة في مشهد مزور معظم، و لا يدري ما سبب دفنه هناك. و يدور على الألسن أن قومه أو غيرهم نقلوه من موضع المعركة فدفنوه هناك.
السلام على الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
تعليق