السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جاء في تفسير القمي: وأمّا قوله: (( إِنَّ الله لاَ يَستَحيِي أَن يَضرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِم وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفَاسِقِينَ )) (البقرة:26) فإنّه قال الصادق (ع) ان هذا القول من الله عزّوجلّ رد على من زعم انّ الله تبارك وتعالى يضل العباد ثم يعذبهم على ضلالتهم فقال الله عزّوجلّ: (( إِنَّ الله لاَ يَستَحيِي أَن يَضرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوقَهَا )).
قال: وحدّثني أبي عن النصر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله (ع): أن هذا المثل ضربه الله لأمير المؤمنين (ع) فالبعوضة أمير المؤمنين (ع) وما فوقها رسول الله (ص) والدليل على ذلك قوله: (( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِم )), يعني أمير المؤمنين كما أخذ رسول الله (ص) الميثاق عليهم له: (( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً )) فرد الله عليهم فقال: (( وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهدَ اللَّهِ مِن بَعدِ مِيثَاقِهِ - في علي - وَيَقطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ - يعني أمير المؤمنين (ع) والأئمّة (ع) - وَيُفسِدُونَ فِي الأَرضِ أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ )) (البقرة:26ـ27) (تفسير القمي 1:34).
ولو تأملنا في الروايتين أعلاه اللتين أوردهما القمي في تفسير هذه الآية عن الإمام الصادق (ع) وحاولنا أن نفهمهما بالمقارنة بينهما ونستكشف وجود الرابط بين قول الإمام (ع) في الرواية الأولى: (ان هذا القول من الله عزّوجلّ رد على من زعم أن الله تبارك وتعالى يضل العباد...) وبين قوله (ع) في الرواية الثانية: (انّ هذا المثل ضربه الله لأمير المؤمنين (ع) فالبعوضة أمير المؤمنين (ع)...).
نجد ان هناك إشارة لاعتراض قوم قد يكونوا في زمن رسول الله (ص) على قضية حدث فيها أخذ ورد وقبول ورفض بل اعتراض على الله من أن هذه القضية تدفعنا إلى طريق الضلالة وان هذه الضلالة سببها الله (أعوذ بالله) لأنه هو مصدر هذه القضية مع إشارة لارتباطها بعلي بن أبي طالب، وان المثل ضرب من أجله وان الله يقرع من يعترض على هذه القضية ويمثل في ضمن تقريعه بمثل وهو البعوضة, ثم التأكيد على أن الحق عند المؤمنين وما يضل به إلا الفاسقين.
ونحن نعرف ان المثل يضرب لتقريب وتصوير المعنى للذهن بل محاولة تجسيده حسياً في خيال السامع وانّه أبلغ في البيان.
مع أن المثل لا ينطبق على ما يراد أن يمثل له واقعاً بل لا يعدو الأمر إلا وجود ارتباط في المعنى بينهما من وجه ما هو مورد ضرب المثل والغاية المتوخاة منه.
ولكن نجد ان الرواية الثانية لم تفصح بالمراد من هذا المثل ولم تكشف لنا معناه مع ما نعرف من أن لآيات القرآن أهل يفسرونها ويرجعون غامضها إلى صريحها ومتشابهها إلى محكمها, مع انا لم نكن معاصرين لزمن من النزول حتى نعرف مورد نزول الآيات ولا طريق لنا إلاّ السماع من أهل الذكر ومن هو أعلم بأسباب نزولها, والاقتصار على هذه الرواية فقط يبقي المعنى مجملاً غير واضح ولا نعرف منها إلاّ أن هناك ارتباط ما بين المثل في الآية وعلي بن أبي طالب(ع), وإن لم ترض نفوسنا بهذا الاجمال فلابدّ لها ان تسأل من يبسطه ويوضحه لها.
وهذا ما فعله بعض شيعة أهل البيت (ع) فقد جاء في تفسير الإمام العسكري (ع) في رواية طويلة عن الإمام الباقر (ع) ان بعض الشيعة سألوه بقولهم: فإن بعض من ينتحل موالاتكم يزعم أن البعوضة علي (ع) وان ما فوقها - وهو الذباب - محمد رسول الله (ص)؟ فقال الباقر (ع): (سمع هؤلاء شيئاً (و) لم يضعوه على وجهه, إنّما كان رسول الله (ص) قاعداً ذات يوم هو وعلي (ع) إذ سمع قائلاً يقول: ما شاء الله وشاء محمد, وسمع آخر يقول: ما شاء الله وشاء علي, فقال رسول الله (ص): لا تقرنوا محمدا و (لا) علياً بالله عزّوجلّ ولكن قولوا: ما شاء الله ثم (شاء محمد ما شاء الله ثم) شاء علي. ان مشيئة الله هي القاهرة التي لا تساوى ولا تكافأ ولا تدانى وما محمد رسول الله في (دين) الله وفي قدرته إلاّ كذبابة تطير في هذه الممالك الواسعة, وما علي (ع) في (دين) الله وفي قدرته إلاّ كبعوضة في جملة هذه الممالك مع أنّ فضل الله تعالى على محمد وعلي هو الفضل الذي لا يفي به فضله على جميع خلقه من أول الدهر إلى آخره). هذا ما قال رسول الله (ص) في ذكر الذباب والبعوضة في هذا المكان فلا يدخل في قوله: (( إِنَّ الله لاَ يَستَحيِي أَن يَضرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً )) (تفسير الإمام العسكري: 210).
ومن هذه الرواية نعلم ان المثل قد ضربه النبي (ص) لتوضيح حقيقة القدرة الإلهية, وليس له علاقة في ظاهر الحال بالآية ولكن بعض الموالين اشتبه عليه الأمر وتواردت إلى ذهنه الآية الكريمة فلم يضع الحديث على وجهه كما وردت الإشارة إليه في تفسير القمي.
وأمّا تفسير الآية وعلاقتها بولاية علي (ع) فهو ما أشارت إليه الرواية المروية في (البحار) عن (تفسير النعماني) وهي رواية طويلة ذكر سندها هكذا:
قال أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني (رض) في كتابه في تفسير القرآن: حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال: حدّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي, عن إسماعيل بن مهران عن الحسن بن علي بن أبي حمزة, عن أبيه عن إسماعيل بن جابر قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع) يقول: - إلى أن قال -: (ولقد سأل أمير المؤمنين صلوات الله عليه شيعته عن مثل هذا فقال: - إلى أن قال في ضمن بيانه لمعنى الهدى في القرآن -: وأمّا معنى الهدى فقوله عزّوجلّ: (( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَومٍ هَادٍ )) (الرعد:7) ومعنى الهادي هاهنا المبين لما جاء به المنذر من عند الله وقد احتج قوم من المنافقين على الله تعالى: (( إِنَّ الله لاَ يَستَحيِي أَن يَضرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوقَهَا )) وذلك أن الله تعالى لما أنزل على نبيه (ص): (( وَلِكُلِّ قَومٍ هَادٍ )) فقال طائفة من المنافقين (( مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفَاسِقِينَ... أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ )).
فهذا معنى الضلال المنسوب إليه تعالى لأنّه أقام لهم الإمام الهادي لما جاء به المنذر فخالفوه وصرفوا عنه, بعد أن أقروا بفرض طاعته ولما بين لهم ما يأخذون وما يذرون فخالفوه ضلوا, هذا مع علمهم بما قاله النبي (ص) وهو قوله: (لا تصلوا عليَّ صلاة مبتورة إذا صليتم علي بل صلّوا على أهل بيتي ولا تقطعوهم مني, فإن كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي) ولما خالفوا الله تعالى ضلوا وأضلوا فحذر الله تعالى الأمة من اتباعهم (البحار 93: 13).
بل وردت رواية في تفسير الإمام العسكري (ع) عن الإمام الباقر (ع) في تفسير الآية بصورة أكثر تفصيلاً - قوله عزّوجلّ: (( إِنَّ الله لاَ يَستَحيِي أَن يَضرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِم وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهدَ اللَّهِ مِن بَعدِ مِيثَاقِهِ وَيَقطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفسِدُونَ فِي الأَرضِ أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ )) (البقرة:26-27).
قال الإمام (ع) (أي الإمام العسكري (ع ): قال الإمام الباقر (ع): فلما قال الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ )) وذكر الذباب في قوله: (( إِنَّ الَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخلُقُوا ذُبَابًا )) الآية، ولما قال:(( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَولِيَاء كَمَثَلِ العَنكَبُوتِ اتَّخَذَت بَيتًا وَإِنَّ أَوهَنَ البُيُوتِ لَبَيتُ العَنكَبُوتِ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ )) (العنكبوت:41)، وضرب المثل في هذه السورة بالذي استوقد ناراً وبالصيب من السماء, قالت الكفار والنواصب (لاحظ فإن قوله نواصب فيه إشارة ودلالة لا تخفى على المتأمل): وما هذا من الأمثال فيضرب؟! يريدون به الطعن على رسول الله(ص). فقال الله: يا محمد (( إن الله لا يستحي )) لا يترك حياء (( أَن يَضرِبَ مَثَلاً )) للحق ويوضحه به عند عباده المؤمنين (( مَّا بَعُوضَةً )) أي ما هو بعوضة المثل (( فَمَا فَوقَهَا )) فوق البعوضة وهو الذباب يضرب به المثل إذا علم أن فيه صلاح عباده ونفعهم (( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا )) بالله وبولاية محمد (ص) وعلي وآلهما الطيبين (لاحظ أيضا!), وسلم لرسول الله (ص) وللأئمة (ع) أحكامهم وأخبارهم وأحوالهم (و) لم يقابلهم في أمورهم, ولم يتعاط الدخول في أسرارهم ولم يفش شيئاً مما يقف عليه منها إلاّ باذنهم (( فَيَعلَمُونَ )) يعلم هؤلاء المؤمنون الذين هذه صفتهم (انه) المثل المضروب (( الحَقُّ مِن رَّبِّهِم )) أراد به الحق وابانته, والكشف عنه وايضاحه, (( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا )) بمحمد (ص) بمعارضتهم (له) في علي بلم؟ وكيف؟ (لاحظ أيضاً!) وتركهم الانقياد له في سائر ما أمر به (( فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً )) يقول الذين كفروا: ان الله يضل بهذا المثل كثيراً ويهدي به كثيراً, (أي) فلا معنى للمثل, لأنه وأن نفع به من يهديه فهو يضرّ به من يضل (ه) به, فرد الله تعالى عليهم قيلهم, فقال (( وَمَا يُضِلُّ بِهِ )) يعني ما يضل الله بالمثل (( إِلاَّ الفَاسِقِينَ )) الجانين على أنفسهم بترك تأمله وبوضعه على خلاف ما أمر الله بوضعه عليه.
ثم وصف هؤلاء الفاسقين الخارجين عن دين الله وطاعته منهم, فقال عز ّوجلّ (( الذين ينقضون عهد الله )) المأخوذ عليهم لله بالربوبية, ولمحمد (ص) بالنبوة, ولعلي بالإمامة ولشيعتهما بالمحبة والكرامة (( مِن بَعدِ مِيثَاقِهِ )) أحكامه وتغليظه (( وَيَقطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ )) من الأرحام والقربات أن يتعاهدوهم ويقضوا حقوقهم, وأفضل رحم وأوجبه حقاً رحم محمد (ص) فإن حقهم بمحمد (ص) كما ان حق قرابات الإنسان بأبيه وأمه ومحمد (ص) أعظم حقاً من أبويه, وكذلك حق رحمه أعظم, وقطيعته (أقطع) وأفضع وأفضح, (( وَيُفسِدُونَ فِي الأَرضِ )) بالبراءة ممن فرض الله إمامته واعتقاد إمامة من قد فرض الله مخالفته (( أُولَئِكَ )) أهل هذه الصفة (( أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ )) خسروا أنفسهم لما صاروا إلى النيران وحرموا الجنان فيا لها من خسارة ألزمتهم عذاب الأبد وحرمتهم نعيم الأبد.
(قال): وقال الباقر (ع): (ألا ومن سلـّم لنا ما لا يدريه, ثقة بأنا محقون عالمون لا نقف به إلاّ على أوضح المحجات, سلم الله تعالى إليه من قصور الجنة أيضاً ما لا (يعلم قدرها هو, ولا) يقادر قدرها إلاّ خالقها وواهبها, (ألا و) من ترك المراء والجدال واقتصر على التسليم لنا, وترك الأذى حبسه الله على الصراط فجاءته الملائكة تجادله على أعماله وتواقفه على ذنوبه فإذا النداء من قبل الله عزّوجلّ: يا ملائكتي عبدي هذا لم يجادل وسلـّم الأمر لأئمته, فلا تجادلوه وسلموه في جناني إلى أئمته يكون متبجحاً فيها, بقربهم كما كان مسلـّماً في الدنيا لهم.
وأمّا من عارضنا بلم؟ وكيف؟ ونقض الجملة بالتفصيل, قالت له الملائكة على الصراط: واقفنا يا عبد الله, وجادلنا على أعمالك كما جادلت (أنت) في الدنيا الحاكين لك (عن) أئمتك, فيأتيهم النداء: صدقتم بما عامل فعاملوه, ألا فواقفوه, فيواقف ويطول حسابه ويشتد في ذلك الحساب عذابه, فما أعظم هناك الندامة, وأشد حسراته, لا ينجيه هناك إلاّ رحمة الله إن لم يكن فارق في الدنيا جملة دينه وإلاّ فهو في النار أبد الآباد).
(و) قال الباقر (ع): (ويقال للموفي بعهوده في الدنيا في نذوره وإيمانه ومواعيده: يا أيتها الملائكة وفى هذا العبد في الدنيا بعهوده فأوفوا له هاهنا بما وعدناه وسامحوه ولا تناقشوه فحينئذ تصيره الملائكة إلى الجنان, وأما من قطع رحمه فإن كان وصل رحم محمد (ص) و (قد) قطع رحم نفسه شفع أرحام محمد (ص) (له) إلى رحمه, وقالوا (له): لك من حسناتنا وطاعاتنا ما شئت فاعف عنه, فيعطونه منها ما شاء فيعفو عنه ويعطي الله المعطين ما لا ينفعهم ولا ينقصهم وان (كان) وصل أرحام نفسه وقطع أرحام محمد (ص) بأن جحد حقوقهم ودفعهم عن واجبهم وسمى غيرهم بأسمائهم ولقب غيرهم بألقابهم ونبز بالألقاب القبيحة مخالفيه من أهل ولايتهم.
قيل له: يا عبد الله اكتسبت عداوة آل محمد الطهر أئمتك لصداقة هؤلاء, فاستعن بهم الآن ليعينوك, فلا يجد معيناً ولا مغنياً ويصير إلى العذاب الأليم المهين).
قال الباقر (ع): (ومن سمانا بأسمائنا ولقبنا بألقابنا ولم يسم أضدادنا بأسمائنا ولم يلقبهم بألقابنا إلاّ عند الضرورة التي عند مثلها نسمي نحن, ونلقب أعدائنا بأسمائنا وألقابنا, فإنّ الله عزّوجلّ يقول لنا يوم القيامة: اقترحوا لأوليائكم هؤلاء ما تعينوهم به, فنقترح لهم على الله عزّوجلّ ما يكون قدر الدنيا كلها فيه كقدر خردلة في السماوات والأرض فيعطيهم الله تعالى إياه, ويضاعفه لهم (أضعافا) مضاعفات).
فقيل للباقر (ع): فإن بعض من ينتحل موالاتكم يزعم ان البعوضة علي (ع) وإن ما فوقها وهو الذباب محمد رسول الله (ص) فقال الباقر (ع): (سمع هؤلاء...) إلى آخر ما نقلناه سابقاً من هذه الرواية (تفسير العسكري: 205).
ومن كل ما نقلنا يتضح أن للآية والمثل الذي فيها علاقة باثبات ولاية علي (ع) من الله وما اعترض عليها المنافقون والنواصب, ولكن لم تنقله لنا رواية (تفسير القمي) بصورة دقيقة أما لأن الراوي لم يفهمه على وجهه كما أشار الإمام الباقر (ع), وأما تقية عن التفصيل أو للإجمال أو النسيان ولكن الأمر سهل بوجود هذه الروايات الأخر التي بينت لنا المراد.
جاء في تفسير القمي: وأمّا قوله: (( إِنَّ الله لاَ يَستَحيِي أَن يَضرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِم وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفَاسِقِينَ )) (البقرة:26) فإنّه قال الصادق (ع) ان هذا القول من الله عزّوجلّ رد على من زعم انّ الله تبارك وتعالى يضل العباد ثم يعذبهم على ضلالتهم فقال الله عزّوجلّ: (( إِنَّ الله لاَ يَستَحيِي أَن يَضرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوقَهَا )).
قال: وحدّثني أبي عن النصر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله (ع): أن هذا المثل ضربه الله لأمير المؤمنين (ع) فالبعوضة أمير المؤمنين (ع) وما فوقها رسول الله (ص) والدليل على ذلك قوله: (( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِم )), يعني أمير المؤمنين كما أخذ رسول الله (ص) الميثاق عليهم له: (( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً )) فرد الله عليهم فقال: (( وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهدَ اللَّهِ مِن بَعدِ مِيثَاقِهِ - في علي - وَيَقطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ - يعني أمير المؤمنين (ع) والأئمّة (ع) - وَيُفسِدُونَ فِي الأَرضِ أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ )) (البقرة:26ـ27) (تفسير القمي 1:34).
ولو تأملنا في الروايتين أعلاه اللتين أوردهما القمي في تفسير هذه الآية عن الإمام الصادق (ع) وحاولنا أن نفهمهما بالمقارنة بينهما ونستكشف وجود الرابط بين قول الإمام (ع) في الرواية الأولى: (ان هذا القول من الله عزّوجلّ رد على من زعم أن الله تبارك وتعالى يضل العباد...) وبين قوله (ع) في الرواية الثانية: (انّ هذا المثل ضربه الله لأمير المؤمنين (ع) فالبعوضة أمير المؤمنين (ع)...).
نجد ان هناك إشارة لاعتراض قوم قد يكونوا في زمن رسول الله (ص) على قضية حدث فيها أخذ ورد وقبول ورفض بل اعتراض على الله من أن هذه القضية تدفعنا إلى طريق الضلالة وان هذه الضلالة سببها الله (أعوذ بالله) لأنه هو مصدر هذه القضية مع إشارة لارتباطها بعلي بن أبي طالب، وان المثل ضرب من أجله وان الله يقرع من يعترض على هذه القضية ويمثل في ضمن تقريعه بمثل وهو البعوضة, ثم التأكيد على أن الحق عند المؤمنين وما يضل به إلا الفاسقين.
ونحن نعرف ان المثل يضرب لتقريب وتصوير المعنى للذهن بل محاولة تجسيده حسياً في خيال السامع وانّه أبلغ في البيان.
مع أن المثل لا ينطبق على ما يراد أن يمثل له واقعاً بل لا يعدو الأمر إلا وجود ارتباط في المعنى بينهما من وجه ما هو مورد ضرب المثل والغاية المتوخاة منه.
ولكن نجد ان الرواية الثانية لم تفصح بالمراد من هذا المثل ولم تكشف لنا معناه مع ما نعرف من أن لآيات القرآن أهل يفسرونها ويرجعون غامضها إلى صريحها ومتشابهها إلى محكمها, مع انا لم نكن معاصرين لزمن من النزول حتى نعرف مورد نزول الآيات ولا طريق لنا إلاّ السماع من أهل الذكر ومن هو أعلم بأسباب نزولها, والاقتصار على هذه الرواية فقط يبقي المعنى مجملاً غير واضح ولا نعرف منها إلاّ أن هناك ارتباط ما بين المثل في الآية وعلي بن أبي طالب(ع), وإن لم ترض نفوسنا بهذا الاجمال فلابدّ لها ان تسأل من يبسطه ويوضحه لها.
وهذا ما فعله بعض شيعة أهل البيت (ع) فقد جاء في تفسير الإمام العسكري (ع) في رواية طويلة عن الإمام الباقر (ع) ان بعض الشيعة سألوه بقولهم: فإن بعض من ينتحل موالاتكم يزعم أن البعوضة علي (ع) وان ما فوقها - وهو الذباب - محمد رسول الله (ص)؟ فقال الباقر (ع): (سمع هؤلاء شيئاً (و) لم يضعوه على وجهه, إنّما كان رسول الله (ص) قاعداً ذات يوم هو وعلي (ع) إذ سمع قائلاً يقول: ما شاء الله وشاء محمد, وسمع آخر يقول: ما شاء الله وشاء علي, فقال رسول الله (ص): لا تقرنوا محمدا و (لا) علياً بالله عزّوجلّ ولكن قولوا: ما شاء الله ثم (شاء محمد ما شاء الله ثم) شاء علي. ان مشيئة الله هي القاهرة التي لا تساوى ولا تكافأ ولا تدانى وما محمد رسول الله في (دين) الله وفي قدرته إلاّ كذبابة تطير في هذه الممالك الواسعة, وما علي (ع) في (دين) الله وفي قدرته إلاّ كبعوضة في جملة هذه الممالك مع أنّ فضل الله تعالى على محمد وعلي هو الفضل الذي لا يفي به فضله على جميع خلقه من أول الدهر إلى آخره). هذا ما قال رسول الله (ص) في ذكر الذباب والبعوضة في هذا المكان فلا يدخل في قوله: (( إِنَّ الله لاَ يَستَحيِي أَن يَضرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً )) (تفسير الإمام العسكري: 210).
ومن هذه الرواية نعلم ان المثل قد ضربه النبي (ص) لتوضيح حقيقة القدرة الإلهية, وليس له علاقة في ظاهر الحال بالآية ولكن بعض الموالين اشتبه عليه الأمر وتواردت إلى ذهنه الآية الكريمة فلم يضع الحديث على وجهه كما وردت الإشارة إليه في تفسير القمي.
وأمّا تفسير الآية وعلاقتها بولاية علي (ع) فهو ما أشارت إليه الرواية المروية في (البحار) عن (تفسير النعماني) وهي رواية طويلة ذكر سندها هكذا:
قال أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني (رض) في كتابه في تفسير القرآن: حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال: حدّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي, عن إسماعيل بن مهران عن الحسن بن علي بن أبي حمزة, عن أبيه عن إسماعيل بن جابر قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع) يقول: - إلى أن قال -: (ولقد سأل أمير المؤمنين صلوات الله عليه شيعته عن مثل هذا فقال: - إلى أن قال في ضمن بيانه لمعنى الهدى في القرآن -: وأمّا معنى الهدى فقوله عزّوجلّ: (( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَومٍ هَادٍ )) (الرعد:7) ومعنى الهادي هاهنا المبين لما جاء به المنذر من عند الله وقد احتج قوم من المنافقين على الله تعالى: (( إِنَّ الله لاَ يَستَحيِي أَن يَضرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوقَهَا )) وذلك أن الله تعالى لما أنزل على نبيه (ص): (( وَلِكُلِّ قَومٍ هَادٍ )) فقال طائفة من المنافقين (( مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفَاسِقِينَ... أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ )).
فهذا معنى الضلال المنسوب إليه تعالى لأنّه أقام لهم الإمام الهادي لما جاء به المنذر فخالفوه وصرفوا عنه, بعد أن أقروا بفرض طاعته ولما بين لهم ما يأخذون وما يذرون فخالفوه ضلوا, هذا مع علمهم بما قاله النبي (ص) وهو قوله: (لا تصلوا عليَّ صلاة مبتورة إذا صليتم علي بل صلّوا على أهل بيتي ولا تقطعوهم مني, فإن كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي) ولما خالفوا الله تعالى ضلوا وأضلوا فحذر الله تعالى الأمة من اتباعهم (البحار 93: 13).
بل وردت رواية في تفسير الإمام العسكري (ع) عن الإمام الباقر (ع) في تفسير الآية بصورة أكثر تفصيلاً - قوله عزّوجلّ: (( إِنَّ الله لاَ يَستَحيِي أَن يَضرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِم وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهدَ اللَّهِ مِن بَعدِ مِيثَاقِهِ وَيَقطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفسِدُونَ فِي الأَرضِ أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ )) (البقرة:26-27).
قال الإمام (ع) (أي الإمام العسكري (ع ): قال الإمام الباقر (ع): فلما قال الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ )) وذكر الذباب في قوله: (( إِنَّ الَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخلُقُوا ذُبَابًا )) الآية، ولما قال:(( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَولِيَاء كَمَثَلِ العَنكَبُوتِ اتَّخَذَت بَيتًا وَإِنَّ أَوهَنَ البُيُوتِ لَبَيتُ العَنكَبُوتِ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ )) (العنكبوت:41)، وضرب المثل في هذه السورة بالذي استوقد ناراً وبالصيب من السماء, قالت الكفار والنواصب (لاحظ فإن قوله نواصب فيه إشارة ودلالة لا تخفى على المتأمل): وما هذا من الأمثال فيضرب؟! يريدون به الطعن على رسول الله(ص). فقال الله: يا محمد (( إن الله لا يستحي )) لا يترك حياء (( أَن يَضرِبَ مَثَلاً )) للحق ويوضحه به عند عباده المؤمنين (( مَّا بَعُوضَةً )) أي ما هو بعوضة المثل (( فَمَا فَوقَهَا )) فوق البعوضة وهو الذباب يضرب به المثل إذا علم أن فيه صلاح عباده ونفعهم (( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا )) بالله وبولاية محمد (ص) وعلي وآلهما الطيبين (لاحظ أيضا!), وسلم لرسول الله (ص) وللأئمة (ع) أحكامهم وأخبارهم وأحوالهم (و) لم يقابلهم في أمورهم, ولم يتعاط الدخول في أسرارهم ولم يفش شيئاً مما يقف عليه منها إلاّ باذنهم (( فَيَعلَمُونَ )) يعلم هؤلاء المؤمنون الذين هذه صفتهم (انه) المثل المضروب (( الحَقُّ مِن رَّبِّهِم )) أراد به الحق وابانته, والكشف عنه وايضاحه, (( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا )) بمحمد (ص) بمعارضتهم (له) في علي بلم؟ وكيف؟ (لاحظ أيضاً!) وتركهم الانقياد له في سائر ما أمر به (( فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً )) يقول الذين كفروا: ان الله يضل بهذا المثل كثيراً ويهدي به كثيراً, (أي) فلا معنى للمثل, لأنه وأن نفع به من يهديه فهو يضرّ به من يضل (ه) به, فرد الله تعالى عليهم قيلهم, فقال (( وَمَا يُضِلُّ بِهِ )) يعني ما يضل الله بالمثل (( إِلاَّ الفَاسِقِينَ )) الجانين على أنفسهم بترك تأمله وبوضعه على خلاف ما أمر الله بوضعه عليه.
ثم وصف هؤلاء الفاسقين الخارجين عن دين الله وطاعته منهم, فقال عز ّوجلّ (( الذين ينقضون عهد الله )) المأخوذ عليهم لله بالربوبية, ولمحمد (ص) بالنبوة, ولعلي بالإمامة ولشيعتهما بالمحبة والكرامة (( مِن بَعدِ مِيثَاقِهِ )) أحكامه وتغليظه (( وَيَقطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ )) من الأرحام والقربات أن يتعاهدوهم ويقضوا حقوقهم, وأفضل رحم وأوجبه حقاً رحم محمد (ص) فإن حقهم بمحمد (ص) كما ان حق قرابات الإنسان بأبيه وأمه ومحمد (ص) أعظم حقاً من أبويه, وكذلك حق رحمه أعظم, وقطيعته (أقطع) وأفضع وأفضح, (( وَيُفسِدُونَ فِي الأَرضِ )) بالبراءة ممن فرض الله إمامته واعتقاد إمامة من قد فرض الله مخالفته (( أُولَئِكَ )) أهل هذه الصفة (( أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ )) خسروا أنفسهم لما صاروا إلى النيران وحرموا الجنان فيا لها من خسارة ألزمتهم عذاب الأبد وحرمتهم نعيم الأبد.
(قال): وقال الباقر (ع): (ألا ومن سلـّم لنا ما لا يدريه, ثقة بأنا محقون عالمون لا نقف به إلاّ على أوضح المحجات, سلم الله تعالى إليه من قصور الجنة أيضاً ما لا (يعلم قدرها هو, ولا) يقادر قدرها إلاّ خالقها وواهبها, (ألا و) من ترك المراء والجدال واقتصر على التسليم لنا, وترك الأذى حبسه الله على الصراط فجاءته الملائكة تجادله على أعماله وتواقفه على ذنوبه فإذا النداء من قبل الله عزّوجلّ: يا ملائكتي عبدي هذا لم يجادل وسلـّم الأمر لأئمته, فلا تجادلوه وسلموه في جناني إلى أئمته يكون متبجحاً فيها, بقربهم كما كان مسلـّماً في الدنيا لهم.
وأمّا من عارضنا بلم؟ وكيف؟ ونقض الجملة بالتفصيل, قالت له الملائكة على الصراط: واقفنا يا عبد الله, وجادلنا على أعمالك كما جادلت (أنت) في الدنيا الحاكين لك (عن) أئمتك, فيأتيهم النداء: صدقتم بما عامل فعاملوه, ألا فواقفوه, فيواقف ويطول حسابه ويشتد في ذلك الحساب عذابه, فما أعظم هناك الندامة, وأشد حسراته, لا ينجيه هناك إلاّ رحمة الله إن لم يكن فارق في الدنيا جملة دينه وإلاّ فهو في النار أبد الآباد).
(و) قال الباقر (ع): (ويقال للموفي بعهوده في الدنيا في نذوره وإيمانه ومواعيده: يا أيتها الملائكة وفى هذا العبد في الدنيا بعهوده فأوفوا له هاهنا بما وعدناه وسامحوه ولا تناقشوه فحينئذ تصيره الملائكة إلى الجنان, وأما من قطع رحمه فإن كان وصل رحم محمد (ص) و (قد) قطع رحم نفسه شفع أرحام محمد (ص) (له) إلى رحمه, وقالوا (له): لك من حسناتنا وطاعاتنا ما شئت فاعف عنه, فيعطونه منها ما شاء فيعفو عنه ويعطي الله المعطين ما لا ينفعهم ولا ينقصهم وان (كان) وصل أرحام نفسه وقطع أرحام محمد (ص) بأن جحد حقوقهم ودفعهم عن واجبهم وسمى غيرهم بأسمائهم ولقب غيرهم بألقابهم ونبز بالألقاب القبيحة مخالفيه من أهل ولايتهم.
قيل له: يا عبد الله اكتسبت عداوة آل محمد الطهر أئمتك لصداقة هؤلاء, فاستعن بهم الآن ليعينوك, فلا يجد معيناً ولا مغنياً ويصير إلى العذاب الأليم المهين).
قال الباقر (ع): (ومن سمانا بأسمائنا ولقبنا بألقابنا ولم يسم أضدادنا بأسمائنا ولم يلقبهم بألقابنا إلاّ عند الضرورة التي عند مثلها نسمي نحن, ونلقب أعدائنا بأسمائنا وألقابنا, فإنّ الله عزّوجلّ يقول لنا يوم القيامة: اقترحوا لأوليائكم هؤلاء ما تعينوهم به, فنقترح لهم على الله عزّوجلّ ما يكون قدر الدنيا كلها فيه كقدر خردلة في السماوات والأرض فيعطيهم الله تعالى إياه, ويضاعفه لهم (أضعافا) مضاعفات).
فقيل للباقر (ع): فإن بعض من ينتحل موالاتكم يزعم ان البعوضة علي (ع) وإن ما فوقها وهو الذباب محمد رسول الله (ص) فقال الباقر (ع): (سمع هؤلاء...) إلى آخر ما نقلناه سابقاً من هذه الرواية (تفسير العسكري: 205).
ومن كل ما نقلنا يتضح أن للآية والمثل الذي فيها علاقة باثبات ولاية علي (ع) من الله وما اعترض عليها المنافقون والنواصب, ولكن لم تنقله لنا رواية (تفسير القمي) بصورة دقيقة أما لأن الراوي لم يفهمه على وجهه كما أشار الإمام الباقر (ع), وأما تقية عن التفصيل أو للإجمال أو النسيان ولكن الأمر سهل بوجود هذه الروايات الأخر التي بينت لنا المراد.
تعليق