بصائر القرآن في البيت الاسلامي
المتدبر في آيات الذكر- وبالذات في سورة النور- يهتدي بإذن الله، إلى أن المراد من أحكام الشريعة في أمر العلاقة بين الذكر والانثى بناء بيت الايمان (الأسرة) على أساس رصين.
1- فسُور هذا البيت الرفيع، حدود الشرع في الزانية والزاني، حيث يعاقبان (بأصل الشرع) جلداً لكل واحد منهما مائة جلدة وبلا رأفة، قال الله سبحانه:
?الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ?(النور، 2)
2- وهكذا يشرع الدين حرمة البيت بتحصينه بسور منيع يتمثل في حرمة العلاقة الجنسية بين الذكر والانثى الا من حيث أمر الله، ولعل هذا أصل سائر الاحكام في أمر العلاقة بين الرجل والمرأة، ومنها حرمة القذف، التي تحصن بيت الزوجية من ألسنة العابثين وتجعل لها حرمة إعتبارية (إحتراماً إجتماعياً).
قال الله تعالى:?وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُـحَصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِاَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَاُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ?(النور، 4)
3- ومن أجل تكريس حرمة البيت وحصانته من الألسن حرم الله إتهام الزوج لزوجته بالزنا، وفرض عليه أحكام اللعان كما وطهّر المجتمع من إستخدام القضية الجنسية من قبل عصابة الافك في المصالح السياسية وأدَّب المسلمين بأسمى أدب حيث فضح الذين يتعاطون التهم الجنسية. قال الله سبحانه:
?إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ?(النور، 19)
4- وفرض إحترام البيوت بحرمة دخولها بلا استئذان وجعل حكمة ذلك أنه أزكى للمسلمين، قال الله سبحانه: ?يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
عَلِيمٌ?(النور، 27-28)
5- وأمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر عما يحرم عليهم، وبَيَّن أنه أزكى لهم.
قال الله سبحانه:
?قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يُغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ?(النور، 30-31)
نستوحي من الآية أن المراد حفظ الفروج من الزنا وزكاة القلوب من فتنته، وأن النظر زنا العين وأنه سهم إبليس، فغض البصر يكون إحترازاً عن الوقوع فيما هو أخطر، ولعله لذلك جاء الامر بالغض من البصر ومعناه - حسب الظاهر- تخفيضه وعدم حديته لا إغماضه رأساً.
6- وطهّر الحياة الاجتماعية من الاثارات الجنسية بتحريم التبرج حيث نهى المؤمنات من إبداء زينتهن (الا ما ظهر منها)، وضرب مثلاً على ذلك بحرمة إبداء صدورهن ونحورهن حيث أمرهن بضرب الخمار على الجيوب، واستثنى من المنع طوائف ذوي القرابة ومن ملكت أيمانهن والتابعين، وجعل حكمة ذلك عدم الحاجة، واستثنى الطفل وجعل حد ذلك عدم إطلاعه على عورات النساء. واستثنى من النساء القواعد حيث سمح لهن بوضع الثياب من غير التبرج بزينة، وجعل الحكمة في ذلك أنهن لا يُرجى نكاحهن.
قال الله سبحانه:
?وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآئِهِنَّ أَوْ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْإِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ اُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِاَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ?(النور، 31)
7- وأحاط غرف النوم الخاصة بحرمة الدخول عليها من قبل أهل البيت غير الزوجين والاطفال الصغار حيث توضع الثياب هناك، (مما يفهم منه ضرورة الاحتشام في الثياب) واستثنى القواعد من النساء من وضع الثياب.
قال الله سبحانه:
?يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاَثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِن الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الاَيَاتِ وَاللَّهُ عَليمٌ حَكِيمٌ?(النور، 58)
واستثنى من حرمة الطواف على غرف النوم في فترة الاستراحة والمنام، الاطفال الذين لم يبلغوا الحلم فإذا بلغوه وجب عليهم الاستئذان ايضاً.
قال الله سبحانه:
?وإِذَا بَلَغَ الاَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَاتِه وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ?(النور، 59)
كما استثنى القواعد من النساء من قاعدة الاحتشام وجعل محور الحكم عدم إستثارة الشهوة فحيث لا يُرجى نكاحهن، وحيث اشترط عليهن عدم التبرج بزينة سمح لهن بوضع الثياب، ثم بَيَّن ربنا سبحانه ان التعفف أفضل.
قال الله تعالى: ?وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَآءِ اللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ?(النور، 60)
8- وحرم على نساء النبي - صلى الله عليه وآله - الخضوع بالقول مما يثير من في قلبه مرض فيطمع فيما هوأخطر.
قال الله سبحانه: ?يَآ نِسَآءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَآءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً?(الاحزاب، 32)
ولعل الخضوع بالقول ترقيقه والغنج فيه وما يثير طمع مرضى القلوب والطامحين في الفاحشة.. ويبدو ان الحكم يعم كل النساء.
9- وحرم على نساء النبي - صلوات الله عليه - التبرج وألزمهن الاستقرار في البيوت.
قال الله سبحانه:
?وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى?(الاحزاب، 33)
10- وحرم تواعد الرجال مع النساء سرا الا بالقول المعروف(وهوعرض الزواج بالطريقة المشروعة).
قال الله سبحانه:
?وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلآَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَعْرُوفاً? (البقرة، 23)
11- ثم أمربتزويج العزاب وأن لا يخشوا الفقر. قال الله سبحانه:
?وَأَنكِحُوا الاَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآئِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ?(النور، 235)
12- ونهى عن إكراه الفتيات على البغاء (بعد أن أمر بالتزويج).
قال الله تعالى:
?وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ?(النور، 33)
وهكذا نستبين من هذه الايات الكريمة أن مراد القرآن الكريم هو بناء بيت الزوجية بعيداً عن الزنا والقذف والافك، وتحصينه بعفة البصر ومنع التبرج.
وعند التأمل في الايات السابقة والتدبر في تأكيد القران الحكيم على الزكاة (التزكية )في هذه الموارد، نعرف أن حكمة كثير من أحكام المرأة حصانة المجتمع من الزنا. وفي اكثر من مناسبة ذَكَّرنا ربنا بحكمة التشريع صراحة حيث جعل الحكم مرتبطاً بالحاجة الجنسية (الإربة) ورجاء النكاح وبلوغ الحلم.
وهكذا إستفاد فقهاؤنا من جملة أحكام الشريعة حرمة النظر بتلذذ وريبة حتى في موارد الاستثناء، والتلذذ هو ما يثير الغريزة، كما أن الريبة هي ما يُخشى منه الوقوع في الفتنة والحرام.
ولقد بَيَّن القران الحكيم ان من ابرز صفات المؤمنين حفظهم لفروجهم. قال الله سبحانه:
?وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ?(المؤمنون، 5-7)
وهكذا نعرف إن حكمة أحكام الشريعة في العلاقة بين الذكر والانثى هي حفظ الفرج وحصانة المجتمع من العبث بالاسرة.
السيد محمد تقي المدرسي
المتدبر في آيات الذكر- وبالذات في سورة النور- يهتدي بإذن الله، إلى أن المراد من أحكام الشريعة في أمر العلاقة بين الذكر والانثى بناء بيت الايمان (الأسرة) على أساس رصين.
1- فسُور هذا البيت الرفيع، حدود الشرع في الزانية والزاني، حيث يعاقبان (بأصل الشرع) جلداً لكل واحد منهما مائة جلدة وبلا رأفة، قال الله سبحانه:
?الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ?(النور، 2)
2- وهكذا يشرع الدين حرمة البيت بتحصينه بسور منيع يتمثل في حرمة العلاقة الجنسية بين الذكر والانثى الا من حيث أمر الله، ولعل هذا أصل سائر الاحكام في أمر العلاقة بين الرجل والمرأة، ومنها حرمة القذف، التي تحصن بيت الزوجية من ألسنة العابثين وتجعل لها حرمة إعتبارية (إحتراماً إجتماعياً).
قال الله تعالى:?وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُـحَصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِاَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَاُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ?(النور، 4)
3- ومن أجل تكريس حرمة البيت وحصانته من الألسن حرم الله إتهام الزوج لزوجته بالزنا، وفرض عليه أحكام اللعان كما وطهّر المجتمع من إستخدام القضية الجنسية من قبل عصابة الافك في المصالح السياسية وأدَّب المسلمين بأسمى أدب حيث فضح الذين يتعاطون التهم الجنسية. قال الله سبحانه:
?إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ?(النور، 19)
4- وفرض إحترام البيوت بحرمة دخولها بلا استئذان وجعل حكمة ذلك أنه أزكى للمسلمين، قال الله سبحانه: ?يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
عَلِيمٌ?(النور، 27-28)
5- وأمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر عما يحرم عليهم، وبَيَّن أنه أزكى لهم.
قال الله سبحانه:
?قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يُغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ?(النور، 30-31)
نستوحي من الآية أن المراد حفظ الفروج من الزنا وزكاة القلوب من فتنته، وأن النظر زنا العين وأنه سهم إبليس، فغض البصر يكون إحترازاً عن الوقوع فيما هو أخطر، ولعله لذلك جاء الامر بالغض من البصر ومعناه - حسب الظاهر- تخفيضه وعدم حديته لا إغماضه رأساً.
6- وطهّر الحياة الاجتماعية من الاثارات الجنسية بتحريم التبرج حيث نهى المؤمنات من إبداء زينتهن (الا ما ظهر منها)، وضرب مثلاً على ذلك بحرمة إبداء صدورهن ونحورهن حيث أمرهن بضرب الخمار على الجيوب، واستثنى من المنع طوائف ذوي القرابة ومن ملكت أيمانهن والتابعين، وجعل حكمة ذلك عدم الحاجة، واستثنى الطفل وجعل حد ذلك عدم إطلاعه على عورات النساء. واستثنى من النساء القواعد حيث سمح لهن بوضع الثياب من غير التبرج بزينة، وجعل الحكمة في ذلك أنهن لا يُرجى نكاحهن.
قال الله سبحانه:
?وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآئِهِنَّ أَوْ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْإِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ اُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِاَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ?(النور، 31)
7- وأحاط غرف النوم الخاصة بحرمة الدخول عليها من قبل أهل البيت غير الزوجين والاطفال الصغار حيث توضع الثياب هناك، (مما يفهم منه ضرورة الاحتشام في الثياب) واستثنى القواعد من النساء من وضع الثياب.
قال الله سبحانه:
?يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاَثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِن الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الاَيَاتِ وَاللَّهُ عَليمٌ حَكِيمٌ?(النور، 58)
واستثنى من حرمة الطواف على غرف النوم في فترة الاستراحة والمنام، الاطفال الذين لم يبلغوا الحلم فإذا بلغوه وجب عليهم الاستئذان ايضاً.
قال الله سبحانه:
?وإِذَا بَلَغَ الاَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَاتِه وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ?(النور، 59)
كما استثنى القواعد من النساء من قاعدة الاحتشام وجعل محور الحكم عدم إستثارة الشهوة فحيث لا يُرجى نكاحهن، وحيث اشترط عليهن عدم التبرج بزينة سمح لهن بوضع الثياب، ثم بَيَّن ربنا سبحانه ان التعفف أفضل.
قال الله تعالى: ?وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَآءِ اللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ?(النور، 60)
8- وحرم على نساء النبي - صلى الله عليه وآله - الخضوع بالقول مما يثير من في قلبه مرض فيطمع فيما هوأخطر.
قال الله سبحانه: ?يَآ نِسَآءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَآءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً?(الاحزاب، 32)
ولعل الخضوع بالقول ترقيقه والغنج فيه وما يثير طمع مرضى القلوب والطامحين في الفاحشة.. ويبدو ان الحكم يعم كل النساء.
9- وحرم على نساء النبي - صلوات الله عليه - التبرج وألزمهن الاستقرار في البيوت.
قال الله سبحانه:
?وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى?(الاحزاب، 33)
10- وحرم تواعد الرجال مع النساء سرا الا بالقول المعروف(وهوعرض الزواج بالطريقة المشروعة).
قال الله سبحانه:
?وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلآَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَعْرُوفاً? (البقرة، 23)
11- ثم أمربتزويج العزاب وأن لا يخشوا الفقر. قال الله سبحانه:
?وَأَنكِحُوا الاَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآئِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ?(النور، 235)
12- ونهى عن إكراه الفتيات على البغاء (بعد أن أمر بالتزويج).
قال الله تعالى:
?وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ?(النور، 33)
وهكذا نستبين من هذه الايات الكريمة أن مراد القرآن الكريم هو بناء بيت الزوجية بعيداً عن الزنا والقذف والافك، وتحصينه بعفة البصر ومنع التبرج.
وعند التأمل في الايات السابقة والتدبر في تأكيد القران الحكيم على الزكاة (التزكية )في هذه الموارد، نعرف أن حكمة كثير من أحكام المرأة حصانة المجتمع من الزنا. وفي اكثر من مناسبة ذَكَّرنا ربنا بحكمة التشريع صراحة حيث جعل الحكم مرتبطاً بالحاجة الجنسية (الإربة) ورجاء النكاح وبلوغ الحلم.
وهكذا إستفاد فقهاؤنا من جملة أحكام الشريعة حرمة النظر بتلذذ وريبة حتى في موارد الاستثناء، والتلذذ هو ما يثير الغريزة، كما أن الريبة هي ما يُخشى منه الوقوع في الفتنة والحرام.
ولقد بَيَّن القران الحكيم ان من ابرز صفات المؤمنين حفظهم لفروجهم. قال الله سبحانه:
?وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ?(المؤمنون، 5-7)
وهكذا نعرف إن حكمة أحكام الشريعة في العلاقة بين الذكر والانثى هي حفظ الفرج وحصانة المجتمع من العبث بالاسرة.
السيد محمد تقي المدرسي
تعليق