بسم الله الرحمن الرحيم
انّ الإمامة كالنبوّة موهبة الهيّة يمنحها الله تعالى لمن هو أهل لها من عباده المصطفين، ولا دخل للعمر في هذه الموهبة النّادرة. ولعلّ من يستبعد نبوّة وإمامة الطّفل الصّغير او يتصوّرها مستحيلة قد خلط بين الأمور الإلهيّة السّماويّة والشّؤون العاديّة، وتصوّرها بشكل واحد، بينما الواقع ليس كذلك، فالإمامة والنبوّة مرتبطة بإرادة الله تعالى، وهو يمنحها للعباد الّذين يعلم (بعلمه اللا محدود ) بناءً على مصالح معيّنة ـ لطفل صغير السنّ فيبعثه نبيّاً أو يندبه للإمامة وهو في مرحلة الطّفولة.
وقد وصل الى مقام الإمامة الشّامخ الإمام الجواد (عليه السلام) وهو في سنّ الثّامنة أو التّاسعة.
يقول «معلّى بن محمّد»:
بعد استشهاد الإمام الرضّا (عليه السلام) رأيت الإمام الجواد فنظرت الى قدّه لاصف قامته لأصحابنا فقعد ثمّ قال يا معلّى انّ الله احتجّ في الإمامة بمثل ما احتجّ به في النّبوّة فقال: «وآتيناه الحكم صبيّاً»(1).
يقول محمّد بن الحسن بن عمّار:
كنت عند علي بن جعفر بن محمّد جالساً بالمدينة وكنت أقمت عنده سنتين اكتب عنه ما يسمع من اخيه (يعني ابا الحسن (عليه السلام)) اذ دخل عليه أبو جعفر محمّد بن علي الرّضا (عليه السلام)المسجد (مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)) فوثب عليّ بن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبّل يده وعظّمه، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): يا عمّ اجلس رحمك الله فقال: يا سيّدي كيف اجلس وانت قائم، فلّما رجع عليّ بن جعفر الى مجلسه جعل أصحابه يوبخونه ويقولون: أنت عمّ أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل؟ فقال اسكتوا اذا كان الله عزّ وجلّ (وقبض على لحيته) لم يؤهّل هذه الشّيبة وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه، أُنكر فضله ؟! نعوذ بالله ممّا تقولون، بل أنا له عبد(2) .
يقول عمر بن فرج: قلت للإمام الجواد (عليه السلام): إنّ شيعتك تدّعي انّك تعلم كلّ ماء في دجلة ووزنه؟ وكنّا على شاطىء دجلة، فقال (عليه السلام): يقدر الله تعالى ان يفوّض علم ذلك الى بعوضة من خلقه ام لا؟ قلت: نعم يقدر، فقال: أنا اكرم على الله تعالى من بعوضة ومن اكثر خلقه(3).
ويقول عليّ بن حسان الواسطي:
حملت معي اليه (للإمام الجواد حيث كان صغير السنّ) من الالة الّتي للصّبيان بعضاً من فضّة، وقلت اتحف مولاي أبا جعفر (عليه السلام)بها فلّما تفرّق النّاس عنه عن جواب لجميعهم قام فمضى الى صريا واتبعته فلقيت موفّقاً فقلت: استأذن لي على أبي جعفر (عليه السلام) فدخلت وسلمت فردّ عليّ السّلام وفي وجهه الكراهة ولم يأمرني بالجلوس فدنوت منه وفرّغت ما كان في كمّي بين يديه فنظر اليّ نظر مغضب ثمّ رمى يميناً وشمالاً ثمّ قال: ما لهذا خلقني الله، ما أنا واللّعب؟ فاستعفيته فعفى عنّي فخرجت(4).
1 ـ جانب من اخباره العيبيّة ومعجزاته: بعد استشهاد الإمام الرّضا (عليه السلام) سافر الى مكّة لاداء مراسم الحجّ ثمانون شخصاً من علماء وفقهاء بغداد والمدن الاخرى، وفي أثناء الطّريق عرّجوا على المدينة للقاء الإمام الجواد (عليه السلام) أيضاً، فنزلوا في بيت الإمام الصّادق (عليه السلام) حيث كان خاليا آنذاك، وكان الإمام (عليه السلام) طفلاً فدخل الى مجلسهم وعرّفه للحاضرين شخص يسمّى «موفق» فنهضوا جميعاً احتراما له وسلّموا عليه. وعندئذ طرحوا أسئلتهم وكان الإمام يجيب عليها بشكل رائع ففرح الجميع (حيث شاهدوا فيه سيماء الإمامة واطمأنّوا بإمامته اكثر) وأثنوا عليه ودعوا له...
يقول أحد هؤلاء وهو اسحاق بن اسماعيل:
في السّنة التي خرجت الجماعة الى أبي جعفر (عليه السلام) أعددت له في رقعة عشرة مسائل لاسأله عنها وكان لي حمل فقلت: اذا أجابني عن مسائلي سألته ان يدعو الله لي ان يجعله ذكراً، فلّما سألته النّاس قمت والرّقعة معي لاسأله عن مسائلي فلّما نظر اليّ قال لي: يا ابا يعقوب سمّه احمد، فولد لي ذكر فسمّيته احمد، فقلت: شكراً لله، لا شكّ انّ هذا هو حجّة الله(5).
2 ـ يقول عمران بن محمّد الاشعرّي: دخلت على الإمام الجواد (عليه السلام)وقضيت حوائجي وقلت له: انّ ام الحسن تقرئك السّلام وتسألك ثوباً من ثيابك تجعله كفناً لها، قال: قد استغنت عن ذلك. فخرجت ولست ادري ما معنى ذلك، فأتاني الخبر بأنها قد ماتت قبل ذلك بثلاثة عشر يوماً أو أربعة عشر يوماً(6).
3ـ عن أحمد بن حديد قال: خردت مع جماعة حجّاجاً فقطع بعض الطريق فأتيته الى المنزل فاخبرته بالّذي اصابنا فأمر لي بكسوة واعطاني دنانير، وقال: فرقّها على اصحابك، على قدر ما ذهب، فقسّمتها بينهم، فإذا هي على قدر ما ذهب منهم لا أقل ولا أكثر(7).
4ـ عن محمّد بن سهل القمّي انّه قال: كنت مجاوراً بمكّة فصرت الى المدينة فدخلت على الإمام الجواد (عليه السلام) واردت أن أسأله عن كسوة يكسونيها فلم يتّفق أن أسأله حتى ودّعته وأردت الخروج فقلت اكتب اليه وأسأل. قال: فكتبت اليه الكتاب فصرت الى المسجد على أن اصلّي ركعتين واستخير الله مائة مرّة، فان وقع في قلبي ان ابعث اليه بالكتاب بعثت، وإلاّ خرقته، ففعلت فوقع في قلبي ان لا ابعث فخرقت الكتاب، وخرجت من المدينة، فبينما أنا كذلك اذ رأيت رسولاً ومعه ثياب في منديل يتخلّل القطار ويسأل عن محمّد بن سهل القمي حتّى انتهى اليّ، فقال: مولاك بعث اليك بهذا واذا ملاءتان...(8).
وأثمرت الشّجرة:
استقدم المأمون الإمام الجواد (عليه السلام) الى بغداد وزوّجه ابنته، اِلاّ انّ الإمام (عليه السلام) لم يبق في بغداد بل عاد مع زوجته الى المدينة.
وعند العودة شيّع جماعة من النّاس الإمام الى خارج بغداد للوداع والتّجليل، فوصلوا الى مسجد قديم عند حلول وقت صلاة المغرب فدخل الإمام الى ذلك المسجد ليقيم صلاة المغرب، وكانت في ساحة المسجد سدرة يابسة ليس عليها ورق، فدعا الإمام بماء وتهيّأ تحت السّدرة فعاشت السّدرة وأورقت وحملت من عامها(9).
ونقل عن المرحوم الشّيخ المفيد انّه بعد سنين عديدة شاهد بنفسه هذه الشّجرة وأكل من ثمرها.
6 ـ الاخبار باستشهاد الإمام الرّضا (عليه السلام): عن اميّة بن عليّ قال : كنت بالمدينة وكنت اختلف الى الإمام الجواد (عليه السلام)، والإمام الرّضا بخراسان، وكان أهل بيته وعمومة من ابيه يأتونه ويسلّمون عليه، فدعا يوماً الجارية فقال: قولي لهم يتهيّؤون للمأتم، فلّما تفرّقوا قالوا : ألا سألناه مأتم من؟ فلّما كان من الغد فعل مثل ذلك، قالوا: مأتم من ؟ قال: مأتم خير من على ظهرها، فأتانا خبر الإمام الرّضا (عليه السلام) بعد ذلك بأيّام فاذا هو قدمات في ذلك اليوم(10).
7 ـ عن محمّد بن أبي العلاء قال: سمعت يحيى بن اكثم (قاضي سامراء) (وهو من اعداء أهل بيت النّبوّة والإمامة) بعد ما جهدت به وناظرته وحاورته وواصلته وسألته عن علوم آل محمّد فقال: بينا أنا ذات يوم دخلت اطوف بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فرأيت محمّد بن علي الرّضا (عليهما السلام) يطوف به، فناظرته في مسائل عندي فأخرجها اليّ، فقلت له: والله اني اريد ان اسألك مسألة واني والله لاستحيي من ذلك، فقال لي: أنا اخبرك قبل ان تسألني، تسألني عن الإمام، فقلت : هو والله هذا ، فقال: انا هو، فقلت: علامة؟ فكان في يده عصا فنطقت وقالت: انّ مولاي إمام هذا الزّمان وهوالحجّة(11).
8 ـ انقاذ الجار: روي عن علي بن جرير انّه قال: كنت عند الإمام الجواد (عليه السلام) جالساً وقد ذهبت شاة لمولاة له فأخذوا بعض الجيران يجرّونهم اليه ويقولون: انتم سرقتم الشّاة، فقال الإمام (عليه السلام): ويلكم خلّوا عن جيراننا فلم يسرقوا شاتكم، الشاة في دار فلان فاذهبوا فأخرجوها من داره، فخرجوا فوجدوها في داره، وأخذوا الرّجل وضربوه وخرقوا ثيابه، وهو يحلف انّه لم يسرق هذه الشّاة، الى ان صاروا إلى الإمام الجواد (عليه السلام) فقال: ويحكم ظلمتم الرّجل فانّ الشّاة دخلت داره وهو لا يعلم بها، فدعاه فوهب له شيئاً بدل ما خرق من ثيابه وضربه(12).
9 ـ اطلاق سراح السّجين: عن علي ابن خالد قال: كنت بالعسكر (سامّراء) فبلغني ان هناك رجلاً محبوساً أتي به من ناحية الشّام مكبولاً وقالوا: انّه تنبّأ، قال: فأتيت الباب وداريت البوّابين حتّى وصلت اليه فاذا رجل له فهم وعقل فقلت له: ما قصّتك؟ فقال : انّي كنت بالشّام اعبد الله في الموضع الّذي يقال انه نصب فيه رأس الحسين (عليه السلام) فبينا انا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب اذكر الله تعالى اذ رأيت شخصاً بين يدي فنظرت اليه فقال : قم، فقمت فمشى بي قليلاً فاذا أنا في مسجد الكوفة، فقال لي: أتعرف هذا المقام؟ قلت: نعم هذا مسجد الكوفة، قال فصلّى وصلّيت معه، ثمّ انصرف فانصرفت فمشى بي قليلاً فاذا نحن في مسجد الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فسلم على الرّسول وصلّى وصلّيت معه، ثمّ خرج وخرجت معه فمشى قليلاً فاذا أنا بمكّة فطاف بالبيت وطفت معه، ثمّ خرج ومشيت معه قليلاً فاذا أنا بموضعي الّذي كنت اعبد الله بالشّام وغاب الشّخص عن عيني، فبقيت معجباً حولاً ممّا رأيت.
فلّما كان في العام المقبل رأيت ذلك الشّخص فاستبشرت به ودعاني فأجبته ففعل كما فعل في العام الماضي، فلّما اراد مفارقتي بالشّام قلت له: سألتك بحقّ الّذّي اقدرك على ما رأيت منك اِلاّ أخبرتني من أنت؟ قال: انا محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام)، فحدثت من كان يصير اليّ بخبره، فتراقى ذلك الى محمّد بن عبد الملك الزيّات فبعث اليّ من أخذني وكبّلني في الحديد وحملني الى العراق وحبست كما ترى وادّعي عليّ المحال، فقلت له: ارفع عنك القصّة الى محمّد بن عبد الملك؟ قال افعل فكتبت عنه قصّة شرحت فيها حاله فرفعتها الى محمّد بن عبد الملك، فوقّع في ظهرها: قل له: الّذي أخرجك من الشّام في ليلة الى الكوفة ومن الكوفة الى المدينة ومن المدينة الى مكّة وردّك من مكّة الى الشّام ان يخرجك من حبسك هذا.
قال عليّ بن خالد: فغمّني ذلك من امره، فانصرفت محزوناً عليه ، فلّما كان من الغد باكرت الى الحبس لاعلمه الحال وآمره بالصّبر والعزاء فوجدت الجند وأصحاب الحرس وخلقاً عظيماً يهرعون، فسألت عن حالهم فقيل لي: المتنبّىء المحمول من الشّام افتقد البارحة من الحبس، فلا يدرى أخسفت به الأرض أو اختطفه الطّير، وكان عليّ بن خالد هذا زيديّاً فقال بالإمامة لمّا رأى ذلك وحسن اعتقاده(13).
10 ـ يقول ابو الصّلت الهروي: وهو من اقرب اصحاب الإمام الرضّا (عليه السلام) اليه وقد اودع السّجن بأمر من المأمون بعد استشهاد الإمام الرّضا (عليه السلام):
فحبست سنة فضاق عليّ الحبس، وسهرت اللّيلة ودعوت الله تعالى بدعاء ذكرت فيه محمّداً وآله صلوات الله عليهم وسألت الله تعالى بحقّهم ان يفرّج عنّي.
فلم استتمّ الدّعاء حتّى دخل عليّ الإمام محمّد الجواد (عليه السلام)فقال: يا ابا الصّلت ضاق صدرك؟ فقلت: أي والله، قال قم فأخرجني ثمّ ضرب يده الى القيود التّي كانت ففكّها وأخذ بيدي وأخرجني من الدّار والحراسة والغلمة يرونني، فلم يستطيعوا ان يكلّموني وخرجت من باب الدّار ثمّ قال لي: امض في ودائع الله فانّك لن تصل اليه ولا يصل اليك ابداً، فقال أبو الصّلت: فلم التق مع المأمون الى هذا الوقت(14).
11 ـ في مجلس المعتصم العبّاسيّ: يقول زرقان، وكان صديقاً حميماً لابن أبي دُواد: رجع ابن أبي دواد (وهو من قضاة بغداد في عهد المأمون والمعتصم والواثق والمتوكّل) ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتمّ فقلت له في ذلك، فقال وددت اليوم انيّ قد مُتّ منذ عشرين سنة، قال قلت له:
ولم ذاك؟ قال: لما كان من هذا الاسود ابي جعفر محمّد بن عليّ بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين، قال: قلت له: وكيف كان ذلك؟ قال:انّ سارقاً اقرّ على نفسه بالسّرقة، وسأل الخليفة تطهيره باقامة الحدّ عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمّد بن عليّ، فسألنا عن القطع في أي موضع يجب ان يقطع؟ قال: فقلت: من الكرسوع (اي طرف الزند الّذي يلي الخنصر الناتىء عند الرّسغ ).
قال: وما الحجّة في ذلك؟ قال: قلت لان اليد هي الاصابع والكف الى الكرسوع، لقول الله في التيّمم:
(فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُم وايديكُمْ)(15).
واتفق معي في ذلك قوم.
وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق. قال: وما الدّليل على ذلك ؟ قالوا: لانّ الله لمّا قال:
(فَاغْسِلُوا وُجُوهِكُمْ واَيديَكم اِلى المَرافِقِ)(16).
في الوضوء دلّ ذلك على انّ حدّ اليد هو المرفق.
قال: فالتفت الى محمّد بن عليّ (عليه السلام) فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ فقال: قد تكلّم القوم فيه يا أمير المؤمنين.قال: دعني ممّا تكلّموا به ! أىّ شيء عندك؟ قال اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين، قال: أقسمت عليك بالله لما اخبرت بما عندك فيه.
فقال: أما اذا أقسمت عليّ بالله اني اقول انّهم اخطأوا فيه السنّة ، فان القطع يجب ان يكون من مفصل اصول الاصباع فيترك الكف (والمقصود هو قطع الاصباع الاربعة دون الابهام). قال: وما الحجّة في ذلك؟ قال: قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): السّجود على سعة أعضاء: الوجه واليدين والرّكبتين والرّجلين، فاذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها وقال الله تبارك وتعالى:
(وَاَنِّ الْمَساجِدَ للهِِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ اَحَداً)(17).
يعني به هذه الاعضاء السّبعة الّتي يسجد عليها، وما كان لله لم يقطع(18).
قال: فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السّارق من مفصل الاصابع دون الكفّ.
قال ابن دواد: قامت قيامتي وتمنّيت انيّ لم أك حيّاً...(19).
(1) ـ الارشاد للمفيد ص 306.
(2) ـ الكافي: ج 1 ص 322.
(3) ـ البحار: ج 50 ص 100، عيون المعجزات ص 113.
(4) ـ دلائل الإمامة 212، البحار: ج 50 ص 59.
(5) ـ عيون المعجزات: ص 109، ملخصاً.
(6) ـ البحار: ح 50 ص 43، خرائج الراوندي: ص 237.
(7) ـ البحار: ح 50 ص 44، خرائج الراوندي: ص 237.
(8) ـ خرائج الرواندي: ص 237، البحار: ج 50 ص 44.
(9) ـ ليرجع من احبّ التّفصيل الى نور الأبصار للشبلنجي ص 179، واحقاق الحق: ج 12 ص 424، وارشاد المفيد: ص 304، والمناقب: ج 4 ص 390.
(10) ـ اعلام الورى: ص 350.
(11) ـ الكافي: ج 1 ص 353، البحار: ج 50 ص 68.
(12) ـ البحار: ج 50 ص 47، نقلاً عن خرائج الراوندي.
(13) ـ ارشائ المفيد: ص 304، اعلام الورى: ص 347، احقاق الحق: ج 12 ص 427، الفصول المهمّة: ص 289.
(14) ـ منتهى الامال، قسم حياة الإمام الرّضا (عليه السلام): ص 67، عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 247 ، البحار: ج 49 ص 303.
(15) ـ سورة المائدة، الاية: 5.
(16) ـ سورة المائدة، الاية: 5.
(17) ـ سورة الجنّ، الاية: 18.
(18) ـ المسجد ( بكسر الجيم أو بفتحها ، وجمعه مساجد ) بمعنى محل السّجدة ، وكما انّ بيوت الله والامكنة التي توضع عليها الجبهة هي محّال للّسجود فكذا نفس الجبهة والاعضاء السّتة الاخرى التي نسجد بها فهي تعتبر محالّ للسّجود أيضاً ، ومن هنا فقد فُسّرت « المساجد » في هذه الرّواية بمعنى الاعضاء السّبعة التي نسجد بها . وفي رواية اخرى عن الإمام الصّادق (عليه السلام) واردة في كتاب الكافي ورواية في تفسير عليّ بن ابراهيم القمي فُسّرت « المساجد » فيهما بالاعضاء السّبعة أيضاً . وقد فسّر الشّيخ الصّدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه « المساجد » بأعضاء السّجود السّبعة أيضاً . وقد نقل هذا المعنى عن « سعيد بن جبير » و« الزّجاج » و« الفرّاء » كذلك .
ولا بدّ من الالتفات الى أن تفسير « المساجد » بالاعضاء السّبعة لو لم يكن صحيحاً لاعترض الفقهاء الذين كانوا حاضرين في مجلس المعتصم على كلام الإمام . ولمّا كان المعتصم نفسه عربيّاً ويفهم معنى « المساجد » ، فلو كان في المعنى الّذي ذكره الإمام لها اشكال لاعترض عليه المعتصم . لكنّه لمّا لم يكن اعتراض لا من جانب الفقهاء الحاضرين في المجلس ولا من جانب المعتصم ايضاً على تفسير الإمام ، وقد اذعن له المعتصم وعمل بمضمونه فانّه يُعرف انّ المساجد كانت تعني عندهم اعضاء السّجود السّبعة او على اقلّ تقدير يعتبر هذا احد معانيها .
( ليرجع من شاء التّفصيل الى تفسير الصّافي: ج 2 ص 752 ، وتفسير نور الثّقلين: ج 5 ص 440 ، وتفسير مجمع البيان: ج 10 ص 372 ) .
(19) ـ تفسير العيّاشي: ج 1 ص 319، البحار: ج 50 ص 5.
انّ الإمامة كالنبوّة موهبة الهيّة يمنحها الله تعالى لمن هو أهل لها من عباده المصطفين، ولا دخل للعمر في هذه الموهبة النّادرة. ولعلّ من يستبعد نبوّة وإمامة الطّفل الصّغير او يتصوّرها مستحيلة قد خلط بين الأمور الإلهيّة السّماويّة والشّؤون العاديّة، وتصوّرها بشكل واحد، بينما الواقع ليس كذلك، فالإمامة والنبوّة مرتبطة بإرادة الله تعالى، وهو يمنحها للعباد الّذين يعلم (بعلمه اللا محدود ) بناءً على مصالح معيّنة ـ لطفل صغير السنّ فيبعثه نبيّاً أو يندبه للإمامة وهو في مرحلة الطّفولة.
وقد وصل الى مقام الإمامة الشّامخ الإمام الجواد (عليه السلام) وهو في سنّ الثّامنة أو التّاسعة.
يقول «معلّى بن محمّد»:
بعد استشهاد الإمام الرضّا (عليه السلام) رأيت الإمام الجواد فنظرت الى قدّه لاصف قامته لأصحابنا فقعد ثمّ قال يا معلّى انّ الله احتجّ في الإمامة بمثل ما احتجّ به في النّبوّة فقال: «وآتيناه الحكم صبيّاً»(1).
يقول محمّد بن الحسن بن عمّار:
كنت عند علي بن جعفر بن محمّد جالساً بالمدينة وكنت أقمت عنده سنتين اكتب عنه ما يسمع من اخيه (يعني ابا الحسن (عليه السلام)) اذ دخل عليه أبو جعفر محمّد بن علي الرّضا (عليه السلام)المسجد (مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)) فوثب عليّ بن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبّل يده وعظّمه، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): يا عمّ اجلس رحمك الله فقال: يا سيّدي كيف اجلس وانت قائم، فلّما رجع عليّ بن جعفر الى مجلسه جعل أصحابه يوبخونه ويقولون: أنت عمّ أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل؟ فقال اسكتوا اذا كان الله عزّ وجلّ (وقبض على لحيته) لم يؤهّل هذه الشّيبة وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه، أُنكر فضله ؟! نعوذ بالله ممّا تقولون، بل أنا له عبد(2) .
يقول عمر بن فرج: قلت للإمام الجواد (عليه السلام): إنّ شيعتك تدّعي انّك تعلم كلّ ماء في دجلة ووزنه؟ وكنّا على شاطىء دجلة، فقال (عليه السلام): يقدر الله تعالى ان يفوّض علم ذلك الى بعوضة من خلقه ام لا؟ قلت: نعم يقدر، فقال: أنا اكرم على الله تعالى من بعوضة ومن اكثر خلقه(3).
ويقول عليّ بن حسان الواسطي:
حملت معي اليه (للإمام الجواد حيث كان صغير السنّ) من الالة الّتي للصّبيان بعضاً من فضّة، وقلت اتحف مولاي أبا جعفر (عليه السلام)بها فلّما تفرّق النّاس عنه عن جواب لجميعهم قام فمضى الى صريا واتبعته فلقيت موفّقاً فقلت: استأذن لي على أبي جعفر (عليه السلام) فدخلت وسلمت فردّ عليّ السّلام وفي وجهه الكراهة ولم يأمرني بالجلوس فدنوت منه وفرّغت ما كان في كمّي بين يديه فنظر اليّ نظر مغضب ثمّ رمى يميناً وشمالاً ثمّ قال: ما لهذا خلقني الله، ما أنا واللّعب؟ فاستعفيته فعفى عنّي فخرجت(4).
1 ـ جانب من اخباره العيبيّة ومعجزاته: بعد استشهاد الإمام الرّضا (عليه السلام) سافر الى مكّة لاداء مراسم الحجّ ثمانون شخصاً من علماء وفقهاء بغداد والمدن الاخرى، وفي أثناء الطّريق عرّجوا على المدينة للقاء الإمام الجواد (عليه السلام) أيضاً، فنزلوا في بيت الإمام الصّادق (عليه السلام) حيث كان خاليا آنذاك، وكان الإمام (عليه السلام) طفلاً فدخل الى مجلسهم وعرّفه للحاضرين شخص يسمّى «موفق» فنهضوا جميعاً احتراما له وسلّموا عليه. وعندئذ طرحوا أسئلتهم وكان الإمام يجيب عليها بشكل رائع ففرح الجميع (حيث شاهدوا فيه سيماء الإمامة واطمأنّوا بإمامته اكثر) وأثنوا عليه ودعوا له...
يقول أحد هؤلاء وهو اسحاق بن اسماعيل:
في السّنة التي خرجت الجماعة الى أبي جعفر (عليه السلام) أعددت له في رقعة عشرة مسائل لاسأله عنها وكان لي حمل فقلت: اذا أجابني عن مسائلي سألته ان يدعو الله لي ان يجعله ذكراً، فلّما سألته النّاس قمت والرّقعة معي لاسأله عن مسائلي فلّما نظر اليّ قال لي: يا ابا يعقوب سمّه احمد، فولد لي ذكر فسمّيته احمد، فقلت: شكراً لله، لا شكّ انّ هذا هو حجّة الله(5).
2 ـ يقول عمران بن محمّد الاشعرّي: دخلت على الإمام الجواد (عليه السلام)وقضيت حوائجي وقلت له: انّ ام الحسن تقرئك السّلام وتسألك ثوباً من ثيابك تجعله كفناً لها، قال: قد استغنت عن ذلك. فخرجت ولست ادري ما معنى ذلك، فأتاني الخبر بأنها قد ماتت قبل ذلك بثلاثة عشر يوماً أو أربعة عشر يوماً(6).
3ـ عن أحمد بن حديد قال: خردت مع جماعة حجّاجاً فقطع بعض الطريق فأتيته الى المنزل فاخبرته بالّذي اصابنا فأمر لي بكسوة واعطاني دنانير، وقال: فرقّها على اصحابك، على قدر ما ذهب، فقسّمتها بينهم، فإذا هي على قدر ما ذهب منهم لا أقل ولا أكثر(7).
4ـ عن محمّد بن سهل القمّي انّه قال: كنت مجاوراً بمكّة فصرت الى المدينة فدخلت على الإمام الجواد (عليه السلام) واردت أن أسأله عن كسوة يكسونيها فلم يتّفق أن أسأله حتى ودّعته وأردت الخروج فقلت اكتب اليه وأسأل. قال: فكتبت اليه الكتاب فصرت الى المسجد على أن اصلّي ركعتين واستخير الله مائة مرّة، فان وقع في قلبي ان ابعث اليه بالكتاب بعثت، وإلاّ خرقته، ففعلت فوقع في قلبي ان لا ابعث فخرقت الكتاب، وخرجت من المدينة، فبينما أنا كذلك اذ رأيت رسولاً ومعه ثياب في منديل يتخلّل القطار ويسأل عن محمّد بن سهل القمي حتّى انتهى اليّ، فقال: مولاك بعث اليك بهذا واذا ملاءتان...(8).
وأثمرت الشّجرة:
استقدم المأمون الإمام الجواد (عليه السلام) الى بغداد وزوّجه ابنته، اِلاّ انّ الإمام (عليه السلام) لم يبق في بغداد بل عاد مع زوجته الى المدينة.
وعند العودة شيّع جماعة من النّاس الإمام الى خارج بغداد للوداع والتّجليل، فوصلوا الى مسجد قديم عند حلول وقت صلاة المغرب فدخل الإمام الى ذلك المسجد ليقيم صلاة المغرب، وكانت في ساحة المسجد سدرة يابسة ليس عليها ورق، فدعا الإمام بماء وتهيّأ تحت السّدرة فعاشت السّدرة وأورقت وحملت من عامها(9).
ونقل عن المرحوم الشّيخ المفيد انّه بعد سنين عديدة شاهد بنفسه هذه الشّجرة وأكل من ثمرها.
6 ـ الاخبار باستشهاد الإمام الرّضا (عليه السلام): عن اميّة بن عليّ قال : كنت بالمدينة وكنت اختلف الى الإمام الجواد (عليه السلام)، والإمام الرّضا بخراسان، وكان أهل بيته وعمومة من ابيه يأتونه ويسلّمون عليه، فدعا يوماً الجارية فقال: قولي لهم يتهيّؤون للمأتم، فلّما تفرّقوا قالوا : ألا سألناه مأتم من؟ فلّما كان من الغد فعل مثل ذلك، قالوا: مأتم من ؟ قال: مأتم خير من على ظهرها، فأتانا خبر الإمام الرّضا (عليه السلام) بعد ذلك بأيّام فاذا هو قدمات في ذلك اليوم(10).
7 ـ عن محمّد بن أبي العلاء قال: سمعت يحيى بن اكثم (قاضي سامراء) (وهو من اعداء أهل بيت النّبوّة والإمامة) بعد ما جهدت به وناظرته وحاورته وواصلته وسألته عن علوم آل محمّد فقال: بينا أنا ذات يوم دخلت اطوف بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فرأيت محمّد بن علي الرّضا (عليهما السلام) يطوف به، فناظرته في مسائل عندي فأخرجها اليّ، فقلت له: والله اني اريد ان اسألك مسألة واني والله لاستحيي من ذلك، فقال لي: أنا اخبرك قبل ان تسألني، تسألني عن الإمام، فقلت : هو والله هذا ، فقال: انا هو، فقلت: علامة؟ فكان في يده عصا فنطقت وقالت: انّ مولاي إمام هذا الزّمان وهوالحجّة(11).
8 ـ انقاذ الجار: روي عن علي بن جرير انّه قال: كنت عند الإمام الجواد (عليه السلام) جالساً وقد ذهبت شاة لمولاة له فأخذوا بعض الجيران يجرّونهم اليه ويقولون: انتم سرقتم الشّاة، فقال الإمام (عليه السلام): ويلكم خلّوا عن جيراننا فلم يسرقوا شاتكم، الشاة في دار فلان فاذهبوا فأخرجوها من داره، فخرجوا فوجدوها في داره، وأخذوا الرّجل وضربوه وخرقوا ثيابه، وهو يحلف انّه لم يسرق هذه الشّاة، الى ان صاروا إلى الإمام الجواد (عليه السلام) فقال: ويحكم ظلمتم الرّجل فانّ الشّاة دخلت داره وهو لا يعلم بها، فدعاه فوهب له شيئاً بدل ما خرق من ثيابه وضربه(12).
9 ـ اطلاق سراح السّجين: عن علي ابن خالد قال: كنت بالعسكر (سامّراء) فبلغني ان هناك رجلاً محبوساً أتي به من ناحية الشّام مكبولاً وقالوا: انّه تنبّأ، قال: فأتيت الباب وداريت البوّابين حتّى وصلت اليه فاذا رجل له فهم وعقل فقلت له: ما قصّتك؟ فقال : انّي كنت بالشّام اعبد الله في الموضع الّذي يقال انه نصب فيه رأس الحسين (عليه السلام) فبينا انا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب اذكر الله تعالى اذ رأيت شخصاً بين يدي فنظرت اليه فقال : قم، فقمت فمشى بي قليلاً فاذا أنا في مسجد الكوفة، فقال لي: أتعرف هذا المقام؟ قلت: نعم هذا مسجد الكوفة، قال فصلّى وصلّيت معه، ثمّ انصرف فانصرفت فمشى بي قليلاً فاذا نحن في مسجد الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فسلم على الرّسول وصلّى وصلّيت معه، ثمّ خرج وخرجت معه فمشى قليلاً فاذا أنا بمكّة فطاف بالبيت وطفت معه، ثمّ خرج ومشيت معه قليلاً فاذا أنا بموضعي الّذي كنت اعبد الله بالشّام وغاب الشّخص عن عيني، فبقيت معجباً حولاً ممّا رأيت.
فلّما كان في العام المقبل رأيت ذلك الشّخص فاستبشرت به ودعاني فأجبته ففعل كما فعل في العام الماضي، فلّما اراد مفارقتي بالشّام قلت له: سألتك بحقّ الّذّي اقدرك على ما رأيت منك اِلاّ أخبرتني من أنت؟ قال: انا محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام)، فحدثت من كان يصير اليّ بخبره، فتراقى ذلك الى محمّد بن عبد الملك الزيّات فبعث اليّ من أخذني وكبّلني في الحديد وحملني الى العراق وحبست كما ترى وادّعي عليّ المحال، فقلت له: ارفع عنك القصّة الى محمّد بن عبد الملك؟ قال افعل فكتبت عنه قصّة شرحت فيها حاله فرفعتها الى محمّد بن عبد الملك، فوقّع في ظهرها: قل له: الّذي أخرجك من الشّام في ليلة الى الكوفة ومن الكوفة الى المدينة ومن المدينة الى مكّة وردّك من مكّة الى الشّام ان يخرجك من حبسك هذا.
قال عليّ بن خالد: فغمّني ذلك من امره، فانصرفت محزوناً عليه ، فلّما كان من الغد باكرت الى الحبس لاعلمه الحال وآمره بالصّبر والعزاء فوجدت الجند وأصحاب الحرس وخلقاً عظيماً يهرعون، فسألت عن حالهم فقيل لي: المتنبّىء المحمول من الشّام افتقد البارحة من الحبس، فلا يدرى أخسفت به الأرض أو اختطفه الطّير، وكان عليّ بن خالد هذا زيديّاً فقال بالإمامة لمّا رأى ذلك وحسن اعتقاده(13).
10 ـ يقول ابو الصّلت الهروي: وهو من اقرب اصحاب الإمام الرضّا (عليه السلام) اليه وقد اودع السّجن بأمر من المأمون بعد استشهاد الإمام الرّضا (عليه السلام):
فحبست سنة فضاق عليّ الحبس، وسهرت اللّيلة ودعوت الله تعالى بدعاء ذكرت فيه محمّداً وآله صلوات الله عليهم وسألت الله تعالى بحقّهم ان يفرّج عنّي.
فلم استتمّ الدّعاء حتّى دخل عليّ الإمام محمّد الجواد (عليه السلام)فقال: يا ابا الصّلت ضاق صدرك؟ فقلت: أي والله، قال قم فأخرجني ثمّ ضرب يده الى القيود التّي كانت ففكّها وأخذ بيدي وأخرجني من الدّار والحراسة والغلمة يرونني، فلم يستطيعوا ان يكلّموني وخرجت من باب الدّار ثمّ قال لي: امض في ودائع الله فانّك لن تصل اليه ولا يصل اليك ابداً، فقال أبو الصّلت: فلم التق مع المأمون الى هذا الوقت(14).
11 ـ في مجلس المعتصم العبّاسيّ: يقول زرقان، وكان صديقاً حميماً لابن أبي دُواد: رجع ابن أبي دواد (وهو من قضاة بغداد في عهد المأمون والمعتصم والواثق والمتوكّل) ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتمّ فقلت له في ذلك، فقال وددت اليوم انيّ قد مُتّ منذ عشرين سنة، قال قلت له:
ولم ذاك؟ قال: لما كان من هذا الاسود ابي جعفر محمّد بن عليّ بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين، قال: قلت له: وكيف كان ذلك؟ قال:انّ سارقاً اقرّ على نفسه بالسّرقة، وسأل الخليفة تطهيره باقامة الحدّ عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمّد بن عليّ، فسألنا عن القطع في أي موضع يجب ان يقطع؟ قال: فقلت: من الكرسوع (اي طرف الزند الّذي يلي الخنصر الناتىء عند الرّسغ ).
قال: وما الحجّة في ذلك؟ قال: قلت لان اليد هي الاصابع والكف الى الكرسوع، لقول الله في التيّمم:
(فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُم وايديكُمْ)(15).
واتفق معي في ذلك قوم.
وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق. قال: وما الدّليل على ذلك ؟ قالوا: لانّ الله لمّا قال:
(فَاغْسِلُوا وُجُوهِكُمْ واَيديَكم اِلى المَرافِقِ)(16).
في الوضوء دلّ ذلك على انّ حدّ اليد هو المرفق.
قال: فالتفت الى محمّد بن عليّ (عليه السلام) فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ فقال: قد تكلّم القوم فيه يا أمير المؤمنين.قال: دعني ممّا تكلّموا به ! أىّ شيء عندك؟ قال اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين، قال: أقسمت عليك بالله لما اخبرت بما عندك فيه.
فقال: أما اذا أقسمت عليّ بالله اني اقول انّهم اخطأوا فيه السنّة ، فان القطع يجب ان يكون من مفصل اصول الاصباع فيترك الكف (والمقصود هو قطع الاصباع الاربعة دون الابهام). قال: وما الحجّة في ذلك؟ قال: قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): السّجود على سعة أعضاء: الوجه واليدين والرّكبتين والرّجلين، فاذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها وقال الله تبارك وتعالى:
(وَاَنِّ الْمَساجِدَ للهِِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ اَحَداً)(17).
يعني به هذه الاعضاء السّبعة الّتي يسجد عليها، وما كان لله لم يقطع(18).
قال: فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السّارق من مفصل الاصابع دون الكفّ.
قال ابن دواد: قامت قيامتي وتمنّيت انيّ لم أك حيّاً...(19).
(1) ـ الارشاد للمفيد ص 306.
(2) ـ الكافي: ج 1 ص 322.
(3) ـ البحار: ج 50 ص 100، عيون المعجزات ص 113.
(4) ـ دلائل الإمامة 212، البحار: ج 50 ص 59.
(5) ـ عيون المعجزات: ص 109، ملخصاً.
(6) ـ البحار: ح 50 ص 43، خرائج الراوندي: ص 237.
(7) ـ البحار: ح 50 ص 44، خرائج الراوندي: ص 237.
(8) ـ خرائج الرواندي: ص 237، البحار: ج 50 ص 44.
(9) ـ ليرجع من احبّ التّفصيل الى نور الأبصار للشبلنجي ص 179، واحقاق الحق: ج 12 ص 424، وارشاد المفيد: ص 304، والمناقب: ج 4 ص 390.
(10) ـ اعلام الورى: ص 350.
(11) ـ الكافي: ج 1 ص 353، البحار: ج 50 ص 68.
(12) ـ البحار: ج 50 ص 47، نقلاً عن خرائج الراوندي.
(13) ـ ارشائ المفيد: ص 304، اعلام الورى: ص 347، احقاق الحق: ج 12 ص 427، الفصول المهمّة: ص 289.
(14) ـ منتهى الامال، قسم حياة الإمام الرّضا (عليه السلام): ص 67، عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 247 ، البحار: ج 49 ص 303.
(15) ـ سورة المائدة، الاية: 5.
(16) ـ سورة المائدة، الاية: 5.
(17) ـ سورة الجنّ، الاية: 18.
(18) ـ المسجد ( بكسر الجيم أو بفتحها ، وجمعه مساجد ) بمعنى محل السّجدة ، وكما انّ بيوت الله والامكنة التي توضع عليها الجبهة هي محّال للّسجود فكذا نفس الجبهة والاعضاء السّتة الاخرى التي نسجد بها فهي تعتبر محالّ للسّجود أيضاً ، ومن هنا فقد فُسّرت « المساجد » في هذه الرّواية بمعنى الاعضاء السّبعة التي نسجد بها . وفي رواية اخرى عن الإمام الصّادق (عليه السلام) واردة في كتاب الكافي ورواية في تفسير عليّ بن ابراهيم القمي فُسّرت « المساجد » فيهما بالاعضاء السّبعة أيضاً . وقد فسّر الشّيخ الصّدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه « المساجد » بأعضاء السّجود السّبعة أيضاً . وقد نقل هذا المعنى عن « سعيد بن جبير » و« الزّجاج » و« الفرّاء » كذلك .
ولا بدّ من الالتفات الى أن تفسير « المساجد » بالاعضاء السّبعة لو لم يكن صحيحاً لاعترض الفقهاء الذين كانوا حاضرين في مجلس المعتصم على كلام الإمام . ولمّا كان المعتصم نفسه عربيّاً ويفهم معنى « المساجد » ، فلو كان في المعنى الّذي ذكره الإمام لها اشكال لاعترض عليه المعتصم . لكنّه لمّا لم يكن اعتراض لا من جانب الفقهاء الحاضرين في المجلس ولا من جانب المعتصم ايضاً على تفسير الإمام ، وقد اذعن له المعتصم وعمل بمضمونه فانّه يُعرف انّ المساجد كانت تعني عندهم اعضاء السّجود السّبعة او على اقلّ تقدير يعتبر هذا احد معانيها .
( ليرجع من شاء التّفصيل الى تفسير الصّافي: ج 2 ص 752 ، وتفسير نور الثّقلين: ج 5 ص 440 ، وتفسير مجمع البيان: ج 10 ص 372 ) .
(19) ـ تفسير العيّاشي: ج 1 ص 319، البحار: ج 50 ص 5.
تعليق