بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
اللهم عجل لوليك الفرج
ذكرى شهادة سفير الامام الحسين مسلم بن عقيل عليهما السلام
بهذه المناسبة وببالغ الحزن والأسى نرفع إلى إمامنا صاحب العصر والزمان روحي فداه كل آيات العزاء
وإلى نوابه المراجع العظام والعلماء الأعلام (حفظهم الله
)
وإلى جميع المحبين والموالين لأهل البيت (ع)
عظم الله أجورنا وأجوركم بهذا المصاب الجلل
ذكرى استشهاد سفير الحسين مسلم ابن عقيل
عليهما السلام
ذلك الفتى السفير والدبلوماسي القدير الذي ارسله الإمام الحسين (عليه السلام) إلى أهل الكوفة لكي يهيئ القواعد الشعبية لاستقباله بعد أن كثرت كتبهم ورسلهم يستعجلونه القدوم فقد أخضر الجناب وأينعت الثمار وأعشبت الأرض وأورقت الأشجار
عندما ورد مسلم الكوفة نزل في دار المختار ابن أبي عبيد الثقفي وانثال عليه الناس زرافات ووحداناً يهتفون بالترحيب به فقرأ عليهم كتاب أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وعرفهم أنه مجيبهم إلى ما يريدون إن لزموا العهد وتدرعوا بالصبر على مكافحة أعدائهم وبعد أن فرغ من التعريف بأمر البيعة الذي يريد منهم تدافع الناس يمسحون أيديهم على يده هاتفين بالرضا والتسليم كما فعل الأنصار مع النبي (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة وقريش يوم الفتح.. فبلغ عدد من بايع مسلماً عليه السلام ثمانية عشر ألفاً أو خمسة وعشرين ألفاً وقيل أربعون ألفاً... وقد كتب إلى الحسين في ذلك وطلب منه العجل في القدوم، كما كتب الكوفيون إليه قائلين
يا ابن رسول الله إن لك بالكوفة مائة ألف سيف فلا تتأخر) ولكن سرعان ما انقلبوا على أعقابهم فخسروا شرف الدنيا كما عداهم الفوز في الدين، وجرى على مسلم في الكوفة ما جرى على الحسين (عليه السلام) فيما في كربلاء من غدر الناس وخذلهم ونكثهم العهود والمواثيق والبيعة بوحي من الطمع والشهوة والخوف وحب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة
ولعل من أعظم الدروس التي نستقيدها من ابن عقيل إذ نحن بصدد الكلام عنه هو الوفاء وعدم الغدر حتى بالعدوّ القاهر وذلك حين سنحت له الفرصة للفتك بابن زياد غيلةً فلم يفعل، وقصة ذلك أن شريك الأعور نزل في دار هانئ بن عروة لمواصلة بينهما وكان فيها مسلم بن عقيل وحدث أن مرض شريك فأرسل ابن زياد إليه إني عائد لك فأخذ شريك يحرض مسلماً على الفتك بابن زياد وقال له إن غايتك وغاية شيعتك هلاكه فأقم في الخزانة حتى إذا اطمأن عندي اخرج إليه واقتله وأنا أكفيك أمره بالكوفة مع العافية
وبينا هم على هذا إذ نودي الأمير على الباب فدخل مسلم الخزانة ودخل عبيد الله فلما استبطأ شريك خروج ابن عقيل أخذ عمامته من على رأسه ووضعها على الأرض ثم وضعها على رأسه فعل ذلك مرارا ونادى بصوت عال يسمع مسلماً
ما الانتظار بسلمى لا تحييوهـــا
حيوا سليمي وحيوا من يحييوها
هل شربة عذبة أسقى على ظمأٍ
ولو تلفت وكان منيّتــــــي فيهـــا
وأن تخشيت من سلمى مراقبــة
فلست تأمن يوماً من دواهيهـــــا
وما زال يكرره وعينه واقعة على الخزانة ثم صاح بصوت رفيع اسقنيها ولو كان فيها حتفي فالتفت عبيد الله إلى هاني وقال أن ابن عمك يخلط في علته فقال هاني إن شريكا يهجر منذ وقع في علته وأنه ليتكلم بما لا يعلم فلما ذهب ابن زياد وخرج مسلم قال له شريك ما منعك منه؟ قال (عليه السلام) منعني خلتان
الأولى
حديث علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن الإيمان قيد الفتل فلا يفتك مؤمن
والثانية
إمرأة هاني فإنها تعلقت بي وأقسمت علي بالله أن لا أفعل هذا في دارها وبكت في وجهي
شهادته عليه السلام
أصدر ابن زياد أوامره بتحرّي بيوت الكوفة بيتاً بيتاً وتفتيشها ، بحثاً عن مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) ، الذي كان قد اختبأ في بيت إمرأة مجاهدة ومحبة لآل البيت ( عليهم السلام ) اسمها ( طوعة )
فلما علم ابن زياد بمكانه ، أرسل له جيشاً إلى تلك الدار ، فقاتلهم مسلم بن عقيل ( عليه السلام )
أشد قتال ، إلا أن الأقدار شاءت فوقع بأيدي قوات بن زياد
ثم أرسلوه إلى القصر ، فدارت بينه وبين ابن زياد مشادة كلامية غليظة ، حتى انتهت بقول ابن زياد لمسلم ( عليه السلام ) إنك مقتول ، ثم أمر ابن زياد جلاوزته أن يصعدوا به أعلى القصر ، ويضربوا عنقه ويلقوا بجسده من أعلى القصر
ثم انهال على مسلم ( عليه السلام ) سيف الغدر ، وحال بين رأسه وجسده ، ليلتحق بالشهداء والصديقين والنبيين الصالحين
ثم جاء الجلادون بهاني بن عروة ( رضوان الله عليه ) ، واقتيد مكتوف اليدين إلى سوق الغنم في مدينة الكوفة فقتل هناك واقتطع رأسه
وقام ابن زياد بإرسال رأسيهما الشريفين إلى يزيد في ( 9 ذي الحجة 60 هـ )
وأما الجسدان الشريفان فقد شَدَّهُما الجلادون بالحبال وجُرّا في أزقة الكوفة وأسواقها
وهكذا انتهت المقاومة وخمدت الثورة في الكوفة لتبدأ ثورة جديدة ، ولتتحول هذه الدماء الثائرة إلى بركان غضب وثورة ، يصمت – البركان - برهة من الزمن ، ثم ينفجر بوجه الطغاة وأعداء الله
وبالفعل حدث ذلك بعد مقتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) حيث تحول دمه ودماء أهل بيته إلى شعار سياسي وقوة محركة ضد الحكم الأموي
فقامت ثورة التوابين الذين رفعوا شعار التوبة والتكفير عن تخلفهم من نصرة الحسين ( عليه السلام )
وكذلك قامت ثورة المختار بن عبيدة معلنة شعار ( يالثارات الحسين ) ، وظلت هذه الحركات تـقوّض كيان الحكم الأموي ، حتى زال في عام ( 132هـ )
وامسلمااااه واسيداااه
تعليق