بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى في محكم كتابه الكريم ( لا اقسم بيوم القيامه ولا اقسم بالنفس اللوامة )
الله سبحانه وتعالى في هاتين الايتين يقسم بأمرين عظيمين
الاول القسم بيوم القيامه (لا اقسم بيوم القيامة ) و(لا ) ليست نافية للقسم وانما مؤكدة له ومعروف للجميع عظمة واهمية يوم القيامة انه اليوم الذي يحشر فيه الناس ويحاسبون ويتقرر مصيرهم الابدي
الثاني القسم بالنفس اللوامة (ولا اقسم بالنفس اللوامة ) واقتران الامرين يـُشعر بأنهما على درجة متقاربة من العظمة والمكانة .
ماهي النفس اللوامة ؟؟؟
اللوامة من اللوم معاتبة الانسان نفسة ومراجعتة لها لكي يحاسبها على الخطأ وعندما تكون هذه الحالة دائمة عند الانسان يطلق على نفسة النفس اللوامة .
الله سبحانه وتعالى جعل في نفس الانسان هذه الخاصية تماماً كوجود المناعة في جسم الانسان ضد الامراض واذا اخترق نظام المناعة لدى الانسان فان حياتة تكون معرضة لجميع الاخطار وهذا يعبر عنه الان بالمرض الخطير ((الايدز))
فالنفس اللوامة نظام مناعة روحي عند الانسان في مقابل جراثيم الذنوب والاخطاء فمن طبيعة الانسان انهُ اذا أخطأ تحرك ضميره واشعرهُ بالخطأ في لحظات التأمل يحاسب الانسان نفسه على أخطائه ولكن اذا فقدت هذه الحالة بسبب تراكم الذنوب والاخطاء عندها لا يعود الخطأ باعثاً للمحاسبة والمراجعة فيخرج الانسان من دائرة (( النفس اللوامة )) ويبقى منحصراً في دائرة (( النفس الأمارة )) ( ان النفس لأمارةٌ بالسوء ) ويكون الانسان
حينها في منطقة الخطر والهلاك الا ان ينقذه الله تعالى ( الا ما رحم ربي )
النقد الذاتي ضرورة وصعوبة :
النفس اللوامة يعني ان الانسان يواجه نفسه ويحاسبها على الاخطاء وهذا الامر مهم لان محاسبة النفس والنقد الذاتي بمقدار ماهي عملية ضرورية الا انها عملية صعبه
النقد الذاتي ضرورة لان الانسان اذا لم يقم بنقد ذاته يسترسل في الخطأ اما اذا انتقد ذاته وحاسب نفسه فانه ينقذ نفسه من ذلك الخطأ ويتجاوزه وهي تشبه اجراء الفحوصات الدورية على الجسم لاكتشاف أعراض الأمراض ومعالجتها قبل استحكامها في الجسم .
فالنقد الذاتي ضرورة ولكن فيه صعوبة سواء على الصعيد الفردي او الاجتماعي
على المستوى الفردي .
اولاً :- النقد الذاتي يحمل الانسان مسؤولية التغيير والمواجهة مع الشهوات والاهواء ,
فالخطأ انما يحصل بسبب الهوى والغفلة وحينما يقوم الانسان بعملية النقد الذاتي يكون وجهاً لوجه امام داعي الهوى والشهوات والغفلة والاسترسال وهذه عملية صعبة
ففي كثير من الاحيان اذا سيطر الهوى على نفس الانسان فأن الانسان يبقى منشداً لهواه وشهوته .
انه في لحظة التأمل يدرك ضرورة تجاوز الخطأ ولكن جاذبية الهوى والشهوة تجل عملية الارتداع عن الخطأ عملية صعبة فيبقى الانسان في حالة صراع مع نفسه ولذلك تجد البعض من اجل ان يريح نفسه من هذه المعركة والصراع الداخلي يبتعد كلياً عن محاسبة نفسه ومراجعتها .
ثانياً :- النقد الذاتي يُشعر الانسان انه في موقف هزيمة وتراجع امام الاخرين
الانسان عندما يكون لهُ رأي معين او موقف فأنهُ عندما ينتقد ذاته قد تكون نتيجة ذلك ان تراجع عن رأيه وموقفة وهذا يُشعرهُ بانه في حالة هزيمة امام الاخرين وغرور الانسان لا يسمح له بان يضع نفسه في هذا الموضع فيكابر ولا يعترف بخطئه حتى لا يظهر امام الاخرين وكأنه انهزم .
على المستوى الاجتماعي ..
كل مجتمع من المجتمعات معرض لان تكون فيه اخطاء في الافكار وانماط السلوك وقد لا يكون الخطأ ذاتياً وانما
تغير الظروف والاوضاع تجعله خطأ فقد تكون ممارسة من الممارسات في وقت من الاوقات صحيحة ولكن مع تغير الزمن تصبح تلك الممارسة خطأ وتحتاج الى تغيير ومعالجة .
وغالباً ما يكون النقد الذاتي في المجتمعات امراً طبيعياً وخاصة في المجتمعات التي تغيب فيها الاجواء لمساعدة
على النقد مثل حرية التعبير عن الرأي وحرية و حرية الفكر هنا يصبح المجتمع في حالة تنزيه لذاته ويكون هناك غفلة عن المشاكل الداخلية الداخليه وغالباً ما تكون وسيلة التغطية على المشاكل الداخلية
وهنا السؤال يطرح نفسة هل نحن متأكدين ان كل الافكار والممارسات في مجتمعنا صحيحة واذا كانت صحيحة اليس هناك ما هو اصح منها يقول تعالى ((الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه ) فلماذا لا يكون هناك مجال للنقد هناك عدة اسباب تعترض حرية النقد
اولاً:- شعور يسود البعض بأن انتقاد بعض الامور وان كانت بسيطة يعرّض مجمل البناء للهدم .
ولكن كما انه يجب علينا ان نخاف من ان يكون هناك تفريط فان الحذر من الافراط مطلوب وكما نخاف من ان نقد غير الصحيح قد يطال الصحيح فانه يجب علينا ان نخاف من ان السكوت على غير الصحيح قد يقودنا الى
خطأ اخر وقد يعمق الاخطاء الموجودة
ومن جهة اخرى فان هذا الاشكال دليل على ان ثقتهم بالعقيده والدين هشة ولكنهم لو عرفوا قوة الاسلام وجوهره لعلموا ان هذه الجزيئات لا تؤثر على مجمل البناء
ثانياً :- القول بأن عملية النقد تـُظهر ضعفنا أمام الآخرين وهذا الكلام مضى وقته لانه لم يعد هناك امور مخفية إضافة لذلك فان النقد الذاتي أصبح مظهر قوة وليس مظهر ضعف فالجهة التي تنتقد ذاتها وتصحح أخطاءها اقرب الى الاحترام من الجهة التي تتستر على الأخطاء واذا كانت المسألة ذات بعد ديني فهناك مسؤولية دينية لانه بأي حق نتستر على خطأ فيه ضرر على الدين ومصالح المؤمنين بهذه المبررات الواهية .
ثالثاً :- وجود قوى منافسة في كل مجتمع تحمي الحالة السائدة ففي المجتمع بعض الجهات تعتبر ان من مسؤوليتها حماية الحالة السائدة فليس لديهم قضية يدافعون عنها ويبرزون قوتهم فيها فيكون الدفاع عن السائد هو ساحتهم وميدانهم لاستقطاب الاخرين أليهم بالتالي تجدهم يرفضون أي نقد او تصحيح او تطوير وهذا يعني امرين
الامر الاول :- نقطة الضعف تبقى في المجتمع فتضعفه امام الاخرين
والامر الثاني :- حصول ردود فعل داخل المجتمع عند الشباب والناشئة الذين ينفرون من الافكار والحالات غير المقنعة
بالطبع لا يعني هذا الكلام ان أي نقد هو مصيب فقد يكون هناك خطأ او اشتباه في تشخيص ما يستحق النقد ولكن ما نصبوا اليه هو ان لا يكون النقد بذاته جريمة وان لا يكون الحديث عن الخطأ ادانه واين نحن عن النصوص التي تدعو الانسان المسلم لمحاسبة نفسه واين نحن عن ما قاله الامام علي عليه السلام ( من حاسب نفسه ربح ومن غفل عنها خسر ) ويقول أيضا (( ثمرة المحاسبة صلاح النفس ))
وأيضا لماذا لا نستفيد من تجارب الاخرين وبقية المجتمعات التي شرعت النقد في مجتمعاتها فتقدمت بينما مجتمعاتنا تعيش حالة ممانعة من أي نقد ذاتي ونكرر هنا انه ليس كل نقد مصيباً ولكنه عامل قوة وايضاح للحقيقة واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصل اللهم على محمد والهِ الطاهرين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – سورة القيامة 1 – 2
2 – سورة الزمر 18
3 – نهج البلاغة قصار الكلمات حكمة رقم 208
4 – ميزان الحكمة الريشهري ج 1 ص 620
تعليق