عن أمير المؤمنين (ع):
«أيها الناس! لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله»(1)
طريق الهداية هو المسير الذي يوصل الإنسان إلى المقصد الكمالي المطلوب. وهو طريق واضح بيّن عند الإنسان العالم الخالي من الأغراض والأهواء الشخصية. لا بل كل من هو بعيد عن الأهواء والمتطلبات المادية والحيوانية البحتة الذي يتحرك على أساس الفطرة والوجدان الإلهي فإنه يسعى جهده في الحصول على هذا الطريق الذي سيصله قطعاً. ثم إن العقل والوحي طريقان واضحان يوصلان الإنسان إلى طريق الهداية.
طبعاً قليلون الذين يوفقون في الوصول إلى هذه المرتبة العظيمة. وبما أن الشروط المحيطة بالأفراد مختلفة ومتفاوتة من حيث الزمان والمكان فإنهم يختلفون في مقدار الحصول والوصول إلى طريق الهداية، ولكن المهم هنا أن الذين يتحركون في هذا الاتجاه إنما يتحركون بناءً على المنطق والعلم والمطالعة بعد أن يتحلوا بصفات العزم والإرادة. هؤلاء الأشخاص لا يهتمون فيما إذا كان سالكو طريق الحق قلة أم كُثُراً. إذا اتضح لنا طريق الحق وإذا أيقنّا من الوصول إلى الكمال والسعادة من خلال ما نتمتع به من ظرفيات عقلية أو ذهنية فلن نهتم إذا ما كان المتحركون في هذا الطريق كثيرين أم قليلين.
* المهم سلوك طريق الحق
طبعاً سالك طريق الحق والهدى يهتم لمسألة جذب الآخرين إليه عبر الدعوة والتبليغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالاستفادة من عمله وسلوكه إلا أن المهم عنده هو سلوك طريق الحق وليس تعداد السالكين له. يحذرنا إمام الهداية وقائد مسيرة الإيمان والسعادة علي بن أبي طالب(ع)من أن نبتلى بالحيرة والاضطراب والتردد والوحشة إذا ما كان سالكو طريق الحق قلة، فلا يجب أن يذهب هذا الحال بعزمنا وإرادتنا ولا يمنعنا عن متابعة طريق الحق. ولنا في عظمائنا وقادتنا الذين سلكوا طريق الحق ولم يترددوا فيه، على الرغم من قلة الناصر عند بعضهم، أسوة حسنة.
* لزوم هداية الآخرين
هل يجب علينا أن نتخلى عن الحق ونبتعد عن طريق الهداية إذا ما كان المحيط حولنا مخالفاً للحق؟ هل يجب مرافقة من تتضمن مخالفته لطريق الحق ترك الواجب وفعل الحرام؟ هل تصح مقولة «البركة مع الجماعة»(2) حتى ولو كانت على خطأ؟ طبعاً لا، لأن السقوط والخسران الكبير هو في ترك طريق الحق والهداية وتجاهل عوامل الكمال والسعادة. فلا يفترض التردد في سلوك طريق الحق. نعم لا بد أولاً من أن يتضح لنا طريق الهدى من خلال المعرفة والعلم ولكن لا يجب التردد في سلوكه بعد وضوحه.
يشير الإمام(ع) ضمن حديثه القصير ذي الأبعاد العظيمة إلى قصة ناقة ثمود حيث قام قوم صالح بعقر الناقة خلافاً لأوامر اللَّه تعالى الصريحة، ثم ندموا على ما فعلوا. هنا اللَّه تعالى يوجه لومه للجميع مع أن مرتكب هذا الإثم كان شخصاً واحداً، وذلك لأنهم كانوا راضين بفعل هذا الشخص ولم يواجهوه بالإنكار والاعتراض. وينبهنا الإمام(ع)إلى أن اتّباع طريق الحق لا يجب أن يمنعنا عن مواجهة الضالين بل يلزم من اتّباع طريق الحق دعوة الآخرين وهدايتهم إلى هذا الطريق.
وقد تكون اللذائذ الدنيوية والمعاصي محببة عند بعض الأشخاص إلا أنها لذات قصيرة سرعان ما تزول حيث يحل مكانها العذاب الطويل. فلا مبرر للإنسان في ترك الحق مقابل لذات زائلة ومؤقتة.
*****
الهوامش:
(1) نهج البلاغة، خطب الإمام علي(ع)، ج2، ص181.
(2) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج63، ص349.