بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين حبيب قلوب الصادقين حبيب قلوب الصادقين الهادي الامين ابا القاسم محمد والهِ الهداة الميامين
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم ( ولا يغتب بعضكم بعضا ايحب احدكم ان ياكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ان الله توابٌ رحيم ) صدق الله العلي العظيم
لا شيء اهم من ان يعيش الانسان في مجتمعه امنا على نفسه وماله وعرضه ذلك لان الانسان شخص وشخصيه
واذا كانت سلامته الجسمية والمالية هي قوام شخصه ووجوده المادي فان سلامته المعنوية وحفظ سمعته هي قوام شخصيته المعنوية والاجتماعية لذلك فان الاسلام بقدر ما يشدد على حرمة الانسان فيما يرتبط بجسمه وماله فانه
اكثر تشددا بالنسبة لما يرتبط بحرمة مكانته وجاهة وسمعته .
ان الانسان اذا كان يعيش في مجتمع يواجه فيه اعتداء جسميا فانه بالتاكيد لا يحس بالامن والاستقرار وكذلك لو تعرض الى اعتداء على ماسبه المادية كنهب منزله او سلب ارضه او سرقة امواله فلن يحس بالامن والاستقرار وكذلك الحال لو انتهكت كرامته وسمعته بمعنى انه يتعرض للتجريح والتشهير فهذا ايضا لا يحس بالامن في
ذلك المجتمع ومجتمعات كهذه لا تجذب من يعيش فيها ولا ترغبهم في حبها والانتماء اليها ...
المجتمعات الغربية بالرغم من ان الفلسفة السائده فيها هي فلسفة ماديه لكنها وضعت قوانين تحفظ حقوق الانسان
في بعديها المادي والمعنوي فكما انه لا يستطيع ان يتعدى على مال الاخر لانه سيكون تحت طائلة القانون كذلك
فانه لا يستطيع ان يتعدى على سمعتة الاخر لانه سوف يكون تحت طائلة القانون ايضا ولذلك عندما ترفع دعوى على شخص ما ويثبت بعدها ان الحق معه فانه يقوم برفع دعوى يطالب فيها بالتعويض واعادة الاعتبار عن الاذى المعنوي الذي تعرض له ...
الغيبة :
تؤكد تعاليم الاسلام على هذا الجانب بصورة كبيره فاحترام اموال الناس وممتلكاتهم واعراضهم وسمعتهم على حد سواء تقول الايه الكريمة ( ولا يغتب بعضكم بعضا ) نهي صريح عن الاعتداء على شخصية الاخر بالتحدث عنه بما يسوء اليه ويشوه سمعته وهو ما يسمى بالغيبه
من ضروريات الدين كما يتفق على ذلك جميع المسلمين حرمة الغيبة والقول بانها عمل محرم وانها من كبائر الذنوب التي ورد التشديد على تركها وتوعد من يقوم وبفعلها النار والعذاب الشديد فالاية الكريمة تــــؤكـــــــد
(ولا يغتب بعضكم بعضا ) أي لا يمارس بعضكم هذا العدوان على الاخر فالغيبة حرام في المجتمع المسلم بل
يمكن القول في المجتمع الانساني بشكل عام ثم تاتي الايه الكريمة بمثال يوضح بشاعة الغيبة وهي تشبيه من
يغتاب غيره بأكل لحم اخيه ميتا ارايت الانسان الذي يجالس امام جنازة اخيه ثم يتناول منه لحما ويأكله هل تحس وتشعر ببشاعة هذا المنظر هكذا هو حال من يذكر غيره بسوء في ظهر الغيب والصوره واضحة لان اكل لحم الميت هو اعتداء على من لا يقدر الدفاع عن نفسه وذكر غيره بسوء في غير محضرهم حيث لا يستطيع الدفاع عن انفسهم يشبه ذلك تماما فالغيبة باعتبار انها ماخوذة من الغياب هي التحدث في عيوب الشخص في غيابه وهنا
لن يستطيع الدفاع عن نفسه أي كانها حالة انتهاز غياب الغير بالتحدث عنه بما يكره دون ان يدافع عن نفسه كانتهاز جسد ميت وياكل وهو لا يستطيع المقاومة
الاثار السيئة للغيبة :
يعرف العلماء والفقهاء الغيبة بتعريفات عديدة لعل ارجحها ذكر عيوب مستورة لانسان غائب .. احيانا يتجاهر الانسان ببعض الصفات السيئة فذكره بها لايعد غيبه لانه لم يستر عيبه واحيانا يكون للانسان عيب بالرغم من ممارستة له الا انه لا يحب ان يظهره ولا يحب ان يذكره احد به فاذا ما اغتبه في ظهر الغيب فقد اغتبته وهذا لايجوز لما يترتب على ذلك من امور .
ان هذا الامر يعد عدوانا على سمعة وشخصية المذكور ؟
تعود الانسان على هذا الامر اذا ذكرت شخصا ما بسوء ستذكر اخر وسيكون الامر مستساغا عند الانسان وكما
في تشبيه الاية الكريمة لو اكلت لحم اخيك ميت مره سيكون اكله مستساغا في غيرهن من المرات يقول الامام علي عليه أفضل الصلاة والسلام (( لا تعود نفسك على الغيبه فان معتادها عظيم الجرم ))
تلويث اجواء المجتمع بما هو سلبي والمساعدة على انتشاره فعندها تتحدث عن عيب فلان من الناس فان حديثك عن عيبه يرسخ العيب في اسماع الناس فيتطبعوا به حتى تسمع عمن يغتابك كما ورد في الحديث عن الامام الصادق عليه السلام (( لا تغتب فتُغتب )) التسبب في رد فعل الاخر فمن يغتب قد يصله الكلام بشكل او باخر فيسعى للانتقام او الدفاع عن نفسه مما يجعل المجتمع ساحة للصراع والعداوات وانتشار البغضاء
معصية الله وحرق الحسنات بالسيئات والتنازل عن أعمالك الحسنه لغيرك في يوم أنت بأشد ألحاجه إلى تلك الأعمال لتثقل بها ميزان اعمالك فقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول ((يؤتى باحد يوم القيامه يوقف بين يدي الله ويدفع اليه كتابه فلا يرى حسناته فيقول الهي ليس هذا كتابي فاني لا ارى فيه طاعتي فيقال له ان ربك لا يضل ولا ينسى ذهب عملك باغتياب الناس ثم يؤتى باخر ويدفع له كتابه فيرى فيها طاعات كثيره فيقول الهي ما هذا كتابي فاني ما عملت هذه الطاعات فيقال له لان فلانا اغتابك فدفعت حسناته اليك )) وهذا ما يهون الامر عند المستغاب لان حقه محفوظ عند الله ولذلك اذا قيل لشخص ان فلانا من الناس قال عنك كذا وكذا فانه ان كان شخصا عاديا يغضب ولربما عامل بالمثل ولكنه اذا كان مؤمنا لا يهتم بالامر ولربما صفح عمن اساء اليه
حديثهم نور ::
يتعجب الانسان من تشديد النصوص الدينيه على مسالة الغيبه وهنا يدرك اهتمام الشرع ويحفظ سمعة الاخرين ومكانتهم المعنوية في المجتمع ولذلك نجد روايات كثيره عن النبي صلوات الله عليه وعلى اله الطاهرين واهل البيت عليهم السلام تنهى عن الغيبه وبكل شدة
رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وفي خطبة الوداع ونحن نعلم ما لهذه الخطبة من اهمية حيث ركز فيها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن القضايا الاساسية التي تهم الامه يقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الا ان دماءكم واموالكم واعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا وبلدكم هذا . والاعراض تعني المكانة المعنوية للاشخاص
ويروى عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام انه قال (( ابغض الخلائق الى الله المغتاب )) ويروي الصحابي الجليل ابو ذر الغفاري رضوان الله عليه عن النبي صلى الله عليه واله وسلم في وصية له انه قال ((يا ابا ذر اياك والغيبة فان الغيبة اشد من الزنا قلت ولمَ ذاك يا رسول الله قال لأن الرجل يزني فيتوب الى الله فيتوب الله عليه والغيبه لا تغفر حتى يغفرها صاحبها )) فالغيبة جريمة من بعدين معصية الله تعالى واعتداء على شخص ما . وهناك روايات اخرى على هذا الصعيد منها ان الله تعالى قال لموسى عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام
من مات تائباً من الغيبه فهو اخر من يدخل الجنه ومن مات مصراً عليها فهو اول من يدخل النار )) وحديث اخر عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انه قال (( ترك الغيبه احب الى الله من عشرة الاف ركعة تطوعاً ))
مجالس الغيبة :
ماهو واجب المؤمن عندما يحضر مجالس يسمع فيه غيبة للاخرين
هناك مجالس سمتها غيبة الاخرين كأن شغلهم الشاغل تتبع عثرات الغير ومع الاسف الشديد انك تجد مثل هذا الامر في الاوساط الدينية وذلك بسبب اختلافهم في الراي او تضارب مصالحهم فيقوم البعض بذكر معايب الاخرين وكأنما غاب عن بالهم ان هذا الامر من اعظم المحرمات
بعض المتدينين يرى في نفسه زهواً لأنه لا يشرب الخمر ولا يزني ولا يمارس اياً من الكبائر وعندما يرى او يسمع عن غيره انه ابتلى بمثل هذه المعاصي يحمد الله ان نجاه منها ولكن يذكر مساوئ الاخرين ويشبع غيبة لهم وما كان هذا الامر من الكبائر وانه لا يقل عن الذنوب الاخرى بل كما يقول رسول الله صلى الله عليه واله في الحديث الذي ذكرناه سابقاً (( الغيبة اشد من الزنا )))
اذا حضرت مجلساً كهذا فما هو واجبك
قد تكون منزهاً عن ممارسة الغيبة ولكنك الان تعرضت لاستماع الغيبة من الغير فما يكون موقفك
الفقها يؤكدون ان استماع الغيبة اثم كقولها واذا استمعت الى من يستغيب شخصاً ما وسكت على ذلك ولم تدافع عن اخيك المؤمن كنت شريكاً في هذه الغيبة .
ولذا يتوجب عليك ان ترد الغيبة وان لا تقبل بها البعض يتعذر بالحياء وهو عذر غير مقبول واذا دعيت على شرب كأس من الخمر فهل يكون الحياء مبرراً لك لشربه واذا ما رأيت من ياكل لحم اخيك ميت ودعاك لمشاركته فهل يكون الحياء مبرراً لك لتشاركه او تسكت عنه .
البعض اذا نهيته عن ذكر الاخرين بسوء ودفعت الغيبة التي يلهج بها يقول لك ما اقوله صحيح وهذا ليس مبرراً
للغيبة فالغيبة ذكر الشخص بما هو فيه في ظهر الغيب
جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انه قال (( من نصر اخاه في ظهر الغيب نصره الله في الدنيا والاخره )) وعنه ايضاً صلى الله عليه واله وسلم اذا وقع في الرجل وانت في ملأ فكن للرجل ناصراً وللقوم زاجراً وقم عنهم )) لا ترض لنفسك ان تجلس في مجلس الغيبة لانهُ مجلس منكر .
نسأل الله تعالى ان يجملنا بالخلق الحسن واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصل اللهم على محمد والهِ الهداة الميامين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1- الحجرات اية 12
2 - التميمي عبد الواحد الامدي غرر الحكم ودرر الكلم ج 2 ص 227 ط 1 ,1407 هـ مؤسسة الاعلمي للطباعة بيروت
3 - المجلسي محمد باقر بحار الانوار ج 72 ص 249 ط 3 1403 هـ .دار احباء التراث العربي بيروت
4 - المجلسي محمد باقر ج 22 ص 259
5 - المصدر السابق ج 22 ص 165
6 - غرر الحكم ج 1 ص 195
7 - العاملي محمد بن الحسين وسائل الشيعة ج 12 ص 281 ط 1 1413 هـ مؤسسة ال البيت عليهم السلام لاحباء التراث بيروت
8 - الملا بري اسماعيل المعري ج 20 ص 528 قم . ايران 1412 هـ
9 - بحار الانوار ج 72 ص 261
10 - الري شهري محمدي ميزان الحكمة ج 7 ص 353 ايران . قم 1403 هـ
11 - الهندي علاء الدين علي المتقي كنز العمال ج 3 ص 586 ط 5 مؤسسة الرسالة بيروت 1405 هـ
تعليق