المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 275 ـ 277
(275)
مباحث المعاد
(10)
المعاد الجسماني والروحاني
قد تعرفتَ على الدلائل التي أفادت ضرورة وقوع المعاد ، كما تعرفتَ على
الآيات التي تشير إلى تلك الد لائل ، لكن يقع الكلام في كيفية المعاد ، وهل هو
جسماني أو روحاني ، أو جسماني وروحاني معاً ، وقبل بيان المراد من الجسمانية
والروحانية ، نشير إلى كلمات تذكر الأقوال والآراء الموجودة في الكيفية .
1 ـ قال الرازي : « اختلفت أقوال أهل العالم في أمر المعاد على وجوه :
أ ـ أنّ المعاد ليس إلا للنفس ، وهو مذهب الجمهور من الفلا سفة .
ب ـ أنّ المعاد ليس إلا لهذا البدن ، وهوقول نفاة النفس الناطقة ، وهم
أكثر أهل الإسلام .
ج ـ أنّ المعاد للأمرين ، وهم طائفة كبيرة من المسلمين » (1).
2 ـ وقال العلامة الحلّي :« اتفق المسلمون على إعادة الأجسام خلافاً
للفلاسفة » (2).
3 ـ وقال الدواني : « المعاد الجسماني هو المتبادر من إطلاق أهل الشرع ؛ إذ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -نهاية العقول : نقله المجلسي في البحار : لاحظ ج7، ص48.
(2) -شرح الياقوت : ص 191.
________________________________________
(276)
هو الّذي يجب الاعتقاد به ، ويكفر مَن أنكره ، وهوحق، لشهادة نصوص
القرآن في مواضع متعددة بحيث لا تقبل التأويل ، كقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ
الإِنسَانُ ... }إلى قوله : { بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } (1). قال المفسرون نزلت هذه الآية في
أُبىّ بن كعب ، فإنّه خاصم رسول الله ، وأتاه بعظم قد رمّ وبلى ، ففتّه بيده وقال : يا
محمّد ، أترى الله يحيي هذه بعدما رمّت ، قال : نعم ، ويبعثك ويدخلك النار .
« وهذا ممّا يقلع عرق التأويل بالكلية ، ولذلك قال الإمام ( الرازى ) : إنّه لا
يمكن الجمع بين الإيمان بما جاء به النبي وإنكار الحشر الجسماني » (2).
4 ـ قال صدر المتألهين : اتّفق المحققون من الفلا سفة والملّيين على أحقّية
المعاد ، وثبوت النشأة الباقية ، لكنهم اختلفوا في كيفيته ، فذهب جمهور
الإسلاميين وعامة الفقهاء وأصحاب الحديث إلى أنّه جسماني فقط ، بناءً على أنّ
الروح عندهم جسم سار في البدن سريان النار في الفحم ، والماء في الورد ،
والزيت في الزيتونة ، وذهب جمهور الفلا سفة وأتباع المشّائين إلى أنّه روحاني أي
عقلي فقط ؛ لأنّ البدن ينعدم بصوره وأعراضه لقطع تعلق النفس بها ، فلا يعاد
بشخصه تارة أخرى ؛ إذ المعدوم لا يعاد ، والنفس جوهر باقٍ لا سبيل للفناء
إليه ، فتعود إلى عالم المفارقات لقطع التعلقات بالموت الطبيعي.
وذهب كثير من أكابر الحكماء ومشايخ العرفاء وجماعة من المتكلمين كالغزالي ،
والكعبي ، والحليمي ، والراغب الأصفهاني ، وكثيرمن أصحابنا الإمامية كالشيخ المفيد ،
وأبي جعفر الطوسي ، والسيّد المرتضى ، والمحقق الطوسى ، والعلامة الحلّي ،
رضوان الله تعالى عليهم أجمعين إلى القول بالمعادين ، ذهاباً إلى أنّ النفس مجرّدة
تعود إلى البدن (3).
قال العلامة المجلسي : « إعلم أنّ القول بالمعاد الجسماني ممّا اتفق عليه جميع
المليين ، وهو من ضروريات الدين ، ومنكره خارج من عداد المسلمين ، والآيات
الكريمة على ذلك ناصّة لا يعقل تأويلها ، والأخبارفيه متواترة لا يمكن ردّها ، ولا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -سورة يس : الآيات 77 ـ 79.
(2) -شرح العقائد العضدية : ج2،ص 247.
(3) -الأسفار : ج 9، ص 165.
________________________________________
(277)
الطعن فيها » (1).
إنّ القضاء البات في هذه الآراء يتوقف على معرفة ملاك توصيف المعاد
بالجسماني والروحاني ، وإليك بيانه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - بحارالأنوار : ج 7، ص 46. ولاحظ حق اليقين : للسيّد شبّر، ج2، ص 52. ولا نطيل
الكلام بنقل كلمات الآخرين .