نقلا من كتاب عصمة اهل البيت عليهم السلام
روى صاحب مجمع البيان الشيخ الطبرسي قدس سره عن أبي جعفر عليه السلام ، كما روى عنه وعن أبي عبدالله عليه السلام : « أنّ فضل الله ورحمته : النبي وعلي ».
وعن جعفر بن محمد عليهما السلام في قول الله عزَّ وجلّ : ( ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الاَمر منهم ) ، قال : « نحن أولو الاَمر الذين أمر الله عزَّ وجلّ بالردِّ إلينا » (1).
____________
(1) مستدرك الوسائل|النوري الطبرسي 17 : 271|13 الباب السابع.
( إنّما يُريد الله ليذهبَ عنكم الرجس أهل البيت ويُطَهِّرَكُم تطهيراً )(2).
لعلَّ المراد بأهل البيت في هذه الآية المباركة الذي يجب أن يلتفت إليه علمياً هو :
1 ـ نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة ، لورود الآية المباركة في جملة خطابات متعلقة بهن.
2 ـ نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.
3 ـ خصوص هؤلاء الخمسة عليهم السلام.
وقد قال القرطبي : ( والذي يظهر من الآية انّها عامّة في جميع أهل البيت من الازواج وغيرهم ، وإنّما قال « ويطهركم » لان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلياً وحسناً وحسيناً كانوا فيهم ، وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غُلِّبَ المذكر ) (3) ووافقه الفخر الرازي على ذلك (4).
____________
(1) راجع مجمع البيان في تفسير القرآن|الطبرسي في تفسير نفس الآية المباركة 2 : 82 ط دار التراث العربي ـ بيروت.
(2) سورة الاحزاب : 33|33.
(3) الجامع لاحكام القرآن|القرطبي 13 : 183.
(4) التفسير الكبير|الرازي 25 : 209.
إلاّ أننا الآن نحاول ان نستقرئ الآية المباركة لنشاهد مدى دلالة ألفاظها ومعانيها على هذا الذي قالوه ، وهذا الظهور الذي ادّعوه.
إنّما : معنى إنّما اثبات لما يُذكر بعدها ، ونفي لما سواه ، والنفي والاثبات من أتقن وأشد موارد الكلام ، في دلالته على المعنى ، ولذا وردت عليه كلمة التوحيد.
فآية التطهير ( تدل على حصر الارادة في اذهاب الرجس ، والتطهير ).
وكلمة أهل البيت سواء كان لمجرّد الاختصاص أو مدحاً ، أو نداءً ، يدلُّ على اختصاص إذهاب الرجس ، والتطهير بالمخاطبين بقوله : « عنكم ».
ففي الآية في الحقيقة قصران : قصر الارادة في اذهاب الرجس ، والتطهير. وقصر إذهاب الرجس والتطهير في أهل البيت (1).
التطهير : التنزيه عن الاثم ، وعن كلِّ قبيح (2).
الرجس : أمّا ان تكون هذه اللاّم للعهد أو ان تكون للجنس ، أمّا كونها عهدية فليست كذلك ، لاَنّهُ ما عُهِدَ رجسٌ في الكلام السابق حتى ترجع إليه.
فتبقى هذه علامة للجنس ، وبما ان معنى الجملة نفي ، إذ انّ الباري
____________
(1) الميزان 16 : 309.
(2) المجمل|أحمد بن فارس : مادة طهر.
يريد إذهاب الرجس ونفيه عنهم ، فهو يعمّ لاَنّه لو تحقق مصداق ما للرجس وثبت ، ما صدق الكلام.
الرِّجس : لنتابع هذه الكلمة قرآنياً ، قال تعالى : ( ومن يرد ان يضلَّهُ يجعل صدرهُ ضيّقاً حرجاً كأنّما يصّعّد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) (1). وقال تعالى : ( وأمّا الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ) (2). وقال تعالى : ( قُل لا أجد في ما أُوحي اليَّ مُحرَّماً على طاعم يطعمه إلاّ ان يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنّه رجس.. ) (3).
من هنا يتبين ان الرجس يطلق ويراد به القذارة المعنوية اذا صحَّ التعبير بكلِّ أنواعها ، كما هو ظاهر الآيتين الاوليتين.
وأما ظاهر الآية الثالثة فإنّ الرجس يُراد به القذارة المادية ، فبناء على ذلك : تكون كلا القذارتين ذاهبتين عن هؤلاء بالخصوص. فيعمّ اذهاب جميع الآثام وكلّ القبائح المادية والمعنوية عنهم.
ولذا قالوا : ( فمن المتعين حمل اذهاب الرجس في الآية على العصمة ، ويكون المراد بالتطهير في قوله : ( ويطهركم تطهيرا ) وقد أكّد بالمصدر ازالة أثر الرجس بايراد ما يقابله ، بعد اذهاب أصله ).
____________
(1) سورة الاَنعام : 6|125.
(2) سورة التوبة : 9|125.
(3) سورة الاَنعام : 6|145.
والمعنى : ( انّ الله سبحانه تستمر ارادته ان يخصكم بموهبة العصمة باذهاب الاعتقاد الباطل ، وأثر العمل السيء عنكم أهل البيت ، وايراد مايزيل أثر ذلك عليكم وهي العصمة ).
ولا بأس بنقل تتمة كلام السيد الطباطبائي قدس سره فيما لو شملت الآية المباركة غير هؤلاء الخمسة أياً كان هذا الغير : ( ليس المراد بأهل البيت نساء النبي خاصة لمكان الخطاب الذي في قوله : « عنكم » ، ولم يقل : عنكنّ.
فإمّا أن يكون الخطاب لهنّ ولغيرهنّ.
أو يكون الخطاب لغيرهنَّ أياً كان هذا الغير.
وعلى أي حال فالمراد باذهاب الرجس والتطهير مجرّد التقوى الديني بالاجتناب عن النواهي ، وامتثال الاوامر.
فيكون المعنى : إنّ الله لا ينتفع بتوجيه هذه التكاليف اليكم ، إنّما يريد اذهاب الرجس عنكم وتطهيركم ، على حدِّ قوله : ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ويتم نعمته عليكم )(1).
وهذا المعنى لا يلائم شيئاً من معاني أهل البيت لمنافاته البيّنة للاختصاص المفهوم من أهل البـيت ، لعمومه لعامّة المسلمين المكلّفين باحكام الـدين.
____________
(1) سورة المائدة : 5|6.
وان كان المراد باذهاب الرجس والتطهير التقوى الشديدة البالغة ، ويكون المعنى :
إنّ هذا التشديد في التكاليف المتوجهة اليكن أزواج النبي وتضعيف الثواب والعقاب ليس لينتفع الله سبحانه به ، بل ليذهب عنكم الرجس ويطهركم.
ويكون من تعميم الخطاب لهن ولغيرهنّ بعد تخصيصه بهنَّ ، فهذا المعنى لا يلائم كون الخطاب خاصاً بغيرهنّ وهو ظاهر ، ولا عموم الخطاب لهن ولغيرهنّ ، فانّ الغير لا يشاركهن في تشديد التكليف ، وتضعيف الثواب والعقاب.
وان كان المراد اذهاب الرجس والتطهير بارادته تعالى ذلك مطلقاً لابتوجيه التكليف ، ولا بتوجيه التكليف الشديد ، بل ارادة مطلقة لاذهاب الرجس والتطهير لاهل البيت خاصة بما هم أهل البيت ، كان هذا المعنى منافياً لتقييد كرامتهن بالتقوى.
وبهذا الذي تقدّم يتأيد ما ورد في أسباب النزول ان الآية نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسنين عليهم السلام خاصّة لا يشاركهم فيها غيرهم.
وهي روايات جمّة تزيد على سبعين حديثاً ، ما ورد منها من طرق أهل السُنّة يزيد على ما ورد فيها من طرق الشيعة.
فقد روتها أهل السنة بطرق كثيرة عن : أم سلمة ، وعائشة ، وأبي سعيد الخدري ، وسعد ، وواثلة بن الاسقع ، وأبي الحمراء ، وابن عباس ، وثوبان
مولى النبي ، وعبدالله بن جعفر ، وعلي ، والحسن بن علي عليهما السلام ، في قريب من أربعين طريقاً.
وروتها الشيعة عن علي ، والسجاد ، والباقر ، والصادق ، والرضا عليهم السلام ، وأم سلمة ، وأبي ذر ، وأبي ليلى ، وأبي الاسود الدؤلي ، وعمرو بن ميمون الاودي ، وسعد بن أبي وقاص ، في بضع وثلاثين طريقاً (1).
قال تعالى : ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) ، عن شداد بن عبدالله أبي عمار عن واثلة بن الاسقع انّه حدثه قال : أتيت فاطمة ( رض ) أسألها عن علي ، قالت : توجّه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ... حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه علي وحسن وحسين عليهم السلام آخذ كل واحد منهما بيده ، حتى دخل فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه وأجلس حسناً وحسيناً كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه ، ثم تلا : ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) وقال : « اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي » (2).
ورواه عبدالجبار بن العباس الشّبامي عن عمار الدهني عن عمرة بنت أفعى عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : نزلت هذه الآية في بيتي ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) وفي البيت سبعة جبرئيل وميكائيل عليهما السلام ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي والحسن والحسين
____________
(1) الميزان|الطباطبائي 16 : 310 ـ 311 بتصرّف قليل.
(2) مسند أحمد 4 : 107 و 135 كتاب الفضائل ، فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ط1. وتاريخ مدينة دمشق| ابن عساكر 13 : 76 في ترجمة الاِمام الحسين عليه السلام.
وفاطمة عليهم السلام ، وأنا على باب البيت ، فقلت : يا رسول الله ألستُ من أهل البيت ؟ !
قال : « أنتِ على خير ، إنّك من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم » ، وما قال : انك من أهل البيت (1) (2).
بناءً على هاتين الروايتين وغيرهما الواردة في هذا المقام بالذات حصر أهل البيت في هؤلاء الخمسة فعملية الاخبار تكفي ، إلاّ انّه لم يكتف بذلك بل أجلس علياً عن يساره ، وفاطمة عن يمينه ، والحسن والحسين بين يديه ، ليخبر السامع والناظر بأنّ هؤلاء هم أهل بيته بالخصوص ، وهم المعنيون بالآية المباركة ، إذ بعد ان اجلسهم قرأ ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ). وكأنّه يريد أن يزيد بياناً في انّ هذا العنوان لا يشمل إلاّ هؤلاء بالقول والفعل ليرسخ المعنى أكثر.
وقال : اللهمّ انّ هؤلاء أهلي.
والرواية الثانية الظهور فيها أشد ، فأم سلمة من الازواج ، ودعوى شموليتها لها موجودة ومحققّة ، إلاّ انّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صرَّح بعدم دخولها
____________
(1) شواهد التنزيل|الحسكاني 2 : 81 ط1 في تفسير هذه الآية المباركة بأسانيد عدة.
(2) وقد روي هذا الحديث بطرق وأسانيد مختلفة في كتب عدّة ، وبألفاظ متقاربة تؤدي هذا المعنى وتحصر أهل البيت عليهم السلام في هؤلاء الخمسة فتاريخ دمشق أيضاً روى مثله في ترجمة الاِمام الحسن عليه السلام ص67 ، ويجد كذلك الباحث في مسند أم سلمة من كتاب المسند مثله ، وحتى ان مسلم قد رواه في باب فضائل أهل البيت عليهم السلام 4 : 1883. وله مصادر اُخرى.
في هذا الموطن بالذات بهذا العنوان ، فما بعد ذلك إلاّ العناد.
وإذا صحّ التعبير إنّ هذا وضعٌ شرعي من قبل المشرّع نفسه وليس وضعاً مُتشرعاً ، فحتى لو كان يشمل غيره فهنا قد خصصه الواضع ، فكيف ندعي الشمولية ؟
وهناك قرائن اُخرى ، تفيد الاختصاص نذكرها تباعاً ، قرائن داخلية ، وقرائن خارجية ، بالاضافة إلى ما مرَّ.
روى صاحب مجمع البيان الشيخ الطبرسي قدس سره عن أبي جعفر عليه السلام ، كما روى عنه وعن أبي عبدالله عليه السلام : « أنّ فضل الله ورحمته : النبي وعلي ».
وعن جعفر بن محمد عليهما السلام في قول الله عزَّ وجلّ : ( ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الاَمر منهم ) ، قال : « نحن أولو الاَمر الذين أمر الله عزَّ وجلّ بالردِّ إلينا » (1).
____________
(1) مستدرك الوسائل|النوري الطبرسي 17 : 271|13 الباب السابع.
( إنّما يُريد الله ليذهبَ عنكم الرجس أهل البيت ويُطَهِّرَكُم تطهيراً )(2).
لعلَّ المراد بأهل البيت في هذه الآية المباركة الذي يجب أن يلتفت إليه علمياً هو :
1 ـ نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة ، لورود الآية المباركة في جملة خطابات متعلقة بهن.
2 ـ نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.
3 ـ خصوص هؤلاء الخمسة عليهم السلام.
وقد قال القرطبي : ( والذي يظهر من الآية انّها عامّة في جميع أهل البيت من الازواج وغيرهم ، وإنّما قال « ويطهركم » لان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلياً وحسناً وحسيناً كانوا فيهم ، وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غُلِّبَ المذكر ) (3) ووافقه الفخر الرازي على ذلك (4).
____________
(1) راجع مجمع البيان في تفسير القرآن|الطبرسي في تفسير نفس الآية المباركة 2 : 82 ط دار التراث العربي ـ بيروت.
(2) سورة الاحزاب : 33|33.
(3) الجامع لاحكام القرآن|القرطبي 13 : 183.
(4) التفسير الكبير|الرازي 25 : 209.
إلاّ أننا الآن نحاول ان نستقرئ الآية المباركة لنشاهد مدى دلالة ألفاظها ومعانيها على هذا الذي قالوه ، وهذا الظهور الذي ادّعوه.
إنّما : معنى إنّما اثبات لما يُذكر بعدها ، ونفي لما سواه ، والنفي والاثبات من أتقن وأشد موارد الكلام ، في دلالته على المعنى ، ولذا وردت عليه كلمة التوحيد.
فآية التطهير ( تدل على حصر الارادة في اذهاب الرجس ، والتطهير ).
وكلمة أهل البيت سواء كان لمجرّد الاختصاص أو مدحاً ، أو نداءً ، يدلُّ على اختصاص إذهاب الرجس ، والتطهير بالمخاطبين بقوله : « عنكم ».
ففي الآية في الحقيقة قصران : قصر الارادة في اذهاب الرجس ، والتطهير. وقصر إذهاب الرجس والتطهير في أهل البيت (1).
التطهير : التنزيه عن الاثم ، وعن كلِّ قبيح (2).
الرجس : أمّا ان تكون هذه اللاّم للعهد أو ان تكون للجنس ، أمّا كونها عهدية فليست كذلك ، لاَنّهُ ما عُهِدَ رجسٌ في الكلام السابق حتى ترجع إليه.
فتبقى هذه علامة للجنس ، وبما ان معنى الجملة نفي ، إذ انّ الباري
____________
(1) الميزان 16 : 309.
(2) المجمل|أحمد بن فارس : مادة طهر.
يريد إذهاب الرجس ونفيه عنهم ، فهو يعمّ لاَنّه لو تحقق مصداق ما للرجس وثبت ، ما صدق الكلام.
الرِّجس : لنتابع هذه الكلمة قرآنياً ، قال تعالى : ( ومن يرد ان يضلَّهُ يجعل صدرهُ ضيّقاً حرجاً كأنّما يصّعّد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) (1). وقال تعالى : ( وأمّا الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ) (2). وقال تعالى : ( قُل لا أجد في ما أُوحي اليَّ مُحرَّماً على طاعم يطعمه إلاّ ان يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنّه رجس.. ) (3).
من هنا يتبين ان الرجس يطلق ويراد به القذارة المعنوية اذا صحَّ التعبير بكلِّ أنواعها ، كما هو ظاهر الآيتين الاوليتين.
وأما ظاهر الآية الثالثة فإنّ الرجس يُراد به القذارة المادية ، فبناء على ذلك : تكون كلا القذارتين ذاهبتين عن هؤلاء بالخصوص. فيعمّ اذهاب جميع الآثام وكلّ القبائح المادية والمعنوية عنهم.
ولذا قالوا : ( فمن المتعين حمل اذهاب الرجس في الآية على العصمة ، ويكون المراد بالتطهير في قوله : ( ويطهركم تطهيرا ) وقد أكّد بالمصدر ازالة أثر الرجس بايراد ما يقابله ، بعد اذهاب أصله ).
____________
(1) سورة الاَنعام : 6|125.
(2) سورة التوبة : 9|125.
(3) سورة الاَنعام : 6|145.
والمعنى : ( انّ الله سبحانه تستمر ارادته ان يخصكم بموهبة العصمة باذهاب الاعتقاد الباطل ، وأثر العمل السيء عنكم أهل البيت ، وايراد مايزيل أثر ذلك عليكم وهي العصمة ).
ولا بأس بنقل تتمة كلام السيد الطباطبائي قدس سره فيما لو شملت الآية المباركة غير هؤلاء الخمسة أياً كان هذا الغير : ( ليس المراد بأهل البيت نساء النبي خاصة لمكان الخطاب الذي في قوله : « عنكم » ، ولم يقل : عنكنّ.
فإمّا أن يكون الخطاب لهنّ ولغيرهنّ.
أو يكون الخطاب لغيرهنَّ أياً كان هذا الغير.
وعلى أي حال فالمراد باذهاب الرجس والتطهير مجرّد التقوى الديني بالاجتناب عن النواهي ، وامتثال الاوامر.
فيكون المعنى : إنّ الله لا ينتفع بتوجيه هذه التكاليف اليكم ، إنّما يريد اذهاب الرجس عنكم وتطهيركم ، على حدِّ قوله : ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ويتم نعمته عليكم )(1).
وهذا المعنى لا يلائم شيئاً من معاني أهل البيت لمنافاته البيّنة للاختصاص المفهوم من أهل البـيت ، لعمومه لعامّة المسلمين المكلّفين باحكام الـدين.
____________
(1) سورة المائدة : 5|6.
وان كان المراد باذهاب الرجس والتطهير التقوى الشديدة البالغة ، ويكون المعنى :
إنّ هذا التشديد في التكاليف المتوجهة اليكن أزواج النبي وتضعيف الثواب والعقاب ليس لينتفع الله سبحانه به ، بل ليذهب عنكم الرجس ويطهركم.
ويكون من تعميم الخطاب لهن ولغيرهنّ بعد تخصيصه بهنَّ ، فهذا المعنى لا يلائم كون الخطاب خاصاً بغيرهنّ وهو ظاهر ، ولا عموم الخطاب لهن ولغيرهنّ ، فانّ الغير لا يشاركهن في تشديد التكليف ، وتضعيف الثواب والعقاب.
وان كان المراد اذهاب الرجس والتطهير بارادته تعالى ذلك مطلقاً لابتوجيه التكليف ، ولا بتوجيه التكليف الشديد ، بل ارادة مطلقة لاذهاب الرجس والتطهير لاهل البيت خاصة بما هم أهل البيت ، كان هذا المعنى منافياً لتقييد كرامتهن بالتقوى.
وبهذا الذي تقدّم يتأيد ما ورد في أسباب النزول ان الآية نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسنين عليهم السلام خاصّة لا يشاركهم فيها غيرهم.
وهي روايات جمّة تزيد على سبعين حديثاً ، ما ورد منها من طرق أهل السُنّة يزيد على ما ورد فيها من طرق الشيعة.
فقد روتها أهل السنة بطرق كثيرة عن : أم سلمة ، وعائشة ، وأبي سعيد الخدري ، وسعد ، وواثلة بن الاسقع ، وأبي الحمراء ، وابن عباس ، وثوبان
مولى النبي ، وعبدالله بن جعفر ، وعلي ، والحسن بن علي عليهما السلام ، في قريب من أربعين طريقاً.
وروتها الشيعة عن علي ، والسجاد ، والباقر ، والصادق ، والرضا عليهم السلام ، وأم سلمة ، وأبي ذر ، وأبي ليلى ، وأبي الاسود الدؤلي ، وعمرو بن ميمون الاودي ، وسعد بن أبي وقاص ، في بضع وثلاثين طريقاً (1).
قال تعالى : ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) ، عن شداد بن عبدالله أبي عمار عن واثلة بن الاسقع انّه حدثه قال : أتيت فاطمة ( رض ) أسألها عن علي ، قالت : توجّه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ... حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه علي وحسن وحسين عليهم السلام آخذ كل واحد منهما بيده ، حتى دخل فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه وأجلس حسناً وحسيناً كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه ، ثم تلا : ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) وقال : « اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي » (2).
ورواه عبدالجبار بن العباس الشّبامي عن عمار الدهني عن عمرة بنت أفعى عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : نزلت هذه الآية في بيتي ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) وفي البيت سبعة جبرئيل وميكائيل عليهما السلام ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي والحسن والحسين
____________
(1) الميزان|الطباطبائي 16 : 310 ـ 311 بتصرّف قليل.
(2) مسند أحمد 4 : 107 و 135 كتاب الفضائل ، فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ط1. وتاريخ مدينة دمشق| ابن عساكر 13 : 76 في ترجمة الاِمام الحسين عليه السلام.
وفاطمة عليهم السلام ، وأنا على باب البيت ، فقلت : يا رسول الله ألستُ من أهل البيت ؟ !
قال : « أنتِ على خير ، إنّك من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم » ، وما قال : انك من أهل البيت (1) (2).
بناءً على هاتين الروايتين وغيرهما الواردة في هذا المقام بالذات حصر أهل البيت في هؤلاء الخمسة فعملية الاخبار تكفي ، إلاّ انّه لم يكتف بذلك بل أجلس علياً عن يساره ، وفاطمة عن يمينه ، والحسن والحسين بين يديه ، ليخبر السامع والناظر بأنّ هؤلاء هم أهل بيته بالخصوص ، وهم المعنيون بالآية المباركة ، إذ بعد ان اجلسهم قرأ ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ). وكأنّه يريد أن يزيد بياناً في انّ هذا العنوان لا يشمل إلاّ هؤلاء بالقول والفعل ليرسخ المعنى أكثر.
وقال : اللهمّ انّ هؤلاء أهلي.
والرواية الثانية الظهور فيها أشد ، فأم سلمة من الازواج ، ودعوى شموليتها لها موجودة ومحققّة ، إلاّ انّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صرَّح بعدم دخولها
____________
(1) شواهد التنزيل|الحسكاني 2 : 81 ط1 في تفسير هذه الآية المباركة بأسانيد عدة.
(2) وقد روي هذا الحديث بطرق وأسانيد مختلفة في كتب عدّة ، وبألفاظ متقاربة تؤدي هذا المعنى وتحصر أهل البيت عليهم السلام في هؤلاء الخمسة فتاريخ دمشق أيضاً روى مثله في ترجمة الاِمام الحسن عليه السلام ص67 ، ويجد كذلك الباحث في مسند أم سلمة من كتاب المسند مثله ، وحتى ان مسلم قد رواه في باب فضائل أهل البيت عليهم السلام 4 : 1883. وله مصادر اُخرى.
في هذا الموطن بالذات بهذا العنوان ، فما بعد ذلك إلاّ العناد.
وإذا صحّ التعبير إنّ هذا وضعٌ شرعي من قبل المشرّع نفسه وليس وضعاً مُتشرعاً ، فحتى لو كان يشمل غيره فهنا قد خصصه الواضع ، فكيف ندعي الشمولية ؟
وهناك قرائن اُخرى ، تفيد الاختصاص نذكرها تباعاً ، قرائن داخلية ، وقرائن خارجية ، بالاضافة إلى ما مرَّ.
تعليق