تساؤل يطرحه كثير من المصلحين والحكماء والفلاسفة والمفكرين بل وحتى من عامة الناس، وهنا أتذكر جملة راقية قرأتها لأحد المفكرين الكبار حين سُئل عن قدرته العلمية فقال، أنا ما زلت تلميذا صغيرا في مدرسة كبيرة اسمها الحياة.
أسوق هذا الكلام وأنا أتطلع بالعين المجردة الى الشوارع والساحات الكبيرة في هذه المدينة او تلك وفي هذه الدولة او تلك او على شاشات التلفاز لأرى السعي الدؤوب للامم والشعوب وهي تمضي قدما في تحسين سلوكها الانساني الى مراتب اعلى وافضل دائما، واتساءل متى نكون نحن مثل هذه الشعوب او تلك الامم نعلّم بعضنا بعضاً على آداب السلوك الصحيح ومنها آداب الطريق او الحديث او الحوار او غير ذلك؟
ومتى نحمل اللافتات كما يفعل غيرنا حيث تحملها اجساد وارواح بعمر الزهور تتوزع في الشوارع الرئيسة لهذه المدينة او تلك وتحمل معها اجهزة مكبرات الصوت وتوجه الناس من المارة في حالة ارتكاب خطأ ما في الشارع او على الرصيف او من قبل سائقي السيارات او أي خطأ آخر يرتكبه انسان يؤدي الى أيذاء الاخرين عن قصد او خلافه، وتبقى مهمة هؤلاء الشابات والشبان اليافعين تنبيه الانسان الذي يخطأ وتوجيهه للقيام بالفعل الصحيح بأسلوب غاية في الرقة والانسانية والتحضر، وهذا ما رأيته في مدن كثيرة زرتها سابقا.
ولم أرَ رجلا او شيخا او امرأة او طفلا يعترض على التوجيه الذي يصل اليه عبر مكبّر الصوت او بالتوجيه المباشر، ولم أرَ حرجاً من لدُن الطرفين الموجِّه والقائِم بالخطأ المقصود او غير المقصود، ولن أخفي على احدكم بأنني برغم عمري الذي تاخم الخمسين عاما تعلمت من هؤلاء اليافعين ومن لافتاتهم الشيء الكثير وكم ورد في خاطري لو اننا نغيّر سلوكنا الخاطئ وفق هذا الاسلوب والتوجيه الراقي.
لقد تذكرت العبوات الناسفة والاطلاق العشوائي للنار والمفخخات والدهم غير المرخص لقوات الاحتلال او غيرها، لقد تذكرت هذا السلوك الهمجي وتمنيت ان يحمل زهور الوطن من شابات وشباب العراق لافتات تنصح الخاطئين بحق ارواح العراقيين او حياتهم العامة وتنبههم على القيام بالاسلوب الانساني الصحيح لجعل حياة العراقيين اكثر رأفة ورحمة ورفاهية وأمان، ولكن سرعان ما تبادر لذهني ان هذا الامر يحتاج الى سعي وحث ومواظَبة فكرية وتوعوية عملية في آن واحد.
لذلك فإنني ولو من باب الحلم المشروع مازلت أحلم كعراقي بأن نغيّر سلوكنا نحو الافضل ولكن اعرف وانتم تعرفون ان الفعل الصحيح غالبا ما يقترن بالكبار وعقلاء القوم وحكمائهم اولاً ثم يبدأ الصغار بالتجربة بتقليد الكبار وأفعالهم لكن اذا كان كبارنا هم بحاجة الي تغيير سلوكهم فألى من يلجأ صغار التجارب والاعمار من العراقيين، الى من يولون وجهاتهم كي يتعلموا ويتخلصوا من أخطائهم.
هكذا اذن لم يبق امامنا إلا ان نقول لكبارنا وعقلائنا وحكمائنا وندعوهم الي تغيير سلوكهم لكي نتعلّم منهم نحن صغار القوم بالتجارب والاعمار، أما اذا ظل العقلاء غافلين ونائمين ومصرّين على افعالهم الخاطئة فتلك مسألة ستقترن دائما بالقانون العظيم الذي يقول لا يصح إلا الصحيح.
وعند ذاك سيقفز الصغار في العمر والتجربة وسيتصدرون مسؤولية السلوك الجمعي لكي نصل ويصلون الى بر السلوك الصالح، وما هي إلا دعوة لتغيير السلوك الخاطئ وصولاً الى السلوك الانساني المتَّفق عليه بين امم العالم أجمع..
فيا كبارنا وحكماءنا وعلماءنا من اهل العراق، رفقا بالغرس الجديد وحبذا لو ساهمتم بوضعهم في الجادة الصواب لكي نبني حاضرا ومستقبلا مشرقَين بعون الله سبحانه وتعالى.
تعليق