نشأة الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)
الاُسرة الكريمة :
إنّ اُسرة الإمام الصادق (عليه السلام) ، هي أجل وأسمى أسرة في دنيا العرب والإسلام، فإنّها تلك الأسرة التي أنجبت خاتم النبيين وسيد المرسلين محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنجبت أيضاً عظماء الأئمة وأعلام العلماء، وهي على امتداد التأريخ لا تزال مهوى أفئدة المسلمين، ومهبط الوحي والإلهام.
من هذه الأسرة التي أغناها الله بفضله، والقائمة في قلوب المسلمين وعواطفهم تفرّع عملاق هذه الاُمة، ومؤسس نهضتها الفكرية والعلمية الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام)، وقد ورث من عظماء أسرته جميع خصالهم العظيمة فكان ملء فم الدنيا في صفاته وحركاته.
الأب الكريم :
هو الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) سيد الناس لا في عصره، وإنما في جميع العصور على امتداد التأريخ علماً وفضلا وتقوى، ولم يظهر من أحد في ولد الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) من علم الدين والسنن وعلم القرآن والسير، وفنون الأدب والبلاغة مثل ما ظهر منه[1].
لقد فجّر هذا الإمام العظيم ينابيع العلم والحكمة في الأرض، وساهم مساهمة إيجابية في تطوير العقل البشري، وذلك بما نشره من مختلف العلوم. لقد أزهرت الدينا بهذا المولود العظيم الذي تفرع من شجرة النبوة ودوحة الإمامة ومعدن الحكمة والعلم، ومن أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
الاُم الزكية :
هي السيدة المهذبة الزكية (اُم فروة) بنت الفقيه القاسم[2] بن محمّد بن أبي بكر[3] وكانت من سيدات النساء عفة وشرفاً وفضلا، فقد تربت في بيت أبيها وهو من الفضلاء اللامعين في عصره، كما تلقت الفقه والمعارف الإسلامية من زوجها الإمام الأعظم محمّد الباقر (عليه السلام)، وكانت على جانب كبير من الفضل، حتى أصبحت مرجعاً للسيدات من نساء بلدها وغيره في مهام اُمورهن الدينية وحسبها فخراً وشرفاً أنها صارت اُمّاً لأعظم إمام من أئمة المسلمين، وكانت تعامل في بيتها بإجلال واحترام من قبل زوجها، وباقي أفراد العائلة النبوية.
ولادة النور :
ولم تمضِ فترة طويلة من زواج السيدة (اُم فروة) بالإمام محمّد الباقر(عليه السلام) حتَّى حملت، وعمت البشرى أفراد الأسرة العلوية، وتطلعوا إلى المولود العظيم تطلعهم لمشرق الشمس، ولما أشرقت الأرض بولادة المولود المبارك سارعت القابلة لتزف البشرى إلى أبيه فلم تجده في البيت، وإنما وجدت جده الإمام زين العابدين (عليه السلام)، فهنأته بالمولود الجديد، وغمرت الإمام موجات من الفرح والسرور لأنه علم أن هذا الوليد سيجدد معالم الدين، ويحيي سنّة جدّه سيّد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخبرته القابلة بأن له عينين زرقاوين جميلتين، فتبسم الإمام (عليه السلام) وقال: إنه يشبه عيني والدتي[4].
وبادر الإمام زين العابدين (عليه السلام) إلى الحجرة فتناول حفيده فقبّله، وأجرى عليه مراسيم الولادة الشرعية، فأذّن في اُذنه اليمنى، وأقام في اليسرى.
لقد كانت البداية المشرقة للإمام الصادق (عليه السلام) أن استقبله جدّه الذي هو خير أهل الأرض، وهمس في أذنه:
«الله أكبر..»...
«لا إله إلاّ الله»...
وقد غذاه بهذه الكلمات التي هي سرّ الوجود لتكون أنشودته في مستقبل حياته.
تاريخ ولادته :
اختلف المؤرخون في السنة التي وُلد فيها الإمام الصادق (عليه السلام) فمن قائل إنه وُلد بالمدينة المنورة سنة ( 80 هـ )[5].
وقال آخرون إنه وُلد سنة ( 83 هـ ) يوم الجمعة أو يوم الإثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول[6].
وقال ثالث إنه وُلد سنة ( 86 هـ )[7].
تسميته وألقابه :
أما اسمه الشريف فهو (جعفر) ونص كثير من المؤرخين على أن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي سماه بهذا الاسم، ولقّبه بالصادق.
لقد لُقِّب الإمام (عليه السلام) بألقاب عديدة يمثلّ كل منها مظهراً من مظاهر شخصيّته وإليك بعض هذه الألقاب الكريمة :
1 ـ الصادق: لقبه بذلك جدّه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتباره أصدق إنسان في حديثه وكلامه[8] وقيل: إن المنصور الدوانيقي الذي هو من ألد أعدائه، هو الذي أضفى عليه هذا اللقب، والسبب في ذلك: أن أبا مسلم الخراساني طلب من الإمام الصادق (عليه السلام) أن يدله على قبر جده الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) فامتنع، وأخبره أنه إنما يظهر القبر الشريف في أيام رجل هاشمي يقال له أبو جعفر المنصور، وأخبر أبو مسلم المنصور بذلك في أيام حكومته وهو في الرصافة ببغداد، ففرح بذلك، وقال: هذا هو الصادق[9].1
2 ـ الصابر[10] : ولقب بذلك لأنه صبر على المحن الشاقة والخطوب المريرة التي تجرعها من خصومه الاُمويين والعباسيين.
3 ـ الفاضل[11]: لقب بذلك لأنه كان أفضل أهل زمانه وأعلمهم لا في شؤون الشريعة فحسب وإنما في جميع العلوم، فهو الفاضل وغيره المفضول.
4 ـ الطاهر[12]: لأنه أطهر إنسان في عمله وسلوكه واتجاهاته في عصره.
5 ـ عمود الشرف[13]: لقد كان الإمام (عليه السلام) عمود الشرف، وعنوان الفخر والمجد لجميع المسلمين.
6 ـ القائم[14]: لأنه كان قائماً بإحياء دين الله والذب عن شريعة سيد المرسلين.
7 ـ الكافل[15]: لأنه كان كافلا للفقراء والأيتام والمحرومين، فقد قام بالإنفاق عليهم وإعالتهم.
8 ـ المنجي[16]: من الضلالة، فقد هدى من التجأ إليه، وأنقذ من اتصل به.
وهذه بعض ألقابه الكريمة التي تحكي بعض صفاته، ومعالم شخصيته.
كُناه :
وكني الإمام الصادق (عليه السلام) بأبي عبد الله، وأبي إسماعيل، وأبي موسى[17].
الهوامش [1] الفصول المهمة: 192.
[2] صفة الصفوة: 2/249، المعارف: 175.
[3] القاسم بن محمد بن أبي بكر كان من الفقهاء الأجلاء، وكان عمر بن عبد العزيز يجله كثيراً وقد قال: لو كان لي من الأمر شيء لوليت القاسم بن محمّد الخلافة، وقد عمر طويلا وذهب بصره في آخر عمره، ولما احتضر قال لابنه: سن عليّ التراب سناً ـ أي ضعه علي سهلا ـ وسوّي على قبري، والحق بأهلك، وإياك أن تقول: كان أبي، وكانت وفاته بمكان يقال له قديد، وهو إسم موضع يقع ما بين مكة والمدينة، راجع ترجمته في صفة الصفوة: 2/49 ـ 50 والمعارف: 54، ومعجم البلدان: 7 / 38، ووفيات الأعيان: 3 / 224.
[4] الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب: 72.
[5] تأريخ ابن الوردي: 1/266، الاتحاف بحب الإشراف: 54، سر السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري: 34، ينابيع المودة: 457، تذكرة الحفاظ: 1/157، نور الأبصار للشبلنجي: 132، وفيات الأعيان: 1/191.
[6] أصول الكافي: 1/472، مناقب آل أبي طالب: 4/280، أعلام الورى: 271 وجاء فيه أنه ولد بالمدينة لثلاث عشر ليلة بقيت من شهر ربيع الأول.
[7] مناقب آل أبي طالب: 4/208.
[8] قال السمعاني في أنسابه : 3 / 507، الصادق لقب لجعفر الصادق لصدقه في مقاله.
[9] موسوعة الإمام الصادق : 1 / 22 .
[10] مرآة الزمان : 5 / ورقة 166 من مصورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين.
[11] المصدر السابق.
[12] المصدر السابق .
[13] سر السلسلة العلوية: 34.
[14] مناقب آل أبي طالب: 4/281.
[15] المصدر السابق .
[16] المصدر السابق .
[17] مناقب آل أبي طالب: 4/281. .