السلام عليكم
وفي خيبر، بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أبا بكر برايته، وكانت بيضاء، وعقد له، فرجع ولم يك فتح وقد جهد، ثم بعث في الغد عمر بن الخطاب برايته وعقد له أيضاً ومعه الناس فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه، فجاؤوا يجبّـنونه ويجبّـنهم كسابقه، وخرجت كتائب اليهود يتقدمهم ياسر ( أو ناشر اخ مرحب ) فكشفت الانصار حتى انتهوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ). فاشتـدّ ذلك على رسول الله، وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ): لأبعثنّ غداً رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّانه، لا يولي الدبر، يفتح الله على يديه. فتطاولت الأعناق لترى لمن يعطي الراية غداً، ورجا كل واحد من قريش أن يكون صاحب الراية غداً. وكان عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) أرمد، شديد الرمد، فدعاه، ـ فقيل له أنه يشتكي عينيه ـ ; فلما جاء علي ( عليه السلام ) أخذ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من ماء فمه ودلـك عينيه، فبرئتا ـ حتى كأن لم يكن بهما وجع ـ وقال: اللهم اكفه الحرّ والبرد. فما اشتكى من عينيه، ولا من الحرّ والبرد بعد ذلك أبداً، وعقد له، ودفع الراية إليه، وقال له: قاتل ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك.
فقال علي ( عليه السلام ): يارسول الله; علام أقاتلهم؟
فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ): على أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله فإذا فعلوا ذلك حقنوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عزّ وجل.
فقال سلمه: فخرج والله يهرول وأنا خلفه نتبع أثره حتى ركز رايته تحت الحصن، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟
قال ( عليه السلام ): أنا علي بن أبي طالب.
فقال اليهودي: علوتم أو غلبتم.
وخرج إليه أهل الحصن، وكان أول من خرج إليه منهم الحارث ـ أخ مرحب ـ وكان فارساً شجاعاً مشهوراً بالشجاعة، فانكشف المسلمون وثبت علي ( عليه السلام ) فتضاربا، فقتله عليّ ( عليه السلام ) وأنهزم اليهود إلى الحصن.
فلما علم مرحب أخاه قد قتل نزل مسرعاً، وقد لبس درعين، وتقلّد بسيفين، واعتمّ بعمامتين ولبس فوقهما مغفراً وحَجَراً قد أثقبه قدر البيضة لعينيه، ومعه رمح لسانه ثلاثة أشبار، وهو يرتجز ويقول:
قد علمت خيبر أني مرحب *** شاكي السلاح بطل مجرّب
أطعن أحياناً وحيناً أضرب *** إذا اللـيوث أقـبلـت تلـتـهـب
فردّ عليّ ( عليه السلام ) عليه، وقال:
أنا الذي سمّـتني أمي حيدرة *** أكيلكم بالسيف كيل السّـندرة
ضرغام آجام وليث قسورة***** عبل الذراعين شديد القصره
كليث غابات كريه المنظر*****على الأعادي مثل ريح صرصرة
أكليكم بالسيف كيل السندرة ****أضربكم ضربا يبين الفقره
وأترك القرن بقاع جزره **** أضرب بالسيف رقاب الكفرة
ضرب غلام ماجد حزوره **** من يترك الحق يقوم صغره
أقتل منهم سبعة أو عشرة **** فكلهم أهل فسوق فجره
ليث بغابات شديد قسورة
وحيدرة: اسم من أسماء الاسد.
فاختلفا ضربتين فبدره الإمام عليّ ( عليه السلام ) فضربه فقدّ الحَجَرَ والمغفر ورأسه حتى وقع السيف في أضراسه، فقتله، فكبّر عليّ ( عليه السلام ) وكبّر معه المسلمون. فانهزم اليهود إلى داخل الحصن واغلقوا باب الحصن عليهم.
وكان الحصن مخندقاً حوله ... فتمكّن عليّ (عليه السلام) من الوصول إلى باب الحصن فعالجه وقلعه وأخذ باب الحصن الكبيرة العظيمة ـ التي طولها ثمانون شبراً، أي: أربعون ذراعاً ـ فجعلها جسراً فعبر المسلمون الخندق وظفروا بالحصن
ونالوا الغنائم … ولما انصرف المسلمون من الحصن أخذ عليّ ( عليه السلام ) الباب بيمناه فدحى بها أذرعاً من الأرض ـ أربعون ذراعاً ـ وكان الباب يعجز عن فتحه أوغلقه أثنان وعشرون رجلا منهم. وقد قال الشاعر في ذلك:
يا قالع الباب التي عن فتحه *** عجزت أكف أربعون واربع
وقد جرّب بعد ذلك أربعون رجلا حمل الباب فلم يتمكنوا ... فتكاملوا سبعون فحملوه.
ثم كان النصر على يدي الامام علي عليه السلام وقد قال صل الله عليه واله في تلك الواقعه : روى السيد شهاب الدين أحمد باسناده عن زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وعنهم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم فتحت خيبر: «لو لا ان تقول طوائف من امتي فيك ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك مقالة لا تمر بملأ الناس الا اخذوا من تراب رجليك ومن فضل طهورك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثي وأرثك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي، أنت تبريء ذمتي، وتقاتل على سنتي، وأنت في الآخرة أقرب الناس مني، وانك غداً على الحوض خليفتي تذود عنه المنافقين، وأنت اول من يرد علي الحوض، وأنت أول داخل الجنة من امتي، وان شيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي أشفع لهم، فيكونوا غداً في الجنة جيراني، وان اعدائك غداً ترد ناراً مسودّةً وجوههم، وان حربك حربي وسلمك سلمي، وسرك سرّي، وان ولدك ولدي ولحمك لحمي ودمك دمي وان الحق معك والحق على لسانك وفي قلبك وبين عينيك والايمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وان الله عزّوجل امرني أن اُخبرك أنك وعترتك في الجنة، وان عدوك في النار، لا يرد علي الحوض مبغض لك ولا يغيب عنه محب لك. وفي رواية أخرى: ليس احد من الأمة يعدلك، وان أميرالمؤمنين علياً كرم الله تعالى وجهه خر ساجداً ثم قال: الحمد لله الذي انعم علي بالإسلام، وهداني بالقرآن وحببني الى خير البرية خاتم النبيين وسيد المرسلين احساناً منه وتفضلا»
توضيح الدلائل في تصحيح الفضائل ص349 مخطوط
تعليق