بسم الله الرحمن الرحيم
على امتداد الطريق الموحش ، في الزمن الموحش ، كانت يتامى تبكي ، وأرامل تُعول ، ورجال انقطع عنهم فيض زين العابدين المتواصل ...
مَن ينسى المَجَل / ذلك اللحم الأسود الميّت / الذي يكسو ظهر ابن الحسين ؟
أجل ، يا مجل ؛ كان في كلّ ليلة يحمل الطعام والحُبّ للفقراء ، حتى أثّر هذا في ظهره ، فأحناه وأمات لحمه .. وأثر ذلك في قلبه ، فأرواه وأحيا نبضه ...
أجل أيها المجل الأسود ، أنت الراية الخضراء التي تعشب في جدب الزمان . وأنت الضمير الأبيض الذي يحيي الإنسانَ بالحب والحنان .
وأنت الصرخة الإيمانية في وجوه المتاجرين بالدّين ، الذين اشتروا بعلمهم وزيّهم ثمناً قليلاً ، لا يلبثون إلا برهة ، فيُحمى عليه من نار جهنم ، فتُكوى به جباههم وجنوبهم ...
أنت الصرخة التي تفضحهم في كلّ زمان ومكان ..
للّه درّك يا ابن سيّد شباب أهل الجنة ..
هذا ابن عمّ لك يا زين العابدين ، كنتَ تأتيه في الليل متلثّماً ، فتُناوله ما يسدّ حاجته من الصلة ، فيقول لك وهو لا يعرفك : ( لكنّ علي بن الحسين لا يواصلني ، لا جزاه اللّه عنّي خيرا ) ... وأنت في كل مرة تسمع سوء أدبه ، فلا يزيدك ذلك إلاّ إصراراً على المواصلة الحانية ، ها هو قد عرف بعد فوات الأوان ، أنّ الملثّم الليلي هو نفسه الذي كان يدعو عليه بمرأى منه ومسمع !
والتفتَ إلى الوراء ، فإذا الشمس قد غربت تماماً ، وليس سوى بقايا شفق حزين ..
آه ، ما أعظمك يا ذا الثفنات ؟ ..
يتابع سيره ، وهو يسمع من الناس الباكين أحاديثَ لم يكن سمعها عنك يا ابن الحسين ، ومعاجزَ لم تطرق عقله ، وأشعاراً ما رواها أحد قبل اليوم ، وحكايا دافئة عنك أيها العملاق المعجزة ...
يبقى يتلفّتُ إلى الوراء ، لكنّه لا يرى غير أصيل منتحر ، وظلام مطبق ، إلاّ صفحة من السماء ، كانت تبدو متلألئةً من وراء بحر الليل اللجيّ ، كأنّها ضفة نور ..
يا ترى أهذا كلّ شيء ؟
وتذكر الذين كانوا يودعون زين العابدين ، كيف أنه أخذ بيد أكبر أبنائه ، وراح يتكلم آخر الكلمات بصوت مهيب :
(( يا بنيّ ؛ أخذ بيدي جدّي وقال : يا بني ؛ افعل الخير إلى كل من طلبه منك ، فإن كان أهله أصبتَ موضعه ، وإن لم يكن أهله ، كنتَ أهله ، وإن شتمك رجل وتحوّل إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل منه .
يا بني ؛ خمسة لا تصاحبهم ، ولا توافقهم ، ولا تحادثهم :
وإياك ومصاحبة الكذّاب ؛ فإنه بمنـزلة السراب ، يقرّب لك البعيد ، ويبعّد لك القريب .
وإياك ومصاحبة الفاسق ؛ فإنه بائعك بأكلة أو أقل منها .
وإياك ومصاحبة البخيل ؛ فإنه يخذلك فيما تكون إليه أحوج .
وإياك ومصاحبة الأحمق ؛ فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك .
وإياك ومصاحبة قاطع رحمه ؛ فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع .
يا بني ؛ اصبر على النوائب ، ولا تتعرّض للحقوق ، ولا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرّته عليك أكثر من منفعتك له )) .
(( أُوصيك بما أوصاني به أبي : اصبر على الحقّ وإن كان مرّاً ، وافعل الخير إلى كلّ من طلبه منك ، واشكر الله فيما أنعم عليك ، وأنعم على مَن شكرك ، فإنه لا زوال لنعمة إذا شُكرتْ ، ولا بقاء لها إذا كُفِرتْ . والشاكر بشكره أسعد منه بالنعمة التي وجب عليه الشكر لها، ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ) )) [إبراهيم : 7] .
(( يا بني ؛ العقل رائد الروح ، والعلم رائد العقل ، والعقل ترجمان العلم ... واعلم أنّ العلم أبقى ، واللسان أكثر هذراً ، وأنّ صلاح الدنيا بحذافيرها في كلمتين ، بهما إصلاح شأن المعايش ؛ ملء مكتال ، ثلثاه فطنة ، وثلثه تغافل ؛ لأن الإنسان لا يتغافل عن شيء قد عرفه ففطن له ... واعلم أنّ الساعات تُذهب عمرك ، وأنك لا تنال نعمة إلاّ بفراق أُخرى ... وإيّاك والأمل الطويل ، فكم من مؤمّلٍ أملاً لا يبلغه ، وجامعِ مالٍ لا يأكله ، ومانعٍ ما سوف يتركه ، ولعلّه من باطلٍ جمعَهُ ، ومن حقّ منعَهُ .. وأصابه حراماً وورّثه ، واحتمل إصره ، وباء بوزره ، ( ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) )) [الحج : 11] .
وتساءل بعضهم حين أُغمي عليه : ترى في أي عالَم ملكوتي كانت تسبح روحه ؟ ...
وانفتحت الآمال من جديد ، حين فتح عينيه وقرأ سورة الواقعة ، وسورة الفتح ، ثمّ قال : (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ))[الزمر : 74] .
وانتصر أخيراً على سُمّ الطواغيت ...
وانفجروا بالبكاء ، وهم لا يدرون أن الأيام المتكتّمة على كنوز علي بن الحسين (عليهما السلام) ، سوف تدور ، وتدور ... حتى يظهر بعض من هذا المخفيّ .
وستبهرهم تلك المنظومة المتكاملة في كلّ شؤون الحياة ، حيث امتدت بموازاة القرآن ونهج البلاغة ، لتفتح الطريق معهما أمام مَن يريد أن يعرف إسلامه كاملاً دون نقص أو تشويش أو تحريف .
آثار مباركة ، وكنوز لا تقدّر بأي ثمن ، تُفدى لها الأرواح ... تداولت بعضَها الأجيالُ آناً بعد آن ، وهي هي على سحرها وهيبتها ونفاذها اللذيذ في القلوب . وترسّخت كلمةً حبيبة نفض عنها الإمام زين العابدين (عليه السلام) غبار تعدّيات الأيام ، ووشوشات السياط اللاهبة ، وحسيس فري الأوداج البريئة .. وانتشرت بين الأرجاء أوراق من ذلك الكنـز الإنساني . وظلّت الأرواح المتألّقة تقرأ في غلَس الليالي كلام الإمام السجّاد المنقوش بالنور .
على امتداد الطريق الموحش ، في الزمن الموحش ، كانت يتامى تبكي ، وأرامل تُعول ، ورجال انقطع عنهم فيض زين العابدين المتواصل ...
مَن ينسى المَجَل / ذلك اللحم الأسود الميّت / الذي يكسو ظهر ابن الحسين ؟
أجل ، يا مجل ؛ كان في كلّ ليلة يحمل الطعام والحُبّ للفقراء ، حتى أثّر هذا في ظهره ، فأحناه وأمات لحمه .. وأثر ذلك في قلبه ، فأرواه وأحيا نبضه ...
أجل أيها المجل الأسود ، أنت الراية الخضراء التي تعشب في جدب الزمان . وأنت الضمير الأبيض الذي يحيي الإنسانَ بالحب والحنان .
وأنت الصرخة الإيمانية في وجوه المتاجرين بالدّين ، الذين اشتروا بعلمهم وزيّهم ثمناً قليلاً ، لا يلبثون إلا برهة ، فيُحمى عليه من نار جهنم ، فتُكوى به جباههم وجنوبهم ...
أنت الصرخة التي تفضحهم في كلّ زمان ومكان ..
للّه درّك يا ابن سيّد شباب أهل الجنة ..
هذا ابن عمّ لك يا زين العابدين ، كنتَ تأتيه في الليل متلثّماً ، فتُناوله ما يسدّ حاجته من الصلة ، فيقول لك وهو لا يعرفك : ( لكنّ علي بن الحسين لا يواصلني ، لا جزاه اللّه عنّي خيرا ) ... وأنت في كل مرة تسمع سوء أدبه ، فلا يزيدك ذلك إلاّ إصراراً على المواصلة الحانية ، ها هو قد عرف بعد فوات الأوان ، أنّ الملثّم الليلي هو نفسه الذي كان يدعو عليه بمرأى منه ومسمع !
والتفتَ إلى الوراء ، فإذا الشمس قد غربت تماماً ، وليس سوى بقايا شفق حزين ..
آه ، ما أعظمك يا ذا الثفنات ؟ ..
يتابع سيره ، وهو يسمع من الناس الباكين أحاديثَ لم يكن سمعها عنك يا ابن الحسين ، ومعاجزَ لم تطرق عقله ، وأشعاراً ما رواها أحد قبل اليوم ، وحكايا دافئة عنك أيها العملاق المعجزة ...
يبقى يتلفّتُ إلى الوراء ، لكنّه لا يرى غير أصيل منتحر ، وظلام مطبق ، إلاّ صفحة من السماء ، كانت تبدو متلألئةً من وراء بحر الليل اللجيّ ، كأنّها ضفة نور ..
يا ترى أهذا كلّ شيء ؟
وتذكر الذين كانوا يودعون زين العابدين ، كيف أنه أخذ بيد أكبر أبنائه ، وراح يتكلم آخر الكلمات بصوت مهيب :
(( يا بنيّ ؛ أخذ بيدي جدّي وقال : يا بني ؛ افعل الخير إلى كل من طلبه منك ، فإن كان أهله أصبتَ موضعه ، وإن لم يكن أهله ، كنتَ أهله ، وإن شتمك رجل وتحوّل إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل منه .
يا بني ؛ خمسة لا تصاحبهم ، ولا توافقهم ، ولا تحادثهم :
وإياك ومصاحبة الكذّاب ؛ فإنه بمنـزلة السراب ، يقرّب لك البعيد ، ويبعّد لك القريب .
وإياك ومصاحبة الفاسق ؛ فإنه بائعك بأكلة أو أقل منها .
وإياك ومصاحبة البخيل ؛ فإنه يخذلك فيما تكون إليه أحوج .
وإياك ومصاحبة الأحمق ؛ فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك .
وإياك ومصاحبة قاطع رحمه ؛ فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع .
يا بني ؛ اصبر على النوائب ، ولا تتعرّض للحقوق ، ولا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرّته عليك أكثر من منفعتك له )) .
(( أُوصيك بما أوصاني به أبي : اصبر على الحقّ وإن كان مرّاً ، وافعل الخير إلى كلّ من طلبه منك ، واشكر الله فيما أنعم عليك ، وأنعم على مَن شكرك ، فإنه لا زوال لنعمة إذا شُكرتْ ، ولا بقاء لها إذا كُفِرتْ . والشاكر بشكره أسعد منه بالنعمة التي وجب عليه الشكر لها، ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ) )) [إبراهيم : 7] .
(( يا بني ؛ العقل رائد الروح ، والعلم رائد العقل ، والعقل ترجمان العلم ... واعلم أنّ العلم أبقى ، واللسان أكثر هذراً ، وأنّ صلاح الدنيا بحذافيرها في كلمتين ، بهما إصلاح شأن المعايش ؛ ملء مكتال ، ثلثاه فطنة ، وثلثه تغافل ؛ لأن الإنسان لا يتغافل عن شيء قد عرفه ففطن له ... واعلم أنّ الساعات تُذهب عمرك ، وأنك لا تنال نعمة إلاّ بفراق أُخرى ... وإيّاك والأمل الطويل ، فكم من مؤمّلٍ أملاً لا يبلغه ، وجامعِ مالٍ لا يأكله ، ومانعٍ ما سوف يتركه ، ولعلّه من باطلٍ جمعَهُ ، ومن حقّ منعَهُ .. وأصابه حراماً وورّثه ، واحتمل إصره ، وباء بوزره ، ( ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) )) [الحج : 11] .
وتساءل بعضهم حين أُغمي عليه : ترى في أي عالَم ملكوتي كانت تسبح روحه ؟ ...
وانفتحت الآمال من جديد ، حين فتح عينيه وقرأ سورة الواقعة ، وسورة الفتح ، ثمّ قال : (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ))[الزمر : 74] .
وانتصر أخيراً على سُمّ الطواغيت ...
وانفجروا بالبكاء ، وهم لا يدرون أن الأيام المتكتّمة على كنوز علي بن الحسين (عليهما السلام) ، سوف تدور ، وتدور ... حتى يظهر بعض من هذا المخفيّ .
وستبهرهم تلك المنظومة المتكاملة في كلّ شؤون الحياة ، حيث امتدت بموازاة القرآن ونهج البلاغة ، لتفتح الطريق معهما أمام مَن يريد أن يعرف إسلامه كاملاً دون نقص أو تشويش أو تحريف .
آثار مباركة ، وكنوز لا تقدّر بأي ثمن ، تُفدى لها الأرواح ... تداولت بعضَها الأجيالُ آناً بعد آن ، وهي هي على سحرها وهيبتها ونفاذها اللذيذ في القلوب . وترسّخت كلمةً حبيبة نفض عنها الإمام زين العابدين (عليه السلام) غبار تعدّيات الأيام ، ووشوشات السياط اللاهبة ، وحسيس فري الأوداج البريئة .. وانتشرت بين الأرجاء أوراق من ذلك الكنـز الإنساني . وظلّت الأرواح المتألّقة تقرأ في غلَس الليالي كلام الإمام السجّاد المنقوش بالنور .
تعليق