وفاة أبي طالب(رضي الله عنه)
اسمه وكنيته ونسبه(رضي الله عنه)
أبو طالب، عبد مناف بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي القرشي.
ولادته(رضي الله عنه)
ولد قبل ولادة النبيّ(صلى الله عليه وآله) بخمس وثلاثين سنة.
أُمّه(رضي الله عنه)
السيّدة فاطمة بنت عمرو بن عابد بن عمران.
زوجته وأولاده(رضي الله عنه)
تزوّج أبو طالب السيّدة فاطمة بنت أسد، وهو أوّل هاشمي يتزوّج بهاشمية، فولدت له أكبر أبناءه من الذكور (طالب) وبه يُكنّى، وعقيل، وجعفر، وعلي. ومن الإناث: أُمّ هاني واسمها فاخته، وجمانة، وكان له زوجات أُخر غير فاطمة بنت أسد.
كفالته للنبيّ(صلى الله عليه وآله)
تُوفّي عبد الله بن عبد المطّلب ـ والد النبيّ(صلى الله عليه وآله) ـ والنبيّ حمل في بطن أُمّه، وحينما ولد(صلى الله عليه وآله) تكفّله جدّه عبد المطّلب، ولمّا حضرت الوفاة لعبد المطّلب أوصى ولده أبا طالب بحفظ رسول الله(صلى الله عليه وآله) وحياطته وكفالته، وكان عمره(صلى الله عليه وآله) ثمانية سنين، فكفله أبو طالب وقام برعايته أحسن قيام.
حبّه للنبيّ(صلى الله عليه وآله)
كان أبو طالب يحبّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) حبّاً شديداً، وفي بعض الأحيان إذا رأى النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان يبكي ويقول: «إذا رأيته ذكرت أخي»(1)، وكان عبد الله أخاه لأبويه.
حنوّه على النبيّ(صلى الله عليه وآله)
لمّا أدخلت قريش بني هاشم الشعب إلّا أبا لهب وأبا سفيان بن الحرث، فبقي القوم بالشعب ثلاثة سنين، وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا أخذ مضجعه وعرف مكانه، جاءه أبو طالب فأنهضه عن فراشه وأضجع ابنه أمير المؤمنين(عليه السلام) مكانه.
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام) ذات ليلة: «يا أبتاه إنّي مقتول»، فقال:
إصبرن يا بني فالصبر أحجى ** كلّ حيّ مصيره لشعوب
قد بذلناك والبلاء شديد ** لفداء الحبيب وابن الحبيب
لفداء الأغرّ ذي الحسب الثاقب ** والباع والكريم النجيب
إن تصبك المنون فالنبل يُرمى ** فمصيب منها وغير مصيب
كلّ حيّ وإن تملي بعيش ** آخذ من خصالها بنصيب
فأجابه أمير المؤمنين(عليه السلام):
أتأمرني بالصبر في نصر أحمد ** ووالله ما قلت الذي قلت جازعا
ولكنّني أحببت أن ترى نصرتي ** وتعلم إنّي لم أزل لك طائعا
وسعيي لوجه الله في نصر أحمد ** نبيّ الهدى المحمود طفلاً ويافعا(2).
إيمانه(رضي الله عنه)
لمّا بعث النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله) إلى البشرية مبشّراً ومنذراً، صدّقه أبو طالب وآمن بما جاء به من عند الله، ولكنّه لم يظهر إيمانه تمام الإظهار، بل كتمه ليتمكّن من القيام بنصرة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ومَن أسلم معه.
من الأدلّة على إيمانه(رضي الله عنه)
أ ـ روايات أهل البيت(عليهم السلام)، نذكر منها:
1ـ روي عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: «ما مات أبو طالب حتّى أعطى رسول الله(صلى الله عليه وآله) من نفسه الرضا»(3).
وواضح أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا يرضى إلّا عن المؤمنين.
2ـ روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) قوله: «إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف, أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرّتين»(4).
3ـ روي عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: «كان والله أبو طالب بن عبد المطّلب بن عبد مناف مؤمناً مسلماً، يكتم إيمانه مخافةً على بني هاشم أن تنابذها قريش»(5).
4ـ روي عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: «والله ما عبد أبي ولا جدّي عبد المطّلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قطّ»، قيل له: فما كانوا يعبدون؟ قال: «كانوا يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم متمسّكين به»(6).
5ـ روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) قوله: «نزل جبرئيل(عليه السلام) على النبيّ(صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول: إنّي قد حرّمت النار على صلبٍ أنزلك، وبطنٍ حملك، وحجرٍ كفلك؛ فالصلب صلب أبيك عبد الله بن عبد المطّلب، والبطن الذي حملك آمنة بنت وهب، وأمّا حجر كفلك فحجر أبي طالب»(7).
6ـ عن محمّد بن يونس، عن أبيه، عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال: «"يا يونس ما تقول الناس في أبي طالب"؟ قلت: جُعلت فداك يقولون: هو في ضحضاحٍ من نار، وفي رجليه نعلان من نار تغلي منهما أُمّ رأسه!
فقال: "كذب أعداء الله! إنّ أبا طالب من رفقاء النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أُولئك رفيقا"»(8).
7ـ عن عليّ بن حسّان، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير قال: «قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): إنّ الناس يزعمون أنّ أبا طالب في ضحضاحٍ من نار! فقال: "كذبوا، ما بهذا نزل جبرئيل على النبيّ(صلى الله عليه وآله)".
قلت: وبما نزل؟ قال: "أتى جبرئيل في بعض ما كان عليه فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول لك: إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرّتين، وإنّ أبا طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرّتين، وما خرج من الدنيا حتّى أتته البشارة من الله تعالى بالجنّة".
ثمّ قال(عليه السلام): "كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرئيل ليلة مات أبو طالب فقال: يا محمّد، أخرج من مكّة فما لك بها ناصر بعد أبي طالب"»؟(9).
8ـ عن أبي بصير ليث المرادي قال: «قلت لأبي جعفر(عليه السلام): سيّدي، إنّ الناس يقولون: إنّ أبا طالب في ضحضاحٍ من نار يغلي منه دماغه!
فقال(عليه السلام): "كذبوا، والله إنّ إيمان أبي طالب لو وضع في كفّة ميزان وإيمان هذا الخلق في كفّة لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم".
ثمّ قال: "كان والله أمير المؤمنين يأمر أن يحجّ عن أب النبيّ وأُمّه(صلى الله عليه وآله) وعن أبي طالب في حياته، ولقد أوصى في وصيّته بالحجّ عنهم بعد مماته"»(10).
ب ـ وجود روايات عن الصحابة تثبت إسلامه(رضي الله عنه) ، بل إيمانه، منها:
1ـ عن حمّاد بن سلمة، عن العباس بن عبد المطّلب قال: قلت لرسول الله(صلى الله عليه وآله): يا بن أخي، ما ترجو لأبي طالب عمّك؟ قال: "أرجو له رحمة من ربّي وكلّ خير"»(11).
2ـ ما رواه ابن عمر في إسلام أبي قحافة يوم الفتح بقول أبي بكر: «والذي بعثك بالحقّ لإسلام أبي طالب كان أقرّ لعيني من إسلامه»(12).
ج ـ إجماع علماء مذهب الشيعة على إسلامه, بل إيمانه، وإجماعهم هذا حجّة، وقد وافقهم على إسلامه(رضي الله عنه) من علماء السنّة جماعة ، لكن عاقّهم على خلاف ذلك.
وقد وافق أكثر الزيدية الشيعة على إسلامه(رضي الله عنه)، وبعض من شيوخ المعتزلة، وجماعة من الصوفية، وغيرهم.
د ـ أشعاره(رضي الله عنه) التي تنبئ عن إسلامه، والتي يقول عنها ابن أبي الحديد المعتزلي: إنّ كلّ هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر من حيث مجموعها.
ونحن نذكر هنا أحد عشر شاهداً من شعره، وهي:
1ـ ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّداً ** نبيّاً كموسى خطّ في أوّل الكتبِ
2ـ نبيّ أتاه الوحي من عند ربّه ** ومن قال لا يقرع بها سنّ نادمِ
3ـ يا شاهد الله عليّ فاشهدِ ** إنّي على دين النبيّ أحمدِ
4ـ يا شاهد الوحي من عند ربّه ** إنّي على دين النبيّ أحمد
5ـ أنت الرسول رسول الله نعلمه ** عليك نزل من ذي العزّة الكتب
6ـ بظلم نبيّ جاء يدعو إلى الهدى ** وأمر أتى من عند ذي العرش قيم
7ـ لقد أكرم الله النبيّ محمّداً ** فأكرم خلق الله في الناس أحمد
8ـ وخير بني هاشم أحمد ** رسول الإله على فترة
9ـ والله لا أخذل النبيّ ولا ** يخذله من بني ذو حسب
10ـ قال(رضي الله عنه) يخاطب ملك الحبشة ويدعوه إلى الإسلام:
أتعلم ملك الحسن أنّ محمّداً ** نبيّاً كموسى والمسيح ابن مريم
أتى بالهدى مثل الذي أتيا به ** فكلّ بأمر الله يهدي ويعصم
وإنّكم تتلونه في كتابكم ** بصدق حديث لا حديث الترجم
فلا تجعلوا لله ندّاً فأسلموا ** فإنّ طريق الحقّ ليس بمظلم
11ـ وقال مخاطباً أخاه حمزة(رضي الله عنه):
فصبراً أبا يعلى على دين أحمد ** وكن مظهراً للدين وفّقت صابرا
وحطّ من أتى بالحقّ من عند ربّه ** بصدقٍ وعزم لا تكن حمزة كافرا
فقد سرّني أن قلت إنّك مؤمن ** فكن لرسول الله في الله ناصرا
وباد قريشاً في الذي قد أتيته ** جهاراً وقل ما كان أحمد ساحرا(13).
وفاته(رضي الله عنه)
لم يُمهل القدر سيّد قريش ورئيس مكّة الذي ساد بشرفه لا بماله، فتُوفّي في 7 شهر رمضان 10 للبعثة النبوية الشريفة، وكان عمره آنذاك 86 سنة، وقيل: 90 سنة، وقيل: تُوفّي في 26 رجب 10 للبعثة النبوية الشريفة.
وحينما علم النبيّ(صلى الله عليه وآله) بوفاته، قال لابن عمّه: «امضِ يا علي فتولّ غسله وتكفينه وتحنيطه، فإذا رفعته على سريره فأعلمني».
ففعل ذلك، فلمّا رفعه على السرير اعترضه النبيّ(صلى الله عليه وآله) وقال: «وصلتك رحم، وجزيت خيراً يا عمّ، فلقد ربّيتَ وكفلتَ صغيراً، وآزرت ونصرت كبيراً».
ثمّ أقبل على الناس وقال: «أنا والله لأشفعنّ لعمّي شفاعةً يعجب لها أهل الثقلين»(14).
ــــــــــــــــــــــــــــ
1. شرح نهج البلاغة 14/64.
2. الفصول المختارة: 58.
3. شرح نهج البلاغة 14/71.
4. الكافي 1/448.
5. الصحيح من سيرة النبيّ 3/255، ينقله عن تاريخ الخميس 1/301.
6. كمال الدين وتمام النعمة: 174.
7. الكافي 1/446.
8و9 و10. بحار الأنوار 35/111.
11. أعيان الشيعة 8/117.
12. تاريخ مدينة دمشق 66/327.
13. الصحيح من سيرة النبيّ 3/230.
14. إيمان أبي طالب: 25.
بقلم : محمد أمين نجف
اسمه وكنيته ونسبه(رضي الله عنه)
أبو طالب، عبد مناف بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي القرشي.
ولادته(رضي الله عنه)
ولد قبل ولادة النبيّ(صلى الله عليه وآله) بخمس وثلاثين سنة.
أُمّه(رضي الله عنه)
السيّدة فاطمة بنت عمرو بن عابد بن عمران.
زوجته وأولاده(رضي الله عنه)
تزوّج أبو طالب السيّدة فاطمة بنت أسد، وهو أوّل هاشمي يتزوّج بهاشمية، فولدت له أكبر أبناءه من الذكور (طالب) وبه يُكنّى، وعقيل، وجعفر، وعلي. ومن الإناث: أُمّ هاني واسمها فاخته، وجمانة، وكان له زوجات أُخر غير فاطمة بنت أسد.
كفالته للنبيّ(صلى الله عليه وآله)
تُوفّي عبد الله بن عبد المطّلب ـ والد النبيّ(صلى الله عليه وآله) ـ والنبيّ حمل في بطن أُمّه، وحينما ولد(صلى الله عليه وآله) تكفّله جدّه عبد المطّلب، ولمّا حضرت الوفاة لعبد المطّلب أوصى ولده أبا طالب بحفظ رسول الله(صلى الله عليه وآله) وحياطته وكفالته، وكان عمره(صلى الله عليه وآله) ثمانية سنين، فكفله أبو طالب وقام برعايته أحسن قيام.
حبّه للنبيّ(صلى الله عليه وآله)
كان أبو طالب يحبّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) حبّاً شديداً، وفي بعض الأحيان إذا رأى النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان يبكي ويقول: «إذا رأيته ذكرت أخي»(1)، وكان عبد الله أخاه لأبويه.
حنوّه على النبيّ(صلى الله عليه وآله)
لمّا أدخلت قريش بني هاشم الشعب إلّا أبا لهب وأبا سفيان بن الحرث، فبقي القوم بالشعب ثلاثة سنين، وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا أخذ مضجعه وعرف مكانه، جاءه أبو طالب فأنهضه عن فراشه وأضجع ابنه أمير المؤمنين(عليه السلام) مكانه.
فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام) ذات ليلة: «يا أبتاه إنّي مقتول»، فقال:
إصبرن يا بني فالصبر أحجى ** كلّ حيّ مصيره لشعوب
قد بذلناك والبلاء شديد ** لفداء الحبيب وابن الحبيب
لفداء الأغرّ ذي الحسب الثاقب ** والباع والكريم النجيب
إن تصبك المنون فالنبل يُرمى ** فمصيب منها وغير مصيب
كلّ حيّ وإن تملي بعيش ** آخذ من خصالها بنصيب
فأجابه أمير المؤمنين(عليه السلام):
أتأمرني بالصبر في نصر أحمد ** ووالله ما قلت الذي قلت جازعا
ولكنّني أحببت أن ترى نصرتي ** وتعلم إنّي لم أزل لك طائعا
وسعيي لوجه الله في نصر أحمد ** نبيّ الهدى المحمود طفلاً ويافعا(2).
إيمانه(رضي الله عنه)
لمّا بعث النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله) إلى البشرية مبشّراً ومنذراً، صدّقه أبو طالب وآمن بما جاء به من عند الله، ولكنّه لم يظهر إيمانه تمام الإظهار، بل كتمه ليتمكّن من القيام بنصرة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ومَن أسلم معه.
من الأدلّة على إيمانه(رضي الله عنه)
أ ـ روايات أهل البيت(عليهم السلام)، نذكر منها:
1ـ روي عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: «ما مات أبو طالب حتّى أعطى رسول الله(صلى الله عليه وآله) من نفسه الرضا»(3).
وواضح أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا يرضى إلّا عن المؤمنين.
2ـ روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) قوله: «إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف, أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرّتين»(4).
3ـ روي عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: «كان والله أبو طالب بن عبد المطّلب بن عبد مناف مؤمناً مسلماً، يكتم إيمانه مخافةً على بني هاشم أن تنابذها قريش»(5).
4ـ روي عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: «والله ما عبد أبي ولا جدّي عبد المطّلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قطّ»، قيل له: فما كانوا يعبدون؟ قال: «كانوا يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم متمسّكين به»(6).
5ـ روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) قوله: «نزل جبرئيل(عليه السلام) على النبيّ(صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول: إنّي قد حرّمت النار على صلبٍ أنزلك، وبطنٍ حملك، وحجرٍ كفلك؛ فالصلب صلب أبيك عبد الله بن عبد المطّلب، والبطن الذي حملك آمنة بنت وهب، وأمّا حجر كفلك فحجر أبي طالب»(7).
6ـ عن محمّد بن يونس، عن أبيه، عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال: «"يا يونس ما تقول الناس في أبي طالب"؟ قلت: جُعلت فداك يقولون: هو في ضحضاحٍ من نار، وفي رجليه نعلان من نار تغلي منهما أُمّ رأسه!
فقال: "كذب أعداء الله! إنّ أبا طالب من رفقاء النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أُولئك رفيقا"»(8).
7ـ عن عليّ بن حسّان، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير قال: «قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): إنّ الناس يزعمون أنّ أبا طالب في ضحضاحٍ من نار! فقال: "كذبوا، ما بهذا نزل جبرئيل على النبيّ(صلى الله عليه وآله)".
قلت: وبما نزل؟ قال: "أتى جبرئيل في بعض ما كان عليه فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول لك: إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرّتين، وإنّ أبا طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرّتين، وما خرج من الدنيا حتّى أتته البشارة من الله تعالى بالجنّة".
ثمّ قال(عليه السلام): "كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرئيل ليلة مات أبو طالب فقال: يا محمّد، أخرج من مكّة فما لك بها ناصر بعد أبي طالب"»؟(9).
8ـ عن أبي بصير ليث المرادي قال: «قلت لأبي جعفر(عليه السلام): سيّدي، إنّ الناس يقولون: إنّ أبا طالب في ضحضاحٍ من نار يغلي منه دماغه!
فقال(عليه السلام): "كذبوا، والله إنّ إيمان أبي طالب لو وضع في كفّة ميزان وإيمان هذا الخلق في كفّة لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم".
ثمّ قال: "كان والله أمير المؤمنين يأمر أن يحجّ عن أب النبيّ وأُمّه(صلى الله عليه وآله) وعن أبي طالب في حياته، ولقد أوصى في وصيّته بالحجّ عنهم بعد مماته"»(10).
ب ـ وجود روايات عن الصحابة تثبت إسلامه(رضي الله عنه) ، بل إيمانه، منها:
1ـ عن حمّاد بن سلمة، عن العباس بن عبد المطّلب قال: قلت لرسول الله(صلى الله عليه وآله): يا بن أخي، ما ترجو لأبي طالب عمّك؟ قال: "أرجو له رحمة من ربّي وكلّ خير"»(11).
2ـ ما رواه ابن عمر في إسلام أبي قحافة يوم الفتح بقول أبي بكر: «والذي بعثك بالحقّ لإسلام أبي طالب كان أقرّ لعيني من إسلامه»(12).
ج ـ إجماع علماء مذهب الشيعة على إسلامه, بل إيمانه، وإجماعهم هذا حجّة، وقد وافقهم على إسلامه(رضي الله عنه) من علماء السنّة جماعة ، لكن عاقّهم على خلاف ذلك.
وقد وافق أكثر الزيدية الشيعة على إسلامه(رضي الله عنه)، وبعض من شيوخ المعتزلة، وجماعة من الصوفية، وغيرهم.
د ـ أشعاره(رضي الله عنه) التي تنبئ عن إسلامه، والتي يقول عنها ابن أبي الحديد المعتزلي: إنّ كلّ هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر من حيث مجموعها.
ونحن نذكر هنا أحد عشر شاهداً من شعره، وهي:
1ـ ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّداً ** نبيّاً كموسى خطّ في أوّل الكتبِ
2ـ نبيّ أتاه الوحي من عند ربّه ** ومن قال لا يقرع بها سنّ نادمِ
3ـ يا شاهد الله عليّ فاشهدِ ** إنّي على دين النبيّ أحمدِ
4ـ يا شاهد الوحي من عند ربّه ** إنّي على دين النبيّ أحمد
5ـ أنت الرسول رسول الله نعلمه ** عليك نزل من ذي العزّة الكتب
6ـ بظلم نبيّ جاء يدعو إلى الهدى ** وأمر أتى من عند ذي العرش قيم
7ـ لقد أكرم الله النبيّ محمّداً ** فأكرم خلق الله في الناس أحمد
8ـ وخير بني هاشم أحمد ** رسول الإله على فترة
9ـ والله لا أخذل النبيّ ولا ** يخذله من بني ذو حسب
10ـ قال(رضي الله عنه) يخاطب ملك الحبشة ويدعوه إلى الإسلام:
أتعلم ملك الحسن أنّ محمّداً ** نبيّاً كموسى والمسيح ابن مريم
أتى بالهدى مثل الذي أتيا به ** فكلّ بأمر الله يهدي ويعصم
وإنّكم تتلونه في كتابكم ** بصدق حديث لا حديث الترجم
فلا تجعلوا لله ندّاً فأسلموا ** فإنّ طريق الحقّ ليس بمظلم
11ـ وقال مخاطباً أخاه حمزة(رضي الله عنه):
فصبراً أبا يعلى على دين أحمد ** وكن مظهراً للدين وفّقت صابرا
وحطّ من أتى بالحقّ من عند ربّه ** بصدقٍ وعزم لا تكن حمزة كافرا
فقد سرّني أن قلت إنّك مؤمن ** فكن لرسول الله في الله ناصرا
وباد قريشاً في الذي قد أتيته ** جهاراً وقل ما كان أحمد ساحرا(13).
وفاته(رضي الله عنه)
لم يُمهل القدر سيّد قريش ورئيس مكّة الذي ساد بشرفه لا بماله، فتُوفّي في 7 شهر رمضان 10 للبعثة النبوية الشريفة، وكان عمره آنذاك 86 سنة، وقيل: 90 سنة، وقيل: تُوفّي في 26 رجب 10 للبعثة النبوية الشريفة.
وحينما علم النبيّ(صلى الله عليه وآله) بوفاته، قال لابن عمّه: «امضِ يا علي فتولّ غسله وتكفينه وتحنيطه، فإذا رفعته على سريره فأعلمني».
ففعل ذلك، فلمّا رفعه على السرير اعترضه النبيّ(صلى الله عليه وآله) وقال: «وصلتك رحم، وجزيت خيراً يا عمّ، فلقد ربّيتَ وكفلتَ صغيراً، وآزرت ونصرت كبيراً».
ثمّ أقبل على الناس وقال: «أنا والله لأشفعنّ لعمّي شفاعةً يعجب لها أهل الثقلين»(14).
ــــــــــــــــــــــــــــ
1. شرح نهج البلاغة 14/64.
2. الفصول المختارة: 58.
3. شرح نهج البلاغة 14/71.
4. الكافي 1/448.
5. الصحيح من سيرة النبيّ 3/255، ينقله عن تاريخ الخميس 1/301.
6. كمال الدين وتمام النعمة: 174.
7. الكافي 1/446.
8و9 و10. بحار الأنوار 35/111.
11. أعيان الشيعة 8/117.
12. تاريخ مدينة دمشق 66/327.
13. الصحيح من سيرة النبيّ 3/230.
14. إيمان أبي طالب: 25.
بقلم : محمد أمين نجف
تعليق