للُحب مآثرُ.. وصور
هل يستطيع أحد منّا أن ينكر الحب أو يتناسى من يحب؟ فمن منّا لا يحب أو ما مر بتجربة حب؟ وهذا أمر لا عيب فيه بل هو كمال وجمال لأن من الكمال أن تمارس الانسانية دورها وتأخذ حقّها فيما يكملها ويرشدها ومن الجمال أن تسود الانسانية المحبة والتعاطف ولا شكّ أن الكثير منّا يحب ويعايشه في كل لحظة وفي كل خطوة.
والسؤال هو: مَن نُحب وكيف نحب؟
طبعاً لا نقصد من الحب ذلك الذي يمارسه الانسان بدوافع أنانية أو مصلحية وفيه من اللذّة أكثر مما فيه من السمو والرحمة.. بل نقصد الحب الذي يحرّكه الفكر الصائب والعقل الذكي والقلب السليم. الذي يعرف كيف ولماذا الحب؟
فليس من الفخر أن يحبّ الانسان بنزعة شهوانية أو غريزيّة فكل كائن حي يمارس هذا الحب بطريقته الخاصة.. وهل حبٌ ذلك الذي تسوقه الأطماع وتحفّزه الغرائز والشهوات؟ إنه ليس الحب بل الرغبات والمنافع نبادلها الآخرين أو يبادلها الآخرون لنا تحت شعار الحب، وللحبِّ قيمة كبرى، وأكبر منها سموّه وخلاصه وتجرّده.
والحبُّ قوة عظيمة وأعظم منها تهذيبه وتألّقه. بل الحبّ شعور مقدس.. وأقدس منه طهره وعفته وهدفيته. ومن هنا علينا أن نعرف أين نضع قلوبنا وعواطفنا حتى نحب. فليس كل أحد يليق بالحب ولا كل شيء يجدر أن نهبه الروح ونعطف عليه القلب ونسلّمه المشاعر، أليس كذلك؟
إذا بلغ الحب مداه لا تصده سيول من الجيوش ولا حصون من الأسلحة.. فطاقة الحب فوق كل طاقة وقيمته أغلى القيم.. فما إن وجد الحب حتى وجدت معه آلاف المبادئ وآلاف الفضائل والمآثر والمكرمات.. وإذا ولد نقيض الحب ولدت معه آلاف النقائض والمضادات من الشرور والمآثم.. فالحب مركز الخير وواحة الفضيلة ومغرس الخصال الخيّرة في الوجود من الجمال والكمال والجلال والرحمة والعطف وإلى آخره من سمات ومزايا انسانية نبيلة.
القلب فوق العقل لأنه مركز الاعتقاد واليقين بينما العقل يمدّان الفكر وآلة التفكير، والحب فوق الفكر أيضاً لأن الحب مزيج من العقيدة والعاطفة بينما الفكر خال من العاطفة مجرّد من الرحمة فإن المحبّ يفكر ثم يعتقد ثم يميل ويحب ويعشق.. وإذا بلغ الحب ذروته صار هياماً وعشقاً وعندها يتحرر من قيود الحسابات العقيلة والمعادلات الرياضية الجامدة التي تراودها المصالح والمنافع فتقرّب هذا لحساب وتبعد ذلك لحساب أيضاً.
بينما الحب يتجرد ويسمو ويتألّق بمواقف الإبداع والإيثار والفداء والإباء وكل خصال الخير الأخرى.. فالمحبّ لا يحسب ما يريد من الحبيب وماذا ينتفع أو كيف ينتفع بل المحب يعطي ويعطي ويعطي وحسب.. فبالحب وصل أولياء الله سبحانه إلى ما وصلوا وبالحبِّ أيضاً أفاض عليهم بهم فيوضاته وجعلهم أوعية مشيئته ومظهر قدرته وإرادته…
وأعطاهم دون حساب.. وكذلك هم (عليهم السلام) أحبوه وعشقوه فعاشوا أيامهم تفاني وتضحيات جسام واحدة تلو الأخرى وكلما قدموا واحدة شعروا بالتقصير أمام نعم ربهم سبحانه فازدادوا عطاء وعبادة وجهاداً وصبراً ومقاومة.. ألم يقل سيد الشهداء أيام محنته وعطاءه:
تركت الخلق طُرّاً في هواكا وأيتمتُ العيال لكي أراكا
فلو قطّعتني بالحبّ إرباً لما مال الفؤاد إلى سواكا
تعليق