بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا شك إن المادة التي خلق الله عَزَّ و جَلَّ منها الإنسان و كوَّنه منها هي الطين ، فأبونا آدم ( عليه السَّلام ) خُلق من مادة الطين ، و بذلك تشهد آيات قرآنية كثيرة ، منها :
1. قول الله عَزَّ و جَلَّ : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } [1] .
2. قول الله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ } [2] .
3. قول الله سبحانه : { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ } [3] .
4. قول الله جَلَّ جَلالُه : { فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ } [4] .
5. قول الله عَزَّ و جَلَّ : { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ } [5] .
6. و قول الله تعالى عن لسان إبليس : { قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [6] .
فيتبيَّن أن خلق الإنسان بصورة عامة و النبي آدم ( عليه السَّلام ) بصورة خاصة كان من مادة الطين من غير شك و ريب .
من أي شيء خُلقت حواء ؟
أما بالنسبة إلى أمنا حواء فنقول أن العموم الوارد في الآيات السابقة يشملها أيضا كما يشمل جميع أفراد البشر ، فهي خلقت من نفس المادة التي خلق منها النبي آدم ( عليه السَّلام ) ، و بذلك تشهد الآيات القرآنية أيضا و كذلك الأحاديث الواردة عن أهل البيت ( عليهم السَّلام ) .
أما ما يفيد من القرآن الكريم بأن المادة التي تم خلق حواء منها هي الطين ، تماماً كآدم ( عليه السَّلام ) فهو قول الله عَزَّ و جَلَّ : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [7] .
و المقصود من النفس الواحدة هو الجنس البشري الواحد بدليل قوله الله عَزَّ و جَلَّ : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [8]
و قوله تعالى أيضاً : { وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } [9] .
فالمقصود من كل هذه الآيات هو أن الله تعالى خلق الأزواج من جنس واحد ، و ليس المقصود أنه تعالى خلق النساء من أبدان الرجال كما هو واضح .
و أما الدليل من الأحاديث فما رَوى الشيخ الصدوق ( قدس الله سره ) في كتابه " علل الشرايع " أن النبي محمد ( صلَّى الله عليه و آله ) قال : " خلق اللهُ تعالى آدمَ من طين ، و من فضلته وبقيَّته خُلقت حواء ... " [10] .
فالصحيح أن الله عَزَّ و جَلَّ خلق النبي آدم ( عليه السَّلام ) أولاً من مادة الطين ، ثم خلق من فاضل تلك المادة الطينية زوجته حواء ، و هذا ما تؤكده الروايات الصحيحة المروية عن أهل البيت ( عليهم السَّلام ) .
هل خُلقت حواء من ضلع أعوج ؟
أما القول الذي يقول بأن حواء قد خُلقت من ضلع أعوج من أضلاع آدم ( عليه السَّلام ) فهو قول غير صحيح و يخالف الواقع حتى لو استند إلى أحاديث دونتها بعض الصحاح ، كالحديث الذي ذكره سمرة بن جندب حيث نسب إلى رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) أنه قال : ألا إن المرأة خُلقت من ضلع ، و انك إن تُرِد إقامتها تَكسرها ، فدارِها تعش بها ثلاث مرات [11] .
و كذلك ما نسبه أبو هريرة للرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) أنه قال : المرأة خُلقت من ضلع اعوج وانك إن أقمتها كسرتها و ان تركتها تعش بها و فيها عوج [12] .
التوراة و خلق حواء :
و لدى مراجعة الفصل الثاني من سفر التكوين من التوراة نجد أن ما جاء فيه بهذا الشأن يطابق ما جاءت به الأحاديث القائلة بأن حواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم تماماً ، و هذا الأمر مما يدعم فكرة تسرب هذه الإسرائيليات من التوراة إلى بعض كتب الحديث و من ثم أخذت طريقها إلى الشعر و الأدب ، فهناك من الأدباء و الشعراء من وجد في هذه الأحاديث مبرراً كافياً للتهجم على المرأة و اتهامها بالاعوجاج ، فقال بعضهم :
هي الضلع العوجاء لست تقيمها * ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
أتجمع ضعفا و اقتدارا على الفتى * أليس عجيبا ضعفها و اقتدارها
إلى غير ذلك من الآثار السلبية التي لا تزال موجودة في المجتمعات و القائمة على أساس هذه الإسرائيليات .
رأي الإمام الباقر ( عليه السَّلام ) في هذا القول :
لقد كذَّب الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السَّلام ) ما يقال عن حواء أنها خُلقت من ضلع من أضلاع النبي آدم ( عليه السَّلام ) ، و ردَّ على هذا القول بشدَّة عندما سئل عنه .
قال الراوي : سُئل ـ أي الإمام الباقر ( عليه السَّلام ) ـ من أي شئ خلق الله حواء ؟
فقال : " أي شئ يقولون هذا الخلق " ؟
قلت : يقولون : إن الله خلقها من ضلع من أضلاع آدم .
فقال : " كذبوا ، يعجز أن يخلقها من غير ضلعه " ؟
ثم قال : " أخبرني أبي عن آبائه ، قال : قال رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) : إن الله تبارك و تعالى قبض قبضة من طين ، فخلطها بيمينه [13] و كلتا يديه يمين ، فخلق منها آدم فَفضَل فضلة من الطين فخلق منها حواء " .
تعليق