و قوله: «جنتان» قيل: إحداهما منزله و محل زيارة أحبابه له و الأخرى منزل أزواجه و خدمه، و قيل: بستانان بستان داخل قصره و بستان خارجه، و قيل: منزلان ينتقل من أحدهما إلى الآخر ليكمل به التذاذه، و قيل: جنة لعقيدته و جنة لعمله، و قيل: جنة لفعل الطاعات و جنة لترك المعاصي، و قيل: جنة جسمانية و جنة روحانية و هذه الأقوال - كما ترى - لا دليل على شيء منها.
و قيل: جنة يثاب بها و جنة يتفضل بها عليه، و يمكن أن يستشعر ذلك من قوله تعالى: «لهم ما يشاءون فيها و لدينا مزيد»: ق: 35، على ما مر في تفسيره.
قوله تعالى: «ذواتا أفنان» ذواتا تثنية ذات، و «أفنان» إما جمع فن بمعنى النوع و المعنى: ذواتا أنواع من الثمار و نحوها، و إما جمع فنن بمعنى الغصن الرطب اللين و المعنى: ذواتا أغصان لينة أشجارهما.
قوله تعالى: «فيهما عينان تجريان» و قد أبهمت العينان و فيه دلالة على فخامة أمرهما.
قوله تعالى: «فيهما من كل فاكهة زوجان» أي صنفان قيل: صنف معروف لهم شاهدوه في الدنيا و صنف غير معروف لم يروه في الدنيا، و قيل: غير ذلك، و لا دلالة في الكلام على شيء من ذلك.
قوله تعالى: «متكئين على فرش بطائنها من إستبرق» إلخ، الفرش جمع فراش، و البطائن جمع بطانة و هي داخل الشيء و جوفه مقابل الظهائر جمع ظهارة، و الإستبرق الحرير الغليظ قال في المجمع،: ذكر البطانة و لم يذكر الظهارة لأن البطانة تدل على أن لها ظهارة و البطانة دون الظهارة فدل على أن الظهارة فوق الإستبرق، انتهى.
و قوله: «و جنى الجنتين دان» الجنى الثمر المجتنى و «دان» اسم فاعل من الدنو بمعنى القرب أي ما يجتنى من ثمار الجنتين قريب.
قوله تعالى: «فيهن قاصرات الطرف» إلى آخر الآية ضمير «فيهن» للفرش و جوز أن يرجع إلى الجنان فإنها جنان لكل واحد من أولياء الله منها جنتان، و الطرف جفن العين، و المراد بقصور الطرف اكتفاؤهن بأزواجهن فلا يردن غيرهم.
و قوله: «لم يطمثهن إنس قبلهم و لا جان» الطمث الافتضاض و النكاح بالتدمية، و المعنى: لم يمسسهن بالنكاح إنس و لا جان قبل أزواجهن.
قوله تعالى: «كأنهن الياقوت و المرجان» أي في صفاء اللون و البهاء و التلالؤ.
قوله تعالى: «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان» استفهام إنكاري في مقام التعليل لما ذكر من إحسانه تعالى عليهم بالجنتين و ما فيهما من أنواع النعم و الآلاء فيفيد أنه تعالى يحسن إليهم هذا الإحسان جزاء لإحسانهم بالخوف من مقام ربهم.
و تفيد الآية أن ما أوتوه من الجنة و نعيمها جزاء لأعمالهم و أما ما يستفاد من بعض الآيات أنهم يعطون فضلا وراء جزاء أعمالهم فلا تعرض في هذه الآيات لذلك إلا أن يقال: الإحسان إنما يتم إذا كان يربو على ما أحسن به المحسن إليه فإطلاق الإحسان في قوله: «إلا الإحسان» يفيد الزيادة.
قوله تعالى: «و من دونهما جنتان» ضمير التثنية للجنتين الموصوفتين في الآيات السابقة و معنى.
«من دونهما» أي أنزل درجة و أحط فضلا و شرفا منهما و إن كانتا شبيهتين بالجنتين السابقتين في نعمهما و آلائهما، و قد تقدم أن الجنتين السابقتين لأهل الإخلاص الخائفين مقام ربهم فهاتان الجنتان لمن دونهم من المؤمنين العابدين لله سبحانه خوفا من النار أو طمعا في الجنة و هم أصحاب اليمين.
و قيل: معنى «من دونهما» بالقرب منهما، و يستفاد من السياق حينئذ أن هاتين الجنتين أيضا لأهل الجنتين المذكورتين قبلا بل ادعى بعضهم أن هاتين الجنتين أفضل من السابقتين و الصفات المذكورة فيهما أمدح.
و أنت بالتدبر فيما قدمناه في معنى لمن خاف مقام ربه و ما يستفاد من كلامه تعالى أن أهل الجنة صنفان: المقربون أهل الإخلاص و أصحاب اليمين تعرف قوة الوجه السابق.
قوله تعالى: «مدهامتان» الادهيمام من الدهمة اشتداد الخضرة بحيث تضرب إلى السواد و هو ابتهاج الشجرة.
قوله تعالى: «فيهما عينان نضاختان» أي فوارتان تخرجان من منبعهما بالدفع.
قوله تعالى: «فيهما فاكهة و نخل و رمان» المراد بالفاكهة و الرمان شجرتهما بقرينة النخل.
قوله تعالى: «فيهن خيرات حسان» ضمير «فيهن» للجنان باعتبار أنها جنتان من هاتين الجنتين، و قيل: مرجع الضمير الجنات الأربع المذكورة في الآيات، و قيل: الضمير للفاكهة و النخل و الرمان.
و أكثر ما يستعمل الخير في المعاني كما أن أكثر استعمال الحسن في الصور، و على هذا فمعنى خيرات حسان أنهن حسان في أخلاقهن حسان في وجوههن.
قوله تعالى: «حور مقصورات في الخيام» الخيام جمع خيمة و هي الفسطاط، و كونهن مقصورات في الخيام أنهن مصونات غير مبتذلات لا نصيب لغير أزواجهن فيهن.
قوله تعالى: «لم يطمثهن إنس قبلهم و لا جان» تقدم معناه.
قوله تعالى: «متكئين على رفرف خضر و عبقري حسان» في الصحاح،: الرفرف ثياب خضر تتخذ منها المجالس.
انتهى.
و قيل: هي الوسائد، و قيل: غير ذلك، و الخضر جمع أخضر صفة لرفرف، و العبقري قيل: الزرابي، و قيل: الطنافس، و قيل: الثياب الموشاة، و قيل: الديباج.
قوله تعالى: «تبارك اسم ربك ذي الجلال و الإكرام» ثناء جميل له تعالى بما امتلأت النشأتان الدنيا و الآخرة بنعمه و آلائه و بركاته النازلة من عنده برحمته الواسعة، و بذلك يظهر أن المراد باسمه المتبارك هو الرحمن المفتتحة به السورة، و التبارك كثرة الخيرات و البركات الصادرة.
فقوله: «تبارك اسم ربك» تبارك الله المسمى بالرحمن بما أفاض هذه الآلاء.
و قوله: «ذي الجلال و الإكرام» إشارة إلى تسميه بأسمائه الحسنى و اتصافه بما يدل عليه من المعاني الوصفية و نعوت الجلال و الجمال، و لصفات الفاعل ظهور في أفعاله و أثر فيها يرتبط به الفعل بفاعله فهو تعالى خلق الخلق و نظم النظام لأنه بديع خالق مبدىء فأتقن الفعل لأنه عليم حكيم و جازى أهل الطاعة بالخير لأنه ودود شكور غفور رحيم و أهل الفسق بالشر لأنه منتقم شديد العقاب.
فتوصيف الرب - الذي أثنى على سعة رحمته - بذي الجلال و الإكرام للإشارة إلى أن لأسمائه الحسنى و صفاته العليا دخلا في نزول البركات و الخيرات من عنده، و أن نعمه و آلاءه عليها طابع أسمائه الحسنى و صفاته العليا تبارك و تعالى
تفسير الميزان.
تفسير الميزان.
تعليق