كلام عن مسّ الجنّ
و أمّا الكلام عن مسّ الجنّ و أنّ الجُنون داءٌ عارض من مسّه فيعالج باللجوء إلى الرُقي و التعويذات و دمدمة الكهنة و أصحاب التسخيرات و ما إلى ذلك من خرافات بائدة . فالذي يمكننا القول فيه : أن ليس في القرآن شيء من ذلك ، حتّى و لا إشارة إليه ، إذ لا شكّ أنّ الجنون داءٌ عصبيّ و له أنحاء . بعضها صالح للعلاج بأسباب عادية ذكرها الأطبّاء في كتبهم قديماً و حديثاً ، و هناك مراكز لمعالجة هذه الأمراض أو التخفيف من وطئتها بالأساليب العلاجية الطبيعية المتعارفة و ليست بالأساليب الغريبة .
و ليس في القرآن ما يبدو منه أنّ صاحب هذا الداء إنّما يُصاب على أثر مسّ الجنّ له . نعم سوى استعماله لهذه اللفظة ( المجنون ) في أحد عشر موضعاً [1] . و كذا التعبير بمن به جِنّة في خمسة مواضع [2] .
و هذا من باب المجاراة في الاستعمال[3] ـ كما نبّهنا ـ حيث كان التفاهم بلسان القوم . و ليس عن اعتراف بمنشأ هذه التسمية اللغوية . و لا يزال الأطبّاء المعالجون ـ قديماً و حديثا ًـ يعبّرون عن المصاب بهذا الداء بالمجنون و عن نفس الداء بالجنون ، مجاراةً مع لغة العامّة ، و لا يعني ذلك اعتقادهم بمسّ الجنّ إيّاه حتميّاً . و تلك دور المجانين معدّة لمعالجة المصابين بهذا الداء أو للحراسة عنهم مرسوم عليها نفس العنوان و ليس إلاّ لأجل التفاهم مع العرف الدارج لا غير .
و أمّا قوله تعالى : ? الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ... ? [4] فالمراد من المساس هنا هو مسّ وساوسه الخبيثة المغرية ، و التي هي عبارة عن استحواذه على عقلية أهل المطامع ليتيه بهم الدرب و يجعلهم في السعي وراء مطامعهم يتخبّطون خبط عشواء و في غياهب غيّهم يعمهون . و هذا إنّما يعني استيلاء الشيطان على شرائر وجودهم فعموا و صمّوا ?... كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ ... ? [5] . ? اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ? [6] .
قال تعالى ـ حكاية عن نبيّ الله أيّوب ( عليه السَّلام ) ـ : ? ... إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ? [7] . أي مسّني ضرّ وساوسه دسائسه الخبيثة في سبيل إيقاع أولياء الله في النصب و مكابدة الآلام ، كما في قوله : ?... إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ? [8] . فمسُّ الشيطان هو مسّ ضرّه على أثر دسائسه الخبيثة ، لا الإضرار مباشرةً [9] .
-------------------------------------------------------------------
الهوامش:
[1] سورة الحجر ( 15 ) ، الآية : 6 ؛ سورة الشعراء ( 26 ) ، الآية : 27 ؛ سورة الصافات ( 37 ) ، الآية : 36 ؛ سورة الدخان ( 44 ) ، الآية : 14 ، سورة الذاريات ( 51 ) ، الآية : 39 ؛ سورة الطور ( 52 ) ، الآية : 29 ؛ سورة القمر ( 54 ) ، الآية : 9 ؛ سورة القلم ( 68 ) ، الآية : 2 و 51 ؛ سورة التكوير ( 81 ) ، الآية : 22 .
[2] سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 184؛ سورة المؤمنون ( 23 ) ، الآية : 25؛ سورة سبإ ( 34 ) ، الآية : 8 و 46 .
[3] أي تُسمّونه بهذا الإسم . أو تَسِمُونه بهذه السِمة في استعمالكم المتعارف عندكم .
[4] القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 275 ، الصفحة : 47 .
[5] القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 71 ، الصفحة : 136 .
[6] القران الكريم : سورة المجادلة ( 58 ) ، الآية : 19 ، الصفحة : 544 .
[7] القران الكريم : سورة صاد ( 38 ) ، الآية : 41 ، الصفحة : 455 .
[8] القران الكريم : سورة الأنبياء ( 21 ) ، الآية : 83 ، الصفحة : 329 .
[9] راجع : التفسير الكبير : 7 / 89 ؛ و الميزان : 2 / 436 .
و أمّا الكلام عن مسّ الجنّ و أنّ الجُنون داءٌ عارض من مسّه فيعالج باللجوء إلى الرُقي و التعويذات و دمدمة الكهنة و أصحاب التسخيرات و ما إلى ذلك من خرافات بائدة . فالذي يمكننا القول فيه : أن ليس في القرآن شيء من ذلك ، حتّى و لا إشارة إليه ، إذ لا شكّ أنّ الجنون داءٌ عصبيّ و له أنحاء . بعضها صالح للعلاج بأسباب عادية ذكرها الأطبّاء في كتبهم قديماً و حديثاً ، و هناك مراكز لمعالجة هذه الأمراض أو التخفيف من وطئتها بالأساليب العلاجية الطبيعية المتعارفة و ليست بالأساليب الغريبة .
و ليس في القرآن ما يبدو منه أنّ صاحب هذا الداء إنّما يُصاب على أثر مسّ الجنّ له . نعم سوى استعماله لهذه اللفظة ( المجنون ) في أحد عشر موضعاً [1] . و كذا التعبير بمن به جِنّة في خمسة مواضع [2] .
أمّا الكلام عن مسّ الجنّ و أنّ الجُنون داءٌ عارض من مسّه فيعالج باللجوء إلى الرُقي و التعويذات و دمدمة الكهنة و أصحاب التسخيرات و ما إلى ذلك من خرافات بائدة . فالذي يمكننا القول فيه : أن ليس في القرآن شيء من ذلك ، حتّى و لا إشارة إليه ، إذ لا شكّ أنّ الجنون داءٌ عصبيّ و له أنحاء . بعضها صالح للعلاج بأسباب عادية ذكرها الأطبّاء في كتبهم قديماً و حديثاً
و أمّا قوله تعالى : ? الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ... ? [4] فالمراد من المساس هنا هو مسّ وساوسه الخبيثة المغرية ، و التي هي عبارة عن استحواذه على عقلية أهل المطامع ليتيه بهم الدرب و يجعلهم في السعي وراء مطامعهم يتخبّطون خبط عشواء و في غياهب غيّهم يعمهون . و هذا إنّما يعني استيلاء الشيطان على شرائر وجودهم فعموا و صمّوا ?... كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ ... ? [5] . ? اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ? [6] .
قال تعالى ـ حكاية عن نبيّ الله أيّوب ( عليه السَّلام ) ـ : ? ... إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ? [7] . أي مسّني ضرّ وساوسه دسائسه الخبيثة في سبيل إيقاع أولياء الله في النصب و مكابدة الآلام ، كما في قوله : ?... إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ? [8] . فمسُّ الشيطان هو مسّ ضرّه على أثر دسائسه الخبيثة ، لا الإضرار مباشرةً [9] .
-------------------------------------------------------------------
الهوامش:
[1] سورة الحجر ( 15 ) ، الآية : 6 ؛ سورة الشعراء ( 26 ) ، الآية : 27 ؛ سورة الصافات ( 37 ) ، الآية : 36 ؛ سورة الدخان ( 44 ) ، الآية : 14 ، سورة الذاريات ( 51 ) ، الآية : 39 ؛ سورة الطور ( 52 ) ، الآية : 29 ؛ سورة القمر ( 54 ) ، الآية : 9 ؛ سورة القلم ( 68 ) ، الآية : 2 و 51 ؛ سورة التكوير ( 81 ) ، الآية : 22 .
[2] سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 184؛ سورة المؤمنون ( 23 ) ، الآية : 25؛ سورة سبإ ( 34 ) ، الآية : 8 و 46 .
[3] أي تُسمّونه بهذا الإسم . أو تَسِمُونه بهذه السِمة في استعمالكم المتعارف عندكم .
[4] القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 275 ، الصفحة : 47 .
[5] القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 71 ، الصفحة : 136 .
[6] القران الكريم : سورة المجادلة ( 58 ) ، الآية : 19 ، الصفحة : 544 .
[7] القران الكريم : سورة صاد ( 38 ) ، الآية : 41 ، الصفحة : 455 .
[8] القران الكريم : سورة الأنبياء ( 21 ) ، الآية : 83 ، الصفحة : 329 .
[9] راجع : التفسير الكبير : 7 / 89 ؛ و الميزان : 2 / 436 .
تعليق