بسم الله الرحمن الرحيم
القرآن كتاب الله الذي جعله نور وهدايه لمن آمن به وتمسك بتعاليمه.هو نور وهدايه لكل من يريد أن يسلك الطريق الى الله .نور يخرجه من ظلمات الفتن والضلال الى نور البصيره والأيمان.كتاب قد جعله الله تبيانا لكل شيء.ومما بين الله لعباده في كتابه الكريم (الفتنه) وأسبابها ونتائجها.
لقد وردت لفظة الفتنه في سياق الآيات القرآنيه تحت معاني عديده ومتنوعه..ولابد لنا أن نعرف المعنى اللغوي لها قبل الشروع في البحث عن أقسام الفتنه ومعانيها التي دلت عليه الآيات القرآنيه المباركه..
ًتعريف الفتنة .
أصل معنى الفتنة –كما ورد فياللغة-الاختباروالامتحان تقول:َفتنالذهبَ يفتنه-بكسر الفاء-إذا أدخله النارَلينظرَماجودته,وإليه أشارت الآية الكريمة في سورة العنكبوت بقوله تعالى " أحسب الناس أنيتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون" ,وفي حديث الإمام الرضا"ع"عن معمّر بنِ خلاّدقال :سمعت أبا الحسن يقول:"أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون"ثمّقال لي :ما الفتنة؟قلتُ:جعلت فداك الذي عندنا الفتنة في الدين قال يفتنون كمايُفْتنُ الذهبُ:يُخْلَصون كما يُخْلَصُ الذهبُ,ثمّ قال ", فكما أنّ الذهب يُمَحّصُبالنار كذلك الناسُ لابدّ لهم من تمحيص "افتتان"ليظهر صدقُهُم أوكذبُهُم في دعوىالأيمان بقرينة قوله تعالى"فليعلمنّ اللهُ الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين"إذلايكفيمجرد دعوى الأيمان,لذاأنكراللهُ عليهم الأيمانَ باللسانَ مجردا ًمن الأيمانالعملي وهذا ضن منهم بتحقق الأيمان. ويؤكد ذلك الاستفهامُ الإنكاريُّ في الآية الكريمة"أحسب" أي:يُنكر على الناس من ضنّ منهم أن الأيمان غيرُ مسبوقبالفتنة.
فبالابتلاء يُعَْرفُ مَعْدِنُ الأيمان,وتُقاس مرِتبةُالعبد. وفي ذلك ممّاأوصى به لقمآنُ الحكيمُ ابنَه"يابنيَّ الذهبُ يجرّببالنار والمؤمن يجرب بالبلاء",وبه فضّل اللهُ انبياءه وصفوتَه على غيرهم"أشدّ بلاءًالأنبياء ثمَّ الأولياء فالأمثل فالأمثل"وبه فاضل الُله بين أنبيائه فكانالخاتم"ص"أشدهم بلاءً "ما أوذي نبي مثل ما أوذيت"
ولعل هناكتأكيدا على ضرورة تجربة البلاء ورد ذكرها مرتين في الآية نفسها .
الأولى:في قوله تعالى"أن ُيْتَركوا"أي:يتركوا فلايُعْرَضُلحالهم .الثانية:في قوله تعالى"وهملايفتنون"أي:يُمْتَحنون.
والفتنه سنة إلهية جارية جرت على الأمم السالفة وتجري على الأممالمتعا قبة,فهي سنّة ابتلاء ثابتة لايجري عليها تحويلٌ أو تبديلٌ لقوله تعالى فيالأية الثانية"ولقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّالكاذبين" .
وفي وصف لأمير المؤمنين عليقوله"ع"أهواء تّتبع,وأحكام تُبْتَدَع",فبحسب هذا الوصف يجتذبالفتنةعنصران:
الأول:الهوى,والثاني:الأحكام.
وهناك علاقه وثيقه بين أتباع الهوىوابتداع الأحكامأن اتباع الهوى كما وصفه أمير المؤمنين"ع"يصدّعن الحقِّ ممّا يكون سبيلا ممهِّدالتأسيس أحكام مبتَدعة منحرفة عن جادة الشريعةالمقدّسة.
فالفتنة إذا مشروع إضلالي يسعى الى تأسيس أحكام تتحكم بهاالأهواءُ يتصدّى إلى الترويج له ا أئمةُ الضلال.
ومن هنا يبدأ الانحراف وأساس الفتنة,وفي هذاالمعنى ما يشير إليه الحديث المروي عن النبي"ص""إني لا أخاف على أمتي إلاّ الأئمةالمضلين".
ومن شواهد ذلك الابتداع للأحكام والتأسيس لشريعة الهوى, اتباع المتشابه من الآيات القرآنية من غير ارجاع ذلك المتشابه الى المحكم منها كماأمر الله بذلك,واليه أشارت الآية الكريمة في سورة آل عمران قال تعالى"هوالذي أنزلعليك الكتاب منه آيات محكمات هنَّ أمّ الكتاب وأخر متشابهات فأمّا الذين في قلوبهمزيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله".إذإنّ اتباع المتشابهيحملهم على تأويله-بحسب أهوائهم-تأويلاً يستغنون به عن اتباع أحكام الدينالحقَّة,ويعملون على نسخ الشريعة المقدّسة,ولجتهد أئمة الضلال المضلين في الأخذبأكظامه والمسك بزمامه.
والخطر المحدِق بالفتنة –وهوأول مراتب خطورتها-أنها لا تعرفحين إقبالها ولا يعرف لها وجه وقت نشوبها,لكنّها إذا وضعت واحتطبت من الناس وقوداًلنارها عند ذلك عرفت,يقف أمير المؤمنين"ع"على هذا المعنى واصفاً حال الفتنةأنها"إذاأقبلت تنكرت وإذا ولّت عرفت"لأنّ في إقبالها إخفاء لحقيقتها لئلا ينْفُرَ الناسُمنها فتتنكرلهم بمظهر محبوب عندهم وأخطر مظاهر تنكرها أن تتنكر بلباس الدين فلا يلتفتالناس اليها حتى تنتهي لحصول المعرفة بآثارهاالمفسدة.
من هنا يتبين لنا خطورة مسالك الفتنة التي لا يقف علىحقيقتها أي إنسان إلا من امتحن الله قلبه,وأخذ بحجزةالمحجةالبيضاء,فتلك فتنة الدينتمحّص الناس تمحيصاً.
ويطلعنا التأريخ على نماذج منها واضحة نحو ما حصل منفتنةالخوارج وجرأتهم عًلى أمير المؤمنين"ع"وما كان احد يجرؤ على قتالهمإذكانواعُبّاداً في ظاهر حالهم "أصحاب الجباه السوود"لكثرة عبادتهم,حفظة للقرآن,لكنحقيقة ما وراء ذلك لاتنكشف لأحد إلا لمثلِ عليٍّ"ع"حتى قال"ع""أنا من فقأت عين الفتنةإذ اشتدّ غيهبُها,وماج كلبُها".
وقبل الاستطراد في معاني الفتنه في القرآن أود أن أبين أصناف الفتنه ثم العروج الى معانيها القرآنيه .
وللفتنه( حسب تصنيف القرآن لها ) صنفان الاول عام والثاني خاص.
اولاً:الفتنة العامّة .وهي الفتنة التي يبتلى بها عامّةالناس أو امّة من ا لأمم ,ولتلك الفتنة نماذج عرضها القرآن الكريم على نحوين
أ- 1- أنتكون الفتنة الخاصة سبباً لوقوع فتنة عامة,ومنها: قوله تعالى"واتقوا فتنة لاتصيبنَّالذين ظلموا منكم خاصّة" فهي ابتدأت فتنة خصّت جماعة من الظالمين تنذر شمولغيرهم"واتقوا فتنة" ليسوا مشركين ولا تتعدّى له,فالآية تحذر المؤمنين من فتنة وإنخصّت الظالمين في وقوعها عليهم واستحقاقهم لها لكنها تعمّ الجميع في سوءأثرها,وفداحة خطبها
2-أن يكون بعث الرسل سببا لفتنة سائر الناس ومنها قولهتعالى"وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْلِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا {الفرقان/20}
ووجهالفتنة:أنّ الرسل كسائر البشرفي خواصهم البشرية ولا تتميز حياتهم حتى دعوتهم بخواصسماوية بخلاف ما يعتقدونه من أن حامل الرسالة كأن يكون ملكاً ونحوه فجعل ذلك فتنةللنّاس.
3أن تكون الرؤيا سبباأو باعثاً لفتنة الناس نحو قوله تعالى"....وما جعلنا الرؤياالتي أريناك إلاّ فتنة للنّاس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيد هم إلاّطغيانا وكفرا".
فالرؤيا تضمنت تلك الشجرة التي جُعلت فتنةً للناس,وقد صرّحتالأحاديث الشريفةأنّ الشجرة الملعونةهم بنو اميّة.فعنه"ص"فيما قصّه من رؤياه"رأيت ولد الحكم بن أبي العاص ينزون على المنابر كأنّهم القردة فأنزل الله"وما جعلنا الرؤيا" .
ووجهالفتنة في ذلك لمّا كانت الشجرة الملعونة – تأويلها- بني أميّة فهذا يعني امتلاكهملسدّة الحكم وامتلاك أمور العباد بالظلم والقهر ممّا جُعل ذلك ابتلاءً للناس,فأطلعالُله نبيَه على ما يجري من أمر الشجرة وبعض أعمالهم في الأسلام وأخبره أنّ ذلك فتنه لهم.
4فتنة الإيمان. هي أن تكون الًفتنة داعيا أو باعثاً لصدق دعوى المؤمنين وتمييزهم من الكاذبين"فليعلمنَّ الله الذين صدقوا وليعلمنَّ الكاذبين"فيخبر أحوالهم فيظهر إيمان من آمن وكذب من ادعى بحصول الفتنة. قال تعالى"أحسب النّاس أن يتركواأن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون",واليها أشرنا سابقاً.
5- فتنة النعم:وذلك أن تكون الفتنة داعياً لتمييز الكافرين من الشاكرين "كفر النعم بإزاء شكر النعم"قال تعالى"وكذلك فتنّا بعضهم ببعض ليقولوا هؤلآءِ منَّ الله عليهم من بيننا اليس الله باعلم بالشاكرين" إذ جعلت مائزاً لتفاوت الناس على أساس الشكروعدمه وصريح الآية تثبت ذلك قال تعا لى"وكذلك فتنّا بعضهم ببعض"إشارة الى المحنةالإلهية وقوله تعالى: "ليقولواهؤلآء َِمنَّ اللهُ عليهم من بيننا"إشارة الى التمايز والتفاوت فيما بينهم.
6- ان تكون الفتنة سببا في تذكرتهم وموعظتهم ليتوبوا فهي بذلك حجة دامغة على من زاغ منهم "مرضى القلوب"فلا ُيترك عذرٌ لعاذر قال تعالى"أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة او مرتين ثمَّ لا يتوبون وماتوا وهم كافرون"
7- محبّةالأموال والأولاد باعث للفتنة قال تعالى"واعلموا أنّما أموالكم وأولادكم فتنة..... "إنما جعلهم القرآن نفس الفتنة لِما ترتب على ذلك الحبّ استمالة ودِّ المشركين في الاستبقاء على أموالهم وأولادهم الذين تركوهم في مكّة ممّا دفع بعضهم أن يخبر المشركين بأسرار رسول الله"ص"المكنونة فجاء النهي عن تلك الخيانة بقوله تعالى"لاتخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون" .
تعليق