كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخطب بالمدينة إلى جذع نخلة في صحن مسجدها، فقال له بعض أصحابه: يارسول الله إن الناس قد كثروا، وإنهم يحبون النظر إليك إذا خطبت ، فلو أذنت أن نعمل لك منبرا له مراقي ترقاها فيراك الناس إذا خطبت، فأذن في ذلك ، فلما كان يوم الجمعة مر (صلى الله عليه وآله) بالجذع فتجاوزه إلى المنبر فصعده ، فلما استوى عليه حنّ ذلك الجذع حنين الثكلى، وأنّ أنين الحبلى فارتفع بكاء الناس وحنينهم وأنينهم ، وارتفع حنين الجذع وأنينه في حنين الناس وأنينهم ارتفاعا بينا ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك نزل عن المنبروأتى الجذع فاحتضنه ومسح عليه يده، وقال (صلى الله عليه وآله):« اسكن فما تجاوزك رسول الله تهاونا بك، ولااستخفافا بحرمتك، ولكن ليتم لعباد الله مصلحتهم، ولك جلالك وفضلك إذ كنت مستند محمد رسول الله »
فهدأ حنينه وأنينه، وعاد رسول الله صلى الله عليه واله إلى منبره، ثم قال (صلى الله عليه وآله):
« معاشر المسلمين هذا الجذع يحن إلى رسول رب العالمين ، ويحزن لبعده عنه ، ففي عباد الله الظالمين أنفسهم من لا يبالي: قرب من رسول الله أم بعد، ولولا أني احتضنت هذا الجذع ، ومسحت يدي عليه ما هدأ حنينه إلى يوم القيامة ، وإن من عبادالله وإمائه لمن يحن إلى محمد رسول الله وإلى علي ولي الله كحنين هذا الجذع ، وحسب المؤمن أن يكون قلبه على موالاة محمد وعلي وآلهما الطيبين منطويا ، أرأيتم شدة حنين هذا الجذع إلى محمد رسول الله ؟ وكيف هدأ لما احتضنه محمد رسول الله ومسح يده عليه ؟ »
قالوا: بلى يارسول الله، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله ) :
« والذي بعثني بالحق نبيا، إن حنين خزان الجنان وحور عينها وسائر قصورها ومنازلها إلى من يوالى محمدا وعليا و آلهما الطيبين ويبرأ من أعدائهما لاشد من حنين هذا الجذع الذي رأيتموه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإن الذي يسكن حنينهم وأنينهم مايرد عليهم من صلاة أحدكم معاشر شيعتنا على محمد وآله الطيبين، أو صلاة نافلة ،أو صوم أو صدقة ، وإن من عظيم ما يسكن حنينهم إلى شيعة محمد وعلي ما يتصل بهم من إحسانهم إلى إخوانهم المؤمنين، ومعونتهم لهم على دهرهم ، يقول أهل الجنان بعضهم لبعض: لا تستعجلوا صاحبكم ، فما يبطئ عنكم إلا للزيادة في الدرجات العاليات في هذه الجنان بإسداء المعروف إلى إخوانه المؤمنين ، وأعظم من ذلك مما يسكن حنين سكان الجنان وحورها إلى شيعتنا ما يعرفهم الله من صبر شيعتنا على التقية واستعمالهم التورية ليسلموا من كفرة عباد الله وفسقتهم ، فحينئذ تقول خزان الجنان وحورها: لنصبرن على شوقنا إليهم كما يصبرون على سماع المكروه في ساداتهم وأئمتهم، وكما يتجرعون الغيظ ، ويسكتون عن إظهار الحق لما يشاهدون من ظلم من لا يقدرون على دفع مضرته ، فعند ذلك يناديهم ربنا عزوجل:
" يا سكان جناتي ويا خزان رحمتي ما لبخل أخرت عنكم أزواجكم وساداتكم ، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي بمواساتهم إخوانهم المؤمنين والاخذ بأيدي الملهوفين، والتنفيس عن المكروبين، وبالصبر على التقية من الفاسقين الكافرين، حتى إذا استكملوا أجزل كراماتي نقلتهم إليكم على أسر الاحوال وأغبطها فأبشروا، فعند ذلك يسكن حنينهم وأنينهم " »
بحار الأنوار - العلامة المجلسي - (ج 17 / ص 326)
تعليق