الخروج من القبر
تمهيد
يقول سبحانه في النفخة الثانية وهي نفخة الإحياء (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)(يس:51-52).
إنَّ ساعة خروج الإنسان من القبر هي إحدى الساعات الثلاثة التي اعبرتها الروايات الشريفة من أصعب وأوحش الساعات على أبناء آدم، فقد جاء في الرواية عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: "إنَّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد ويخرج من بطن أمه فيرى الدنيا. ويوم يموت فيرى الآخرة وأهلها ويوم يبعث فيرى أحكاماً لم يرها في دار الدنيا وقد سلّم الله عزّ وجلّ على يحيى في هذه الثلاثة المواطن، وآمن روعته فقال: (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)(مريم:15)، وقد سلَّم عيسى بن مريم عليه السلام على نفسه في هذه المواطن الثلاثة فقال: (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا)(مريم:33)1. "ورُوِىَ عن الإمام علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليه السلام: "أشدّ ساعات ابن آدم ثلاث ساعات: الساعة التي يعاين فيها ملك الموت، والساعة التي يقوم فيها من قبره، والساعة التي يقف فيها بين يدي الله تبارك وتعالى، فإمَّا إلى الجنّة وإمَّا إلى النار"2.
الفرق بين الحشر والنشر
الحشر لغة: إخراج الجماعة عن مقرِّهم، وإزعاجهم، وسوقهم إلى الحرب، ونحوها.
ثم خصَّ في عرف الشرع عند الإطلاق بإخراج الموتى من قبورهم، وسوقهم إلى الموقف للحساب والجزاء، والنشر إحياء الميِّت بعد موته، ومنه قوله تعالى: (ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ)(عبس:22) أي أحياه.
وفي الدعاء: "وارحمني في حشري ونشري"3.
وعند النشر تعود الأرواح إلى أجسادها، وبعد أن تنبت الأجساد يأمر الله إسرافيل فينفخ في الصور، فتعود الأرواح إلى أجسادها، تدخل كلُّ روح في جسدها، فيقوم الناس فينفضون التراب عن رؤوسهم.
والبعث والحشر حق ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، قال الله تعالى: (قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثرُنَّ)(التغابن:7).
من يحشر؟
يحشر اللـه الخلق جميعاً، ولا يتخلف أحد، قال سبحانه وتعالى: (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّ* وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدً* إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)(مريم:93-95).
فلا يتخلف مخلوق، فلقد أحصى اللـه الخلق من لدن آدم إلى آخر رجل قامت عليه القيامة، فهم ينطلقون جميعاً وراء هذا الداعي الكريم الذي جاء ليقود الخلق جميعاً إلى المحشر.
الأزواج الثلاثة
الناس يومئذ على ثلاثة أقسام
يقول سبحانه: (وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً)(الواقعة:7).
أطلق عليها لفظ أزواج لكون أصناف الناس في القيامة والحشر والنشر متقارنة مع بعضها.
وحول القسم الأوّل يحدّثنا القرآن الكريم بقوله: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَة)(الواقعة:8). والمقصود من أصحاب الميمنة هم الأشخاص الذين يعطون صحيفة أعمالهم بأيديهم اليمنى، أو أنَّ كلمة (ميمنة) من مادّة (يمن) التي أخذت من معنى السعادة، وعلى هذا التّفسير فإنَّ القسم الأوّل هم طائفة السعداء وأهل الحبور والسرور.
أمَّا المجموعة الثانية فهم أصحاب المشأمة، قال تعالى: (وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ)(الواقعة:9)، حيث الشؤم والتعاسة، واستلام صحائف أعمالهم بأيديهم اليسرى التي هي رمز سوء عاقبتهم وعظيم جرمهم وجنايتهم.
أمَّا المجموعة الثالثة فقد أشار إليها بقوله سبحانه: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)(الواقعة:10-12).
(السابقون) ليسوا الذين سبقوا غيرهم بالإيمان فحسب، بل في أعمال الخير والأخلاق والإخلاص، فهم أسوة وقدوة وقادة للناس.وهذه الكلمة (السابقون) تشمل جميع هذه الأعمال، والطاعات وغيرها.
وجاء في الحديث أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أتدرون من السابقون إلى ظلِّ الله في يوم القيامة؟ فقال أصحابه: الله ورسوله أعلم، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "الذين إذا أعطوا الحقَّ قبلوه، وإذا سألوه بذلوه، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم"4.
وجاء في بعض الرّوايات أيضاً أنّ المقصود بـ (السابقون) هم الأنبياء المرسلون وغير المرسلين.
وعن ابن عبّاس أنَّه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حول هذه الآية فقال: "هكذا أخبرني جبرائيل، ذلك عليٌّ وشيعته، هم السابقون إلى الجنّة، المقرّبون من الله لكرامته لهم"5.
-------------------------------------------------------
الهوامش:
1- المجلسي محمد باقر بحار الأنوار مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة ج6، ص158.
2- م. ن. ج6، ص159.
3- الصحيفة السجَّادية الكاملة: 226.
4- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ج17، ص449.
5- المجلسي محمد باقر بحار الأنوار مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة ج24، ص4.
تمهيد
يقول سبحانه في النفخة الثانية وهي نفخة الإحياء (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)(يس:51-52).
إنَّ ساعة خروج الإنسان من القبر هي إحدى الساعات الثلاثة التي اعبرتها الروايات الشريفة من أصعب وأوحش الساعات على أبناء آدم، فقد جاء في الرواية عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: "إنَّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد ويخرج من بطن أمه فيرى الدنيا. ويوم يموت فيرى الآخرة وأهلها ويوم يبعث فيرى أحكاماً لم يرها في دار الدنيا وقد سلّم الله عزّ وجلّ على يحيى في هذه الثلاثة المواطن، وآمن روعته فقال: (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)(مريم:15)، وقد سلَّم عيسى بن مريم عليه السلام على نفسه في هذه المواطن الثلاثة فقال: (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا)(مريم:33)1. "ورُوِىَ عن الإمام علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليه السلام: "أشدّ ساعات ابن آدم ثلاث ساعات: الساعة التي يعاين فيها ملك الموت، والساعة التي يقوم فيها من قبره، والساعة التي يقف فيها بين يدي الله تبارك وتعالى، فإمَّا إلى الجنّة وإمَّا إلى النار"2.
الفرق بين الحشر والنشر
الحشر لغة: إخراج الجماعة عن مقرِّهم، وإزعاجهم، وسوقهم إلى الحرب، ونحوها.
ثم خصَّ في عرف الشرع عند الإطلاق بإخراج الموتى من قبورهم، وسوقهم إلى الموقف للحساب والجزاء، والنشر إحياء الميِّت بعد موته، ومنه قوله تعالى: (ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ)(عبس:22) أي أحياه.
وفي الدعاء: "وارحمني في حشري ونشري"3.
وعند النشر تعود الأرواح إلى أجسادها، وبعد أن تنبت الأجساد يأمر الله إسرافيل فينفخ في الصور، فتعود الأرواح إلى أجسادها، تدخل كلُّ روح في جسدها، فيقوم الناس فينفضون التراب عن رؤوسهم.
والبعث والحشر حق ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، قال الله تعالى: (قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثرُنَّ)(التغابن:7).
من يحشر؟
يحشر اللـه الخلق جميعاً، ولا يتخلف أحد، قال سبحانه وتعالى: (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّ* وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدً* إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)(مريم:93-95).
فلا يتخلف مخلوق، فلقد أحصى اللـه الخلق من لدن آدم إلى آخر رجل قامت عليه القيامة، فهم ينطلقون جميعاً وراء هذا الداعي الكريم الذي جاء ليقود الخلق جميعاً إلى المحشر.
الأزواج الثلاثة
الناس يومئذ على ثلاثة أقسام
يقول سبحانه: (وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً)(الواقعة:7).
أطلق عليها لفظ أزواج لكون أصناف الناس في القيامة والحشر والنشر متقارنة مع بعضها.
وحول القسم الأوّل يحدّثنا القرآن الكريم بقوله: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَة)(الواقعة:8). والمقصود من أصحاب الميمنة هم الأشخاص الذين يعطون صحيفة أعمالهم بأيديهم اليمنى، أو أنَّ كلمة (ميمنة) من مادّة (يمن) التي أخذت من معنى السعادة، وعلى هذا التّفسير فإنَّ القسم الأوّل هم طائفة السعداء وأهل الحبور والسرور.
أمَّا المجموعة الثانية فهم أصحاب المشأمة، قال تعالى: (وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ)(الواقعة:9)، حيث الشؤم والتعاسة، واستلام صحائف أعمالهم بأيديهم اليسرى التي هي رمز سوء عاقبتهم وعظيم جرمهم وجنايتهم.
أمَّا المجموعة الثالثة فقد أشار إليها بقوله سبحانه: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)(الواقعة:10-12).
(السابقون) ليسوا الذين سبقوا غيرهم بالإيمان فحسب، بل في أعمال الخير والأخلاق والإخلاص، فهم أسوة وقدوة وقادة للناس.وهذه الكلمة (السابقون) تشمل جميع هذه الأعمال، والطاعات وغيرها.
وجاء في الحديث أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أتدرون من السابقون إلى ظلِّ الله في يوم القيامة؟ فقال أصحابه: الله ورسوله أعلم، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "الذين إذا أعطوا الحقَّ قبلوه، وإذا سألوه بذلوه، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم"4.
وجاء في بعض الرّوايات أيضاً أنّ المقصود بـ (السابقون) هم الأنبياء المرسلون وغير المرسلين.
وعن ابن عبّاس أنَّه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حول هذه الآية فقال: "هكذا أخبرني جبرائيل، ذلك عليٌّ وشيعته، هم السابقون إلى الجنّة، المقرّبون من الله لكرامته لهم"5.
-------------------------------------------------------
الهوامش:
1- المجلسي محمد باقر بحار الأنوار مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة ج6، ص158.
2- م. ن. ج6، ص159.
3- الصحيفة السجَّادية الكاملة: 226.
4- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ج17، ص449.
5- المجلسي محمد باقر بحار الأنوار مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة ج24، ص4.
تعليق