بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
قدمنا سابقا مقدمه في المنهج القرآني في أثبات الأمامه والخلافه وقلنا أن هناك أربعه عشر آيه من القرآن الكريم قد تعرضت لذلك..وقلنا أننا سنتعرض لهذه الآيات على مراحل بعددها ..ونبدأ بعون الله وبعد التوكل عليه المرحله الأولى وهي آيه الخلافه.
(بسم الله الرحمن الرحيم.واذ قال ربك للملائكه اني جاعل في الأرض خليفه قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني أعلم مالاتعلمون,.وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكه فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين,.قالوا سبحانك لاعلم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم قال ياآدم أنبأهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم اني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون.)
أشارت الآيه المباركه الى سر من أسرار الخليقه وهدف النشأه الأنسانيه والتي هي أساس الكمال الأنساني وغايته.
في الآيه الكريمه أشارات ومعاني لبعض جوانب المفهوم القرآني للخلافه .
تتحدث الآيه الكريمه عن الخلافه بمفهومها العام والذي يعني نيابه الأنسان عن الله في التصرف في الأرض .وبأمعان النظر في أشاراتها ومدلولاتها نتوصل الى المفهوم الخاص للخلافه بما ينطوي عليه من معنى الحكم والسلطه السياسيه..وذلك لآن الخليفه يقوم مقام الغير (المستخلف عنه).
لقد وردت لفظه الخلافه في القرآن بصيغتين ..
الأولى صيغه المفرد(الخلافه الألهيه) وقد وردت مرتين .المورد الأول في آيه الخلافه (اني جاعل في الأرض خليفه)..والمورد الثاني في قوله تعالى(يا داوود انا جعلناك خليفه في الأرض فأحكم بين الناس بالحق).
الثانيه/صيغه الجمع(الخلافه البشريه) ,وهي خلائف أو خلفاء,وقد تكررت في القرآن الكريم سبع مرات كما في قوله تعالى( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض),وقوله تعالى(هو الذي جعلكم خلائف في الأرض),وقوله تعالى(ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم),وقوله تعالى(وجعلناهم خلائف),وقوله تعالى(وأذكرو اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح),وقوله تعالى(وأذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد عاد),وقوله تعالى(أمن يجيب المضطر أذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض).
ويلاحظ أن الأستعمال القرآني قد فرق بين الصيغتين,حيث أستعمل الصيغه الأولى في مورد الأشاره الى خلافه الأنسان عن الله عز وجل,وأستعمل الصيغه الثانيه في موارد الأشاره الى خلافه المؤمنين وأتباع النبوات لمن سواهم من المعاندين والمشركين بنحو خاص ,أو خلافه قوم لقوم آخرين بمعنى عام أي توارث الأرض والسلطه بينهم,
ومايعنينا هو الصيغه الأولى (الخلافه الألهيه) في بحثنا هذا.وذلك
أولا/أن الآيه أطلقت لفظة(خليفه)من غير اضافه أوأشاره الى المخلوف عنه,وهذا الأسلوب في التعبير يفهم منه أن الخلافه المقصوده خلافه عن الله عز وجل .ذلك ان منشأ الخلافه اذا كشف عن المخلوف عنه بأن قال (جعلت فلانا خليفه لفلان)أو(خليفة عني)فقد عرف الخليفه والمستخلف عنه,وأذا لم يكشف عنه في متن (الجعل)كما لو قال زعيم دوله ما (أني جاعل في الدوله خليفه)فهم من قوله هذا أن المخلوف عنه هو زعيم الدوله نفسه وأن الخليفه( المجعول )هو خليفه عن الزعيم (الجاعل)وان لم يصرح بذلك في كلامه ,وآية الخلافه هي من هذا النوع(اني جاعل في الأرض خليفه) فيفهم منها الخلافه الألهيه.
ثانيا/ان أستفهام الملائكه وما جرى من الحوار بينهم وبين الله سبحانه يبين بوضوح أنهم بصدد الأستفهام عن خلافة الأنسان عن الله سبحانه,وكذلك اجابه الله لهم وما جرى من سؤاله وأمتحانه اياهم تؤكد أنه سبحانه بصدد الخلافه الألهيه.
ثالثا/ومما يؤكد كون الخلافه المقصوده هنا الهيه,أن الله عرف الأنسان للملائكه على أنه خليفه قبل أن يخلقه.والمفروض في آيه الخلافه أنها تتحدث عن الأنسان الأول الذي سيدشن الأرض قبل أي مخلوق آخر له شأنيه الخلافه والسياده على ما سواه,فلا تعقل الخلافه البشريه اذ لابشر في الأرض قبل آدم حتى يكون خليفه عنهم ولم يسكنها مخلوق قبله بينه وبين آدم نوع من السنخيه .بحيث يكون أبو البشر خليفه عنه,فينحصر معنى الآيه المباركه في الخلافه الألهيه.
وأما آيه(ياداوود انا جعلناك خليفه في الأرض فأحكم بين الناس بالحق)فأن السبب الأول جار فيها,اذ لم تبين الآيه من هو المخلوف عنه .وقد تبين أن هذا الأسلوب من التعبير يفهم منه الخلافه الألهيه .كما أن عبارة (فأحكم بين الناس بالحق)تنسجم مع الخلافه الألهيه دون الخلافه البشريه والقيام مقام الآخرين.
ما هي الخلافه ,ومن هو الخليفه.
أن منطق الخلافه يقتضي من الخليفه أن يكون أمتدادا طبيعيا لمن يستخلفه وكذا النائب ينبغي أن يكون أمتدادا تجسيديا في الفكر والسلوك للمنوب عنه.ويلاحظ في آية الخلافه أنها لم تقيد الخلافه بل جائت مطلقه .فوضائف الخلافة وأعمالها غير محدوده وكذلك دائره الأستخلاف والمخلوقات المشموله له وهذا يعني أن الله سبحانه وتعالى فوض لآدم عليه السلام خلافه مطلقه من هاتين الجهتين وهذا الأطلاق يؤكد ضرورة كون الخليفه ممثلا للمستخلف وهو الله سبحانه في الفكر والسلوك وذائبا فيه بأعلى درجه ممكنه لان الخلافه المطلقه تعني الثقه المطلقه من قبل المستخلف والألتزام المطلق من قبل الخليفه. ومن الطبيعي أن تتطلب هذه الدرجه العاليه من الألتزام أن يكون الخليفه عالما بخصائص المستخلف وصفاته ومحيطا بالشؤون التي أستخلف فيها. أي أن يكون عالما بالله سبحانه وأسمائه الحسنى وصفاته العليا من جهه .وبالأرض التي أستخلفه عليها والمخلوقات الكائنه عليها من جهة أخرى كما يجب أن تكون له القدره الضروريه للتصرف فيه .وبدون هذا العلم لا يستطيع أن يجسد أرادة الله وصفاته وبالتالي يعجز عن أن يكون أمتدادا له وممثلا عنه كما لا يستطيع أن يدير المخلوقات ويدبر الشؤون التي أستخلف فيها .
ومن هنا أحتاج الخليفه المعين والمختار من قبل الخالق سبحانه الى العلم والتعلم بقدر كاف ومن نوع مناسب .فصرحت الآيه (وعلم آدم الأسماء كلها )ليتحقق من خلال ذلك ملاك الخلافه وأساسها وقد جاء ذلك التعليم بالقدر الكافي (الأسماء كلها)أي أن التعليم كان على قدر الخلافه فكما أن الخلافه مطلقه فكذلك جاء التعليم عاما شاملا للجهات التي يحتاج الى الأطلاع عليها في الخالق والمخلوق ولم يكن ذلك التعليم بالألفاظ ومداليلها الذهنيه.وأنما كان بالحقائق ومصاديقها الخارجيه العينيه وكان لابد أن يكون ذلك العلم متناسبا في نوعيته مع مقام الخلافه الألهيه المطلقه أي أن يكون في أرقى درجه ممكنه ومن أعلى نوع ممكن وقد كان كذلك فأن آدم تلقى العلم من الله مباشرتا ولاعلم فوق العلم الذي يفيضه الله سبحانه بصوره مباشره لمن جعله خليفه له وربما يؤيد ذلك ما ورد في الآيه من نسبه العلم الى آدم عليه السلام ونسبة الانباء الى الملائكه(وعلم آدم الاسماء كلها ) (فلما أنبأهم بأسمائهم) فما أفيض على آدم هو العلم وما أفيض على الملائكه هو الانباء .
ومن كل ذلك يتحصل أن الخلافه الألهيه تتقوم بالعلم ولكن ليس كل علم وأنما بالعلم الشهودي لاالكسبي الحصولي .علم يتلقاه الخليفه من الله سبحانه مباشرة ومن غير واسطه وهذا النوع من العلم يمثل أساس الخلافه الألهيه وملاكها وهذا هو الذي جعل الملائكه يعترفون بقصورهم عن أحتلال مقام الخلافه وقد كانوا قبل ذلك يتصورون أستحقاقهم له من خلال ما يقدمونه من تسبيح وتقديس ولكن حينما علم الله آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكه بادروا الى الأعتراف بالعجز قائلين(سبحانك لاعلم لنا الا ماعلمتنا انك أنت العليم الحكيم).
وبعد هذا نتسائل عن حقيقه الأسماء التي تعلمها آدم عليه السلام.فالمعروف أن الأسم هو مايعرف به الشيء؟فما المراد به في آية الخلافه؟
هنا توجد أربع أحتمالات هي
1/أن يكون المراد بها هو أسماء الله سبحانه أي الألفاظ.
2/أن يكون المراد بها هو المفاهيم الذهنيه لتلك الأسماء.فما حصل هو القاء هذه المفاهيم في ذهن آدم عليه السلام.
3/أن المراد بها الأعيان الخارجيه الحاكيه عن الله سبحانه وتعالى.
4/أن المراد بها أسماء المخلوقات.
أن الأحتمال الأول لايتم ,وذلك لأن اللغات والألفاظ لم تكن قد وضعت آنذاك.
والأحتمال الثاني لايتم أيضا .لأن المفاهيم الذهنيه غير قابله للنقل والأنباء.
والأحتمال الرابع أيضا لايتم.لأن ماورد على الأحتمال الأول يرد عليه أيضا..
فيتعين الاحتمال الثالث .فيكون المراد من تلك الأسماء هي الأسماء العينيه الحسنى كما يساعد عليه تعبير الأنباء في قوله تعالى(أنبئوني بأسماء هؤلاء ) وقوله تعالى (أنبأهم بأسمائهم ).
ومن المحتمل أن تكون هذه الأسماء أسماء الله تعالى من جهه وأسماء ما سواه من جهه أخرى .فأن (هؤلاء)الذين أضيفت الأسماء اليهم في الآيه يتصفون تاره بأنهم مضاهر لصفاته الحسنى ونعوته العليا وأخرى بكونهم موجودات تختزن في داخلها كمالات المخلوقات على وجه أتم وأعلى ..وعلى هذا الوجه فلا تعارض بين الروايات التي فسرت الأسماء بأنوار المعصومين وأرواحهم عليهم السلام وقد ورد في بعض الروايات وصف المعصومين بانهم الاسماء ألحسنى .
ولاريب في ان الخلافه ألمجعوله في ألآيه ليست مختصه بشخص آدم عليه السلام بل هي خلافه نوعيه. وذلك لأن الملائكه قالوا(اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) وهو قول ينسجم مع وجود كثرة في ألأفراد وواقع مستمر ومتواصل بنحو يفهم منه أن الخلافه لا تختص بآدم وانما تشمل غيره ,ويلاحظ في جواب الله سبحانه على استفهام الملائكه أنه لم ينف حصول القتل والفساد في ذرية آدم , و انما اجاب بقوله سبحانه (و اني اعلم ما لا تعلمون ) وهو قول يفهم منه ان الخلافه لا تشمل الأفراد الذين سيرتكبون القتل و الفساد , وانها لابد و أن تكون خاصه بمن يسبح الله ويقدسه , وعليه تكون الخلافه مجعوله لآدم كنوع لا كشخص , وآدم ألنوعي هو المعصوم الذي تلقى العلم الشهودي ونال الخلافه بنص ألهي , وعليه فالخلفاء من بعده_ او بتعبير اخر- ان الافراد الاخرين لخط الخلافه الالهيه لابد وان يكونوا من هذا النوع و يحملون هذه الخصائص . وأن في ألنوع ألأنساني من سيحمل صلاحية الوصول الى هذا المقام الرفيع .
ومما سبق كله يتضح لنا ان مقام ألخلافه الألهيه يمثل ذروة الكمال ألأنساني ومنتهى ألرفعه الانسانيه المنشوده .
وهنالك روايات عديده تؤيد المعطيات التي استفدناها من اية الخلافه .
منها ما رواه الصدوق بسندين عن الامام الصادق عليه السلام ( أن الله تبارك وتعالى علم آدم عليه السلام اسماء حجج الله كلها ثم عرضهم _وهم ارواح_ على الملائكه فقال ( انبئوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين ) بأنكم احق بألخلافه في الأرض لتسبيحكم وتقديسكم من آدم عليه السلام (قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم ) قال الله تبارك وتعالى ( انبئهم بأسمائهم فلما انبأهم بأسمائهم ) وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله تعالى ذكره فعلموا انهم احق بأن يكونوا خلفاء الله في ارضه وحججه على بريته ثم غيبهم عن ابصارهم واستعبدهم بولايتهم ومحبتهم وقال لهم (ألم أقل لكم اني أعلم غيب ألسماوات و الأرض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ) ( كمال الدين : ج 1\ ص 14)
وفي تفسير العياشي عن ابي العباس عن ابي عبد الله عله السلام سألته عن قول الله ( وعلم آدم ألأسماء كلها )ماذا علمه ؟ قال ( ألارضين و ألجبال و الشعاب وألأوديه) ثم نظر الى بساط تحته فقال (وهذا البساط مما علمه) (تفسير العياشي ج1 /ص51/تفسير البرهان للبحراني ج1/ص75/ح9/المجلسي بحار الأنوار,ج1/ص146)
وفي تفسير العياشي ايضا عن داوود بن سرحان العطار قال كنت عند ابي عبد الله عليه السلام فدعا بألخوان فتغذينا ثم جاءوا بالطست و الدست سنانه فقلت جعلت فداك قوله ( وعلم آدم الأسماء كلها ) الطست و الدست سنانه منه ؟ قال الفجاج و الوديه واهوى بيده كذا وكذا ...(تفسير العياشي ج1/ص51/تفسير البرهان ج1/ص75/ح11/بحار الأنوار ج11/ص147)
نتائج البحث في آية الخلافه.
1/أن الخلافة جعل الاهي لادخل للبشر فيه.
2/أنها خلافه مطلقه لاتختص بجهه دون آخرى.
3/ أن الملاك في هذه الخلافه هو العلم بالمستخلف بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا.ليتمكن الخليفه من التعبير عنها والسير في خطاها وبالمخلوقات التي جعل خليفه عليها حتى يتمكن من تدبير أمرها وأدارة شؤونها.
4/أن الخلافه لاتنحصر في شخص آدم عليه السلام وذلك بدلالة أعتراض الملائكه بسفك الدماء ,كما أنها لاتشمل المفسدين بل تختص بالصالحين ممن حضي بعلم الاسماء .
5/أن الغايه من خلق البشر في كل زمان أنما هو وجود ذلك الخليفه الممثل لغاية الكمال الانساني ,أما غيره فأتباع منقادون لحكمه وقيادته.
بفضل الله ومنة منه علينا.أنتهينا من المرحله الاولى .
.ولنا عوده معكم في المرحله الثانيه وبحث في آية الأمامه.أنشاء الله
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم
قدمنا سابقا مقدمه في المنهج القرآني في أثبات الأمامه والخلافه وقلنا أن هناك أربعه عشر آيه من القرآن الكريم قد تعرضت لذلك..وقلنا أننا سنتعرض لهذه الآيات على مراحل بعددها ..ونبدأ بعون الله وبعد التوكل عليه المرحله الأولى وهي آيه الخلافه.
(بسم الله الرحمن الرحيم.واذ قال ربك للملائكه اني جاعل في الأرض خليفه قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني أعلم مالاتعلمون,.وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكه فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين,.قالوا سبحانك لاعلم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم قال ياآدم أنبأهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم اني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون.)
أشارت الآيه المباركه الى سر من أسرار الخليقه وهدف النشأه الأنسانيه والتي هي أساس الكمال الأنساني وغايته.
في الآيه الكريمه أشارات ومعاني لبعض جوانب المفهوم القرآني للخلافه .
تتحدث الآيه الكريمه عن الخلافه بمفهومها العام والذي يعني نيابه الأنسان عن الله في التصرف في الأرض .وبأمعان النظر في أشاراتها ومدلولاتها نتوصل الى المفهوم الخاص للخلافه بما ينطوي عليه من معنى الحكم والسلطه السياسيه..وذلك لآن الخليفه يقوم مقام الغير (المستخلف عنه).
لقد وردت لفظه الخلافه في القرآن بصيغتين ..
الأولى صيغه المفرد(الخلافه الألهيه) وقد وردت مرتين .المورد الأول في آيه الخلافه (اني جاعل في الأرض خليفه)..والمورد الثاني في قوله تعالى(يا داوود انا جعلناك خليفه في الأرض فأحكم بين الناس بالحق).
الثانيه/صيغه الجمع(الخلافه البشريه) ,وهي خلائف أو خلفاء,وقد تكررت في القرآن الكريم سبع مرات كما في قوله تعالى( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض),وقوله تعالى(هو الذي جعلكم خلائف في الأرض),وقوله تعالى(ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم),وقوله تعالى(وجعلناهم خلائف),وقوله تعالى(وأذكرو اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح),وقوله تعالى(وأذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد عاد),وقوله تعالى(أمن يجيب المضطر أذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض).
ويلاحظ أن الأستعمال القرآني قد فرق بين الصيغتين,حيث أستعمل الصيغه الأولى في مورد الأشاره الى خلافه الأنسان عن الله عز وجل,وأستعمل الصيغه الثانيه في موارد الأشاره الى خلافه المؤمنين وأتباع النبوات لمن سواهم من المعاندين والمشركين بنحو خاص ,أو خلافه قوم لقوم آخرين بمعنى عام أي توارث الأرض والسلطه بينهم,
ومايعنينا هو الصيغه الأولى (الخلافه الألهيه) في بحثنا هذا.وذلك
أولا/أن الآيه أطلقت لفظة(خليفه)من غير اضافه أوأشاره الى المخلوف عنه,وهذا الأسلوب في التعبير يفهم منه أن الخلافه المقصوده خلافه عن الله عز وجل .ذلك ان منشأ الخلافه اذا كشف عن المخلوف عنه بأن قال (جعلت فلانا خليفه لفلان)أو(خليفة عني)فقد عرف الخليفه والمستخلف عنه,وأذا لم يكشف عنه في متن (الجعل)كما لو قال زعيم دوله ما (أني جاعل في الدوله خليفه)فهم من قوله هذا أن المخلوف عنه هو زعيم الدوله نفسه وأن الخليفه( المجعول )هو خليفه عن الزعيم (الجاعل)وان لم يصرح بذلك في كلامه ,وآية الخلافه هي من هذا النوع(اني جاعل في الأرض خليفه) فيفهم منها الخلافه الألهيه.
ثانيا/ان أستفهام الملائكه وما جرى من الحوار بينهم وبين الله سبحانه يبين بوضوح أنهم بصدد الأستفهام عن خلافة الأنسان عن الله سبحانه,وكذلك اجابه الله لهم وما جرى من سؤاله وأمتحانه اياهم تؤكد أنه سبحانه بصدد الخلافه الألهيه.
ثالثا/ومما يؤكد كون الخلافه المقصوده هنا الهيه,أن الله عرف الأنسان للملائكه على أنه خليفه قبل أن يخلقه.والمفروض في آيه الخلافه أنها تتحدث عن الأنسان الأول الذي سيدشن الأرض قبل أي مخلوق آخر له شأنيه الخلافه والسياده على ما سواه,فلا تعقل الخلافه البشريه اذ لابشر في الأرض قبل آدم حتى يكون خليفه عنهم ولم يسكنها مخلوق قبله بينه وبين آدم نوع من السنخيه .بحيث يكون أبو البشر خليفه عنه,فينحصر معنى الآيه المباركه في الخلافه الألهيه.
وأما آيه(ياداوود انا جعلناك خليفه في الأرض فأحكم بين الناس بالحق)فأن السبب الأول جار فيها,اذ لم تبين الآيه من هو المخلوف عنه .وقد تبين أن هذا الأسلوب من التعبير يفهم منه الخلافه الألهيه .كما أن عبارة (فأحكم بين الناس بالحق)تنسجم مع الخلافه الألهيه دون الخلافه البشريه والقيام مقام الآخرين.
ما هي الخلافه ,ومن هو الخليفه.
أن منطق الخلافه يقتضي من الخليفه أن يكون أمتدادا طبيعيا لمن يستخلفه وكذا النائب ينبغي أن يكون أمتدادا تجسيديا في الفكر والسلوك للمنوب عنه.ويلاحظ في آية الخلافه أنها لم تقيد الخلافه بل جائت مطلقه .فوضائف الخلافة وأعمالها غير محدوده وكذلك دائره الأستخلاف والمخلوقات المشموله له وهذا يعني أن الله سبحانه وتعالى فوض لآدم عليه السلام خلافه مطلقه من هاتين الجهتين وهذا الأطلاق يؤكد ضرورة كون الخليفه ممثلا للمستخلف وهو الله سبحانه في الفكر والسلوك وذائبا فيه بأعلى درجه ممكنه لان الخلافه المطلقه تعني الثقه المطلقه من قبل المستخلف والألتزام المطلق من قبل الخليفه. ومن الطبيعي أن تتطلب هذه الدرجه العاليه من الألتزام أن يكون الخليفه عالما بخصائص المستخلف وصفاته ومحيطا بالشؤون التي أستخلف فيها. أي أن يكون عالما بالله سبحانه وأسمائه الحسنى وصفاته العليا من جهه .وبالأرض التي أستخلفه عليها والمخلوقات الكائنه عليها من جهة أخرى كما يجب أن تكون له القدره الضروريه للتصرف فيه .وبدون هذا العلم لا يستطيع أن يجسد أرادة الله وصفاته وبالتالي يعجز عن أن يكون أمتدادا له وممثلا عنه كما لا يستطيع أن يدير المخلوقات ويدبر الشؤون التي أستخلف فيها .
ومن هنا أحتاج الخليفه المعين والمختار من قبل الخالق سبحانه الى العلم والتعلم بقدر كاف ومن نوع مناسب .فصرحت الآيه (وعلم آدم الأسماء كلها )ليتحقق من خلال ذلك ملاك الخلافه وأساسها وقد جاء ذلك التعليم بالقدر الكافي (الأسماء كلها)أي أن التعليم كان على قدر الخلافه فكما أن الخلافه مطلقه فكذلك جاء التعليم عاما شاملا للجهات التي يحتاج الى الأطلاع عليها في الخالق والمخلوق ولم يكن ذلك التعليم بالألفاظ ومداليلها الذهنيه.وأنما كان بالحقائق ومصاديقها الخارجيه العينيه وكان لابد أن يكون ذلك العلم متناسبا في نوعيته مع مقام الخلافه الألهيه المطلقه أي أن يكون في أرقى درجه ممكنه ومن أعلى نوع ممكن وقد كان كذلك فأن آدم تلقى العلم من الله مباشرتا ولاعلم فوق العلم الذي يفيضه الله سبحانه بصوره مباشره لمن جعله خليفه له وربما يؤيد ذلك ما ورد في الآيه من نسبه العلم الى آدم عليه السلام ونسبة الانباء الى الملائكه(وعلم آدم الاسماء كلها ) (فلما أنبأهم بأسمائهم) فما أفيض على آدم هو العلم وما أفيض على الملائكه هو الانباء .
ومن كل ذلك يتحصل أن الخلافه الألهيه تتقوم بالعلم ولكن ليس كل علم وأنما بالعلم الشهودي لاالكسبي الحصولي .علم يتلقاه الخليفه من الله سبحانه مباشرة ومن غير واسطه وهذا النوع من العلم يمثل أساس الخلافه الألهيه وملاكها وهذا هو الذي جعل الملائكه يعترفون بقصورهم عن أحتلال مقام الخلافه وقد كانوا قبل ذلك يتصورون أستحقاقهم له من خلال ما يقدمونه من تسبيح وتقديس ولكن حينما علم الله آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكه بادروا الى الأعتراف بالعجز قائلين(سبحانك لاعلم لنا الا ماعلمتنا انك أنت العليم الحكيم).
وبعد هذا نتسائل عن حقيقه الأسماء التي تعلمها آدم عليه السلام.فالمعروف أن الأسم هو مايعرف به الشيء؟فما المراد به في آية الخلافه؟
هنا توجد أربع أحتمالات هي
1/أن يكون المراد بها هو أسماء الله سبحانه أي الألفاظ.
2/أن يكون المراد بها هو المفاهيم الذهنيه لتلك الأسماء.فما حصل هو القاء هذه المفاهيم في ذهن آدم عليه السلام.
3/أن المراد بها الأعيان الخارجيه الحاكيه عن الله سبحانه وتعالى.
4/أن المراد بها أسماء المخلوقات.
أن الأحتمال الأول لايتم ,وذلك لأن اللغات والألفاظ لم تكن قد وضعت آنذاك.
والأحتمال الثاني لايتم أيضا .لأن المفاهيم الذهنيه غير قابله للنقل والأنباء.
والأحتمال الرابع أيضا لايتم.لأن ماورد على الأحتمال الأول يرد عليه أيضا..
فيتعين الاحتمال الثالث .فيكون المراد من تلك الأسماء هي الأسماء العينيه الحسنى كما يساعد عليه تعبير الأنباء في قوله تعالى(أنبئوني بأسماء هؤلاء ) وقوله تعالى (أنبأهم بأسمائهم ).
ومن المحتمل أن تكون هذه الأسماء أسماء الله تعالى من جهه وأسماء ما سواه من جهه أخرى .فأن (هؤلاء)الذين أضيفت الأسماء اليهم في الآيه يتصفون تاره بأنهم مضاهر لصفاته الحسنى ونعوته العليا وأخرى بكونهم موجودات تختزن في داخلها كمالات المخلوقات على وجه أتم وأعلى ..وعلى هذا الوجه فلا تعارض بين الروايات التي فسرت الأسماء بأنوار المعصومين وأرواحهم عليهم السلام وقد ورد في بعض الروايات وصف المعصومين بانهم الاسماء ألحسنى .
ولاريب في ان الخلافه ألمجعوله في ألآيه ليست مختصه بشخص آدم عليه السلام بل هي خلافه نوعيه. وذلك لأن الملائكه قالوا(اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) وهو قول ينسجم مع وجود كثرة في ألأفراد وواقع مستمر ومتواصل بنحو يفهم منه أن الخلافه لا تختص بآدم وانما تشمل غيره ,ويلاحظ في جواب الله سبحانه على استفهام الملائكه أنه لم ينف حصول القتل والفساد في ذرية آدم , و انما اجاب بقوله سبحانه (و اني اعلم ما لا تعلمون ) وهو قول يفهم منه ان الخلافه لا تشمل الأفراد الذين سيرتكبون القتل و الفساد , وانها لابد و أن تكون خاصه بمن يسبح الله ويقدسه , وعليه تكون الخلافه مجعوله لآدم كنوع لا كشخص , وآدم ألنوعي هو المعصوم الذي تلقى العلم الشهودي ونال الخلافه بنص ألهي , وعليه فالخلفاء من بعده_ او بتعبير اخر- ان الافراد الاخرين لخط الخلافه الالهيه لابد وان يكونوا من هذا النوع و يحملون هذه الخصائص . وأن في ألنوع ألأنساني من سيحمل صلاحية الوصول الى هذا المقام الرفيع .
ومما سبق كله يتضح لنا ان مقام ألخلافه الألهيه يمثل ذروة الكمال ألأنساني ومنتهى ألرفعه الانسانيه المنشوده .
وهنالك روايات عديده تؤيد المعطيات التي استفدناها من اية الخلافه .
منها ما رواه الصدوق بسندين عن الامام الصادق عليه السلام ( أن الله تبارك وتعالى علم آدم عليه السلام اسماء حجج الله كلها ثم عرضهم _وهم ارواح_ على الملائكه فقال ( انبئوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين ) بأنكم احق بألخلافه في الأرض لتسبيحكم وتقديسكم من آدم عليه السلام (قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم ) قال الله تبارك وتعالى ( انبئهم بأسمائهم فلما انبأهم بأسمائهم ) وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله تعالى ذكره فعلموا انهم احق بأن يكونوا خلفاء الله في ارضه وحججه على بريته ثم غيبهم عن ابصارهم واستعبدهم بولايتهم ومحبتهم وقال لهم (ألم أقل لكم اني أعلم غيب ألسماوات و الأرض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ) ( كمال الدين : ج 1\ ص 14)
وفي تفسير العياشي عن ابي العباس عن ابي عبد الله عله السلام سألته عن قول الله ( وعلم آدم ألأسماء كلها )ماذا علمه ؟ قال ( ألارضين و ألجبال و الشعاب وألأوديه) ثم نظر الى بساط تحته فقال (وهذا البساط مما علمه) (تفسير العياشي ج1 /ص51/تفسير البرهان للبحراني ج1/ص75/ح9/المجلسي بحار الأنوار,ج1/ص146)
وفي تفسير العياشي ايضا عن داوود بن سرحان العطار قال كنت عند ابي عبد الله عليه السلام فدعا بألخوان فتغذينا ثم جاءوا بالطست و الدست سنانه فقلت جعلت فداك قوله ( وعلم آدم الأسماء كلها ) الطست و الدست سنانه منه ؟ قال الفجاج و الوديه واهوى بيده كذا وكذا ...(تفسير العياشي ج1/ص51/تفسير البرهان ج1/ص75/ح11/بحار الأنوار ج11/ص147)
نتائج البحث في آية الخلافه.
1/أن الخلافة جعل الاهي لادخل للبشر فيه.
2/أنها خلافه مطلقه لاتختص بجهه دون آخرى.
3/ أن الملاك في هذه الخلافه هو العلم بالمستخلف بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا.ليتمكن الخليفه من التعبير عنها والسير في خطاها وبالمخلوقات التي جعل خليفه عليها حتى يتمكن من تدبير أمرها وأدارة شؤونها.
4/أن الخلافه لاتنحصر في شخص آدم عليه السلام وذلك بدلالة أعتراض الملائكه بسفك الدماء ,كما أنها لاتشمل المفسدين بل تختص بالصالحين ممن حضي بعلم الاسماء .
5/أن الغايه من خلق البشر في كل زمان أنما هو وجود ذلك الخليفه الممثل لغاية الكمال الانساني ,أما غيره فأتباع منقادون لحكمه وقيادته.
بفضل الله ومنة منه علينا.أنتهينا من المرحله الاولى .
.ولنا عوده معكم في المرحله الثانيه وبحث في آية الأمامه.أنشاء الله
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.