روي عن محمد بن الوليد الكرماني قال: أتيت أبا جعفر ابن الرضا عليهما السلام فوجدت بالباب الذي في الفناء قوما كثيرا فعدلت إلى سافر فجلست إليه حتى زالت الشمس، فقمنا للصلاة فلما صلينا الظهر وجدت حسا من ورائي فالتفت فإذا أبو جعفر عليه السلام فسرت إليه حتى قبلت كفه، ثم جلس وسأل عن مقدمي ثم قال: سلم فقلت جعلت فداك قد سلمت فأعاد القول ثلاث مرات: " سلم ! " فتداركتها وقلت: سلمت ورضيت يا ابن رسول الله فأجلى الله عما كان في قلبي حتى لو جهدت ورمت لنفسي أن أعود إلى الشك ما وصلت إليه. فعدت من الغد باكرا فارتفعت عن الباب الاول وصرت قبل الخيل وما وراي أحد أعلمه، وأنا أتوقع أن آخذ السبيل إلى الارشاد إليه، فلم أجد أحدا أخذ حتى اشتد الحر والجوع جدا، ختى جعلت أشرب الماء اطفئ به حرما أجد من الجوع والجوى، فبينما أنا كذلك إذ أقبل نحوي غلام قد حمل خوانا عليه طعام وألوان، وغلام آخر عليه طست وإبريق، حتى وضع بين يدي وقالا أمرك أن تأكل فأكلت. فلما فرغت أقبل فقمت إليه فأمرني بالجلوس وبالاكل، فأكلت، فنظر إلى الغلام فقال: كل معه ينشط ! حتى إذا فرغت ورفع الخوان، وذهب الغلام ليرفع ما وقع من الخوان، من فتات الطعام، فقال: مه ومه ما كان في الصحراء فدعه، ولو فخذ شاة، وما كان في البيت فالقطه ثم قال: سل ! قلت: جعلني الله فداك ما تقول في المسك ؟.
فقال: إن أبي أمر أن يعمل له مسك في فارة (1) فكتب إليه الفضل يخبره أن الناس يعيبون ذلك عليه فكتب يا فضل أما علمت أن يوسف كان يلبس ديباجا مزرورا بالذهب (2) ويجلس على كراسي الذهب فلم ينتقص من حكمته شيئا وكذلك سليمان ثم أمر أن يعمل له غالية بأربعة آلاف درهم). ثم قلت: ما لمواليكم في موالاتكم ؟ فقال: إن أبا عبد الله عليه السلام كان عنده غلام يمسك بغلته إذا هو دخل المسجد فبينما هو جالس ومعه بغلة إذ أقبلت رفقة من خراسان، فقال له رجل من الرفقة: هل لك يا غلام أن تسأله أن يجعلني مكانك و أكون له مملوكا وأجعل لك مالي كله ؟ فاني كثير المال من جميع الصنوف اذهب فاقبضه، وأنا اقيم معه مكانك فقال: أسأله ذلك. فدخل على أبي عبد الله فقال: جعلت فداك تعرف خدمتي وطول صحبتي فان ساق الله إلى خيرا تمنعنيه ؟ قال: اعطيك من عندي وأمنعك من غيري فحكى له قول الرجل فقال: إن زهدت في خدمتنا ورغب الرجل فينا قبلناه وأرسلناك فلما ولى عنه دعاه، فقال له:
أنصحك لطول الصحبة، ولك الخيار، فإذا كان يوم القيامة كان رسول الله صلى الله عليه وآله متعلقا بنور الله، وكان أمير المؤمنين عليه السلام متعلقا برسول الله، وكان الائمة متعلقين بأمير المؤمنين وكان شيعتنا متعلقين بنا يدخلون مدخلنا، ويردون موردنا.
فقال الغلام: بل اقيم في خدمتك واؤثر الآخرة على الدنيا وخرج الغلام إلى الرجل فقال له الرجل: خرجت إلى بغير الوجه الذي دخلت به، فحكى له قولهوأدخله على أبي عبد الله عليه السلام فقبل ولاءه وأمر للغلام بألف دينار ثم قام إليه فودعه وسأله أن يدعو له ففعل.
فقلت: يا سيدي لولا عيال بمكة وولدي سرني أن اطيل المقام بهذا الباب فأذن لي وقال لي: توافق غما ثم وضعت بين يديه حقا كان له فأمرني أن أحملها فتأبيت وظننت أن ذلك موجدة، فضحك إلي وقال: خذها إليك فانك توافق حاجة، فجئت وقد ذهبت نفقتنا شطرمنها فاحتجت إليه ساعة قدمت مكة (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
(1) الفأرة: نافجة المسك، وفى بعض النسخ: في قارورة، وفى نسخة الكافي " في بان " والبان: شجر سبط لقوام لين ورقه كورق الصفصاف، ولحب ثمره دهن طيب.
(2) المزرور: المشدود بالازرار، فالمراد أن أزراره كانت من الذهب، وفى نسخة الكافي مزردة من الزرد بمعنى السرد والحياكة.
(3) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - (ج 50 / ص 87)
تعليق