هارون العباسي و جارية أخيه غادر
الرشيد و غادر :
و هناك نموذج آخر لمخالفة الوجدان يظهر في قصة هارون الرشيد مع جارية أخيه الهادي ، ننقلها هنا لما فيها من فائدة :
« ... يحكى أن هارون الرشيد حج ماشياً ، و إن سبب ذلك أن أخاه موسى الهادي كانت له جارية تسمى ( غادر ) و كانت أحظى الناس عنده ، و كانت من أحسن النساء وجهاً و غناء ، فغنت يوماً و هو مع جلسائه على الشراب ، إذ عرض له سهو و فكر و تغير لونه و قطع الشراب ، فقال الجلساء : ما شأنك يا أمير المؤمنين ؟.
قال : لقد وقع في قلبي أن جاريتي ( غادر ) يتزوجها أخي هارون بعدي .
فقالوا : يطيل الله بقاء أمير المؤمنين ، و كلنا فداؤه .
فقال : ما يزيل هذا ما في نفسي ...
و أمر بإحضار هارون و عرفه ما خطر بباله ، فاستعطفه و تكلم بما ينبغي أن يتكلم به في تطييب نفسه ، فلم يقنع بذلك و قال : لا بد أن تحلف لي !
قال : لأفعل ، و حلف له بكل يمين يحلف بها الناس من طلاق و عتاق و حج و صدقة و أشياء مؤكدة فسكن . ثم قام ، فدخل على الجارية فأحلفها بمثل ذلك ، ولم يلبث شهراً ثم مات .
فلما أفضت الخلافة إلى هارون ، أرسل إلى الجارية يخطبها ...
فقالت : يا سيدي كيف بأيمانك و أيماني ؟!!
فقال : أحلف بكل شيء حلفت به من الصدقة و العتق و غيرهما إلا تزوجتك ، فتزوجها و حج ماشياً ليمينه ، و شغف بها أكثر من أخيه حتى كانت تنام فيضجع رأسها في حجره و لا يتحرك حتى تتنبه ، فبينما هي ذات ليلة إذ انتبهت فزعة ...
فقال لها : ما لك ؟!
فقالت : رأيت أخاك في المنام الساعة و هو يقول :
أخلفــت وعـدك بعدمــا *** جـاورت سكـان المقابــر
و نسيتني ، و حنـثـت فــي *** و غـدوت فـي الحور الغرائر
فظللـت في أهـل البــلاد *** ايمانك الكذب الفواجـر الصبا
و نكحــت غـادرة أخـي ! *** صدق الذي سمـاك غــادر
لا يهنـك الإلـف الجديــد *** و لا تـدر عنـك الـدوائــر
و لحقت بي قبـل الصبــاح *** و صرت حيث غدوت صائـر
... والله يا أمير المؤمنين ، فكأنها مكتوبة في قلبي ، ما نسيت منها كلمة .
فقال الرشيد : هذه أضغاث أحلام .
فقالت : كلا والله ما أملك نفسي ... و ما زالت ترتعد حتى ماتت بعد ساعة » [1] .
[1] ثمرات الأوراق لابن الحموي : 2 / 106 . هامش المستطرف المطبعة الميمنية القاهرة 1314 هـ .
الرشيد و غادر :
و هناك نموذج آخر لمخالفة الوجدان يظهر في قصة هارون الرشيد مع جارية أخيه الهادي ، ننقلها هنا لما فيها من فائدة :
« ... يحكى أن هارون الرشيد حج ماشياً ، و إن سبب ذلك أن أخاه موسى الهادي كانت له جارية تسمى ( غادر ) و كانت أحظى الناس عنده ، و كانت من أحسن النساء وجهاً و غناء ، فغنت يوماً و هو مع جلسائه على الشراب ، إذ عرض له سهو و فكر و تغير لونه و قطع الشراب ، فقال الجلساء : ما شأنك يا أمير المؤمنين ؟.
قال : لقد وقع في قلبي أن جاريتي ( غادر ) يتزوجها أخي هارون بعدي .
فقالوا : يطيل الله بقاء أمير المؤمنين ، و كلنا فداؤه .
فقال : ما يزيل هذا ما في نفسي ...
و أمر بإحضار هارون و عرفه ما خطر بباله ، فاستعطفه و تكلم بما ينبغي أن يتكلم به في تطييب نفسه ، فلم يقنع بذلك و قال : لا بد أن تحلف لي !
قال : لأفعل ، و حلف له بكل يمين يحلف بها الناس من طلاق و عتاق و حج و صدقة و أشياء مؤكدة فسكن . ثم قام ، فدخل على الجارية فأحلفها بمثل ذلك ، ولم يلبث شهراً ثم مات .
فلما أفضت الخلافة إلى هارون ، أرسل إلى الجارية يخطبها ...
فقالت : يا سيدي كيف بأيمانك و أيماني ؟!!
فقال : أحلف بكل شيء حلفت به من الصدقة و العتق و غيرهما إلا تزوجتك ، فتزوجها و حج ماشياً ليمينه ، و شغف بها أكثر من أخيه حتى كانت تنام فيضجع رأسها في حجره و لا يتحرك حتى تتنبه ، فبينما هي ذات ليلة إذ انتبهت فزعة ...
فقال لها : ما لك ؟!
فقالت : رأيت أخاك في المنام الساعة و هو يقول :
أخلفــت وعـدك بعدمــا *** جـاورت سكـان المقابــر
و نسيتني ، و حنـثـت فــي *** و غـدوت فـي الحور الغرائر
فظللـت في أهـل البــلاد *** ايمانك الكذب الفواجـر الصبا
و نكحــت غـادرة أخـي ! *** صدق الذي سمـاك غــادر
لا يهنـك الإلـف الجديــد *** و لا تـدر عنـك الـدوائــر
و لحقت بي قبـل الصبــاح *** و صرت حيث غدوت صائـر
... والله يا أمير المؤمنين ، فكأنها مكتوبة في قلبي ، ما نسيت منها كلمة .
فقال الرشيد : هذه أضغاث أحلام .
فقالت : كلا والله ما أملك نفسي ... و ما زالت ترتعد حتى ماتت بعد ساعة » [1] .
[1] ثمرات الأوراق لابن الحموي : 2 / 106 . هامش المستطرف المطبعة الميمنية القاهرة 1314 هـ .