شهادة المختار بن أبي عبيدة الثقفي(رضي الله عنه)
اسمه ونسبه(رضي الله عنه)
المختار بن أبي عبيدة بن مسعود الثقفي.
تاريخ ولادته(رضي الله عنه) ومكانها
السنة الأُولى من الهجرة، الجزيرة العربية، مدينة الطائف.
نشأته(رضي الله عنه)
نشأ المختار مقداماً شجاعاً يتعاطى معالي الأُمور، وكان ذا عقل وافر، وجواب حاضر، وخلال مأثورة، ونفس بالسخاء موفورة، وفطرة تدرك الأشياء بفراستها، وهمّة تعلو على الفراقد بنفاستها، وحدس مصيب، وكفّ في الحروب مجيب، مارس التجارب فحنّكته، ولابس الخطوب فهذّبته.
من أقوال الأئمّة(عليهم السلام) فيه
1ـ قال الإمام الصادق(عليه السلام): «ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت، حتّى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين(عليه السلام)»(1).
2ـ قال الإمام الباقر(عليه السلام): «لا تسبّوا المختار؛ فإنّه قتل قتلتنا، وطلب بثأرنا، وزوّج أراملنا، وقسّم فينا المال على العسرة»(2).
3ـ قال عمر بن عليّ بن الحسين: «إنّ عليّ بن الحسين(عليهما السلام) لمّا أُتي برأس عبيد الله بن زياد ورأس عمر بن سعد، فخرّ ساجداً وقال: الحمد لله الذي أدرك لي ثاري من أعدائي، وجزى الله المختار خيراً»(3).
سجنه(رضي الله عنه)
تُعرف في المختار شمائل النخوة والإباء ورفض الظلم، وتُرى فيه مواقف الشجاعة والتحدّي أحياناً، وهذا أشدّ ما تخشاه السلطات الأُموية، فألقت القبض عليه، وأودعته في سجن عبيد الله بن زياد في الكوفة.
وكان هذا تمهيداً لتصفية القوى والشخصيات المعارضة، والتفرّغ لإبادة أهل البيت بعد ذلك حيث لا أنصار لهم ولا أتباع.
وتقتضي المشيئة الإلهية أن يلتقي المختار في السجن بميثم التمّار ـ هذا المؤمن الصالح الذي أخذ علومه من الإمام عليّ(عليه السلام) ـ فيبشّره بقوله: إنّك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين(عليه السلام)، فتقتل هذا الجبّار الذي نحن في سجنه ـ أي ابن زياد ـ وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخدّيه(4).
ولم تطل الأيّام حتّى دعا عبيد الله بن زياد بالمختار من سجنه ليقتله، وإذا برسالة من يزيد بن معاوية تصل إلى ابن زياد يأمره فيها بإخراج المختار من السجن، وذلك أنّ أُخت المختار كانت زوجة عبد الله بن عمر، فسألت زوجها أن يشفع لأخيها إلى يزيد، فشفع فأمضى يزيد شفاعته، فكتب بإخراج المختار.
ثورته(رضي الله عنه)
أوجدت ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) ردود فعل كبيرة في صفوف الأُمّة الإسلامية، فتوالت الحركات الثورية مقاومة التسلّط البغيض للزمرة الظالمة الأُموية، وعلى إضعافها.
فحدثت ثورة التوّابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيّب بن نجبة الفزاري بالكوفة، ورفعوا شعار التوبة والتكفير لتخلّفهم عن نصرة الإمام الحسين(عليه السلام)، ثمّ وقعت ثورة المختار الثقفي تحت شعار: «يا لثارات الحسين».
فأخذ المختار يقتل كلّ مَن اشترك في قتل الإمام الحسين(عليه السلام) من أهل الكوفة.
حرقه(رضي الله عنه) لحرملة
قال المنهال: «دخلت على عليّ بن الحسين(عليهما السلام) قبل انصرافي من مكّة، فقال لي: "يا منهال، ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي"؟ فقلت: تركته حيّاً بالكوفة، فرفع يديه جميعاً ثمّ قال(عليه السلام): "اللّهمّ أذقه حرّ الحديد، اللّهمّ أذقه حرّ الحديد، اللّهمّ أذقه حرّ النار".
قال المنهال: فقدمت الكوفة وقد ظهر المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وكان صديقاً لي، فركبت إليه ولقيته خارجاً من داره، فقال: يا منهال، لم تأتنا في ولايتنا هذه ولم تهنّئنا بها ولم تشركنا فيها؟! فأعلمته أنّي كنت بمكّة، وأنّي قد جئتك الآن.
وسايرته ونحن نتحدّث حتّى أتى الكناسة، فوقف وقوفاً كأنّه ينظر شيئاً، وقد كان أُخبر بمكان حرملة فوجّه في طلبه، فلم يلبث أن جاء قوم يركضون، حتّى قالوا: أيّها الأمير البشارة، قد أُخذ حرملة بن كاهل!
فما لبثنا أن جيء به، فلمّا نظر إليه المختار قال لحرملة: الحمد لله الذي مكّنني منك، ثمّ قال: النار النار، فأُتي بنار وقصب، فأُلقي عليه فاشتعل فيه النار.
قال المنهال: فقلت: سبحان الله! فقال لي: يا منهال، إنّ التسبيح لحسن، ففيم سبّحت؟ قلت: أيّها الأمير، دخلت في سفرتي هذه ـ وقد كنت منصرفاً من مكّة ـ على عليّ بن الحسين(عليهما السلام) فقال لي: "يا منهال، ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي"؟ فقلت: تركته حيّاً بالكوفة، فرفع يديه جميعاً فقال: "اللّهمّ أذقه حرّ الحديد، اللّهمّ أذقه حرّ الحديد، اللّهمّ أذقه حرّ النار".
فقال لي المختار: أسمعت عليّ بن الحسين يقول هذا؟! فقلت: والله لقد سمعته يقول هذا. فنزل عن دابّته وصلّى ركعتين فأطال السجود، ثمّ ركب وقد احترق حرملة»(5).
إرساله جيشاً لمقاتلة عبيد الله بن زياد
شيّع المختارُ إبراهيمَ بن مالك الأشتر ماشياً يبعثه إلى قتال عبيد الله بن زياد، فقال له إبراهيم: اركب رحمك الله، فقال المختار: إنّي لأحتسب الأجر في خطاي معك، وأحبُّ أن تغبرّ قدماي في نصر آل محمّد(صلى الله عليه وآله).
ثمّ ودّعه وانصرف، فسار ابن الأشتر إلى المدائن يريد ابن زياد، ثمّ نزل نهر الخازر بالموصل شمال العراق، وكان الملتقى هناك، فحضّ ابن الأشتر أصحابه خاطباً فيهم: يا أهل الحقّ وأنصار الدين، هذا ابن زياد قاتل حسين بن عليّ وأهل بيته، قد أتاكم الله به وبحزبه حزب الشيطان، فقاتلوهم بنيّةٍ وصبر، لعلّ الله يقتله بأيديكم ويشفي صدوركم.
وتزاحفوا، ونادى أهل العراق: يا لثارات الحسين، فجال أصحاب ابن الأشتر جولة، وحمل ابن الأشتر يميناً فخالط القلب، وكسرهم أهل العراق فركبوهم يقتلونهم، فانجلت الغمّة وقد قتل عبيد الله بن زياد، وحصين بن نمير، وشرحبيل بن ذي الكلاع، وأعيان أصحابهم.
وأمر إبراهيم بن الأشتر أن يطلب أصحابه ابن زياد، فجاء رجل فنزع خفّيه وتأمّله، فإذا هو ابن زياد على ما وصف ابن الأشتر، فاجتزّ رأسه، واستوقدوا عامّة الليل بجسده، ثمّ بعث إبراهيم بن الأشتر برأس ابن زياد ورؤوس أعيانه إلى المختار.
فجاؤوا بالرؤوس والمختار يتغدّى، فأُلقيت بين يديه، فقال: الحمد لله ربّ العالمين! فقد وضع رأس الحسين بن عليّ(عليهما السلام) بين يدي ابن زياد لعنه الله وهو يتغدّى، وأُتيت برأس ابن زياد وأنا أتغدّى.
فلمّا فرغ المختار من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله، ثمّ رمى بالنعل إلى مولىً له وقال له: اغسلها فإنّي وضعتها على وجه نجس كافر.
ثمّ بعث المختار برأس ابن زياد إلى محمّد بن الحنفية وإلى الإمام زين العابدين(عليه السلام)، فأُدخل عليه وهو يتغدّى، فقال(عليه السلام): «أُدخلت على ابن زياد ـ أي حينما أُسر وجيء به إلى الكوفة ـ وهو يتغدّى، ورأسُ أبي بين يديه، فقلت: اللّهمّ لا تمتني حتّى تريني رأس ابن زياد وأنا أتغدّى، فالحمد لله الذي أجاب دعوتي»(6).
قتله(رضي الله عنه) لعمر بن سعد
كان المختار قد سُئل في أمان عمر بن سعد، فآمنه على شرط إلّا يخرج من الكوفة، فإن خرج منها هدر دمه.
فقال رجل لعمر بن سعد: إنّي سمعت المختار يحلف ليقتلنّ رجلاً، والله ما أحسبه غيرك! فلمّا سمع ذلك خرج عمر حتّى أتى الحمّام ـ الذي سُمّي فيما بعد بحمّام عمر ـ فقيل له: أترى هذا يخفى على المختار! فرجع ليلاً، ثمّ أرسل ولده حفصاً إلى المختار الذي دعا أبا عمرة وبعث معه رجلين، فجاؤوا برأس عمر بن سعد، فتأسّف حفص وتمنّى أن يكون مكان أبيه، فصاح المختار: يا أبا عمرة، ألحقه به. فقتله.
فقال المختار بعد ذلك: عمر بالحسين، وحفص بعليّ بن الحسين ـ أي علي الأكبر ـ ولا سواء!
واشتدّ أمر المختار بعد قتل ابن زياد، وأخاف الوجوه، وكان يقول: لا يسوغ لي طعام ولا شراب حتّى أقتل قتلة الحسين بن عليّ(عليهما السلام) وأهل بيته، وما من ديني أترك أحداً منهم حيّاً.
وقال: أعلموني مَن شرك في دم الحسين وأهل بيته(عليهم السلام)، فلم يكن يأتونه برجل فيشهدون أنّه من قتلة الحسين أو ممّن أعان عليه، إلّا قتله.
شهادته(رضي الله عنه)
استُشهد(رضي الله عنه) في 14 شهر رمضان 67ﻫ، بعدما قاتل مصعب بن الزبير وجيشه أشدّ قتال، حيث بعثه أخوه عبد الله بن الزبير إلى العراق للانتقام من المختار، ودُفن بجوار مرقد مسلم بن عقيل(عليه السلام)، وقبره معروف يُزار.
ــــــــــــــــــــــــ
1. اختيار معرفة الرجال 1/341.
2. المصدر السابق 1/340.
3. المصدر السابق 1/ 342.
4. الإرشاد 1/325.
5. اللهوف في قتلى الطفوف: 196.
6. الأمالي للطوسي: 242.
بقلم : محمد أمين نجف
اسمه ونسبه(رضي الله عنه)
المختار بن أبي عبيدة بن مسعود الثقفي.
تاريخ ولادته(رضي الله عنه) ومكانها
السنة الأُولى من الهجرة، الجزيرة العربية، مدينة الطائف.
نشأته(رضي الله عنه)
نشأ المختار مقداماً شجاعاً يتعاطى معالي الأُمور، وكان ذا عقل وافر، وجواب حاضر، وخلال مأثورة، ونفس بالسخاء موفورة، وفطرة تدرك الأشياء بفراستها، وهمّة تعلو على الفراقد بنفاستها، وحدس مصيب، وكفّ في الحروب مجيب، مارس التجارب فحنّكته، ولابس الخطوب فهذّبته.
من أقوال الأئمّة(عليهم السلام) فيه
1ـ قال الإمام الصادق(عليه السلام): «ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت، حتّى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين(عليه السلام)»(1).
2ـ قال الإمام الباقر(عليه السلام): «لا تسبّوا المختار؛ فإنّه قتل قتلتنا، وطلب بثأرنا، وزوّج أراملنا، وقسّم فينا المال على العسرة»(2).
3ـ قال عمر بن عليّ بن الحسين: «إنّ عليّ بن الحسين(عليهما السلام) لمّا أُتي برأس عبيد الله بن زياد ورأس عمر بن سعد، فخرّ ساجداً وقال: الحمد لله الذي أدرك لي ثاري من أعدائي، وجزى الله المختار خيراً»(3).
سجنه(رضي الله عنه)
تُعرف في المختار شمائل النخوة والإباء ورفض الظلم، وتُرى فيه مواقف الشجاعة والتحدّي أحياناً، وهذا أشدّ ما تخشاه السلطات الأُموية، فألقت القبض عليه، وأودعته في سجن عبيد الله بن زياد في الكوفة.
وكان هذا تمهيداً لتصفية القوى والشخصيات المعارضة، والتفرّغ لإبادة أهل البيت بعد ذلك حيث لا أنصار لهم ولا أتباع.
وتقتضي المشيئة الإلهية أن يلتقي المختار في السجن بميثم التمّار ـ هذا المؤمن الصالح الذي أخذ علومه من الإمام عليّ(عليه السلام) ـ فيبشّره بقوله: إنّك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين(عليه السلام)، فتقتل هذا الجبّار الذي نحن في سجنه ـ أي ابن زياد ـ وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخدّيه(4).
ولم تطل الأيّام حتّى دعا عبيد الله بن زياد بالمختار من سجنه ليقتله، وإذا برسالة من يزيد بن معاوية تصل إلى ابن زياد يأمره فيها بإخراج المختار من السجن، وذلك أنّ أُخت المختار كانت زوجة عبد الله بن عمر، فسألت زوجها أن يشفع لأخيها إلى يزيد، فشفع فأمضى يزيد شفاعته، فكتب بإخراج المختار.
ثورته(رضي الله عنه)
أوجدت ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) ردود فعل كبيرة في صفوف الأُمّة الإسلامية، فتوالت الحركات الثورية مقاومة التسلّط البغيض للزمرة الظالمة الأُموية، وعلى إضعافها.
فحدثت ثورة التوّابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيّب بن نجبة الفزاري بالكوفة، ورفعوا شعار التوبة والتكفير لتخلّفهم عن نصرة الإمام الحسين(عليه السلام)، ثمّ وقعت ثورة المختار الثقفي تحت شعار: «يا لثارات الحسين».
فأخذ المختار يقتل كلّ مَن اشترك في قتل الإمام الحسين(عليه السلام) من أهل الكوفة.
حرقه(رضي الله عنه) لحرملة
قال المنهال: «دخلت على عليّ بن الحسين(عليهما السلام) قبل انصرافي من مكّة، فقال لي: "يا منهال، ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي"؟ فقلت: تركته حيّاً بالكوفة، فرفع يديه جميعاً ثمّ قال(عليه السلام): "اللّهمّ أذقه حرّ الحديد، اللّهمّ أذقه حرّ الحديد، اللّهمّ أذقه حرّ النار".
قال المنهال: فقدمت الكوفة وقد ظهر المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وكان صديقاً لي، فركبت إليه ولقيته خارجاً من داره، فقال: يا منهال، لم تأتنا في ولايتنا هذه ولم تهنّئنا بها ولم تشركنا فيها؟! فأعلمته أنّي كنت بمكّة، وأنّي قد جئتك الآن.
وسايرته ونحن نتحدّث حتّى أتى الكناسة، فوقف وقوفاً كأنّه ينظر شيئاً، وقد كان أُخبر بمكان حرملة فوجّه في طلبه، فلم يلبث أن جاء قوم يركضون، حتّى قالوا: أيّها الأمير البشارة، قد أُخذ حرملة بن كاهل!
فما لبثنا أن جيء به، فلمّا نظر إليه المختار قال لحرملة: الحمد لله الذي مكّنني منك، ثمّ قال: النار النار، فأُتي بنار وقصب، فأُلقي عليه فاشتعل فيه النار.
قال المنهال: فقلت: سبحان الله! فقال لي: يا منهال، إنّ التسبيح لحسن، ففيم سبّحت؟ قلت: أيّها الأمير، دخلت في سفرتي هذه ـ وقد كنت منصرفاً من مكّة ـ على عليّ بن الحسين(عليهما السلام) فقال لي: "يا منهال، ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي"؟ فقلت: تركته حيّاً بالكوفة، فرفع يديه جميعاً فقال: "اللّهمّ أذقه حرّ الحديد، اللّهمّ أذقه حرّ الحديد، اللّهمّ أذقه حرّ النار".
فقال لي المختار: أسمعت عليّ بن الحسين يقول هذا؟! فقلت: والله لقد سمعته يقول هذا. فنزل عن دابّته وصلّى ركعتين فأطال السجود، ثمّ ركب وقد احترق حرملة»(5).
إرساله جيشاً لمقاتلة عبيد الله بن زياد
شيّع المختارُ إبراهيمَ بن مالك الأشتر ماشياً يبعثه إلى قتال عبيد الله بن زياد، فقال له إبراهيم: اركب رحمك الله، فقال المختار: إنّي لأحتسب الأجر في خطاي معك، وأحبُّ أن تغبرّ قدماي في نصر آل محمّد(صلى الله عليه وآله).
ثمّ ودّعه وانصرف، فسار ابن الأشتر إلى المدائن يريد ابن زياد، ثمّ نزل نهر الخازر بالموصل شمال العراق، وكان الملتقى هناك، فحضّ ابن الأشتر أصحابه خاطباً فيهم: يا أهل الحقّ وأنصار الدين، هذا ابن زياد قاتل حسين بن عليّ وأهل بيته، قد أتاكم الله به وبحزبه حزب الشيطان، فقاتلوهم بنيّةٍ وصبر، لعلّ الله يقتله بأيديكم ويشفي صدوركم.
وتزاحفوا، ونادى أهل العراق: يا لثارات الحسين، فجال أصحاب ابن الأشتر جولة، وحمل ابن الأشتر يميناً فخالط القلب، وكسرهم أهل العراق فركبوهم يقتلونهم، فانجلت الغمّة وقد قتل عبيد الله بن زياد، وحصين بن نمير، وشرحبيل بن ذي الكلاع، وأعيان أصحابهم.
وأمر إبراهيم بن الأشتر أن يطلب أصحابه ابن زياد، فجاء رجل فنزع خفّيه وتأمّله، فإذا هو ابن زياد على ما وصف ابن الأشتر، فاجتزّ رأسه، واستوقدوا عامّة الليل بجسده، ثمّ بعث إبراهيم بن الأشتر برأس ابن زياد ورؤوس أعيانه إلى المختار.
فجاؤوا بالرؤوس والمختار يتغدّى، فأُلقيت بين يديه، فقال: الحمد لله ربّ العالمين! فقد وضع رأس الحسين بن عليّ(عليهما السلام) بين يدي ابن زياد لعنه الله وهو يتغدّى، وأُتيت برأس ابن زياد وأنا أتغدّى.
فلمّا فرغ المختار من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله، ثمّ رمى بالنعل إلى مولىً له وقال له: اغسلها فإنّي وضعتها على وجه نجس كافر.
ثمّ بعث المختار برأس ابن زياد إلى محمّد بن الحنفية وإلى الإمام زين العابدين(عليه السلام)، فأُدخل عليه وهو يتغدّى، فقال(عليه السلام): «أُدخلت على ابن زياد ـ أي حينما أُسر وجيء به إلى الكوفة ـ وهو يتغدّى، ورأسُ أبي بين يديه، فقلت: اللّهمّ لا تمتني حتّى تريني رأس ابن زياد وأنا أتغدّى، فالحمد لله الذي أجاب دعوتي»(6).
قتله(رضي الله عنه) لعمر بن سعد
كان المختار قد سُئل في أمان عمر بن سعد، فآمنه على شرط إلّا يخرج من الكوفة، فإن خرج منها هدر دمه.
فقال رجل لعمر بن سعد: إنّي سمعت المختار يحلف ليقتلنّ رجلاً، والله ما أحسبه غيرك! فلمّا سمع ذلك خرج عمر حتّى أتى الحمّام ـ الذي سُمّي فيما بعد بحمّام عمر ـ فقيل له: أترى هذا يخفى على المختار! فرجع ليلاً، ثمّ أرسل ولده حفصاً إلى المختار الذي دعا أبا عمرة وبعث معه رجلين، فجاؤوا برأس عمر بن سعد، فتأسّف حفص وتمنّى أن يكون مكان أبيه، فصاح المختار: يا أبا عمرة، ألحقه به. فقتله.
فقال المختار بعد ذلك: عمر بالحسين، وحفص بعليّ بن الحسين ـ أي علي الأكبر ـ ولا سواء!
واشتدّ أمر المختار بعد قتل ابن زياد، وأخاف الوجوه، وكان يقول: لا يسوغ لي طعام ولا شراب حتّى أقتل قتلة الحسين بن عليّ(عليهما السلام) وأهل بيته، وما من ديني أترك أحداً منهم حيّاً.
وقال: أعلموني مَن شرك في دم الحسين وأهل بيته(عليهم السلام)، فلم يكن يأتونه برجل فيشهدون أنّه من قتلة الحسين أو ممّن أعان عليه، إلّا قتله.
شهادته(رضي الله عنه)
استُشهد(رضي الله عنه) في 14 شهر رمضان 67ﻫ، بعدما قاتل مصعب بن الزبير وجيشه أشدّ قتال، حيث بعثه أخوه عبد الله بن الزبير إلى العراق للانتقام من المختار، ودُفن بجوار مرقد مسلم بن عقيل(عليه السلام)، وقبره معروف يُزار.
ــــــــــــــــــــــــ
1. اختيار معرفة الرجال 1/341.
2. المصدر السابق 1/340.
3. المصدر السابق 1/ 342.
4. الإرشاد 1/325.
5. اللهوف في قتلى الطفوف: 196.
6. الأمالي للطوسي: 242.
بقلم : محمد أمين نجف
تعليق