بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وال ممد الطيببين الطاهرين وسلم تسليما
كيف يعرف خليفة الله في أرضه في كل زمان :-
أهم طريق لمعرفة خليفة الله في أرضه هو
الطريق الأول : الذي عرفت به الملائكة آدم (ع) وهو النص ، فقد نص الله سبحانه وتعالى على آدم (ع) وأنه خليفته في أرضه (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) وبعد آدم (ع) كان أيضاً النص هو الطريق لمعرفة خليفة الله في أرضه ولكن هذه المرة النص الإلهي يعرف عن طريق الخليفة السابق ، فهو ينص بوصية لأمته على الخليفة الذي بعده بأمر الله سبحانه وتعالى فليس هو الذي يعين الذي بعده بل الله سبحانه وتعالى هو الذي يعين خليفته في أرضه في كل زمان ، فقط يكون دور الخليفة السابق هو إيصال هذا النص الإلهي بالوصية ، ولذا سمي خلفاء الله في أرضه من الأنبياء والمرسلين بالأوصياء لأن السابق يوصي باللاحق ولا يوجد نبي من الأنبياء (ع) أو الأئمة (ع) إلا وقد نص عليه الذي قبله ، فإبراهيم (ع) وإسحاق ويعقوب (ع) والأنبياء من بني إسرائيل (ع) نصوا على موسى وأوصوا به وموسى والأنبياء (ع) أوصوا بعيسى (ع) . وعيسى أوصى بمحمد (ص) ومحمد (ص) أوصى بعلي (ع) والائمة (ع) والمهديين من ولده فلا يوجد فراغ ليملأه غيرهم (ع) ولكن الأمم انحرفت عنهم فظهر فيها علماء عاملون يرشدون الناس إلى الرجوع إلى طريق الأوصياء (ع) وضرورة اتباعهم والأخذ عنهم فقط وظهر أيضاً علماء غير عاملين يحاولون تقمص دور الأوصياء (ع) . كما تقمصها ابن أبي قحافة ، قال أمير المؤمنين (ع) :-
( أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى . ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير . فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا . وطفقت أرتإى بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير . ويشيب فيها الصغير . ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى . وفي الحلق شجا أرى تراثي نهبا … )
أما الطريق الثاني : لمعرفة خليفة الله في أرضه فهو سلاح الأنبياء والأوصياء وهو العلم والحكمة وهذا يُعرف من كلامهم ومعالجتهم للمشاكل والأمور الواقعة ولابد للإنسان أن يتجرد عن الهوى والأنا ليتبين حكمتهم وعلمهم (ع) وبه احتج الله سبحانه على الملائكة (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) فهو خير دليل على خليفة الله في أرضه .
أما الطريق الثالث : لمعرفته خليفة الله في أرضه فهو الراية : (البيعة لله) أو الملك لله وطالب به الله سبحانه لخليفته الأول آدم (ع) (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) أي أطيعوه وأتمروا بأمره لأنه خليفتي . وقال تعالى :
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) .وقال تعالى :- (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وفي تلبية الحج (الملك لك لا شريك لك) .
فهم لا يداهنون أحداً على حساب هذه الحقيقة وإن كانوا يتهمون بسبب حملها فقديما قالوا عن عيسى (ع) إنه طامع بملك بني إسرائيل الذي ضيعه العلماء غير العاملين بمداهنتهم الرومان وقيل عن دعوة محمد (ص) انه لا جنة ولا نار ولكنه الملك) .
أي أن محمداً (ص) جاء ليطلب الملك له ولولده ، وقيل عن علي (ع) :-(( إنه حريص على الملك )) .
مع أنهم يسمعونه يقول : (( مالِ علي وملك لا يبقى )) ويرون زهده وإعراضه عن الدنيا وزخرفها وهذا حال عيسى الذي لا يخفى وحال محمد (ص) .
والأنبياء والأوصياء لا يحسبون لاتهام الناس أي حساب كما هو حال العلماء غير العاملين الذين يطلبون رضا الناس بسخط الخالق ولذا فالناس يتبعون العلماء غير العاملين ويحاربون الأنبياء والأوصياء الذين يطالبون بحاكمية الله في أرضه سواء على مستوى التشريع أو التنفيذ أي (( الدستور والحاكم )) فلابد أن يكون الدستور إلهياً ، والحاكم معيناً من قبل الله سبحانه وتعالى ، وهذا لا يناسب أكثر الناس الذين يتبعون الشهوات ويرغبون بعافية الدنيا على حساب عافية الآخرة
وقد أخبرنا العليم الخبير بحال الأكثرية بما لامزيد عليه (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه) ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ)(هود: 17) (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) (مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ولا يحتاج الناس إلى أكثر من هذه الآليات الثلاث لمعرفة خليفة الله في أرضه فاجتماعها لا يكون إلا في خليفة الله في أرضه ولكنهم انقسموا كما انقسم الملأ الاول الذي امتحنه الله فآمن الملائكة وسجدوا وكفر إبليس واستكبر ولم يرض أن يكون بينه وبين الله واسطة (خليفة الله في أرضه) ، وهذه الآليات الثلاث حجة تامة من الله سبحانه للدلالة على خليفته في أرضه
وكذالك اكدت الروايات على هذا القانون
وردت روايات عن الأئمة (ع) تنص على أن الحجة على الخلق يعرف بالوصية أي وصية الرسول محمد (ص) ليلة وفاته التي نص فيها على إثني عشر إماماً واثني عشر مهدياً.
عن الحرث بن المغيرة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام بم يعرف صاحب هذا الأمر ؟ قال: ( بالسكينة والوقار والعلم والوصية ) بصائر الدرجات- محمد بن الحسن الصفار ص 509.
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( يعرف صاحب هذا الأمر بثلاث خصال لا تكون في غيره هو أولى الناس بالذي قبله وهو وصيه وعنده سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيته وذلك عندي لا أنازع فيه ) بصائر الدرجات- محمد بن الحسن الصفار ص 202.
عن الإمام الصادق (ع) في حديث قال : ( ... فيبايعونه بين الركن والمقام ومعه عهد من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد توارثته الأبناء عن الآباء... ) غيبة النعماني ص282.
وعنهم (ع): (...يخرج من مكة هو ومن معه الثلاثمائة وبضعة عشر يبايعونه بين الركن والمقام معه عهد نبي الله صلى الله عليه وآله ورايته وسلاحه ووزيره معه فينادي المنادي بمكة بإسمه وأمره من السماء حتى يسمعه أهل الارض كلهم اسمه اسم نبي . ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله صلى الله عليه وآله ورايته وسلاحه... ) بحار الأنوار 25 /223.
عن الإمـام الباقر (ع) في الدلالة على الإمام المهدي: (... ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله ورايته وسلاحه ) وفي رواية أخرى: (معه عهد رسول الله).
فهنا نجد تأكيداً من آل البيت (ع) على العهد ( الوصية ) وأنها العلامة الفارقة بين مدعي الحق من مدعي الباطل، بل في الرواية الأخيرة بين الإمام الباقر (ع) انه اذا اشتبهت العلامات فإن الوصية ... لا تشكل عليكم، وهذا دليل واضح على أن الوصية لا يمكن أن يدعيها غير صاحبها الحق.
عن أبي جعفر في خبر طويل قال : ((... إياك وشذاذ من آل محمد فإن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات فألزم الأرض ولا تتبع منهم رجلاً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين (ع) معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين (ع) ثم صار عند محمد بن علي (ع) ويفعل الله ما يشاء فألزم هؤلاء أبداً وإياك ومن ذكرت لك...)) إلزام الناصب 2/96-97.
والحمد لله رب العالمين
تعليق