حينما ندخل في خضمّ الاضطراب والقلق الذي يثيره إعصار مرحلة الشباب ، تتجلّى لنا أهميّة التعرّف على النفس .
ولكن لماذا نستعرض ( معرفة النفس ) في مرحلة تُعرّض سفينة الشباب للعواصف الهائجة حيث الاضطراب والفزع ؟ سبب ذلك : أنّ القابليات المُفعمة والمبدعة لدى الشاب تمنحه في ظلّ ( فورة الشباب ) الجرأة على اتخاذ القرار ، وعقد العزم بإرادة حديديّة لكبح رَغَباته ونَزَواته الجامحة ، وبذلك يقود سفينة وجوده ـ بعد تعرّضها للعواصف ـ إلى ( ساحل الأمان ) ، وأن يغوص ـ بدراية ووعي كامل ـ في أعماق وجوده للتعرّف على نفسه .
ولكن ما هو المراد من ( معرفة النفس ) ؟ المراد : هو تحديد القابليات والكفاءات الكامنة في وجودنا بُغية استثمارها ، وهذه العملية تكون في أوّل أمرها مصحوبة بالصِعاب ، إلاّ أنّه كما قلنا : فإنّ ( فَورة الشباب ) وما يتمتّع به الشابّ من جرأة وإرادة راسخة تُعينه على تذليل هذهِ الصعاب ، بل إنّها تُمكّنه من صنع المستحيل .
أجل ، ليس هناك مَن هو أقرب إلى أنفسنا وأعلم بذواتنا منّا ، وعليه يتعيّن علينا أن نبدأ بأنفسنا في كلّ خطوة نخطوها ، وعند وضع الدواء لأيّ داء .
قال الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) في ما يُنسب إليه :
دواؤك فـيك ومـا تشعرُ وداؤك مـنـك iiوتـستنكرُ
وتَـحسبُ أنّك جرم صغيرٌ وفيكَ انطوى العالَم iiالأكبرُ
وأنتَ الكتاب المبين الذي بأحرفه يَظهر المضمرُ
وأنتَ الكتاب المبين الذي بأحرفه يَظهر المضمرُ
لقد صرّح الإمام ( عليه السلام ) بهذه الحقائق العلمية قبل مئات السنين ، ولكن ما هو الداء ؟ وما هي طُرق علاجه ؟ أو بعبارة أفضل : ما هي الأمراض ؟ وما هي العلاجات ؟
إنَّ أوّل الأمراض ـ الذي يبدو صغيراً في البداية ـ هو : الجهل ، والشعور بالعجز ، والقلق ، وعدم الالتفات إلى القدرات الذاتية ، والغفلة عن القوى الفيزيقية ، ممّا يؤدّي إلى الانحراف عن جادّة الصواب في مسار الحياة ، ويتعيَّن علينا في مجال معرفة النفس تحديد هذه الأمراض ، والمبادرة إلى علاجها عن طريق التعلّم ، والاعتماد على النفس ، ومعرفة القابليات المعنوية والماديّة .
ولكن كما قلنا : فإنّ هذا النوع من ( معرفة النفس ) صعبٌ وسهل في آنٍ واحد ، فهو صعب ؛ لأنّه يستدعي جهوداً كثيرة ، وسهلٌ ؛ لأنّ الله تعالى قد منحَ الشاب قلباً طاهراً يتقبّل الحقائق والأفكار السليمة والخيّرة بسهولة ، وللشابّ في هذا المجال تأثير حاسم ومصيري .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) في كتابٍ أرسله لابنه الإمام الحسن ( عليه السلام ) : ( وإنّما قلب الحَدَث كالأرض الخالية ، ما أُلقي فيها من شيء قَبَلته ، فبادرتُك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ، ويشتغل لُبّك )
وعليه : فمن اللازم على كلّ شابّ ـ من خلال الالتفات إلى هذه الأرضية النفسية المساعِدة ـ أن يتعرّف الجهات العاطفية ، والسجايا الأخلاقية ، والجذور الوراثية ، والقابليات المادّية والمعنوية في نفسه ، لكي يستثمرها بالشكل المناسب .
وعليه : فمن اللازم على كلّ شابّ ـ من خلال الالتفات إلى هذه الأرضية النفسية المساعِدة ـ أن يتعرّف الجهات العاطفية ، والسجايا الأخلاقية ، والجذور الوراثية ، والقابليات المادّية والمعنوية في نفسه ، لكي يستثمرها بالشكل المناسب .
قال الدكتور جون لوك آفيبوري الكاتب الانجليزي الشهير : ( سُئل أحد العظماء عن أصعب الأمور وأيسرها ، فقال في الجواب : إنّ أصعب الأمور هو أن يتعرّف المرء على نفسه ، وأيسرها اقتفاء عيوب غيره ) .