بسم الله الرحمن الرحيم
بعد أن قدمنا سابقا آية الخلافه وآية الأمامه الأبراهيميه في المنهج القرآني نتعرض الآن وفي المرحله الثالثه من بحثنا الى آية أولي الأمر (بسم الله الرحمن الرحيم,يا أيها الذين آمنا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا).
هذه الآيه المباركه تساهم في تشييد جانب من نظرية الامامه ومدرسة الولايه في القرآن الكريم,وأول ما يتبادر منها في هذا المجال ,ما تنطوي عليه من الأشاره الى وجود منصبين يتمتع بهما الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ,وينبغي التميز بينهما ,وهما
أولا: منصب النبوه وابلاغ الشريعه والرساله الى البشريه قال تعالى (وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما أنزل اليهم ).
ثانيا:منصب الامامه والقياده وولاية الامر,قال تعالى(انا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله).
يركز القرآن الكريم على ضرورة أطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كلا المجالين ويؤكد على كونها طاعه لله عز وجل,وقد أستعمل القرآن أربعه أساليب في التعبير عن ذلك ,هي
1:أسلوب الجمع بين طاعة الله والرسول,قال تعالى(وأطيعو الله والرسول لعلكم ترحمون)وقال تعالى(قل أطيعوا الله والرسول فان تولوا فان الله لايحب الكافرين)وقال تعالى(وأطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين)وقال تعالى(وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون).
2:أسلوب عطف طاعة الرسول على طاعة الله,قال تعالى(قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)وقال تعالى(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولاتبطلوا أعمالكم)وقال تعالى(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
3أسلوب الأقتصار على طاعة الرسول,قال تعالى(أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون)
4:أسلوب ارجاع طاعة الرسول الى طاعة الله,قال تعالى(من يطع الرسول فقد أطاع الله).
وقد بينا في آية الامامه الأبراهيميه,أن آيات النبوه والرساله لاتدل بنفسها على لزوم طاعة الرسول,وأقصى ما تدل عليه هو لزوم طاعة النبوة والرساله الألهيه ومن هنا جاءت آيات طاعة الرسول لتسد هذا الفراغ وتعالج هذا الجانب ,ومن أجل ترسيخ ذلك وتأكيده تنوعت أساليب القرآن في بيانه ,فتاره تأمر بطاعة الرسول فقط كما في الأسلوب الثالث,وأخرى ترجع طاعة الرسول الى طاعة الله سبحانه كما في الاسلوب الرابع ,وثالثه تجمع بين الطاعتين في بيان واحد كما في الاسلوب الاول ,ورابعه تعطف طاعة الرسول على طاعة الله كما في الاسلوب الثاني ,ولدى التأمل في هذه الآيات نجد أنها تدل على ماقلناه أولا من وجود منصبين للرسول صلى الله عليه وآله وسلم:أحدهما:النبوة وأبلاغ الرساله والاحكام,وثانيهما :الامامه وقيادة الدوله والمجتمع,ذلك ان الامر بطاعة الرسول يدل على انه مكلف بوظائف اجتماعيه وسياسيه,بحيث يتطلب ادائها وانجازها طاعه المسلمين له وخضوعهم لرأيه ,وليس ذلك الا منصب الامامه والقياده والولايه,ولو لم يكن ذلك لكان الامر بطاعته خاليا من المعنى,لان ادلة النبوه والرساله تكفلت بلزوم طاعة الرسول فيما يبلغ من احكام وشرائع,فما معنى ورود ادله جديده تطالب بطاعة الرسول وتجعلها صنوا لطاعة الله عز وجل؟هذه الادله جاءت لتفصل بين المنصبين المذكورين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم,وتؤكد على ضرورة طاعة النبي صلى الله عليه وآله في منصب الامامه والولايه ,وان طاعته في هذا المنصب كطاعته في المنصب الآخر وهو منصب النبوه والرساله وهما يعودان الى طاعة الله عز وجل.وهذا المعنى يتجلى اكثر في اسلوب عطف الامر بطاعة الرسول على الامر بطاعة الله بتكرار كلمة(وأطيعوا)وهو الاسلوب الذي تكرر في القرآن الكريم خمس مرات,خاصه في آية أولي الامر والتي نحن بصددها ,حيث خصت الله سبحانه بطاعه ,وجمعت بين النبي صلى الله عليه وآله وأولي الأمر بطاعة أخرى,مما يدل على أن الآيات التي تأمر بطاعة الرسول ناظره الى منصب امامته وولايته ,وبالنتيجه تكون الآيات الآمره بطاعة الله ناظره الى منصب النبوه والرساله,بأعتبار أن طاعة الله انما تتجسد في أتباع الشريعه التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وآله,ويتأكد هذا المعنى أكثر اذا لاحظنا أن اتباع الشريعه واطاعة الاحكام الألهيه أنما هي في الحقيقه طاعه لله عز وجل,ولا يمكن أعتبارها طاعه للنبي الا بنحو من المجاز والمسامحه,وذلك لأن الشريعه المتبعه والأحكام المطبقه انما هي أوامر الله ونواهيه.وبالتالي فأن طاعتها انما هي طاعه الله سبحانه ,ولا تصح نسبة الطاعه الى النبي صلى الله عليه وآله, الا عندما تكون هناك اوامر ونواه صدرت عن النبي صلى الله عليه وآله بلسان الحكومه والولايه لا بلسان تبليغ الاحكام والشرائع الألهيه,وهذا هو مغزى تكرار كلمة(أطيعوا)في الآيه,وليس معنى عطف(أولي الأمر)على الرسول الا أشاره الى منصب مشترك بين الرسول وأولي الأمر,وهو منصب الحكومه والولايه.وعوده أخرى الى الآيه لنستفاد منها شيئا جديدا ,حيث نلاحظ أن الآيه تدرجت من طاعة الله سبحانه الى طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن طاعة الرسول الى طاعة أولي الأمر ,هذا من جهه,ومن جهه أخرى,نحن نعلم أن طاعة العبد لله انما هي طاعه مطلقه لأوامر ونواه معصومه,وأتباع لشريعه لايتطرق اليها الباطل ,بنحو من الأنحاء ,واذا لاحظنا الآيات الآمره بطاعة الرسول خاصه الآيات من الاسلوب الأولوأطيعوا الله ورسوله)ومن الأسلوب الرابع(من يطع الرسول فقد أطاع الله),أمكننا التوصل الى عصمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم,وهذا مقتضى العينيه الموجوده بين الطاعتين,وبتعبير آخر أن ترشح طاعة الرسول عن طاعة الله ,يكشف عن وصول فيض العصمه الألهيه الى السده النبويه.ثم أذا لاحظنا آيات الأسلوب الثاني التي تعطف طاعة النبي صلى الله عليه وآله على طاعة الله,خاصه آية أولي الأمر التي جمعت بين أولي الأمر وبين الرسول بطاعه واحده وبنحو يفهم منه أن الآيه بصدد النظر الى عنصر مشترك ومنصب واحد بين الرسول وأولي الأمر ,وهو منصب الولايه والحكومه,اذا نظرنا الا الآيه أمكننا التوصل الى عصمة أولي الامر ايضا,ذلك اذا كنا قد توصلنا الى عصمة الرسول من خلال اتحاد طاعته مع طاعة الله سبحانه,فلا شك ان اتحاد طاعة الرسول مع طاعة أولي الامر يكشف عن عصمة أولي الامر ايضا ,وهكذا يترشح فيض العصمه من الله الى النبي ,ومن النبي الى أولي الامر,مما يستتبع ترشح لزوم الطاعة عبر هذه السلسله ايضا,فتجب طاعة أولي الامر لوجوب طاعة الرسول ,ووجوب طاعة الرسول لوجوب طاعة الله عز وجل.ومما يؤيد أستفادة عصمة أولي الامر من الآيه أمور ثلاث هي,
1/ان الله سبحانه أمر بطاعة أولي الامر من جهه ونهى عن أتباع خطوات الشيطان من جهه أخرى,فلو لم يكن ولي الامر معصوما كان أتباعه في موارد خطأه أتباعا للشيطان ,ولا يمكن الامر بشيء قد نهى عنه لأنه يازم منه الضدان:الوجوب والحرمه.
2/أن الامر بطاعة أولي الامر في الآيه جاء مطلقا كالأمر بطاعة الله والرسول,وهذا الأطلاق لاينسجم الا مع القول بعصمة اولي الامر ,لأن غير المعصوم قد يأمر بمعصيه فتحرم طاعته فيها ,وهذا يتنافى مع أطلاق الأمر بالطاعة.وقد يقال :بأن الآيه مقيده بقيد منفصل مستفاد من دليل آخر,مثل قوله تعالى(قل أن الله لايأمر بالفحشاء)وقول الرسول(لاطاعه لمخلوق في معصية الخالق)وبذلك يرتفع اشكال التضاد.
ولكن هذا القول لايتم ,لأن القرآن جعل طاعة الرسول بمنزلة طاعة الله وحينئذ فكما أن طاعة الله لاتقبل التقييد والتخصيص كذلك طاعة الرسول لاتقبل التقييد والتخصيص,ولذا لانستطيع القول بأن قوله تعالى(من يطع الرسول فقد أطاع الله)مقيد بقوله صلى الله عليه وآله (لاطاعه لمخلوق في معصية الخالق)وذلك للتنافي بين القولين ,وبالتالي عدم صلاحية الكلام الثاني لتقييد الكلام الاول,فأن الكلام الاول يدل على صحة أوامر الرسول ومطابقتها لأوامر الله ,بينما يدل الكلام الثاني –اذا اعتبر قيدا للآيه-على امكان صدور المخالفه من الرسول صلى الله عليه وآله,وما قيل في الرسول يقال ايضا في اولي الامر ,فكما ان اطلاق الامر بطاعة الرسول لايقبل التقييد كذلك اطلاق الامر بطاعة اولي المر لايقبل التقييد ,لأن الآيه (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)جعلت أولي الامر والرسول بمنزلة واحده ,وحينئذ يبقى الامر بطاعة أولي الامر على أطلاقه وممتنعا عن التقييد ,مما يدل على عصمة أولي الامر المقصودين بالطاعه.
3/أن الآيه في سياق تعظيم الرسول وأولي الأمر واعطاء درجه واحده من اللزوم والنفوذ لأزامرهما ,وهذا السياق بحد ذاته ينفي أمكانية تخصيص أو تقييد طاعة أولي الامر في ما عدا المعاصي ,لأن تعظيم المعاصي قبيح ,ولأن التقييد والتخصيص اذا كان ممكنا سرى الى أوامر النبي ,ولم يقف عند حدود أولي الامر لظهور الآيه في وحدة درجة النفوذ واللزوم في أوامرهما ,وحيث لايمكن تقييد طاعة النبي فلا يمكن تقييد طاعة أولي الامر ايضا ,ولو كان التقييد ممكنا لظهر ذلك في الآيه نفسها ,لأن القرآن الكريم التزم بالتقييد فيما هو أدنى من شأن الامامه وأقل حاجة الى التقييد ,كما في قوله تعالى عند التعرض لبر الوالدين (وان جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) .وقد اعترف الفخر الرازي في تفسيره بدلالة الآيه على عصمة الرسول وأولي الامر,فقال في المسأله الثالثه في ذيل الآيه:اعلم أن قوله (وأولي الأمر منكم)يدل عندنا على أن أجماع الأمه حجه ,والدليل على ذلك أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الامر على سبيل الجزم في الآيه ,ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابد وأن يكون معصوما عن الخطأ,واذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ كان بتقدير اقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته فيكون ذلك أمرا بفعل ذلك الخطأ,والخطأ لكونه خطأ منهي عنه,فهذا يفضي الى أجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد وانه محال,فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم ,وثبت أن كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوما,فثبت قطعا أن أولي الأمر المذكور في الآيه يكون معصوما."التفسير الكبير:ج5/ص149وقال في موقع آخر"فكان حمل الآيه على الاجماع أولى,لأنه ادخل الرسول وأولي الامر في لفظ واحد وهو قوله تعالى(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)فكان حمل (أولي الأمر)الذي هو مقرون بالرسول على المعصوم أولى من حمله على الفاجرالفاسق....)التفسيرالكبير:ج5/ص151.وهذا الرأي أعتمده النيشابوري في تفسيره "غرائب القرآن ج5ص65"وكذلك الشيخ محمد عبده على ماحكاه مقرر بحثه في المنار بقوله(فأهل الحل والعقد من المؤمنين اذا أجمعا على أمر من مصالح الأمه-الى أن قال-طاعتهم واجبه ويصح أن يقال:هم معصومون في هذا الأجماع)تفسير المنار:ج5ص181:وأن أضاف اليه المقرر ما يوهم خلافه.يتلخص من كل ما مر أن الآيه المباركه تدل على عصمة أولي الأمر المقصودين بالطاعه ,,ولكن قد يرد أشكال على هذا الأستدلال وهو:أن تعبير( منكم )الوارد في الآيه ربما جاء للتنبيه على أن أولي الأمر المقصودين بالطاعه هم أفراد من هذه الأمه ليست لهم أي ميزه على سائر الأفراد كالعصمه وغيرها.ولكن هذا الأشكال غير تام ,لأن تعبير (منكم)في الآيه نظير تعبير (منهم)في قوله تعالى(هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم)فكما أن كون الرسول فردا من هذه الأمه لاينفي وجود صفه زائده فيه,فكذلك كون أولي الأمر أفرادا من هذه الأمه لاينفي وجود مزيه فيهم,ولعل المقصود من هذه الكلمه هو العكس تماما,وهو اثبات المزيه لهم ,فكأن الآيه تريد اشعار الأمه بأن كون هؤلاء أفرادا منكم لايعني مساواتكم لهم,بل هناك مزايا فيهم توجب طاعتكم لهم.
بعد هذا يأتي السؤال الآتي:ماهي صلاحيات أولي الأمر؟وما هي دائرة نفوذهم في المجتمع الأسلامي؟.
وللموضوع تتمه.....ولنا عوده أنشاء الله
بعد أن قدمنا سابقا آية الخلافه وآية الأمامه الأبراهيميه في المنهج القرآني نتعرض الآن وفي المرحله الثالثه من بحثنا الى آية أولي الأمر (بسم الله الرحمن الرحيم,يا أيها الذين آمنا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا).
هذه الآيه المباركه تساهم في تشييد جانب من نظرية الامامه ومدرسة الولايه في القرآن الكريم,وأول ما يتبادر منها في هذا المجال ,ما تنطوي عليه من الأشاره الى وجود منصبين يتمتع بهما الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ,وينبغي التميز بينهما ,وهما
أولا: منصب النبوه وابلاغ الشريعه والرساله الى البشريه قال تعالى (وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما أنزل اليهم ).
ثانيا:منصب الامامه والقياده وولاية الامر,قال تعالى(انا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله).
يركز القرآن الكريم على ضرورة أطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كلا المجالين ويؤكد على كونها طاعه لله عز وجل,وقد أستعمل القرآن أربعه أساليب في التعبير عن ذلك ,هي
1:أسلوب الجمع بين طاعة الله والرسول,قال تعالى(وأطيعو الله والرسول لعلكم ترحمون)وقال تعالى(قل أطيعوا الله والرسول فان تولوا فان الله لايحب الكافرين)وقال تعالى(وأطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين)وقال تعالى(وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون).
2:أسلوب عطف طاعة الرسول على طاعة الله,قال تعالى(قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)وقال تعالى(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولاتبطلوا أعمالكم)وقال تعالى(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
3أسلوب الأقتصار على طاعة الرسول,قال تعالى(أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون)
4:أسلوب ارجاع طاعة الرسول الى طاعة الله,قال تعالى(من يطع الرسول فقد أطاع الله).
وقد بينا في آية الامامه الأبراهيميه,أن آيات النبوه والرساله لاتدل بنفسها على لزوم طاعة الرسول,وأقصى ما تدل عليه هو لزوم طاعة النبوة والرساله الألهيه ومن هنا جاءت آيات طاعة الرسول لتسد هذا الفراغ وتعالج هذا الجانب ,ومن أجل ترسيخ ذلك وتأكيده تنوعت أساليب القرآن في بيانه ,فتاره تأمر بطاعة الرسول فقط كما في الأسلوب الثالث,وأخرى ترجع طاعة الرسول الى طاعة الله سبحانه كما في الاسلوب الرابع ,وثالثه تجمع بين الطاعتين في بيان واحد كما في الاسلوب الاول ,ورابعه تعطف طاعة الرسول على طاعة الله كما في الاسلوب الثاني ,ولدى التأمل في هذه الآيات نجد أنها تدل على ماقلناه أولا من وجود منصبين للرسول صلى الله عليه وآله وسلم:أحدهما:النبوة وأبلاغ الرساله والاحكام,وثانيهما :الامامه وقيادة الدوله والمجتمع,ذلك ان الامر بطاعة الرسول يدل على انه مكلف بوظائف اجتماعيه وسياسيه,بحيث يتطلب ادائها وانجازها طاعه المسلمين له وخضوعهم لرأيه ,وليس ذلك الا منصب الامامه والقياده والولايه,ولو لم يكن ذلك لكان الامر بطاعته خاليا من المعنى,لان ادلة النبوه والرساله تكفلت بلزوم طاعة الرسول فيما يبلغ من احكام وشرائع,فما معنى ورود ادله جديده تطالب بطاعة الرسول وتجعلها صنوا لطاعة الله عز وجل؟هذه الادله جاءت لتفصل بين المنصبين المذكورين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم,وتؤكد على ضرورة طاعة النبي صلى الله عليه وآله في منصب الامامه والولايه ,وان طاعته في هذا المنصب كطاعته في المنصب الآخر وهو منصب النبوه والرساله وهما يعودان الى طاعة الله عز وجل.وهذا المعنى يتجلى اكثر في اسلوب عطف الامر بطاعة الرسول على الامر بطاعة الله بتكرار كلمة(وأطيعوا)وهو الاسلوب الذي تكرر في القرآن الكريم خمس مرات,خاصه في آية أولي الامر والتي نحن بصددها ,حيث خصت الله سبحانه بطاعه ,وجمعت بين النبي صلى الله عليه وآله وأولي الأمر بطاعة أخرى,مما يدل على أن الآيات التي تأمر بطاعة الرسول ناظره الى منصب امامته وولايته ,وبالنتيجه تكون الآيات الآمره بطاعة الله ناظره الى منصب النبوه والرساله,بأعتبار أن طاعة الله انما تتجسد في أتباع الشريعه التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وآله,ويتأكد هذا المعنى أكثر اذا لاحظنا أن اتباع الشريعه واطاعة الاحكام الألهيه أنما هي في الحقيقه طاعه لله عز وجل,ولا يمكن أعتبارها طاعه للنبي الا بنحو من المجاز والمسامحه,وذلك لأن الشريعه المتبعه والأحكام المطبقه انما هي أوامر الله ونواهيه.وبالتالي فأن طاعتها انما هي طاعه الله سبحانه ,ولا تصح نسبة الطاعه الى النبي صلى الله عليه وآله, الا عندما تكون هناك اوامر ونواه صدرت عن النبي صلى الله عليه وآله بلسان الحكومه والولايه لا بلسان تبليغ الاحكام والشرائع الألهيه,وهذا هو مغزى تكرار كلمة(أطيعوا)في الآيه,وليس معنى عطف(أولي الأمر)على الرسول الا أشاره الى منصب مشترك بين الرسول وأولي الأمر,وهو منصب الحكومه والولايه.وعوده أخرى الى الآيه لنستفاد منها شيئا جديدا ,حيث نلاحظ أن الآيه تدرجت من طاعة الله سبحانه الى طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن طاعة الرسول الى طاعة أولي الأمر ,هذا من جهه,ومن جهه أخرى,نحن نعلم أن طاعة العبد لله انما هي طاعه مطلقه لأوامر ونواه معصومه,وأتباع لشريعه لايتطرق اليها الباطل ,بنحو من الأنحاء ,واذا لاحظنا الآيات الآمره بطاعة الرسول خاصه الآيات من الاسلوب الأولوأطيعوا الله ورسوله)ومن الأسلوب الرابع(من يطع الرسول فقد أطاع الله),أمكننا التوصل الى عصمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم,وهذا مقتضى العينيه الموجوده بين الطاعتين,وبتعبير آخر أن ترشح طاعة الرسول عن طاعة الله ,يكشف عن وصول فيض العصمه الألهيه الى السده النبويه.ثم أذا لاحظنا آيات الأسلوب الثاني التي تعطف طاعة النبي صلى الله عليه وآله على طاعة الله,خاصه آية أولي الأمر التي جمعت بين أولي الأمر وبين الرسول بطاعه واحده وبنحو يفهم منه أن الآيه بصدد النظر الى عنصر مشترك ومنصب واحد بين الرسول وأولي الأمر ,وهو منصب الولايه والحكومه,اذا نظرنا الا الآيه أمكننا التوصل الى عصمة أولي الامر ايضا,ذلك اذا كنا قد توصلنا الى عصمة الرسول من خلال اتحاد طاعته مع طاعة الله سبحانه,فلا شك ان اتحاد طاعة الرسول مع طاعة أولي الامر يكشف عن عصمة أولي الامر ايضا ,وهكذا يترشح فيض العصمه من الله الى النبي ,ومن النبي الى أولي الامر,مما يستتبع ترشح لزوم الطاعة عبر هذه السلسله ايضا,فتجب طاعة أولي الامر لوجوب طاعة الرسول ,ووجوب طاعة الرسول لوجوب طاعة الله عز وجل.ومما يؤيد أستفادة عصمة أولي الامر من الآيه أمور ثلاث هي,
1/ان الله سبحانه أمر بطاعة أولي الامر من جهه ونهى عن أتباع خطوات الشيطان من جهه أخرى,فلو لم يكن ولي الامر معصوما كان أتباعه في موارد خطأه أتباعا للشيطان ,ولا يمكن الامر بشيء قد نهى عنه لأنه يازم منه الضدان:الوجوب والحرمه.
2/أن الامر بطاعة أولي الامر في الآيه جاء مطلقا كالأمر بطاعة الله والرسول,وهذا الأطلاق لاينسجم الا مع القول بعصمة اولي الامر ,لأن غير المعصوم قد يأمر بمعصيه فتحرم طاعته فيها ,وهذا يتنافى مع أطلاق الأمر بالطاعة.وقد يقال :بأن الآيه مقيده بقيد منفصل مستفاد من دليل آخر,مثل قوله تعالى(قل أن الله لايأمر بالفحشاء)وقول الرسول(لاطاعه لمخلوق في معصية الخالق)وبذلك يرتفع اشكال التضاد.
ولكن هذا القول لايتم ,لأن القرآن جعل طاعة الرسول بمنزلة طاعة الله وحينئذ فكما أن طاعة الله لاتقبل التقييد والتخصيص كذلك طاعة الرسول لاتقبل التقييد والتخصيص,ولذا لانستطيع القول بأن قوله تعالى(من يطع الرسول فقد أطاع الله)مقيد بقوله صلى الله عليه وآله (لاطاعه لمخلوق في معصية الخالق)وذلك للتنافي بين القولين ,وبالتالي عدم صلاحية الكلام الثاني لتقييد الكلام الاول,فأن الكلام الاول يدل على صحة أوامر الرسول ومطابقتها لأوامر الله ,بينما يدل الكلام الثاني –اذا اعتبر قيدا للآيه-على امكان صدور المخالفه من الرسول صلى الله عليه وآله,وما قيل في الرسول يقال ايضا في اولي الامر ,فكما ان اطلاق الامر بطاعة الرسول لايقبل التقييد كذلك اطلاق الامر بطاعة اولي المر لايقبل التقييد ,لأن الآيه (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)جعلت أولي الامر والرسول بمنزلة واحده ,وحينئذ يبقى الامر بطاعة أولي الامر على أطلاقه وممتنعا عن التقييد ,مما يدل على عصمة أولي الامر المقصودين بالطاعه.
3/أن الآيه في سياق تعظيم الرسول وأولي الأمر واعطاء درجه واحده من اللزوم والنفوذ لأزامرهما ,وهذا السياق بحد ذاته ينفي أمكانية تخصيص أو تقييد طاعة أولي الامر في ما عدا المعاصي ,لأن تعظيم المعاصي قبيح ,ولأن التقييد والتخصيص اذا كان ممكنا سرى الى أوامر النبي ,ولم يقف عند حدود أولي الامر لظهور الآيه في وحدة درجة النفوذ واللزوم في أوامرهما ,وحيث لايمكن تقييد طاعة النبي فلا يمكن تقييد طاعة أولي الامر ايضا ,ولو كان التقييد ممكنا لظهر ذلك في الآيه نفسها ,لأن القرآن الكريم التزم بالتقييد فيما هو أدنى من شأن الامامه وأقل حاجة الى التقييد ,كما في قوله تعالى عند التعرض لبر الوالدين (وان جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) .وقد اعترف الفخر الرازي في تفسيره بدلالة الآيه على عصمة الرسول وأولي الامر,فقال في المسأله الثالثه في ذيل الآيه:اعلم أن قوله (وأولي الأمر منكم)يدل عندنا على أن أجماع الأمه حجه ,والدليل على ذلك أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الامر على سبيل الجزم في الآيه ,ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابد وأن يكون معصوما عن الخطأ,واذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ كان بتقدير اقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته فيكون ذلك أمرا بفعل ذلك الخطأ,والخطأ لكونه خطأ منهي عنه,فهذا يفضي الى أجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد وانه محال,فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم ,وثبت أن كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوما,فثبت قطعا أن أولي الأمر المذكور في الآيه يكون معصوما."التفسير الكبير:ج5/ص149وقال في موقع آخر"فكان حمل الآيه على الاجماع أولى,لأنه ادخل الرسول وأولي الامر في لفظ واحد وهو قوله تعالى(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)فكان حمل (أولي الأمر)الذي هو مقرون بالرسول على المعصوم أولى من حمله على الفاجرالفاسق....)التفسيرالكبير:ج5/ص151.وهذا الرأي أعتمده النيشابوري في تفسيره "غرائب القرآن ج5ص65"وكذلك الشيخ محمد عبده على ماحكاه مقرر بحثه في المنار بقوله(فأهل الحل والعقد من المؤمنين اذا أجمعا على أمر من مصالح الأمه-الى أن قال-طاعتهم واجبه ويصح أن يقال:هم معصومون في هذا الأجماع)تفسير المنار:ج5ص181:وأن أضاف اليه المقرر ما يوهم خلافه.يتلخص من كل ما مر أن الآيه المباركه تدل على عصمة أولي الأمر المقصودين بالطاعه ,,ولكن قد يرد أشكال على هذا الأستدلال وهو:أن تعبير( منكم )الوارد في الآيه ربما جاء للتنبيه على أن أولي الأمر المقصودين بالطاعه هم أفراد من هذه الأمه ليست لهم أي ميزه على سائر الأفراد كالعصمه وغيرها.ولكن هذا الأشكال غير تام ,لأن تعبير (منكم)في الآيه نظير تعبير (منهم)في قوله تعالى(هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم)فكما أن كون الرسول فردا من هذه الأمه لاينفي وجود صفه زائده فيه,فكذلك كون أولي الأمر أفرادا من هذه الأمه لاينفي وجود مزيه فيهم,ولعل المقصود من هذه الكلمه هو العكس تماما,وهو اثبات المزيه لهم ,فكأن الآيه تريد اشعار الأمه بأن كون هؤلاء أفرادا منكم لايعني مساواتكم لهم,بل هناك مزايا فيهم توجب طاعتكم لهم.
بعد هذا يأتي السؤال الآتي:ماهي صلاحيات أولي الأمر؟وما هي دائرة نفوذهم في المجتمع الأسلامي؟.
وللموضوع تتمه.....ولنا عوده أنشاء الله
تعليق