إلى الذي نعيش بظله ونتنفس من هواء أجوائه والذي نأمن ببركات وجوده إلى الجناب المحترم وابن الإمام المهتضم وصاحب المشهد المكرم وأخو السيد المعظمإلى ابن باب الحوائج القاسم بن الإمام الكاظمصلوات الله على نبينا وآله أهدي هذه القبسات خادم أهل البيت إنشاء الله
الشيخ حميد مجيد عليوي
المقدمة :
إن ما ورد عن حياة القاسم u في الكتب التاريخية هو شيء قليل أو متواضع ، حيث لا يوجد سوى القصة المعروفة وبعض الأحاديث ،ولعل السبب في ذالك يعود إلى اختفاء الإمام u عن رواة الحديث وبعده عن وطن جده ، لكن إذا تأملنا في هذا الشيء القليل من الروايات اوالقصة لوجدناها مليئة بكل معاني الإباء والتضحية والفداء ونصرة الدين والعقيدة . فلذلك اعتمدتُ في كتابة هذه الأوراق استنباط ما تدل علية الأحاديث والقصة التي وردت في الكتب.راجين من الله أن يرزقني مع من يقرأ هذه الأوراق شفاعة الإمام u القاسم ابن الإمام موسى بن جعفر .
حميد مجيد
15/ذي القعدة /1428
نسبه:
هو القاسم بن الأمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب . فهو ابن رسول الله القائل ( قد جعل الله سبحانه وتعالى ذرية كل رجل في صلبه وجعل ذريتي في صلب علي ابن أبي طالب ع) أمه تكتم وهي أم ولد كانت مملوكة لحميدة أم الإمام الكاظم جاء في رواية الحاكم أبي علي الحسين بن احمد البهيقي قال حدثنا الصولي قال حدثني عون بن محمد الكندي قال سمعت أبا الحسن علي بن ميثم يقول وما رأيت أحدا قط اعرف بأمور الأئمة وإخبارهم و مناكحهم منه قال اشترت حميدة المصفاة جارية مولودة واسمها تكتم وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة حتى إنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالا لها فقالت لابنها موسى يا بني إن تكتم جاريه ما رأيت جارية قط أفضل منها. وذكرت لها أسماء كثيرة ( نجمة و سمانة و خيزران .. ) و( تكتم ) هو الأشهر إن لم يكن اصح بدليل قول الحاكم أبي علي قال : ( قال الصولي والدليل على أن اسمها ( تكتم ) قول الشاعر يمدح الإمام الرضا ) .
ألا إن خير الناس نفسا ووالدا
أتتنا به للعلم والحكـــم ثامنا
ورهطا وأجدادا علي المعظم
إماما يؤدي حجة الله تكتـــــم
فماذا عسى أن نتحدث عنها وقد جعلها الله سبحانه وتعالى سكنا لحجته على الأرض ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ) الروم /2 ووعاء لحجته وهو الأمام الغريب علي بن موسى الرضا وكما ورد في زيارة الحسين u كنت نورا في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة فهذه المراة مطهرة من الله سبحانه كنظيراتها من نساء ألائمة عليهم السلام فهي التي حملة الأمام الرضا u وسماها الإمام الكاظم u الطاهرة بعد ولادة الإمام الرضا u كما وإنها كانت تحظى برعاية السيدة الجليلة حميدة المصفاة .
ولادته ونشائته.
ولد القاسم في المدينة المنورة،مدينة رسول الله (ص) سنة 150 للهجرة كما جاء في عيون أخبار الرضا ( لما كانت ولادة الإمام الرضا سنة 148 للهجرة فتكون ولادة القاسم سنة (150) . ولد في بيت الرسالة في البيت الذي لم يغفل عن ذكر الله وعبادته طرفة عين أبدا ، نشأ وترعرع في حجر أبيه الإمام موسى ابن جعفر u وصاحب أخيه الرضا u وكذلك فتح عينيه على ظلم بني العباس وفجورهم وقسوتهم ضد أهل البيت u ومحبيهم . عاصر أربعة منهم المنصور الدوانيقي وولده المهدي والهادي وهارون الرشيد فيكون عمره ما بين (20-25) سنة عند خروجه من المدينة المنورة على احتمال خروجه في بداية ملك هارون أما على فرضية خروجه من المدينة عند استشهاد أبيه الأمام موسى ابن جعفر u فيكون عمره آنذاك ( 33 ) سنه وهو الاحتمال الأقوى لأن الدور المعلق على عاتق القاسم عليه السلام و هو لفت الأنظار حوله بتمويه وتضليل من يريد قتل الأمام الذي سيخلف الأمام موسى ابن جعفر وان هذا الدور قد بدا حين تسلم الإمام الرضا u مقاليد الإمامة ، أما وفاته u كانت في عهد هارون لأن في عهد المأمون كان أولاد ألائمة u والشيعة في أمانٍ نوعاً ما . وقد نقلت مؤسسة الإرشاد والتوجيه الديني في مفكرة الإرشاد الصادرة في (2007 -1428 ) تاريخاً لوفاة القاسم هو 22/ جمادى الأولى . وكذالك في مواقيت الاهلة وقيل كذالك 1 ذي الحج , وفي هذا اليوم في كل سنة تعطل الاسواق وترفع اعلام السواد في كل انحاء المدينة وياتي الزائرون من كل مكان .
أخلاقه وعلمه .
لقد عاش القاسم في حجر وأحضان الإمام موسى ابن جعفر ع ونحن نعلم أن البيئة التي يعيش فيها الطفل لها أثر في سلوكه وتربية ، وكذلك سلوك الوالدين وتصرفاتهم تنعكس على الطفل . فالإمام القاسم ع فتح عينيه في بيت نادرا ما يقدم فيه الطعام في النهار، وتهجع النفوس وتهدأ الأصوات من التهجد والعبادة في الليل ، ولد في بيت هو مصدر الإيمان و مهبط الوحي ، وقد طهر الله أهل هذا البيت من الرجس تطهيرا ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) . فكيف يكون من يعيش في مثل هذا البيت الذي جعله الله محط علمه ومهبط ملائكته ، أم كيف بمن كان أبوه الإمام الكاظم u ، فإنه حتما سيتأثر به تأثيرا عظيما .
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى إذا تأملنا كلام المؤلف الكبير الشيخ الجليل باقر شريف القرشي ( هو إن الأنظار كانت متوجهة نحو القاسم على أنه هو الإمام من بعد أبيه) ، وهذا إن دل إنما يدل على إنهم وجدوا الصفات التي يجب أن تكون في الإمام المعصوم من علم( أي انه يجب أن يجيب على كل سؤال يتعرض له ويكون ذا حكمة وتقوى وورع وإيمان وغيرها) وان الناس في ذلك الوقت كانوا خريجي مدرسة الباقر والصادق u وان هذه المدرسة بالإضافة إلى عنايتها بالعلم ،تكفلت ببيان الخطوط العامة والتفصيلية لمذهب أهل البيت u فالناس في هذه الفترة كانت واعية وملمة بصفات الإمام المعصوم.فلذلك كانت هذه النظرة عند الناس خصوصا السلطات الحاكمة،وهذه النضرة ،تدل على إن القاسم u معصوم بالعصمة المكتسبة وخصوصا إذا تأملنا في هذا الخبر الذي رواه ثقة الإسلام الشيخ الكليني عن يزيد ابن السليط عن الإمام الكاظم عليه السلام في طريق مكة وانه قال له : ( أخبرك يا أبا عمارة إني خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان يعني الإمام الرضا u وأشركت معه بني الظاهر ، فأوصيته في الباطن فأفردته وحده ولو كان الأمر لي لجعلته في القاسم ابني لحبي إياه ورأفتي عليه ولكن ذلك إلى الله عز وجل يجعله حيث يشاء ) فهذا الحديث يُنزِل القاسم u منزلة الإمام المعصوم ، إذن القاسم u معصوم كعصمة أبي الفضل العباس u فلذالك عدَهُ كبار العلماء والمحدثين بمقام العباس .
أما تزويج شيخ العشيرة له من إحدى بناته ليس إلا أنه وجد فيه أخلاق لأنبياء وعلمهم . وإذا تأملنا في تاريخ العشائر خصوصا شيوخ العشائر قديما وحديثا لوجدناهم لم يزوجوا من لا يعرف حسبه ونسبه وعندما أراد شيخ العشيرة تزويجه من إحدى بناته اعترض عليه بعض أفراد العشيرة بحجة عدم معرفتهم لحسبه ونسبه فقال لهم يكفي ما رأيت عليه من وسامة وهيبة وخشوع وصيام وقيام ليل وشجاعة وفروسية وتلك سجاية النبلاء .
أيام الغربه .
الغربة ليل دامس في صحراءٍ جرداء الغربة جرح ينزف ليس له دواء الغربة لا نستطيع وصفها في الأهواء،الغربة لم تكن بعدا عن الأوطان فقط بل كم من عفيفٍ عاش في وطنه غريبا. يقول سيد البلغاء علي أمير المؤمنين (الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن)الغربة عاشها أهل البيت u وهم في أوطانهم ليس بفقرهم وإنما بجهل الناس حقهم،وكذالك عاشوها بعيدا عن الأوطان، الغربة بمرارتها وألمها خرج إليها القاسم خرج متخفيا عن الأنظار خرج بنفس الهدف الذي خرج من اجله جده رسول الله (ص)والحسين(ع ) وهو إعلاء كلمة لا اله إلا وحماية دينه عن طريق نصرة حجة الله على الأرض وهو الإمام الرضاu فكان القاسم بدفاعه عن دينه ونصرة أخيه بتحمله الم الغربة ومشاقها شبيها" بعمه العباس الذي وقف في كربلاء وتحمل كل أنواع الأذى والألم قائلا عندما قطعوا يمينه:
والله إن قطعتم يميني إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقين
لكنه خرج كخروج موسى بن عمران u خائفاً يترقب .
وشريد يطوي الفيافي غريبا مختف في الكهوف والآجام
يتحرى الأحياء كيما يواري شخصه عن ابن الخنا واللئام
ومن الجدير بالذكر أن قصة الإمام القاسم (ع) شبيهة بقصة نبي الله موسى u من جهة خروجه ولقائه ببنات شعيب وبقائه في ديار الغربة وعمله فيها وزواجه من إحدى بنات شعيب . خرج من المدينة مع قافلة تجارية متوجة إلى الكوفة وهو متخف في أوساطهم إلى أن وصلوا إلى الكوفة توجه يسير بمحاذاة الفرات حتى اخذ فرعا"من فروع الفرات سار بجنبه فوجد بنتين يملئن الماء من ذلك النهر وكانت البنتان يتحدثن فيما بينهما فسمع إحداهن تقسم للأخرى بقولها (لا وحق صاحب بيعة الغدير) فلفت سمع الإمام القاسم u هذا القسم لأن هذا القسم فيه دلالات كثيرة أولها: أن أهل هذا الحي جميعهم من الموالين لأهل البيت ، وولاؤهم ليس ولاءً عاطفياً فحسب وإنما كان ولاء حجة ودليل وهذا القسم خير دليل على ذلك ، لأن هذا القسم خطير في ذلك الزمن الذي كان يسجن أو يقتل فيه من يذكر علياً أو إحدى فضائله ، وخطورة القسم تأتي من أنه ليس قسم بعلي فحسب وإنما هو إشارة عقائدية ( أي ان هذا القسم يشير الى ان الخلافة لعلي بدليل بيعة الغدير وأن القوم اغتصبوها منه) ، وولاء هذا الحي ظهر للإمام عندما عاش في أوساطهم وظهر للتاريخ عندما عرفوا إن هذا الغريب هو ابن إمامهم موسىبن جعفر. فتوجه القاسم الى تلك البنت وسألها من تعنين بصاحب بيعة الغدير، فقالت: سيدي ومولاي علي بن أبي طالب فاطمأن الإمام u لكلامها وقال لها: من كبير هذا الحي؟ فقالت: انه والدي ،فذهب معها إلى دار الضيافة فاستقبله الشيخ ومن معه بإجلال واحترام وبقي ثلاثة أيام عندهم وبعدها سأله الشيخ عن اسمه ونسبه، فأجاب انه الغريب،و طلب من الشيخ إن يبقى في حيهم و قال يا عم ما عبد الله بشيءٍ أفضل من العمل فهلا اخترت لي عمل أعيش به في أوساطكم فقال الشيخ ليس لنا من العمل ما يليق بك فقال اجعلني أملا الماء (وقيل اسقي الماء) ومن الجدير بالذكر إن هذا الحي يسمى ( باخمرا ) نسبة لمهنة أهل هذا الحي وهي تخميرالطين وكذلك تسمى قديما (سورا) وهي مدينة السريانيين ( ولمعرفة معاني وأصول هذين الاسمين الرجوع إلى كتاب القاسم نجل الإمام الكاظم سيرة إمام وتاريخ مدينة للأستاذ عبد العظيم عباس الجوذري) فبقي الإمام في الحي وهو يملأ الماء من نهر الفرات بعد أن يجلس على ضفة هذا النهر يبكي وهذا البكاء - ولا ندري -أكان لغربته ؟ أم انه تذكر لوعة جده الحسين في الغربة التي هو فيها ؟ أم أنه عندما ينظر إلى ماء نهر الفرات الجاري يتذكر عطش جده الحسين وعياله ؟ .
بقي على هذه الحال فترة من الزمن وببركاته ازدادت الخيرات واخضرت الأرض وبان الصلاح والأيمان على أهل الحي ، وشاهد أهل الحي منه كرامات وبراهين من الإمام ، وقيل : إن شيخ العشيرة خرج في الليل فشاهد نورا خارجا من حجرة القاسم متصلا بالسماء فلما دنا من الحجرة فرأى القاسم واقفا يصلي والنور يشع من وجهه فازداد حب القاسم في قلب الشيخ مما جعله يقرر تزويج الإمام إحدى بناته ، فجمع كبار عشيرته وأطلعهم على نيته فقيل أيده بعضهم والبعض الأخر اعترض بسبب عدم معرفتهم لحسبه ونسبه فضلا عن اسمه، وقيل: اجمعوا على إن أخلاقه وكراماته تغني عن الحسب والنسب فتزوج الإمام من تلك التي أقسمت بصاحب بيعة الغدير ،وقيل إن الله رزقه منها بنت سماها حميدة أو فاطمة ولكن هذا الخبر ضعيف حيث إن كل من تعرض لحياة القاسم ضعّف هذا الخبر ومنهم من اثبت إن القاسم لم يكن له عقب .
إما الرأي القائل إن له بنتاً ، فقد رووا أنه لما جاءت السنة الثالثة مرض القاسم مرضا شديدا ، فجلس شيخ العشيرة عند رأسه وقال : له يا عم أنت على فراش المنية أبعد الله يومك فهلا أعلمتني بحسبك ونسبك ، فقال : القاسم ودموعه تسيل : يا شيخ أني من بيت هبط فيه جبرائيل ونسبي من رسول الله ، يا شيخ إنا القاسم ابن الإمام موسى ابن جعفر ، فضرب الشيخ على رأسه وأجهش بالبكاء لأن ابن إمامهم في أوساطهم ويعمل عندهم وهم لا يعلمون التفت القاسم إلى الشيخ مطمئناً إياه بشفاعة الرسول الأكرم (ص) وقال: يا شيخ أوصيك إذ أنا مت غسلني وكفني وادفني وإذا صار وقت الحج خذ ابنتي وابنتك معك فإذا فرغت من مناسك الحج اذهب إلى المدينة فإذا وصلت باب المدينة اترك الطفلة وامشي خلفها حتى تقف على باب دار عالية ، فتلك الدار دارنا ، واعلم ياعمّ أن الدار ليس فيها إلا أطفال ونساء .
وبعد إن أتم وصيته فاضت روحه الطاهرة ، فكان يوم وفاته يوم حزن وبكاء في حي أبا خمرا وعقدت المأتم بعد أن دفنوه في هذا المكان الذي أصبح كعبة للزائرين وأمانا لمجاوريه .
ولما جاء موسم الحج ذهب الشيخ واخذ ابنة القاسم وابنته إلى المدينة وترك الطفلةعند بابها وسارخلفها حتى وصلت إلى الدار طرقتها وهي تبكي فخرجت لها النساء وادخلنها وسألنها ؟ فلم تجبهم إلا بالبكاء والنحيب ؟ فادخلنها على أم القاسم فلما رأتها قالت هذه طفلة ولدي القاسم فقلن: لها كيف علمتي بها ؟ قالت : إن شمائلها كشمائل ولدي القاسم وبعد إن احتضنتها ، أم القاسم أعلَمَتهم بوقوف أمها وجدها عند الباب .وقيل: إن أم القاسم عندما علمَت بقصة وموت ولدها لم تبقَ سوى ثلاثة أيام وفارقت الحياة
سبب اختفاؤه:
إن اختفاء القاسم لم يكن بسبب الظلم والاضطهاد الذي كان يعاني منه العلويون في ذلك الوقت على ما قيل وإنما من اجل شغل السلطات بالبحث عنه لأنهم كانوا يتصورون إن الإمام بعد موسى ابن جعفر هو القاسم فعندما تنشغل السلطة بالبحث عنه تخف وطأتهم على الإمام الرضا ويكون في مأمن منهم نوعاً ما.واعتقد إن هذا الدور الذي قام به القاسم هو بوصية من الإمام الكاظم لان الإمام وكما جاء في رواية يزيد ابن السليط (أخبرك يا أبا عمارة أني خرجت من منزلي فأوصيت لولدي الرضا و أشركت معه ولدي القاسم )فهذا الحديث فيه دلالة واضحة إن الإمام أوصى ولده القاسم وحمْله مسؤولية عظيمة.فإذا بحثنا عن الدور الذي قام به القاسم خصوصا في السنين العشر الأولى من إمامة الإمام الرضا باعتباره شريكا في الوصية.فلا نجد شيئاً لأنه مختف طيلة هذه الفترة .إذن كان دوره هو الاختفاء عن أعين الناس والسلطات خاصة لأنه شريك الإمام الرضا بالحفاظ على الإمام المعصوم
ميزاته عن بقية إخوته :
للإمام الكاظم أبناء كثيرون ما يقارب الـ(38) تقريبا من ذكر وأنثى لكن أشهرهم هو الإمام الرضا u لأنه هو الإمام المعصوم بعد أبيه وطبعا لكل من أبناء الإمام الكاظم ميزات خاص به باستثناء الإمام الرضا لأنه الإمام مفترض الطاعة . أما الإمام القاسم فله ميزات امتاز بها عن بقية إخوته منها.
1-حب الإمام الكاظم ورأفته عليه حيث إن الإمام الكاظم أفصح عن حبه للقاسم كما في الخبر المروي الذي سيمر ذكره وهذا لا يعني إن الإمام لا يحب أبنائه وإنما أعطى منزله أو مكانه خاصة للقاسم في قلبه هذه المنزلة ميزته عن باقي اخوته الخبر رواه ثقة الإسلام الشيخ الكليني عن يزيد ابن السليط عن الإمام الكاظم عليه السلام في طريق مكة وانه قال له : ( أخبرك يا أبا عمارة إني خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان يعني الإمام الرضا و أشركت معه بني الظاهر فأوصيته في الباطن فأفردته وحده ولو كان الأمر لي لجعلته في القاسم ابني لحبي إياه ورأفتي عليه ولكن ذلك إلى الله عز وجل يجعله حيث يشاء ) وهذه الوصية جاءت مقاربة لوصية الإمام الصادق (ع) ( ففي سنة 148للهجره استشهد الإمام الصادق مسموما ولما بلغ النبأ إلى بعده وأمره أن يقبض على الوصي يضرب عنقه فوراً قام الوالي بتفتيش بيتَ الإمام فعثر على الوصية وقراها وكان مضمونها إن الإمام يوصى لخمسةِ أشخاص هم المنصور نفسه والوالي محمد ابن سليمان وولداه موسى الكاظم وعبد الله الأفطح وزوجته حميدة ، عندها حار الوالي بأمر هذه الوصية فبعث إلى المنصور يخبره بمضمون الوصية ويطلب منه التعليمات لكن المنصور كان أكثر حيرة وذهولاً ، فقال ليس إلى قتل هؤلاء من سبيل ) نعم أراد الإمام الصادق u التمويه والتغطية على الإمام من بعده. فوصية الإمام الكاظم شابهت وصية أبيه الإمام الصادق من ناحية الهدف لأجل تمويه وتضليل من يريد قتل الأمام الذي سيخلف الإمام المعصوم من كيد ومكر خلفاء بني العباس.
2- تميز بالرحِمِ الذي حمله وهو الرحم الذي حمل الامامه حيث إن القاسم و الإمام الرضا وفاطمة u المعروفة بمعصومة قم هم أخوة الرضا u لأمه وأبيه أمهم تكتم وأبيهم موسى ابن جعفر ، أما باقي أولاد الامام الكاظم فهم أخوة الإمام الرضا لأبيه
3- تميزا بزيارته حيث إن زيارته تعادل زيارة الإمام المعصوم كما في الخبر عن الإمام الرضا قال ( من لم يتمكن على زيارتي فليزر أخي القاسم )
ومعنى هذا تكون زيارة القاسم بمثابة زيارة الرضا عليه السلام لمن لم يتمكن على زيارته لبعد المسافة أو لغيرها من الظروف
4. الحث على زيارته من قبل الإمام الرضا عليه السلام لان في الحديث انف الذكر دلاله أخرى وهي الحث على زيارة أخيه القاسم لأنه فرع من فروع ألإمامه. . جعله الكثير من كبار العلماء والمحدثين بمقام العباس بن أمير المؤمنين و علي الأكبر بن الحسين عليهم السلام قال صاحب البحار(قال علي بن طاووس عند ذكر زيارة قبور أولاد الأئمة رضوان الله عليهم إذا أردت زيارة أحد منهم كالقاسم بن الكاظم أو العباس بن أمير المؤمنين أو علي بن الحسين المقتول بالطف ومن جرى في الحكم مجراهم تقف على قبر المزور منهم وتقل السلام عليك أيها السيد الزكي.........الخ )
الشيخ حميد مجيد عليوي
المقدمة :
إن ما ورد عن حياة القاسم u في الكتب التاريخية هو شيء قليل أو متواضع ، حيث لا يوجد سوى القصة المعروفة وبعض الأحاديث ،ولعل السبب في ذالك يعود إلى اختفاء الإمام u عن رواة الحديث وبعده عن وطن جده ، لكن إذا تأملنا في هذا الشيء القليل من الروايات اوالقصة لوجدناها مليئة بكل معاني الإباء والتضحية والفداء ونصرة الدين والعقيدة . فلذلك اعتمدتُ في كتابة هذه الأوراق استنباط ما تدل علية الأحاديث والقصة التي وردت في الكتب.راجين من الله أن يرزقني مع من يقرأ هذه الأوراق شفاعة الإمام u القاسم ابن الإمام موسى بن جعفر .
حميد مجيد
15/ذي القعدة /1428
نسبه:
هو القاسم بن الأمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب . فهو ابن رسول الله القائل ( قد جعل الله سبحانه وتعالى ذرية كل رجل في صلبه وجعل ذريتي في صلب علي ابن أبي طالب ع) أمه تكتم وهي أم ولد كانت مملوكة لحميدة أم الإمام الكاظم جاء في رواية الحاكم أبي علي الحسين بن احمد البهيقي قال حدثنا الصولي قال حدثني عون بن محمد الكندي قال سمعت أبا الحسن علي بن ميثم يقول وما رأيت أحدا قط اعرف بأمور الأئمة وإخبارهم و مناكحهم منه قال اشترت حميدة المصفاة جارية مولودة واسمها تكتم وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة حتى إنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالا لها فقالت لابنها موسى يا بني إن تكتم جاريه ما رأيت جارية قط أفضل منها. وذكرت لها أسماء كثيرة ( نجمة و سمانة و خيزران .. ) و( تكتم ) هو الأشهر إن لم يكن اصح بدليل قول الحاكم أبي علي قال : ( قال الصولي والدليل على أن اسمها ( تكتم ) قول الشاعر يمدح الإمام الرضا ) .
ألا إن خير الناس نفسا ووالدا
أتتنا به للعلم والحكـــم ثامنا
ورهطا وأجدادا علي المعظم
إماما يؤدي حجة الله تكتـــــم
فماذا عسى أن نتحدث عنها وقد جعلها الله سبحانه وتعالى سكنا لحجته على الأرض ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ) الروم /2 ووعاء لحجته وهو الأمام الغريب علي بن موسى الرضا وكما ورد في زيارة الحسين u كنت نورا في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة فهذه المراة مطهرة من الله سبحانه كنظيراتها من نساء ألائمة عليهم السلام فهي التي حملة الأمام الرضا u وسماها الإمام الكاظم u الطاهرة بعد ولادة الإمام الرضا u كما وإنها كانت تحظى برعاية السيدة الجليلة حميدة المصفاة .
ولادته ونشائته.
ولد القاسم في المدينة المنورة،مدينة رسول الله (ص) سنة 150 للهجرة كما جاء في عيون أخبار الرضا ( لما كانت ولادة الإمام الرضا سنة 148 للهجرة فتكون ولادة القاسم سنة (150) . ولد في بيت الرسالة في البيت الذي لم يغفل عن ذكر الله وعبادته طرفة عين أبدا ، نشأ وترعرع في حجر أبيه الإمام موسى ابن جعفر u وصاحب أخيه الرضا u وكذلك فتح عينيه على ظلم بني العباس وفجورهم وقسوتهم ضد أهل البيت u ومحبيهم . عاصر أربعة منهم المنصور الدوانيقي وولده المهدي والهادي وهارون الرشيد فيكون عمره ما بين (20-25) سنة عند خروجه من المدينة المنورة على احتمال خروجه في بداية ملك هارون أما على فرضية خروجه من المدينة عند استشهاد أبيه الأمام موسى ابن جعفر u فيكون عمره آنذاك ( 33 ) سنه وهو الاحتمال الأقوى لأن الدور المعلق على عاتق القاسم عليه السلام و هو لفت الأنظار حوله بتمويه وتضليل من يريد قتل الأمام الذي سيخلف الأمام موسى ابن جعفر وان هذا الدور قد بدا حين تسلم الإمام الرضا u مقاليد الإمامة ، أما وفاته u كانت في عهد هارون لأن في عهد المأمون كان أولاد ألائمة u والشيعة في أمانٍ نوعاً ما . وقد نقلت مؤسسة الإرشاد والتوجيه الديني في مفكرة الإرشاد الصادرة في (2007 -1428 ) تاريخاً لوفاة القاسم هو 22/ جمادى الأولى . وكذالك في مواقيت الاهلة وقيل كذالك 1 ذي الحج , وفي هذا اليوم في كل سنة تعطل الاسواق وترفع اعلام السواد في كل انحاء المدينة وياتي الزائرون من كل مكان .
أخلاقه وعلمه .
لقد عاش القاسم في حجر وأحضان الإمام موسى ابن جعفر ع ونحن نعلم أن البيئة التي يعيش فيها الطفل لها أثر في سلوكه وتربية ، وكذلك سلوك الوالدين وتصرفاتهم تنعكس على الطفل . فالإمام القاسم ع فتح عينيه في بيت نادرا ما يقدم فيه الطعام في النهار، وتهجع النفوس وتهدأ الأصوات من التهجد والعبادة في الليل ، ولد في بيت هو مصدر الإيمان و مهبط الوحي ، وقد طهر الله أهل هذا البيت من الرجس تطهيرا ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) . فكيف يكون من يعيش في مثل هذا البيت الذي جعله الله محط علمه ومهبط ملائكته ، أم كيف بمن كان أبوه الإمام الكاظم u ، فإنه حتما سيتأثر به تأثيرا عظيما .
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى إذا تأملنا كلام المؤلف الكبير الشيخ الجليل باقر شريف القرشي ( هو إن الأنظار كانت متوجهة نحو القاسم على أنه هو الإمام من بعد أبيه) ، وهذا إن دل إنما يدل على إنهم وجدوا الصفات التي يجب أن تكون في الإمام المعصوم من علم( أي انه يجب أن يجيب على كل سؤال يتعرض له ويكون ذا حكمة وتقوى وورع وإيمان وغيرها) وان الناس في ذلك الوقت كانوا خريجي مدرسة الباقر والصادق u وان هذه المدرسة بالإضافة إلى عنايتها بالعلم ،تكفلت ببيان الخطوط العامة والتفصيلية لمذهب أهل البيت u فالناس في هذه الفترة كانت واعية وملمة بصفات الإمام المعصوم.فلذلك كانت هذه النظرة عند الناس خصوصا السلطات الحاكمة،وهذه النضرة ،تدل على إن القاسم u معصوم بالعصمة المكتسبة وخصوصا إذا تأملنا في هذا الخبر الذي رواه ثقة الإسلام الشيخ الكليني عن يزيد ابن السليط عن الإمام الكاظم عليه السلام في طريق مكة وانه قال له : ( أخبرك يا أبا عمارة إني خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان يعني الإمام الرضا u وأشركت معه بني الظاهر ، فأوصيته في الباطن فأفردته وحده ولو كان الأمر لي لجعلته في القاسم ابني لحبي إياه ورأفتي عليه ولكن ذلك إلى الله عز وجل يجعله حيث يشاء ) فهذا الحديث يُنزِل القاسم u منزلة الإمام المعصوم ، إذن القاسم u معصوم كعصمة أبي الفضل العباس u فلذالك عدَهُ كبار العلماء والمحدثين بمقام العباس .
أما تزويج شيخ العشيرة له من إحدى بناته ليس إلا أنه وجد فيه أخلاق لأنبياء وعلمهم . وإذا تأملنا في تاريخ العشائر خصوصا شيوخ العشائر قديما وحديثا لوجدناهم لم يزوجوا من لا يعرف حسبه ونسبه وعندما أراد شيخ العشيرة تزويجه من إحدى بناته اعترض عليه بعض أفراد العشيرة بحجة عدم معرفتهم لحسبه ونسبه فقال لهم يكفي ما رأيت عليه من وسامة وهيبة وخشوع وصيام وقيام ليل وشجاعة وفروسية وتلك سجاية النبلاء .
أيام الغربه .
الغربة ليل دامس في صحراءٍ جرداء الغربة جرح ينزف ليس له دواء الغربة لا نستطيع وصفها في الأهواء،الغربة لم تكن بعدا عن الأوطان فقط بل كم من عفيفٍ عاش في وطنه غريبا. يقول سيد البلغاء علي أمير المؤمنين (الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن)الغربة عاشها أهل البيت u وهم في أوطانهم ليس بفقرهم وإنما بجهل الناس حقهم،وكذالك عاشوها بعيدا عن الأوطان، الغربة بمرارتها وألمها خرج إليها القاسم خرج متخفيا عن الأنظار خرج بنفس الهدف الذي خرج من اجله جده رسول الله (ص)والحسين(ع ) وهو إعلاء كلمة لا اله إلا وحماية دينه عن طريق نصرة حجة الله على الأرض وهو الإمام الرضاu فكان القاسم بدفاعه عن دينه ونصرة أخيه بتحمله الم الغربة ومشاقها شبيها" بعمه العباس الذي وقف في كربلاء وتحمل كل أنواع الأذى والألم قائلا عندما قطعوا يمينه:
والله إن قطعتم يميني إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقين
لكنه خرج كخروج موسى بن عمران u خائفاً يترقب .
وشريد يطوي الفيافي غريبا مختف في الكهوف والآجام
يتحرى الأحياء كيما يواري شخصه عن ابن الخنا واللئام
ومن الجدير بالذكر أن قصة الإمام القاسم (ع) شبيهة بقصة نبي الله موسى u من جهة خروجه ولقائه ببنات شعيب وبقائه في ديار الغربة وعمله فيها وزواجه من إحدى بنات شعيب . خرج من المدينة مع قافلة تجارية متوجة إلى الكوفة وهو متخف في أوساطهم إلى أن وصلوا إلى الكوفة توجه يسير بمحاذاة الفرات حتى اخذ فرعا"من فروع الفرات سار بجنبه فوجد بنتين يملئن الماء من ذلك النهر وكانت البنتان يتحدثن فيما بينهما فسمع إحداهن تقسم للأخرى بقولها (لا وحق صاحب بيعة الغدير) فلفت سمع الإمام القاسم u هذا القسم لأن هذا القسم فيه دلالات كثيرة أولها: أن أهل هذا الحي جميعهم من الموالين لأهل البيت ، وولاؤهم ليس ولاءً عاطفياً فحسب وإنما كان ولاء حجة ودليل وهذا القسم خير دليل على ذلك ، لأن هذا القسم خطير في ذلك الزمن الذي كان يسجن أو يقتل فيه من يذكر علياً أو إحدى فضائله ، وخطورة القسم تأتي من أنه ليس قسم بعلي فحسب وإنما هو إشارة عقائدية ( أي ان هذا القسم يشير الى ان الخلافة لعلي بدليل بيعة الغدير وأن القوم اغتصبوها منه) ، وولاء هذا الحي ظهر للإمام عندما عاش في أوساطهم وظهر للتاريخ عندما عرفوا إن هذا الغريب هو ابن إمامهم موسىبن جعفر. فتوجه القاسم الى تلك البنت وسألها من تعنين بصاحب بيعة الغدير، فقالت: سيدي ومولاي علي بن أبي طالب فاطمأن الإمام u لكلامها وقال لها: من كبير هذا الحي؟ فقالت: انه والدي ،فذهب معها إلى دار الضيافة فاستقبله الشيخ ومن معه بإجلال واحترام وبقي ثلاثة أيام عندهم وبعدها سأله الشيخ عن اسمه ونسبه، فأجاب انه الغريب،و طلب من الشيخ إن يبقى في حيهم و قال يا عم ما عبد الله بشيءٍ أفضل من العمل فهلا اخترت لي عمل أعيش به في أوساطكم فقال الشيخ ليس لنا من العمل ما يليق بك فقال اجعلني أملا الماء (وقيل اسقي الماء) ومن الجدير بالذكر إن هذا الحي يسمى ( باخمرا ) نسبة لمهنة أهل هذا الحي وهي تخميرالطين وكذلك تسمى قديما (سورا) وهي مدينة السريانيين ( ولمعرفة معاني وأصول هذين الاسمين الرجوع إلى كتاب القاسم نجل الإمام الكاظم سيرة إمام وتاريخ مدينة للأستاذ عبد العظيم عباس الجوذري) فبقي الإمام في الحي وهو يملأ الماء من نهر الفرات بعد أن يجلس على ضفة هذا النهر يبكي وهذا البكاء - ولا ندري -أكان لغربته ؟ أم انه تذكر لوعة جده الحسين في الغربة التي هو فيها ؟ أم أنه عندما ينظر إلى ماء نهر الفرات الجاري يتذكر عطش جده الحسين وعياله ؟ .
بقي على هذه الحال فترة من الزمن وببركاته ازدادت الخيرات واخضرت الأرض وبان الصلاح والأيمان على أهل الحي ، وشاهد أهل الحي منه كرامات وبراهين من الإمام ، وقيل : إن شيخ العشيرة خرج في الليل فشاهد نورا خارجا من حجرة القاسم متصلا بالسماء فلما دنا من الحجرة فرأى القاسم واقفا يصلي والنور يشع من وجهه فازداد حب القاسم في قلب الشيخ مما جعله يقرر تزويج الإمام إحدى بناته ، فجمع كبار عشيرته وأطلعهم على نيته فقيل أيده بعضهم والبعض الأخر اعترض بسبب عدم معرفتهم لحسبه ونسبه فضلا عن اسمه، وقيل: اجمعوا على إن أخلاقه وكراماته تغني عن الحسب والنسب فتزوج الإمام من تلك التي أقسمت بصاحب بيعة الغدير ،وقيل إن الله رزقه منها بنت سماها حميدة أو فاطمة ولكن هذا الخبر ضعيف حيث إن كل من تعرض لحياة القاسم ضعّف هذا الخبر ومنهم من اثبت إن القاسم لم يكن له عقب .
إما الرأي القائل إن له بنتاً ، فقد رووا أنه لما جاءت السنة الثالثة مرض القاسم مرضا شديدا ، فجلس شيخ العشيرة عند رأسه وقال : له يا عم أنت على فراش المنية أبعد الله يومك فهلا أعلمتني بحسبك ونسبك ، فقال : القاسم ودموعه تسيل : يا شيخ أني من بيت هبط فيه جبرائيل ونسبي من رسول الله ، يا شيخ إنا القاسم ابن الإمام موسى ابن جعفر ، فضرب الشيخ على رأسه وأجهش بالبكاء لأن ابن إمامهم في أوساطهم ويعمل عندهم وهم لا يعلمون التفت القاسم إلى الشيخ مطمئناً إياه بشفاعة الرسول الأكرم (ص) وقال: يا شيخ أوصيك إذ أنا مت غسلني وكفني وادفني وإذا صار وقت الحج خذ ابنتي وابنتك معك فإذا فرغت من مناسك الحج اذهب إلى المدينة فإذا وصلت باب المدينة اترك الطفلة وامشي خلفها حتى تقف على باب دار عالية ، فتلك الدار دارنا ، واعلم ياعمّ أن الدار ليس فيها إلا أطفال ونساء .
وبعد إن أتم وصيته فاضت روحه الطاهرة ، فكان يوم وفاته يوم حزن وبكاء في حي أبا خمرا وعقدت المأتم بعد أن دفنوه في هذا المكان الذي أصبح كعبة للزائرين وأمانا لمجاوريه .
ولما جاء موسم الحج ذهب الشيخ واخذ ابنة القاسم وابنته إلى المدينة وترك الطفلةعند بابها وسارخلفها حتى وصلت إلى الدار طرقتها وهي تبكي فخرجت لها النساء وادخلنها وسألنها ؟ فلم تجبهم إلا بالبكاء والنحيب ؟ فادخلنها على أم القاسم فلما رأتها قالت هذه طفلة ولدي القاسم فقلن: لها كيف علمتي بها ؟ قالت : إن شمائلها كشمائل ولدي القاسم وبعد إن احتضنتها ، أم القاسم أعلَمَتهم بوقوف أمها وجدها عند الباب .وقيل: إن أم القاسم عندما علمَت بقصة وموت ولدها لم تبقَ سوى ثلاثة أيام وفارقت الحياة
سبب اختفاؤه:
إن اختفاء القاسم لم يكن بسبب الظلم والاضطهاد الذي كان يعاني منه العلويون في ذلك الوقت على ما قيل وإنما من اجل شغل السلطات بالبحث عنه لأنهم كانوا يتصورون إن الإمام بعد موسى ابن جعفر هو القاسم فعندما تنشغل السلطة بالبحث عنه تخف وطأتهم على الإمام الرضا ويكون في مأمن منهم نوعاً ما.واعتقد إن هذا الدور الذي قام به القاسم هو بوصية من الإمام الكاظم لان الإمام وكما جاء في رواية يزيد ابن السليط (أخبرك يا أبا عمارة أني خرجت من منزلي فأوصيت لولدي الرضا و أشركت معه ولدي القاسم )فهذا الحديث فيه دلالة واضحة إن الإمام أوصى ولده القاسم وحمْله مسؤولية عظيمة.فإذا بحثنا عن الدور الذي قام به القاسم خصوصا في السنين العشر الأولى من إمامة الإمام الرضا باعتباره شريكا في الوصية.فلا نجد شيئاً لأنه مختف طيلة هذه الفترة .إذن كان دوره هو الاختفاء عن أعين الناس والسلطات خاصة لأنه شريك الإمام الرضا بالحفاظ على الإمام المعصوم
ميزاته عن بقية إخوته :
للإمام الكاظم أبناء كثيرون ما يقارب الـ(38) تقريبا من ذكر وأنثى لكن أشهرهم هو الإمام الرضا u لأنه هو الإمام المعصوم بعد أبيه وطبعا لكل من أبناء الإمام الكاظم ميزات خاص به باستثناء الإمام الرضا لأنه الإمام مفترض الطاعة . أما الإمام القاسم فله ميزات امتاز بها عن بقية إخوته منها.
1-حب الإمام الكاظم ورأفته عليه حيث إن الإمام الكاظم أفصح عن حبه للقاسم كما في الخبر المروي الذي سيمر ذكره وهذا لا يعني إن الإمام لا يحب أبنائه وإنما أعطى منزله أو مكانه خاصة للقاسم في قلبه هذه المنزلة ميزته عن باقي اخوته الخبر رواه ثقة الإسلام الشيخ الكليني عن يزيد ابن السليط عن الإمام الكاظم عليه السلام في طريق مكة وانه قال له : ( أخبرك يا أبا عمارة إني خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان يعني الإمام الرضا و أشركت معه بني الظاهر فأوصيته في الباطن فأفردته وحده ولو كان الأمر لي لجعلته في القاسم ابني لحبي إياه ورأفتي عليه ولكن ذلك إلى الله عز وجل يجعله حيث يشاء ) وهذه الوصية جاءت مقاربة لوصية الإمام الصادق (ع) ( ففي سنة 148للهجره استشهد الإمام الصادق مسموما ولما بلغ النبأ إلى بعده وأمره أن يقبض على الوصي يضرب عنقه فوراً قام الوالي بتفتيش بيتَ الإمام فعثر على الوصية وقراها وكان مضمونها إن الإمام يوصى لخمسةِ أشخاص هم المنصور نفسه والوالي محمد ابن سليمان وولداه موسى الكاظم وعبد الله الأفطح وزوجته حميدة ، عندها حار الوالي بأمر هذه الوصية فبعث إلى المنصور يخبره بمضمون الوصية ويطلب منه التعليمات لكن المنصور كان أكثر حيرة وذهولاً ، فقال ليس إلى قتل هؤلاء من سبيل ) نعم أراد الإمام الصادق u التمويه والتغطية على الإمام من بعده. فوصية الإمام الكاظم شابهت وصية أبيه الإمام الصادق من ناحية الهدف لأجل تمويه وتضليل من يريد قتل الأمام الذي سيخلف الإمام المعصوم من كيد ومكر خلفاء بني العباس.
2- تميز بالرحِمِ الذي حمله وهو الرحم الذي حمل الامامه حيث إن القاسم و الإمام الرضا وفاطمة u المعروفة بمعصومة قم هم أخوة الرضا u لأمه وأبيه أمهم تكتم وأبيهم موسى ابن جعفر ، أما باقي أولاد الامام الكاظم فهم أخوة الإمام الرضا لأبيه
3- تميزا بزيارته حيث إن زيارته تعادل زيارة الإمام المعصوم كما في الخبر عن الإمام الرضا قال ( من لم يتمكن على زيارتي فليزر أخي القاسم )
ومعنى هذا تكون زيارة القاسم بمثابة زيارة الرضا عليه السلام لمن لم يتمكن على زيارته لبعد المسافة أو لغيرها من الظروف
4. الحث على زيارته من قبل الإمام الرضا عليه السلام لان في الحديث انف الذكر دلاله أخرى وهي الحث على زيارة أخيه القاسم لأنه فرع من فروع ألإمامه. . جعله الكثير من كبار العلماء والمحدثين بمقام العباس بن أمير المؤمنين و علي الأكبر بن الحسين عليهم السلام قال صاحب البحار(قال علي بن طاووس عند ذكر زيارة قبور أولاد الأئمة رضوان الله عليهم إذا أردت زيارة أحد منهم كالقاسم بن الكاظم أو العباس بن أمير المؤمنين أو علي بن الحسين المقتول بالطف ومن جرى في الحكم مجراهم تقف على قبر المزور منهم وتقل السلام عليك أيها السيد الزكي.........الخ )