حبيب بن مظاهر
اللهم صل على محمد وآل محمد هو ابو القاسم حبيب بن مظاهر (أو مظهر وهو الأصح ) بن رئاب بن الأشتر بن حجوان بن فقعس بن طريف ابن عمرو بن قيس بن الحارث بن ثعلبة بن دودان الأسدي الكندي ثم الفقعسي
حبيب بن مظاهر وأمير المؤمنين (ع)
شخصية من شخصيات ثورة كربلاء البارزة كان صحابياً ممن رأى رسول الله (ص) وسمع منه الحديث وحضر مع علي (ع) حروبه الثلاث الجمل وصفين والنهروان وروي أن علي (ع) قال له يوماً : ما يزّين الرجل ؟
فقال حبيب : العلم والحلم والشجاعة
فقال (ع) : أحسنت وكلها مجموعة فيك ولكن بقيت فضيلة رابعة سوف تنالها إن شاء الله
قال حبيب وما هي ؟
قال (ع) : الشهادة
فصارت واقعة صفين واستشهد أغلب أصحاب علي (ع) فأقبل حبيب إلى أمير المؤمنين (ع)وقال له : سيدي أنت أخبرتني إني أنال الشهادة ولم أنلها وإني منتظر وعدك الصادق فبكى أمير المؤمنين (ع)وقال له : أبشر سوف تنال الشهادة بين يدي ولدي الحسين (ع) وتكون شهادتك بين يديه أفضل من شهادة أصحابي بين يدي
ومن طريف ماروي عن فضل بن الزبير قال : مرّ ميثم التمار على فرس له فإستقبله حبيب عند مجلس بني أسد فتحادثا فقال حبيب : كأني بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق قد صُلب في حب أهل البيت فتبقر بطنه على الخشبة [في إشارة إلى ميثم التمار]
فرد عليه ميثم التمار قائلاً : وإني لأعرف رجلاً أحمر له ضفيرتان يخرج لنصرة ابن بنت نبيه فيقتل ويجال برأسه في الكوفة [ في إشارة إلى حبيب ]
ثم إفترقا فقال أهل المجلس : ما رأينا أكذب من هذين
ثم اقبل رشيد الهجري فطلبهما فقال من بالمجلس : إفترقا الساعة وسمعناهما يقولان كذا وكذا
فقال رشيد : رحم الله ميثم نسي أن يقول ويزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم ثم غادر
فقال القوم : هذا والله أكذبهم
فما ذهبت الأيام والليالي حتى قتل ميثم وصلب على باب عمرو بن حريث وقتل حبيب مع الحسين(ع) وجيء برأسه وزيد في عطاء قاتله مائة درهم
دعوة الحسين (ع) لحبيب
عندما سار الحسين (ع) من مكة إلى الكوفة كتب كتاباً إلى حبيب جاء فيه
" هذه من الحسين بن علي بن أبي طالب إلى الرجل الفقيه حبيب بن مظاهر أما بعد يا حبيب فأنت تعلم قرابتنا من رسول الله وانت أعرف بنا من غيرك وانت ذو شيمة وغيرة فلاتبخل علينا بنفسك يجازيك جدي رسول الله يوم القيامة "
[هذه الرسالة على صغرها بين طياتها كلمات معبرة جداً واول ما يلفت النظر وصف الإمام (ع) حبيب ب(الفقيه) وهذا له دلالة على مكانة ومنزلة حبيب وقول الإمام (ع) (وأنت أعرف بنا ) عبارة ذات مغزى عند من يفهم معنى الكلام فأن يصل الإنسان لمرتبة معرفة أهل البيت (ع) فهذا أمر جليل]
كان حبيب جالساً مع زوجته وبين أيديهما طعام يأكلان منه إذ غصت زوجته في الطعام فقالت : الله أكبر يا حبيب الساعة يرد علينا كتاب كريم من رجل كريم فبينما هما في الكلام إذا بطارق يطرق الباب فخرج إليه حبيب وقال من الطارق ؟
فقال : أنا رسول الحسين (ع)إليك
فقال حبيب : الله أكبر صدقت الحرة بما قالت
ثم ناوله الكتاب ففضه وقرأه فسالته زوجته عن الخبر فأخبرها وقالت : بالله عليك ياحبيب لا تقصر في نصرة ابن بنت رسول الله (ص)
فقال : أجل حتى اقتل بين يديه وتصبغ شيبتي من دم نحري
وكان حبيب يريد أن يكتم أمره على عشيرته وبني عمه لئلا يعلم به أحد لئلا ينكشاف أمره عند ابن زياد لإنه كان يسجن من يشك به أنه سيلتحق بالحسين (ع) لنصرته كما أن العشائر لعبة دوراً في منع أبنائها من هذا ايضاً فلما اقبل قومه من بني أسد قالوا له : يا حبيب بلغنا أنك تريد أن تخرج لنصرة الحسين ونحن لا نخليك مالنا وللدخول بين السلاطين [ لا حظوا المفاهيم التي كانت سائدة انذاك ]
فأخفى حبيب ذلك وانكر عليهم فرجعوا عنه وسمعت زوجته فقالت : يا حبيب كأنك كاره للخروج لنصرة الحسين (ع)
فأرد أن يختبر حالها فقال : نعم
فبكت وقالت : يا حبيب أنسيت كلام جده في حقه واخيه الحسن (ع) (وبدأت تذكرها) وكتابه أتى إليك يستعين بك وأنت لم تجبه !!
فقال : أخاف على أطفالي من اليتم وأخشى أن ترملي بعدي
فقالت : ولنا التأسي بالهاشميات والبنيات والأيتام من آل رسول الله والله تعالى كفيلنا وهو حسبنا ونعم الوكيل
فلما عرف حبيب منها حقيقة الأمر دعا لها وجزاها خيرا واخبرها بما هو في نفسه وانه عازم على المسير والرواح
فقالت له : لي إليك حاجة بالله عليك يا حبيب إذا قدمت على الحسين (ع) قبل يديه ورجليه نيابة عني واقرأه عني السلام
فقال : حباً وكرامة
[ تأملوا هذا النموذج الرائع من النساء المؤمنات ]
حبيب في كربلاء
ودع حبيب زوجته وعياله وخرج متخفياً أولاً إلى ضيعة له وكان الحسين (ع) قد عقد إثنتي عشرة راية ةقسمها بين أصحابه وترك راية فقال له بعض أصحابه : منّ عليّ بحملها
فقال الحسين (ع) : يأتي إليها صاحبها وإذا هم بغبرة ثائرة فإلتفت الإمام وقال لهم : إن صاحب الراية قد اقبل فلما صار حبيب قريباً من الإمام ترجل عن جواده وجعل يقبل الأرض بين يديه وهو يبكي فسلم على الإمام وأصحابه فسمعت زينب (ع) فقالت : أقرئوه عني السلام فلما بلّغوه جعل يلطم على وجهه ويحثو التراب على وجهه ويقول : من أنا ومن أكون حتى تسلم عليّ بنت أمير المؤمنين (ع)
ولما رأى قلة أنصار الحسين (ع) وكثرة محاربيه قال له : إن ها هنا حياً من بني أسد فلو أذنت لسرت إليهم ودعوتهم لنصرتك فأذن له فخرج حبيب في جوف الليل متنكراً حتى أتى إليهم فعرفوه فقالوا ما حاجتك ؟
قال : إني قد أتيتكم بخير ما أتى به وافد إلى قوم أتيتكم أدعوكم إلى نصرة ابن بنت نبيكم .....
فوثب إليه رجل وقال له : شكر الله سعيك يا ابا القاسم فوالله لجئتنا بمكرمة يستأثر بها المرء الأحب فالأحب وأنا اول من يجيب هذه الدعوة ثم تبادر رجال الحي حتى إلتئم منهم تسعون رجلاً فأقبلوا يريدون الحسين (ع) وخرج رجل من الحي حتى سار إلى عمر بن سعد فأخبره بالحال فدعا رجلاً وضم إليه اربعمائة فارس ووجهه إليهم فإقتتل القوم قتالاً شديداً إنهزم على أثره بنو اسد ورجعوا إلى حيهم ثم إرتحلوا ليأمنوا من بطش الأمويين وعاد حبيب إلى الحسين (ع) فأخبره حبيب بما جرى فقال : وما تشاؤون إلا أن يشاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم [ مع الأسف القليل من قراء العزاء يذكر هذه الواقعة وقد أوردها العلامة المجلسي في البحار ]
وذكر أهل السَير مواقف عدة في كربلاء برز فيها حبيب روى ابي مخنف : أنه لما بدأ الحسين (ع) بخطبته يوم عاشوراء قاطعه الشمر بن ذي الجوشن قائلاً : هو يعبد الله على حرف إن كان يدري فرد عليه حبيب : والله إني لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً وأنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك
وروى الطبري بسنده عن أبي مخنف أنه لما صرع مسلم بن عوسجة مشى إليه الحسين (ع) وحبيب بن مظاهر فدنا منه حبيب فقال : عزّ عليّ مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة
فقال له مسلم قولاً ضعيفاً : بشرّك الله بالخير
فقال له حبيب : لولا اني اعلم أني في إثرك لاحق بك ساعتي لأحببت أن توصيني بكل ما همك حتى أحفظك في كل ذلك بما أنت أهل له في القرابة والدين
فقال مسلم : بل انا أوصيك بهذا رحمك الله - واهوى بيده إلى الحسين (ع) – أن تموت دونه
فقال حبيب : أفعل ورب الكعبة
وايضاً مما ذكره إبن الأثير أنه لما حضر وقت صلاة الظهر قال الحسين (ع) : سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي ففعلوا فقال لهم الحصين بن تميم : إنها لا تُقبل
فرد عليه حبيب : زعمت لاتقبل الصلاة من آل رسول الله (ص) وتقبل منك يا حمار فحمل عليه الحصين بن تميم وخرج إليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشب ووقع الحصين عنه فحمله أصحابه وإستنقذوه من حبيب
مصرع حبيب
قال ابو مخنف : سلم حبيب على الحسين (ع) وودعه قائلاً :" والله يا مولاي إني لأرجو أن أتمم صلاتي في الجنة وأقرىء أباك وجدك واخاك عنك السلام "
ثم برز وهو يرتجز
أنا حبيب وابي مظهر *** فارس الهيجاء وحرب تسعر
أنتم أعد عدة واكثر *** ونحن أوفى منكم واصبر
وأنتم عند الوفاء أغدر *** ونحن أعلى درجة وأظهر
ولم يزل يقاتل القوم حتى حمل عليه رجل من بني تميم يقال له بديل فضربه بالسيف على أم رأسه وطعنه آخر برمحه فوقع ارضاً فضربه الحصين بن نمير ونزل التميمي فحزّ رأسه فقال له الحصين : أنا شريكك في قتله
فقال التميمي : ما قتله غيري
فقال له الحصين : أعطنيه أعلقه في عنق فرسي كيما يرى الناس ويعلموا أني شريكك في قتله ثم خذه أنت فأمض إلى عبيد الله بن زياد فلا حاجة لي فيما تعطاه على قتلك إياه
[ يا الله تأملوا مدى وحجم الخسة والخبث والإستخفاف بدين الله تعالى يصل الأمر بهم أن يختلفوا على رأس ولي من أولياء الله الأول من اجل التباهي والتفاخر والآخر طمعاً بالمال والتقرب لإبن زياد ]
وروى أبو مخنف أنه لما قتل حبيب بن مظاهر هدّ ذلك الحسين (ع) وقال : عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي
إنا لله وإنا إليه راجعون
{... وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }
تعليق