السلام عليكم
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
الامام الحسن عليه السلام يفضح معاوية واصحابة ويكشف انسابهم الحقيقية وافعالهم واقوالهم ومايُسرون في انفسهم ويذكر بعض ما نزل فيهم في القران وبعض ما قال عنهم رسول الله صل الله عليه واله
فضيحه كبيرة بصراحه
الإمام الحسن عليه السلام في مجلس معاوية :
روي عن الشّعبيّ وأبي مخنف ويزيد بن أبي حبيب المصري أنّهم قالوا : لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل أكثر ضجيجا ولا أعلى كلاما ولا أشدّ مبالغة في قول ، من يوم اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان ، عمرو بن عثمان بن عفّان ، وعمرو بن العاص ، وعتبة بن أبي سفيان ، والوليد بن عتبة بن أبي معيط ، والمغيرة بن شعبة ، وقد تواطؤوا على أمر واحد .
فقال عمرو بن العاص لمعاوية : ألا تبعث إلى الحسن بن عليّ فتحضره ، فقد أحيا سيرة أبيه ، وخفقت النعال خلفه ؛ إن أمر فاُطيع ، وإن قال فصدّق ، وهذان يرفعان به إلى ما هو أعظم منهما ، فلو بعثت إليه فقصرنا به وبأبيه ، وسببناه وسببنا أباه ، وصعّرنا بقدره وقدر أبيه ، وقعدنا لذلك حتّى صدق لك فيه . فقال لهم معاوية : إنّي أخاف أن يقلّدكم قلائد يبقى عليكم عارها حتّى تدخلكم قبوركم ، واللّه ما رأيته قطّ إلاّ كرهت جنابه ، وهبت عتابه ، وإنّي إن بعثت إليه لأنصفته منكم ، قال عمرو بن العاص : أتخاف أن يتسامى باطله على حقّنا ، ومرضه على صحّتنا ؟ قال : لا ، قال : فابعث إذا إليه .
فقال عتبة : هذا رأي لا أعرفه ، واللّه ما تستطيعون أن تلقوه بأكثر ولا أعظم ممّا في أنفسكم عليه ، ولا يلقاكم إلاّ بأعظم ممّا في نفسه عليكم ، وإنّه لمن أهل بيت خصم جدل .
فبعثوا إلى الحسن عليهالسلام ، فلمّا أتاه الرّسول قال له : يدعوك معاوية ، قال : ومَن عنده ؟ قال الرّسول : عنده فلان وفلان ، وسمّى كلاًّ منهم باسمه ، فقال الحسن عليهالسلام : ما لهم ، خرّ عليهم السّقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ، ثمّ قال : يا جارية أبلغيني ثيابي ، ثمّ قال : اللّهمّ إنّي أدرأ بك في نحورهم ، وأعوذ بك من شرورهم ، وأستعين بك عليهم فاكفنيهم بما شئت وأنّى شئت ، من حولك وقوّتك يا أرحم الرّاحمين . وقال للرّسول : هذا كلام الفرج .
فلمّا أتى معاوية ، رحّب به وحيّاه وصافحه ، فقال الحسن عليهالسلام : إنّ الّذي حيّيت به سلامة ، والمصافحة أمنة ، فقال معاوية : أجل إنّ هؤلاء بعثوا إليك وعصوني ليقرّروك أنّ عثمان قتل مظلوما وأنّ أباك قتله ، فاسمع منهم ثمّ أجبهم بمثل ما يكلّمونك ولا يمنعك مكاني من جوابهم .
فقال الحسن عليهالسلام : سبحان اللّه البيت بيتك ، والاذن فيه إليك ، واللّه لئن أجبتَهم إلى ما أرادوا ، إنّي لأستحيي لك من الفحش ، ولئن كانوا غلبوك إنّي لأستحيي لك من الضعف فبأيّهما تقرُّ ؟ ومن أيّهما تعتذر ؟ أما إنّي لو علمت بمكانهم واجتماعهم لجئت بعدّتهم من بني هاشم ، ومع وحدتي هم أوحش منّي من جمعهم ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ لوليّي اليوم وفيما بعد اليوم ، فليقولوا فأسمع ، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم .
فتكلّم عمرو بن عثمان بن عفّان فقال : ما سمعت كاليوم ، أن بقي من بني عبد المطّلب على وجه الأرض من أحد بعد قتل الخليفة عثمان بن عفّان ، وكان [من] ابن اُختهم ، والفاضل في الإسلام منزلة ، والخاصّ برسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أثرة ، فبئس كرامة اللّه حتّى سفكوا دمه اعتداء وطلبا للفتنة ، وحسدا ونفاسة ، وطلب ما ليسوا بآهلين لذلك ، مع سوابقه ومنزلته من اللّه ومن رسوله ومن الإسلام فيا ذُلاّه أن يكون حسن وسائر بني عبد المطّلب قتلة عثمان أحياء يمشون على مناكب الأرض وعثمان مضرَّج بدمه ، مع أنّه لنا فيكم تسعة عشر دما بقتلى بني اُميّة ببدر .
ثمّ تكلّم عمرو بن العاص ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : إي يا ابن أبي تراب ! بعثنا إليك لنقرِّرك أنّ أباك سمَّ أبا بكر الصّدّيق ، واشترك في قتل عمر الفاروق ، وقتل عثمان ذاالنّورين مظلوما ، فادّعى ما ليس له بحقّ ، ووقع فيه ـ وذكر الفتنة وعيّره بشأنها ـ ثمّ قال : إنّكم يا بني عبد المطّلب لم يكن اللّه ليعطيكم الملك فترتكبون فيه ما لا يحلّ لكم ، ثمّ أنت يا حسن تحدّث نفسك بأنّك كائن أمير المؤمنين وليس عندك عقل ذلك ، ولا رأيه ، فكيف وقد سُلبته ، وتُركت أحمق في قريش وذلك لسوء عمل أبيك ، وإنّما دعوناك لنسبّك وأباك ، ثمّ أنت لا تستطيع أن تعتّب علينا ، ولا أن تكذّبنا في شيء به ، فإن كنت ترى أنّا كذّبناك في شيء وتقوّلنا عليك بالباطل ، وادّعينا خلاف الحقّ فتكلّم ، وإلاّ فاعلم أنّك وأباك من شرّ خلق اللّه ؛
أمّا أبوك فقد كفانا اللّه قتله وتفرّد به ، فأمّا أنت فإنّك في أيدينا نتخيّر فيك ، واللّه أن لو قتلناك ، ما كان في قتلك إثم عند اللّه ، ولا عيب عند النّاس .
ثمّ تكلّم عتبة بن أبي سفيان ، فكان أوّل ما ابتدأ به أن قال : يا حسن إنّ أباك كان شرّ قريش لقريش ؛ أقطعُه لأرحامها ، وأسفكه لدمائها ، وإنّك لمن قتلة عثمان ، وإنّ في الحقّ أن نقتلك به ، وإنّ عليك القود في كتاب اللّه عزّ وجلّ وإنّا قاتلوك به ، فأمّا أبوك فقد تفرّد اللّه بقتله فكفاناه ، وأمّا رجاؤك للخلافة فلست منها لا في قدحة زندك ، ولا في رجحة ميزانك .
ثمّ تكلّم الوليد بن عقبة بن أبي معيط بنحو من كلام أصحابه ، وقال : يا معاشر بني هاشم كنتم أوّل من دبّ بعيب عثمان ، وجمع النّاس عليه ، حتّى قتلتموه حرصا على الملك ، وقطيعة للرّحم ، واستهلاك الاُمّة وسفك دمائها ، حرصا على الملك ، وطلبا للدُّنيا الخسيسة وحبّا لها ، وكان عثمان خالكم ، فنعم الخال كان لكم ، وكان صهركم ، فكان نعم الصهر لكم ، قد كنتم أوّل من حسده ، وطعن عليه ثمّ وليتم قتله ، فكيف رأيتم صنع اللّه بكم .
ثمّ تكلّم المغيرة بن شعبة ، وكان كلامه وقوله كلّه وقوعا في عليّ عليهالسلام ، ثمّ قال : يا حسن إنّ عثمان قتل مظلوما ، فلم يكن لأبيك في ذلك عذر بريء ، ولا اعتذار مذنب ، غير أنّا يا حسن قد ظننّا لأبيك في ضمّه قتلته ، وإيوائه لهم وذبّه عنهم أنّه بقتله راض ، وكان واللّه طويل السّيف واللّسان ، يقتل الحيّ ويعيب الميّت وبنو اُميّة خير لبني هاشم من بني هاشم لبني اُميّة ، ومعاوية خير لك يا حسن منك لمعاوية .
وقد كان أبوك ناصب رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في حياته ، وأجاب عليه قبل موته وأراد قتله ، فعلم ذلك من أمره رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ كره أن يبايع أبا بكر حتّى اُتي به قودا ، ثمّ دسّ إليه فسقاه سمّا فقتله ، ثمّ نازع عمر حتّى همَّ أن يضرب رقبته ، فعمل في قتله ، ثمّ طعن على عثمان حتّى قتله ، كلّ هؤلاء قد شرك في دمهم ، فأيّ منزلة له من اللّه يا حسن ، وقد جعل اللّه السلطان لوليّ المقتول في كتابه المنزل ، فمعاوية وليُّ المقتول بغير حقّ ، فكان من الحقّ لو قتلناك وأخاك ، واللّه ما دم عليّ بخطر من دم عثمان ، وما كان اللّه ليجمع فيكم يا بني عبد المطّلب الملك والنبوّة ثمّ سكت .
فتكلّم أبو محمّد الحسن بن عليّ صلوات اللّه عليهما فقال : الحمد للّه الّذي هدى أوّلكم بأوّلنا ، وآخركم بآخرنا ، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد النبيّ وآله وسلّم ، ثمّ قال : اسمعوا منّي مقالتي ، وأعيروني فهمكم ، وبك أبدأ يا معاوية . ثمّ قال لمعاوية : إنّه لعمر اللّه يا أزرق ما شتمني غيرك ، وما هؤلاء شتموني ولا سبّني غيرك وما هؤلاء سبّوني ، ولكن شتمتني وسببتني ، فحشا منك ، وسوء رأي ، وبغيا وعدوانا وحسدا علينا ، وعداوةً لمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم قديما وحديثا . وانّه واللّه لو كنت أنا وهؤلاء يا أزرق ! مثاورين في مسجد رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وحولنا المهاجرون والأنصار ، ما قدروا أن يتكلّموا بمثل ما تكلّموا به ، ولا استقبلوني بما استقبلوني به ، فاسمعوا منّي أيّها الملأ المخيّمون المعاونون عليّ ولا تكتموا حقّا علمتموه ، ولا تصدّقوا بباطل نطقت به ، وسأبدأ بك يا معاوية فلا أقول فيك إلاّ دون ما فيك .
أنشدكم باللّه ! هل تعلمون أنّ الرّجل الّذي شتمتموه صلّى القبلتين كلتيهما وأنت تراهما جميعا ضلالة ، تعبد اللاّت والعزّى ؟ وبايع البيعتين كلتيهما بيعة الرّضوان وبيعة الفتح ، وأنت يا معاوية بالاُولى كافر ، وبالاُخرى ناكث ؟
ثمّ قال : أنشدكم باللّه ! هل تعلمون أنّما أقول حقّا إنّه لقيكم مع رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم بدر ومعه راية النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعك يا معاوية راية المشركين ، تعبد اللاّت والعزّى ، وترى حرب رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنين فرضا واجبا ، ولقيكم يوم اُحد ومعه راية النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعك يا معاوية راية المشركين ، ولقيكم يوم الأحزاب ومعه راية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعك يا معاوية راية المشركين ، كلّ ذلك يفلج اللّه حجّته ويُحقُّ دعوته ، ويصدِّق اُحدوثته ، وينصر رايته ، وكلّ ذلك رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم يُرى عنه راضيا في المواطن كلّها .
ثمّ أنشدكم باللّه ! هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم حاصر بني قريظة وبني النضير ثمّ بعث عمر بن الخطّاب ومعه راية المهاجرين ، وسعد بن معاذ ومعه راية الأنصار ، فأمّا سعد بن معاذ فجُرح وحمل جريحا ، وأمّا عمر فرجع وهو يجبّن أصحابه ويجبّنه أصحابه ، فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : لاُعطينّ الرّاية غدا رجلاً يحبُّ اللّه ورسوله ، ويحبّه اللّه ورسوله كرّار غير فرّار ، ثمّ لا يرجع حتّى يفتح اللّه عليه ، فتعرّض لها أبو بكر وعمر وغيرهما من المهاجرين والأنصار ، وعليُّ يومئذٍ أرمد شديد الرّمد فدعاه رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فتفل في عينيه فبرأ من الرّمد فأعطاه الرّاية فمضى ولم يثن حتّى فتح اللّه [عليه [بمنّه وطوله ، وأنت يومئذٍ بمكّة عدوٌّ للّه ورسوله ، فهل يسوّى بين رجل نصح للّه ولرسوله ، ورجل عادى اللّه ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟!
ثمّ اُقسم باللّه ما أسلم قلبك بعد ، ولكنَّ اللّسان خائف ، فهو يتكلّم بما ليس في القلب .
[ثمّ] أنشدكم باللّه ! أتعلمون أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم استخلفه على المدينة في غزوة تبوك ولا سخطه ذلك ولا كرهه ، وتكلّم فيه المنافقون ، فقال : لا تخلّفني يا رسول اللّه فإنّي لم أتخلّف عنك في غزوة قطّ ، فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنت وصيّي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى ، ثمّ أخذ بيد عليّ عليهالسلام ثمّ قال : أيّها الناس من تولاّني فقد تولّى اللّه ، ومن تولّى عليا فقد تولاّني ، ومن أطاعني فقد أطاع اللّه ، ومن أطاع عليّا فقد أطاعني ، ومن أحبّني فقد أحبّ اللّه ومن أحبّ عليّا فقد أحبّني .
[ثمّ قال :] أنشدكم باللّه ! أتعلمون أنّ رسول اللّه قال في حجّة الوداع : أيّها النّاس إنّي قد تركت فيكم ما لم تضلّوا بعده ؛ كتاب اللّه فأحلّوا حلاله ، وحرّموا حرامه واعملوا بمحكمه ، وآمنوا بمتشابهه ، وقولوا : آمنّا بما أنزل اللّه من الكتاب ، وأحبّوا أهل بيتي وعترتي ، ووالوا من والاهم ، وانصروهم على من عاداهم ، وإنّهما لم يزالا فيكم حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة .
ثمّ دعا ـ وهو على المنبر ـ عليّا فاجتذبه بيده فقال : اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، اللّهمّ من عادى عليّا فلا تجعل له في الأرض مقعدا ولا في السّماء مصعدا واجعله في أسفل درك من النار .
أنشدكم باللّه ! أتعلمون أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال له : أنت الذائد عن حوضي يوم القيامة ؛ تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط إبله .
أنشدكم باللّه ! أتعلمون أنّه دخل على رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في مرضه الّذي توفّي فيه ، فبكا رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال عليُّ : ما يبكيك يا رسول اللّه ؟ فقال : يبكيني أنّي أعلم أنّ لك في قلوب رجال من اُمّتي ضغائن لا يبدونها حتّى أتولّى عنك .
أنشدكم باللّه ! أتعلمون أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم حين حضرته الوفاة ، واجتمع أهل بيته قال : اللّهمّ هؤلاء أهلي وعترتي ، اللّهمّ وال من والاهم وانصرهم على من عاداهم ، وقال : إنّما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، من دخل فيها نجا ومن تخلّف عنها غرق .
أنشدكم باللّه ! أتعلمون أنّ أصحاب رسول اللّه قد سلّموا عليه بالولاية في عهد رسول اللّه وحياته صلىاللهعليهوآلهوسلم .
أنشدكم باللّه ! أتعلمون أنّ عليّا أوّل من حرّم الشّهوات كلّها على نفسه من أصحاب رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فأنزل اللّه عزّ وجلّ «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ »1 ـ المائدة : 87 .
وكان عنده علم المنايا ، وعلم القضايا ، وفصل الخطاب ، ورسوخ العلم ، ومنزل القرآن ، وكان في رهط لا نعلمهم يتمّون عشرة ، نبّأهم اللّه أنّهم به مؤمنون ، وأنتم في رهط قريب من عدّة اُولئك لعنوا على لسان رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فأشهد لكم وأشهد عليكم أنّكم لعناء اللّه على لسان نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كلّكم أهل البيت .
وأنشدكم باللّه ! هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بعث إليك لتكتب لبني خزيمة حين أصابهم خالد بن الوليد فانصرف إليه الرّسول فقال : هو يأكل فأعاد الرّسول إليك ثلاث مرّات ، كلّ ذلك ينصرف الرّسول ويقول : هو يأكل ، فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : اللّهمّ لا تشبع بطنه ، فهي واللّه في نهمتك وأكلك إلى يوم القيامة .
ثمّ قال : أنشدكم باللّه ! هل تعلمون أنّما أقول حقّا إنّك يا معاوية كنت تسوق بأبيك على جمل أحمر ، ويقوده أخوك هذا القاعد ، وهذا يوم الأحزاب ، فلعن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم الرّاكب والقائد والسائق ، فكان أبوك الرّاكب وأنت يا أزرق السائق وأخوك هذا القاعد القائد ؟
ثمّ أنشدكم باللّه ! هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لعن أبا سفيان في سبعة مواطن ؛ أوّلهنَّ ؛ حين خرج من مكّة إلى المدينة وأبو سفيان جاء من الشام ، فوقع فيه أبو سفيان فسبّه وأوعده وهمّ أن يبطش به ، ثمّ صرفه اللّه عزّ وجلّ عنه .
والثاني ؛ يوم العير ، حيث طردها أبو سفيان ليحرزها من رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم والثالث ؛ يوم اُحد ، قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : اللّه مولانا ولا مولى لكم ، وقال أبو سفيان : لنا العزّى ولا لكم العزّى ، فلعنه اللّه وملائكته ورسوله والمؤمنون أجمعون .
والرابع ؛ يوم حنين ، يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش وهوازن وجاء عيينة بغطفان واليهود فردّهم اللّه عزّ وجلّ بغيظهم لم ينالوا خيرا هذا قول اللّه عزّ وجلّ له في سورتين في كلتيهما يسمّى أبا سفيان وأصحابه كفّارا ، وأنت يا معاوية يومئذٍ مشرك على رأي أبيك بمكّة ، وعليٌّ يومئذٍ مع رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى رأيه ودينه .
والخامس ؛ قول اللّه عزّ وجلّ «وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ»(الفتح : 25 ) وصددت أنت وأبوك ومشركو قريش رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فلعنه اللّه لعنة شملته وذرّيّته إلى يوم القيامة .
والسادس ؛ يوم الأحزاب ، يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش وجاء عُيينة ابن حصن بن بدر بغطفان ، فلعن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم القادة والأتباع والساقة إلى يوم القيامة . فقيل : يا رسول اللّه أما في الأتباع مؤمن ؟ فقال : لا تصيب اللّعنة مؤمنا من الأتباع ، وأمّا القادة فليس فيهم مؤمن ولا مجيب ولا ناج .
والسّابع ؛ يوم الثّنية ، يوم شدَّ على رسول اللّه اثنا عشر رجلاً ، سبعة منهم من بني اُميّة وخمسة من سائر قريش ، فلعن اللّه تبارك وتعالى ورسوله من حلّ الثنيّة غير النبيّ وسائقه وقائده .
ثمّ أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا ابن أخي هل علينا من عين ؟ فقال : لا ، فقال أبو سفيان : تداولوا الخلافة فتيان بني اُميّة ، فوالّذي نفس أبي سفيان بيده ما من جنّة ولا نار .
وأنشدكم باللّه أتعلمون أنّ أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بويع عثمان وقال : يا ابن أخي أخرج معي إلى بقيع الغرقد فخرج حتّى إذا توسّط القبور اجترَّه فصاح بأعلى صوته : يا أهل القبور ! الّذي كنتم تقاتلونا عليه ، صار بأيدينا وأنتم رميم ، فقال الحسين بن عليّ : قبّح اللّه شيبتك ، وقبّح وجهك ، ثمّ نتر يده وتركه ، فلولا النعمان بن بشير أخذ بيده وردّه إلى المدينة لهلك .
فهذا لك يا معاوية ، فهل تستطيع أن تردّ علينا شيئا .
ومن لعنتك يا معاوية أنّ أباك أبا سفيان كان يهمُّ أن يسلم فبعثت إليه بشعر معروف مرويّ في قريش عندهم تنهاه عن الإسلام وتصدُّه . ومنها أنّ عمر بن الخطّاب ولاّك الشام فخنت به ، وولاّك عثمان فتربّصت به ريب المنون ، ثمّ أعظم من ذلك أنّك قاتلت عليّا صلوات اللّه عليه وآله ، وقد عرفت سوابقه وفضله وعلمه ، على أمر هو أولى به منك ، ومن غيرك عند اللّه وعند النّاس ، ولا دنيّة بل أوطأت النّاس عشوة ، وأرقت دماء خلق من خلق اللّه بخدعك وكيدك وتمويهك ، فعل من لا يؤمن بالمعاد ، ولا يخشى العقاب ، فلمّا بلغ الكتاب أجله صرت إلى شرّ مثوى ، وعليّ إلى خير منقلب واللّه لك بالمرصاد .
فهذا لك يا معاوية خاصّة ، وما أمسكت عنه من مساويك وعيوبك ، فقد كرهت به التطويل .
وأمّا أنت يا عمرو بن عثمان ، فلم تكن حقيقا لحمقك أن تتّبع هذه الاُمور فإنّما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة : استمسكي فإنّي اُريد أن أنزل عنك ، فقالت لها النخلة : ما شعرت بوقوعك فكيف يشقُّ عليّ نزولك ؟ وإنّي واللّه ما شعرت أنّك تحسن أن تعادي لي فيشقّ عليَّ ذلك ، وإنّي لمجيبك في الّذي قلت .
إنّ سبّك عليّا أبنقص في حسبه ؟ أو تباعده من رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أو بسوء بلاء في الإسلام ؟ أو بجور في حكم ، أو رغبة في الدّنيا ؟ فإن قلت واحدة منها فقد كذبت ، وأمّا قولك إنّ لكم فينا تسعة عشر دما بقتلى مشركي بني اُميّة ببدر ، فإنّ اللّه ورسوله قتلهم ، ولعمري ليقتلنَّ من بني هاشم تسعة عشر وثلاثة بعد تسعة عشر ثمّ يقتل من بني اُميّة تسعة عشر وتسعة عشر في موطن واحد سوى ما قُتل من بني اُميّة لا يحصى عددهم إلاّ اللّه .
إنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إذا بلغ ولد الوزع ثلاثين رجلاً أخذوا مال اللّه بينهم دُوَلاً ، وعباده خَوَلاً ، وكتابه دَغَلاً فإذا بلغوا ثلاثمائة وعشرا حقّت عليهم اللّعنة ولهم ، فإذا بلغوا أربعمائة وخمسة وسبعين كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة ، فأقبل الحكم بن أبي العاص وهم في ذلك الذكر والكلام ، فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : اخفضوا أصواتكم فإنّ الوزع يسمع ، وذلك حين رآهم رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن يملك بعده منهم أمر هذه الاُمّة يعني في المنام فساءه ذلك وشقَّ عليه فأنزل اللّه عزّ وجلّ في كتابه «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ»(القدر : 3) فأشهد لكم وأشهد عليكم ما سلطانكم بعد قتل عليّ إلاّ ألف شهر الّتي أجلّها اللّه عزّ وجلّ في كتابه .
وأمّا أنت يا عمرو بن العاص الشانئ اللّعين الأبتر ، فإنّما أنت كلب ، أوّل أمرك اُمّك لبغيّة ، وإنّك ولدت على فراش مشترك ، فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان بن حرب ، والوليد بن المغيرة ، وعثمان بن الحارث ، والنضر بن الحارث بن كلدة ، والعاص بن وائل كلّهم يزعم أنّك ابنه ، فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا ، وأخبثهم منصبا ، وأعظمهم بغية .
ثمّ قمت خطيبا وقلت : أنا شانئ محمّد ، وقال العاص بن وائل : إنّ محمّدا رجل أبتر لا ولد له ، فلو قد مات انقطع ذكره ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى «إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاْءَبْتَرُ»(الكوثر : 3) فكانت اُمّك تمشي إلى عبد قيس لطلب البغية ، تأتيهم في دورهم ورحالهم وبطون اوديتهم ، ثمّ كنت في كلّ مشهد يشهد رسول اللّه عدوّه أشدّهم له عداوة وأشدَّهم له تكذيبا .
ثمّ كنت في أصحاب السّفينة الّذين أتوا النجاشي ، والمهرج الخارج إلى الحبشة في الاشاطة بدم جعفر بن أبي طالب وسائر المهاجرين إلى النجاشي ، فحاق المكر السيّئ بك ، وجعل جدّك الأسفل وأبطل اُمنيّتك ، وخيّب سعيك ، وأكذب اُحدوثتك وجعل كلمة الّذين كفروا السفلى ، وكلمة اللّه هي العليا .
وأمّا قولك في عثمان ، فأنت يا قليل الحياء والدّين ألهبت عليه نارا ثمّ هربت إلى فلسطين تتربّص به الدّوائر ، فلمّا أتتك [خبر] قتله حبست نفسك على معاوية فبعته دينك يا خبيث بدنيا غيرك ، ولسنا نلومك على بغضنا ، ولا نعاتبك على حبّنا ، وأنت عدوّ لبني هاشم في الجاهليّة والإسلام ، وقد هجوت رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بسبعين بيتا من شعر ، فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : اللّهمّ إنّي لا أحسن الشعر ولا ينبغي لي أن أقوله ، فالعن عمرو بن العاص بكلّ بيت [ألف] لعنة .
ثمّ أنت يا عمرو المؤثر دنيا غيرك على دينك ، أهديت إلى النجاشي الهدايا ، ورحلت إليه رحلتك الثانية ، ولم تنهك الاُولى عن الثانية ، كلّ ذلك ترجع مغلولاً حسيرا تريد بذلك هلاك جعفر وأصحابه ، فلمّا أخطأك ما رجوت وأمّلت أحلت على صاحبك عمّارة بن الوليد .
وأمّا أنت يا وليد بن عقبة ، فواللّه ما ألومك أن تبغض عليّا ، وقد جلدك في الخمر ثمانين ، وقتل أباك صبرا بيده يوم بدر ، أم كيف تسبّه فقد سمّاه اللّه مؤمنا في عشر آيات من القرآن ، وسمّاك فاسقا ، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : «أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ»(السجدة : 18 ) وقوله : «إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ»(الحجرات : 6) ، وما أنت وذكر قريش ، وإنّما أنت ابن عليج من أهل صفوريّة يقال له : ذكوان .
وأمّا زعمك أنّا قتلنا عثمان ، فواللّه ما استطاع طلحة والزّبير وعائشة أن يقولوا ذلك لعليّ بن أبي طالب ، فكيف تقوله أنت ؟ ولو سألت اُمّك مَن أبوك إذ تركت ذكوان فألصقتك بعقبة بن أبي معيط ، اكتست بذلك عند نفسها سناء ورفعة مع ما أعدّ اللّه لك ولأبيك واُمّك من العار والخزي في الدّنيا والآخرة ، وما اللّه بظلاّم للعبيد .
ثمّ أنت يا وليد ـ واللّه ـ أكبر في الميلاد ممّن تدّعي له النسب ، فكيف تسبّ عليّا ؟ ولو اشتغلت بنفسك لبيّنت نسبك إلى أبيك لا إلى من تدّعي له ، ولقد قالت لك اُمّك : يا بنيّ أبوك واللّه ألأم وأخبث من عقبة .
وأمّا أنت يا عتبة بن أبي سفيان ، فواللّه ما أنت بحصيف فاُجاوبك ، ولا عاقل فاُعاتبك ، وما عندك خير يرجى ، ولا شرّ يخشى ، وما كنت ولو سببت عليّا لأغار به عليك ، لأنّك عندي لست بكفو لعبد عبد عليّ بن أبي طالب عليهالسلام فأردّ عليك واُعاتبك ، ولكنّ اللّه عزّ وجلّ لك ولأبيك واُمّك وأخيك بالمرصاد ، فأنت ذريّة آبائك الّذين ذكرهم اللّه في القرآن فقال : «عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ـ إلى قوله ـ مِنْ جُوعٍ»(الغاشية : 3) .
وأمّا وعيدك إيّاي بقتلي ، فهلاّ قتلت الّذي وجدته على فراشك مع حليلتك وقد غلبك على فرجها ، وشركك في ولدها حتّى ألصق بك ولدا ليس لك ، ويلاً لك لو شغلت نفسك بطلب ثأرك منه كنت جديرا ، وبذلك حريّا ، إذ تسومني القتل وتوعدني به .
ولا ألومك أن تسبّ عليا وقد قتل أخاك مبارزة ، واشترك هو وحمزة بن عبد المطّلب في قتل جدّك حتّى أصلاهما [اللّه] على أيديهما نار جهنّم وأذاقهما العذاب الأليم [ونفي عمّك بأمر رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ] وأمّا رجائي الخلافة ، فلعمر اللّه لئن رجوتها فإنّ لي فيها لملتمسا ، وما أنت بنظير أخيك ولا خليفة أبيك ، لأنّ أخاك أكثر تمرّدا على اللّه ، وأشدّ طلبا لاراقة دماء المسلمين ، وطلب ما ليس له بأهل ، يخادع الناس ويمكرهم ويمكر اللّه واللّه خير الماكرين . وأمّا قولك : إنّ عليا كان شرّ قريش لقريش ، فواللّه ما حقّر مرحوما ، ولا قتل مظلوما .
وأمّا أنت يا مغيرة بن شعبة فإنّك للّه عدوّ ، ولكتابه نابذ ، ولنبيّه مكذّب ، وأنت الزاني وقد وجب عليك الرّجم ، وشهد عليك العدول البررة الأتقياء فاُخّر رجمك ، ودفع الحقّ بالباطل ، والصدق بالأغاليط ، وذلك لما أعدّ اللّه لك من العذاب الأليم والخزي في الحياة الدنيا ، ولعذاب الآخرة أخزى .
وأنت ضربت فاطمة بنت رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى أدميتها وألقت ما في بطنها استذلالاً منك لرسولاللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومخالفة منك لأمره ، وانتهاكا لحرمته ، وقد قال لها رسولاللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنت سيّدة نساء أهل الجنّة .
(ثم استرسل الامام الحسن عليه السلام) واللّه مصيّرك إلى النار ، وجاعل وبال ما نطقت به عليك .
فبأيّ الثلاثة سببت عليّا أنقصا من حسبه ، أم بعدا من رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أم سوء بلاء في الإسلام ، أم جورا في حكم ، أم رغبة في الدّنيا ، إن قلت بها فقد كذبت وكذّبك الناس .
أتزعم أنّ عليّا قتل عثمان مظلوما ؟ فعليّ واللّه أتقى وأنقى من لائمه في ذلك ، ولعمري إن كان عليّا قتل عثمان مظلوما ، فواللّه ما أنت من ذلك في شيء ، فما نصرته حيّا ولا تعصّبت له ميّتا ، وما زالت الطائف دارك ، تتّبع البغايا وتحيي أمر الجاهلية ، وتميت الإسلام حتّى كان في أمس [ما كان] .
وأمّا اعتراضك في بني هاشم وبني اُميّة فهو ادّعاؤك إلى معاوية ، وأمّا قولك في شأن الإمارة ، وقول أصحابك في الملك الّذي ملكتموه ، فقد ملك فرعون مصر أربعمائة سنة ، وموسى وهارون عليهمالسلام نبيّان مرسلان يلقيان ما يلقيان ، وهو ملك اللّه يعطيه البرّ والفاجر ، وقال اللّه عزّ وجلّ : «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ»(الأنبياء : 111) وقال : «وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً»(الاسراء : 16 ) .
ثمّ قام الحسن عليهالسلام فنفض ثيابه ، وهو يقول : «الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ» هم واللّه يا معاوية أنت وأصحابك هؤلاء وشيعتك ، «وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ»(النور: 26) هم عليّ بن أبي طالب وأصحابه وشيعته .
ثمّ خرج وهو يقول : «ذق وبال ما كسبت يداك ، وما جنيت ، وما قد أعدّ اللّه لك ولهم من الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة» .
فقال معاوية لأصحابه : وأنتم فذوقوا وبال ما قد جنيتم ، فقال له الوليد بن عقبة : واللّه ما ذقنا إلاّ كما ذقت ، ولا اجترأ إلاّ عليك ، فقال معاوية : ألم أقل لكم إنّكم لن تنتصفوا من الرّجل ؟ فهل أطعتموني أوّل مرّة أو انتصرتم من الرّجل إذ فضحكم ، واللّه ما قام حتّى أظلم عليّ البيت ، وهممت أن أسطو به ، فليس فيكم خير اليوم ولا بعد اليوم .
قال : وسمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية وأصحابه المذكورون من الحسن بن عليّ عليهالسلام ، فأتاهم فوجدهم عند معاوية في البيت فسألهم ما الّذي بلغني عن الحسن وزَعَله ؟ قالوا : قد كان ذلك ، فقال لهم مروان : فهلاّ أحضرتموني ذلك فواللّه لأسبّنّه ولأسبّنَّ أباه وأهل البيت سبّا تغنّي به الإماء والعبيد ، فقال معاوية والقوم : لم يفتك شيء ، وهم يعلمون من مروان بذر لسان وفحش ، فقال مروان : فأرسل إليه يا معاوية : فأرسل معاوية إلى الحسن بن علي عليهالسلام فلمّا جاءه الرّسول ، قال له الحسن عليهالسلام : ما يريد هذا الطاغية منّي ؟ واللّه لئن أعاد الكلام لأوقرنّ مسامعه ما يبقى عليه عاره وشناره إلى يوم القيامة .
فأقبل الحسن عليهالسلام ، فلمّا أن جاءهم وجدهم بالمجلس ، على حالتهم الّتي تركهم فيها ، غير أنّ مروان قد حضر معهم في هذا الوقت ، فمشى الحسن عليهالسلام حتّى جلس على السرير مع معاوية وعمرو بن العاص ، ثمّ قال الحسن لمعاوية : لِمَ أرسلت إليّ ؟ قال : لست أنا أرسلت إليك ولكن مروان الّذي أرسل إليك .
فقال مروان : أنت يا حسن السبّاب رجال قريش ؟ فقال : وما الّذي أردت ؟ فقال : واللّه لأسبّنّك وأباك وأهل بيتك سبّا تغنّي به الإماء والعبيد ، فقال الحسن بن عليّ عليهالسلام : أمّا أنت يا مروان ، فلست أنا سببتك ولا سببت أباك ، ولكنّ اللّه عزّ وجلّ لعنك ولعن أباك وأهل بيتك وذريّتك ، وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة على لسان نبيّه محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم .
واللّه يا مروان ! ما تنكر أنت ولا أحد ممّن حضر هذه اللّعنة من رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لك ولأبيك من قبلك ، وما زادك اللّه يا مروان بما خوّفك إلاّ طغيانا كبيرا ، صدق اللّه وصدق رسوله ، يقول : «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً»(الاسراء : 60) .
وأنت يا مروان وذريّتك الشجرة الملعونة في القرآن عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فوثب معاوية فوضع يده على فم الحسن وقال : يا أبا محمّد ما كنت فحّاشا ، فنفض الحسن عليهالسلام ثوبه وقام وخرج ، فتفرّق القوم عن المجلس بغيظ وحزن وسواد الوجوه .
المصدر البحار : ج44 ص70
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
الامام الحسن عليه السلام يفضح معاوية واصحابة ويكشف انسابهم الحقيقية وافعالهم واقوالهم ومايُسرون في انفسهم ويذكر بعض ما نزل فيهم في القران وبعض ما قال عنهم رسول الله صل الله عليه واله
فضيحه كبيرة بصراحه
الإمام الحسن عليه السلام في مجلس معاوية :
روي عن الشّعبيّ وأبي مخنف ويزيد بن أبي حبيب المصري أنّهم قالوا : لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل أكثر ضجيجا ولا أعلى كلاما ولا أشدّ مبالغة في قول ، من يوم اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان ، عمرو بن عثمان بن عفّان ، وعمرو بن العاص ، وعتبة بن أبي سفيان ، والوليد بن عتبة بن أبي معيط ، والمغيرة بن شعبة ، وقد تواطؤوا على أمر واحد .
فقال عمرو بن العاص لمعاوية : ألا تبعث إلى الحسن بن عليّ فتحضره ، فقد أحيا سيرة أبيه ، وخفقت النعال خلفه ؛ إن أمر فاُطيع ، وإن قال فصدّق ، وهذان يرفعان به إلى ما هو أعظم منهما ، فلو بعثت إليه فقصرنا به وبأبيه ، وسببناه وسببنا أباه ، وصعّرنا بقدره وقدر أبيه ، وقعدنا لذلك حتّى صدق لك فيه . فقال لهم معاوية : إنّي أخاف أن يقلّدكم قلائد يبقى عليكم عارها حتّى تدخلكم قبوركم ، واللّه ما رأيته قطّ إلاّ كرهت جنابه ، وهبت عتابه ، وإنّي إن بعثت إليه لأنصفته منكم ، قال عمرو بن العاص : أتخاف أن يتسامى باطله على حقّنا ، ومرضه على صحّتنا ؟ قال : لا ، قال : فابعث إذا إليه .
فقال عتبة : هذا رأي لا أعرفه ، واللّه ما تستطيعون أن تلقوه بأكثر ولا أعظم ممّا في أنفسكم عليه ، ولا يلقاكم إلاّ بأعظم ممّا في نفسه عليكم ، وإنّه لمن أهل بيت خصم جدل .
فبعثوا إلى الحسن عليهالسلام ، فلمّا أتاه الرّسول قال له : يدعوك معاوية ، قال : ومَن عنده ؟ قال الرّسول : عنده فلان وفلان ، وسمّى كلاًّ منهم باسمه ، فقال الحسن عليهالسلام : ما لهم ، خرّ عليهم السّقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ، ثمّ قال : يا جارية أبلغيني ثيابي ، ثمّ قال : اللّهمّ إنّي أدرأ بك في نحورهم ، وأعوذ بك من شرورهم ، وأستعين بك عليهم فاكفنيهم بما شئت وأنّى شئت ، من حولك وقوّتك يا أرحم الرّاحمين . وقال للرّسول : هذا كلام الفرج .
فلمّا أتى معاوية ، رحّب به وحيّاه وصافحه ، فقال الحسن عليهالسلام : إنّ الّذي حيّيت به سلامة ، والمصافحة أمنة ، فقال معاوية : أجل إنّ هؤلاء بعثوا إليك وعصوني ليقرّروك أنّ عثمان قتل مظلوما وأنّ أباك قتله ، فاسمع منهم ثمّ أجبهم بمثل ما يكلّمونك ولا يمنعك مكاني من جوابهم .
فقال الحسن عليهالسلام : سبحان اللّه البيت بيتك ، والاذن فيه إليك ، واللّه لئن أجبتَهم إلى ما أرادوا ، إنّي لأستحيي لك من الفحش ، ولئن كانوا غلبوك إنّي لأستحيي لك من الضعف فبأيّهما تقرُّ ؟ ومن أيّهما تعتذر ؟ أما إنّي لو علمت بمكانهم واجتماعهم لجئت بعدّتهم من بني هاشم ، ومع وحدتي هم أوحش منّي من جمعهم ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ لوليّي اليوم وفيما بعد اليوم ، فليقولوا فأسمع ، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم .
فتكلّم عمرو بن عثمان بن عفّان فقال : ما سمعت كاليوم ، أن بقي من بني عبد المطّلب على وجه الأرض من أحد بعد قتل الخليفة عثمان بن عفّان ، وكان [من] ابن اُختهم ، والفاضل في الإسلام منزلة ، والخاصّ برسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أثرة ، فبئس كرامة اللّه حتّى سفكوا دمه اعتداء وطلبا للفتنة ، وحسدا ونفاسة ، وطلب ما ليسوا بآهلين لذلك ، مع سوابقه ومنزلته من اللّه ومن رسوله ومن الإسلام فيا ذُلاّه أن يكون حسن وسائر بني عبد المطّلب قتلة عثمان أحياء يمشون على مناكب الأرض وعثمان مضرَّج بدمه ، مع أنّه لنا فيكم تسعة عشر دما بقتلى بني اُميّة ببدر .
ثمّ تكلّم عمرو بن العاص ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : إي يا ابن أبي تراب ! بعثنا إليك لنقرِّرك أنّ أباك سمَّ أبا بكر الصّدّيق ، واشترك في قتل عمر الفاروق ، وقتل عثمان ذاالنّورين مظلوما ، فادّعى ما ليس له بحقّ ، ووقع فيه ـ وذكر الفتنة وعيّره بشأنها ـ ثمّ قال : إنّكم يا بني عبد المطّلب لم يكن اللّه ليعطيكم الملك فترتكبون فيه ما لا يحلّ لكم ، ثمّ أنت يا حسن تحدّث نفسك بأنّك كائن أمير المؤمنين وليس عندك عقل ذلك ، ولا رأيه ، فكيف وقد سُلبته ، وتُركت أحمق في قريش وذلك لسوء عمل أبيك ، وإنّما دعوناك لنسبّك وأباك ، ثمّ أنت لا تستطيع أن تعتّب علينا ، ولا أن تكذّبنا في شيء به ، فإن كنت ترى أنّا كذّبناك في شيء وتقوّلنا عليك بالباطل ، وادّعينا خلاف الحقّ فتكلّم ، وإلاّ فاعلم أنّك وأباك من شرّ خلق اللّه ؛
أمّا أبوك فقد كفانا اللّه قتله وتفرّد به ، فأمّا أنت فإنّك في أيدينا نتخيّر فيك ، واللّه أن لو قتلناك ، ما كان في قتلك إثم عند اللّه ، ولا عيب عند النّاس .
ثمّ تكلّم عتبة بن أبي سفيان ، فكان أوّل ما ابتدأ به أن قال : يا حسن إنّ أباك كان شرّ قريش لقريش ؛ أقطعُه لأرحامها ، وأسفكه لدمائها ، وإنّك لمن قتلة عثمان ، وإنّ في الحقّ أن نقتلك به ، وإنّ عليك القود في كتاب اللّه عزّ وجلّ وإنّا قاتلوك به ، فأمّا أبوك فقد تفرّد اللّه بقتله فكفاناه ، وأمّا رجاؤك للخلافة فلست منها لا في قدحة زندك ، ولا في رجحة ميزانك .
ثمّ تكلّم الوليد بن عقبة بن أبي معيط بنحو من كلام أصحابه ، وقال : يا معاشر بني هاشم كنتم أوّل من دبّ بعيب عثمان ، وجمع النّاس عليه ، حتّى قتلتموه حرصا على الملك ، وقطيعة للرّحم ، واستهلاك الاُمّة وسفك دمائها ، حرصا على الملك ، وطلبا للدُّنيا الخسيسة وحبّا لها ، وكان عثمان خالكم ، فنعم الخال كان لكم ، وكان صهركم ، فكان نعم الصهر لكم ، قد كنتم أوّل من حسده ، وطعن عليه ثمّ وليتم قتله ، فكيف رأيتم صنع اللّه بكم .
ثمّ تكلّم المغيرة بن شعبة ، وكان كلامه وقوله كلّه وقوعا في عليّ عليهالسلام ، ثمّ قال : يا حسن إنّ عثمان قتل مظلوما ، فلم يكن لأبيك في ذلك عذر بريء ، ولا اعتذار مذنب ، غير أنّا يا حسن قد ظننّا لأبيك في ضمّه قتلته ، وإيوائه لهم وذبّه عنهم أنّه بقتله راض ، وكان واللّه طويل السّيف واللّسان ، يقتل الحيّ ويعيب الميّت وبنو اُميّة خير لبني هاشم من بني هاشم لبني اُميّة ، ومعاوية خير لك يا حسن منك لمعاوية .
وقد كان أبوك ناصب رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في حياته ، وأجاب عليه قبل موته وأراد قتله ، فعلم ذلك من أمره رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ كره أن يبايع أبا بكر حتّى اُتي به قودا ، ثمّ دسّ إليه فسقاه سمّا فقتله ، ثمّ نازع عمر حتّى همَّ أن يضرب رقبته ، فعمل في قتله ، ثمّ طعن على عثمان حتّى قتله ، كلّ هؤلاء قد شرك في دمهم ، فأيّ منزلة له من اللّه يا حسن ، وقد جعل اللّه السلطان لوليّ المقتول في كتابه المنزل ، فمعاوية وليُّ المقتول بغير حقّ ، فكان من الحقّ لو قتلناك وأخاك ، واللّه ما دم عليّ بخطر من دم عثمان ، وما كان اللّه ليجمع فيكم يا بني عبد المطّلب الملك والنبوّة ثمّ سكت .
فتكلّم أبو محمّد الحسن بن عليّ صلوات اللّه عليهما فقال : الحمد للّه الّذي هدى أوّلكم بأوّلنا ، وآخركم بآخرنا ، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد النبيّ وآله وسلّم ، ثمّ قال : اسمعوا منّي مقالتي ، وأعيروني فهمكم ، وبك أبدأ يا معاوية . ثمّ قال لمعاوية : إنّه لعمر اللّه يا أزرق ما شتمني غيرك ، وما هؤلاء شتموني ولا سبّني غيرك وما هؤلاء سبّوني ، ولكن شتمتني وسببتني ، فحشا منك ، وسوء رأي ، وبغيا وعدوانا وحسدا علينا ، وعداوةً لمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم قديما وحديثا . وانّه واللّه لو كنت أنا وهؤلاء يا أزرق ! مثاورين في مسجد رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وحولنا المهاجرون والأنصار ، ما قدروا أن يتكلّموا بمثل ما تكلّموا به ، ولا استقبلوني بما استقبلوني به ، فاسمعوا منّي أيّها الملأ المخيّمون المعاونون عليّ ولا تكتموا حقّا علمتموه ، ولا تصدّقوا بباطل نطقت به ، وسأبدأ بك يا معاوية فلا أقول فيك إلاّ دون ما فيك .
أنشدكم باللّه ! هل تعلمون أنّ الرّجل الّذي شتمتموه صلّى القبلتين كلتيهما وأنت تراهما جميعا ضلالة ، تعبد اللاّت والعزّى ؟ وبايع البيعتين كلتيهما بيعة الرّضوان وبيعة الفتح ، وأنت يا معاوية بالاُولى كافر ، وبالاُخرى ناكث ؟
ثمّ قال : أنشدكم باللّه ! هل تعلمون أنّما أقول حقّا إنّه لقيكم مع رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم بدر ومعه راية النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعك يا معاوية راية المشركين ، تعبد اللاّت والعزّى ، وترى حرب رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنين فرضا واجبا ، ولقيكم يوم اُحد ومعه راية النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعك يا معاوية راية المشركين ، ولقيكم يوم الأحزاب ومعه راية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعك يا معاوية راية المشركين ، كلّ ذلك يفلج اللّه حجّته ويُحقُّ دعوته ، ويصدِّق اُحدوثته ، وينصر رايته ، وكلّ ذلك رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم يُرى عنه راضيا في المواطن كلّها .
ثمّ أنشدكم باللّه ! هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم حاصر بني قريظة وبني النضير ثمّ بعث عمر بن الخطّاب ومعه راية المهاجرين ، وسعد بن معاذ ومعه راية الأنصار ، فأمّا سعد بن معاذ فجُرح وحمل جريحا ، وأمّا عمر فرجع وهو يجبّن أصحابه ويجبّنه أصحابه ، فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : لاُعطينّ الرّاية غدا رجلاً يحبُّ اللّه ورسوله ، ويحبّه اللّه ورسوله كرّار غير فرّار ، ثمّ لا يرجع حتّى يفتح اللّه عليه ، فتعرّض لها أبو بكر وعمر وغيرهما من المهاجرين والأنصار ، وعليُّ يومئذٍ أرمد شديد الرّمد فدعاه رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فتفل في عينيه فبرأ من الرّمد فأعطاه الرّاية فمضى ولم يثن حتّى فتح اللّه [عليه [بمنّه وطوله ، وأنت يومئذٍ بمكّة عدوٌّ للّه ورسوله ، فهل يسوّى بين رجل نصح للّه ولرسوله ، ورجل عادى اللّه ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟!
ثمّ اُقسم باللّه ما أسلم قلبك بعد ، ولكنَّ اللّسان خائف ، فهو يتكلّم بما ليس في القلب .
[ثمّ] أنشدكم باللّه ! أتعلمون أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم استخلفه على المدينة في غزوة تبوك ولا سخطه ذلك ولا كرهه ، وتكلّم فيه المنافقون ، فقال : لا تخلّفني يا رسول اللّه فإنّي لم أتخلّف عنك في غزوة قطّ ، فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنت وصيّي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى ، ثمّ أخذ بيد عليّ عليهالسلام ثمّ قال : أيّها الناس من تولاّني فقد تولّى اللّه ، ومن تولّى عليا فقد تولاّني ، ومن أطاعني فقد أطاع اللّه ، ومن أطاع عليّا فقد أطاعني ، ومن أحبّني فقد أحبّ اللّه ومن أحبّ عليّا فقد أحبّني .
[ثمّ قال :] أنشدكم باللّه ! أتعلمون أنّ رسول اللّه قال في حجّة الوداع : أيّها النّاس إنّي قد تركت فيكم ما لم تضلّوا بعده ؛ كتاب اللّه فأحلّوا حلاله ، وحرّموا حرامه واعملوا بمحكمه ، وآمنوا بمتشابهه ، وقولوا : آمنّا بما أنزل اللّه من الكتاب ، وأحبّوا أهل بيتي وعترتي ، ووالوا من والاهم ، وانصروهم على من عاداهم ، وإنّهما لم يزالا فيكم حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة .
ثمّ دعا ـ وهو على المنبر ـ عليّا فاجتذبه بيده فقال : اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، اللّهمّ من عادى عليّا فلا تجعل له في الأرض مقعدا ولا في السّماء مصعدا واجعله في أسفل درك من النار .
أنشدكم باللّه ! أتعلمون أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال له : أنت الذائد عن حوضي يوم القيامة ؛ تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط إبله .
أنشدكم باللّه ! أتعلمون أنّه دخل على رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في مرضه الّذي توفّي فيه ، فبكا رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال عليُّ : ما يبكيك يا رسول اللّه ؟ فقال : يبكيني أنّي أعلم أنّ لك في قلوب رجال من اُمّتي ضغائن لا يبدونها حتّى أتولّى عنك .
أنشدكم باللّه ! أتعلمون أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم حين حضرته الوفاة ، واجتمع أهل بيته قال : اللّهمّ هؤلاء أهلي وعترتي ، اللّهمّ وال من والاهم وانصرهم على من عاداهم ، وقال : إنّما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، من دخل فيها نجا ومن تخلّف عنها غرق .
أنشدكم باللّه ! أتعلمون أنّ أصحاب رسول اللّه قد سلّموا عليه بالولاية في عهد رسول اللّه وحياته صلىاللهعليهوآلهوسلم .
أنشدكم باللّه ! أتعلمون أنّ عليّا أوّل من حرّم الشّهوات كلّها على نفسه من أصحاب رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فأنزل اللّه عزّ وجلّ «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ »1 ـ المائدة : 87 .
وكان عنده علم المنايا ، وعلم القضايا ، وفصل الخطاب ، ورسوخ العلم ، ومنزل القرآن ، وكان في رهط لا نعلمهم يتمّون عشرة ، نبّأهم اللّه أنّهم به مؤمنون ، وأنتم في رهط قريب من عدّة اُولئك لعنوا على لسان رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فأشهد لكم وأشهد عليكم أنّكم لعناء اللّه على لسان نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كلّكم أهل البيت .
وأنشدكم باللّه ! هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بعث إليك لتكتب لبني خزيمة حين أصابهم خالد بن الوليد فانصرف إليه الرّسول فقال : هو يأكل فأعاد الرّسول إليك ثلاث مرّات ، كلّ ذلك ينصرف الرّسول ويقول : هو يأكل ، فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : اللّهمّ لا تشبع بطنه ، فهي واللّه في نهمتك وأكلك إلى يوم القيامة .
ثمّ قال : أنشدكم باللّه ! هل تعلمون أنّما أقول حقّا إنّك يا معاوية كنت تسوق بأبيك على جمل أحمر ، ويقوده أخوك هذا القاعد ، وهذا يوم الأحزاب ، فلعن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم الرّاكب والقائد والسائق ، فكان أبوك الرّاكب وأنت يا أزرق السائق وأخوك هذا القاعد القائد ؟
ثمّ أنشدكم باللّه ! هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لعن أبا سفيان في سبعة مواطن ؛ أوّلهنَّ ؛ حين خرج من مكّة إلى المدينة وأبو سفيان جاء من الشام ، فوقع فيه أبو سفيان فسبّه وأوعده وهمّ أن يبطش به ، ثمّ صرفه اللّه عزّ وجلّ عنه .
والثاني ؛ يوم العير ، حيث طردها أبو سفيان ليحرزها من رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم والثالث ؛ يوم اُحد ، قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : اللّه مولانا ولا مولى لكم ، وقال أبو سفيان : لنا العزّى ولا لكم العزّى ، فلعنه اللّه وملائكته ورسوله والمؤمنون أجمعون .
والرابع ؛ يوم حنين ، يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش وهوازن وجاء عيينة بغطفان واليهود فردّهم اللّه عزّ وجلّ بغيظهم لم ينالوا خيرا هذا قول اللّه عزّ وجلّ له في سورتين في كلتيهما يسمّى أبا سفيان وأصحابه كفّارا ، وأنت يا معاوية يومئذٍ مشرك على رأي أبيك بمكّة ، وعليٌّ يومئذٍ مع رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى رأيه ودينه .
والخامس ؛ قول اللّه عزّ وجلّ «وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ»(الفتح : 25 ) وصددت أنت وأبوك ومشركو قريش رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فلعنه اللّه لعنة شملته وذرّيّته إلى يوم القيامة .
والسادس ؛ يوم الأحزاب ، يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش وجاء عُيينة ابن حصن بن بدر بغطفان ، فلعن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم القادة والأتباع والساقة إلى يوم القيامة . فقيل : يا رسول اللّه أما في الأتباع مؤمن ؟ فقال : لا تصيب اللّعنة مؤمنا من الأتباع ، وأمّا القادة فليس فيهم مؤمن ولا مجيب ولا ناج .
والسّابع ؛ يوم الثّنية ، يوم شدَّ على رسول اللّه اثنا عشر رجلاً ، سبعة منهم من بني اُميّة وخمسة من سائر قريش ، فلعن اللّه تبارك وتعالى ورسوله من حلّ الثنيّة غير النبيّ وسائقه وقائده .
ثمّ أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا ابن أخي هل علينا من عين ؟ فقال : لا ، فقال أبو سفيان : تداولوا الخلافة فتيان بني اُميّة ، فوالّذي نفس أبي سفيان بيده ما من جنّة ولا نار .
وأنشدكم باللّه أتعلمون أنّ أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بويع عثمان وقال : يا ابن أخي أخرج معي إلى بقيع الغرقد فخرج حتّى إذا توسّط القبور اجترَّه فصاح بأعلى صوته : يا أهل القبور ! الّذي كنتم تقاتلونا عليه ، صار بأيدينا وأنتم رميم ، فقال الحسين بن عليّ : قبّح اللّه شيبتك ، وقبّح وجهك ، ثمّ نتر يده وتركه ، فلولا النعمان بن بشير أخذ بيده وردّه إلى المدينة لهلك .
فهذا لك يا معاوية ، فهل تستطيع أن تردّ علينا شيئا .
ومن لعنتك يا معاوية أنّ أباك أبا سفيان كان يهمُّ أن يسلم فبعثت إليه بشعر معروف مرويّ في قريش عندهم تنهاه عن الإسلام وتصدُّه . ومنها أنّ عمر بن الخطّاب ولاّك الشام فخنت به ، وولاّك عثمان فتربّصت به ريب المنون ، ثمّ أعظم من ذلك أنّك قاتلت عليّا صلوات اللّه عليه وآله ، وقد عرفت سوابقه وفضله وعلمه ، على أمر هو أولى به منك ، ومن غيرك عند اللّه وعند النّاس ، ولا دنيّة بل أوطأت النّاس عشوة ، وأرقت دماء خلق من خلق اللّه بخدعك وكيدك وتمويهك ، فعل من لا يؤمن بالمعاد ، ولا يخشى العقاب ، فلمّا بلغ الكتاب أجله صرت إلى شرّ مثوى ، وعليّ إلى خير منقلب واللّه لك بالمرصاد .
فهذا لك يا معاوية خاصّة ، وما أمسكت عنه من مساويك وعيوبك ، فقد كرهت به التطويل .
وأمّا أنت يا عمرو بن عثمان ، فلم تكن حقيقا لحمقك أن تتّبع هذه الاُمور فإنّما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة : استمسكي فإنّي اُريد أن أنزل عنك ، فقالت لها النخلة : ما شعرت بوقوعك فكيف يشقُّ عليّ نزولك ؟ وإنّي واللّه ما شعرت أنّك تحسن أن تعادي لي فيشقّ عليَّ ذلك ، وإنّي لمجيبك في الّذي قلت .
إنّ سبّك عليّا أبنقص في حسبه ؟ أو تباعده من رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أو بسوء بلاء في الإسلام ؟ أو بجور في حكم ، أو رغبة في الدّنيا ؟ فإن قلت واحدة منها فقد كذبت ، وأمّا قولك إنّ لكم فينا تسعة عشر دما بقتلى مشركي بني اُميّة ببدر ، فإنّ اللّه ورسوله قتلهم ، ولعمري ليقتلنَّ من بني هاشم تسعة عشر وثلاثة بعد تسعة عشر ثمّ يقتل من بني اُميّة تسعة عشر وتسعة عشر في موطن واحد سوى ما قُتل من بني اُميّة لا يحصى عددهم إلاّ اللّه .
إنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إذا بلغ ولد الوزع ثلاثين رجلاً أخذوا مال اللّه بينهم دُوَلاً ، وعباده خَوَلاً ، وكتابه دَغَلاً فإذا بلغوا ثلاثمائة وعشرا حقّت عليهم اللّعنة ولهم ، فإذا بلغوا أربعمائة وخمسة وسبعين كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة ، فأقبل الحكم بن أبي العاص وهم في ذلك الذكر والكلام ، فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : اخفضوا أصواتكم فإنّ الوزع يسمع ، وذلك حين رآهم رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن يملك بعده منهم أمر هذه الاُمّة يعني في المنام فساءه ذلك وشقَّ عليه فأنزل اللّه عزّ وجلّ في كتابه «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ»(القدر : 3) فأشهد لكم وأشهد عليكم ما سلطانكم بعد قتل عليّ إلاّ ألف شهر الّتي أجلّها اللّه عزّ وجلّ في كتابه .
وأمّا أنت يا عمرو بن العاص الشانئ اللّعين الأبتر ، فإنّما أنت كلب ، أوّل أمرك اُمّك لبغيّة ، وإنّك ولدت على فراش مشترك ، فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان بن حرب ، والوليد بن المغيرة ، وعثمان بن الحارث ، والنضر بن الحارث بن كلدة ، والعاص بن وائل كلّهم يزعم أنّك ابنه ، فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا ، وأخبثهم منصبا ، وأعظمهم بغية .
ثمّ قمت خطيبا وقلت : أنا شانئ محمّد ، وقال العاص بن وائل : إنّ محمّدا رجل أبتر لا ولد له ، فلو قد مات انقطع ذكره ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى «إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاْءَبْتَرُ»(الكوثر : 3) فكانت اُمّك تمشي إلى عبد قيس لطلب البغية ، تأتيهم في دورهم ورحالهم وبطون اوديتهم ، ثمّ كنت في كلّ مشهد يشهد رسول اللّه عدوّه أشدّهم له عداوة وأشدَّهم له تكذيبا .
ثمّ كنت في أصحاب السّفينة الّذين أتوا النجاشي ، والمهرج الخارج إلى الحبشة في الاشاطة بدم جعفر بن أبي طالب وسائر المهاجرين إلى النجاشي ، فحاق المكر السيّئ بك ، وجعل جدّك الأسفل وأبطل اُمنيّتك ، وخيّب سعيك ، وأكذب اُحدوثتك وجعل كلمة الّذين كفروا السفلى ، وكلمة اللّه هي العليا .
وأمّا قولك في عثمان ، فأنت يا قليل الحياء والدّين ألهبت عليه نارا ثمّ هربت إلى فلسطين تتربّص به الدّوائر ، فلمّا أتتك [خبر] قتله حبست نفسك على معاوية فبعته دينك يا خبيث بدنيا غيرك ، ولسنا نلومك على بغضنا ، ولا نعاتبك على حبّنا ، وأنت عدوّ لبني هاشم في الجاهليّة والإسلام ، وقد هجوت رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بسبعين بيتا من شعر ، فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : اللّهمّ إنّي لا أحسن الشعر ولا ينبغي لي أن أقوله ، فالعن عمرو بن العاص بكلّ بيت [ألف] لعنة .
ثمّ أنت يا عمرو المؤثر دنيا غيرك على دينك ، أهديت إلى النجاشي الهدايا ، ورحلت إليه رحلتك الثانية ، ولم تنهك الاُولى عن الثانية ، كلّ ذلك ترجع مغلولاً حسيرا تريد بذلك هلاك جعفر وأصحابه ، فلمّا أخطأك ما رجوت وأمّلت أحلت على صاحبك عمّارة بن الوليد .
وأمّا أنت يا وليد بن عقبة ، فواللّه ما ألومك أن تبغض عليّا ، وقد جلدك في الخمر ثمانين ، وقتل أباك صبرا بيده يوم بدر ، أم كيف تسبّه فقد سمّاه اللّه مؤمنا في عشر آيات من القرآن ، وسمّاك فاسقا ، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : «أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ»(السجدة : 18 ) وقوله : «إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ»(الحجرات : 6) ، وما أنت وذكر قريش ، وإنّما أنت ابن عليج من أهل صفوريّة يقال له : ذكوان .
وأمّا زعمك أنّا قتلنا عثمان ، فواللّه ما استطاع طلحة والزّبير وعائشة أن يقولوا ذلك لعليّ بن أبي طالب ، فكيف تقوله أنت ؟ ولو سألت اُمّك مَن أبوك إذ تركت ذكوان فألصقتك بعقبة بن أبي معيط ، اكتست بذلك عند نفسها سناء ورفعة مع ما أعدّ اللّه لك ولأبيك واُمّك من العار والخزي في الدّنيا والآخرة ، وما اللّه بظلاّم للعبيد .
ثمّ أنت يا وليد ـ واللّه ـ أكبر في الميلاد ممّن تدّعي له النسب ، فكيف تسبّ عليّا ؟ ولو اشتغلت بنفسك لبيّنت نسبك إلى أبيك لا إلى من تدّعي له ، ولقد قالت لك اُمّك : يا بنيّ أبوك واللّه ألأم وأخبث من عقبة .
وأمّا أنت يا عتبة بن أبي سفيان ، فواللّه ما أنت بحصيف فاُجاوبك ، ولا عاقل فاُعاتبك ، وما عندك خير يرجى ، ولا شرّ يخشى ، وما كنت ولو سببت عليّا لأغار به عليك ، لأنّك عندي لست بكفو لعبد عبد عليّ بن أبي طالب عليهالسلام فأردّ عليك واُعاتبك ، ولكنّ اللّه عزّ وجلّ لك ولأبيك واُمّك وأخيك بالمرصاد ، فأنت ذريّة آبائك الّذين ذكرهم اللّه في القرآن فقال : «عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ـ إلى قوله ـ مِنْ جُوعٍ»(الغاشية : 3) .
وأمّا وعيدك إيّاي بقتلي ، فهلاّ قتلت الّذي وجدته على فراشك مع حليلتك وقد غلبك على فرجها ، وشركك في ولدها حتّى ألصق بك ولدا ليس لك ، ويلاً لك لو شغلت نفسك بطلب ثأرك منه كنت جديرا ، وبذلك حريّا ، إذ تسومني القتل وتوعدني به .
ولا ألومك أن تسبّ عليا وقد قتل أخاك مبارزة ، واشترك هو وحمزة بن عبد المطّلب في قتل جدّك حتّى أصلاهما [اللّه] على أيديهما نار جهنّم وأذاقهما العذاب الأليم [ونفي عمّك بأمر رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ] وأمّا رجائي الخلافة ، فلعمر اللّه لئن رجوتها فإنّ لي فيها لملتمسا ، وما أنت بنظير أخيك ولا خليفة أبيك ، لأنّ أخاك أكثر تمرّدا على اللّه ، وأشدّ طلبا لاراقة دماء المسلمين ، وطلب ما ليس له بأهل ، يخادع الناس ويمكرهم ويمكر اللّه واللّه خير الماكرين . وأمّا قولك : إنّ عليا كان شرّ قريش لقريش ، فواللّه ما حقّر مرحوما ، ولا قتل مظلوما .
وأمّا أنت يا مغيرة بن شعبة فإنّك للّه عدوّ ، ولكتابه نابذ ، ولنبيّه مكذّب ، وأنت الزاني وقد وجب عليك الرّجم ، وشهد عليك العدول البررة الأتقياء فاُخّر رجمك ، ودفع الحقّ بالباطل ، والصدق بالأغاليط ، وذلك لما أعدّ اللّه لك من العذاب الأليم والخزي في الحياة الدنيا ، ولعذاب الآخرة أخزى .
وأنت ضربت فاطمة بنت رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى أدميتها وألقت ما في بطنها استذلالاً منك لرسولاللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومخالفة منك لأمره ، وانتهاكا لحرمته ، وقد قال لها رسولاللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنت سيّدة نساء أهل الجنّة .
(ثم استرسل الامام الحسن عليه السلام) واللّه مصيّرك إلى النار ، وجاعل وبال ما نطقت به عليك .
فبأيّ الثلاثة سببت عليّا أنقصا من حسبه ، أم بعدا من رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أم سوء بلاء في الإسلام ، أم جورا في حكم ، أم رغبة في الدّنيا ، إن قلت بها فقد كذبت وكذّبك الناس .
أتزعم أنّ عليّا قتل عثمان مظلوما ؟ فعليّ واللّه أتقى وأنقى من لائمه في ذلك ، ولعمري إن كان عليّا قتل عثمان مظلوما ، فواللّه ما أنت من ذلك في شيء ، فما نصرته حيّا ولا تعصّبت له ميّتا ، وما زالت الطائف دارك ، تتّبع البغايا وتحيي أمر الجاهلية ، وتميت الإسلام حتّى كان في أمس [ما كان] .
وأمّا اعتراضك في بني هاشم وبني اُميّة فهو ادّعاؤك إلى معاوية ، وأمّا قولك في شأن الإمارة ، وقول أصحابك في الملك الّذي ملكتموه ، فقد ملك فرعون مصر أربعمائة سنة ، وموسى وهارون عليهمالسلام نبيّان مرسلان يلقيان ما يلقيان ، وهو ملك اللّه يعطيه البرّ والفاجر ، وقال اللّه عزّ وجلّ : «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ»(الأنبياء : 111) وقال : «وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً»(الاسراء : 16 ) .
ثمّ قام الحسن عليهالسلام فنفض ثيابه ، وهو يقول : «الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ» هم واللّه يا معاوية أنت وأصحابك هؤلاء وشيعتك ، «وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ»(النور: 26) هم عليّ بن أبي طالب وأصحابه وشيعته .
ثمّ خرج وهو يقول : «ذق وبال ما كسبت يداك ، وما جنيت ، وما قد أعدّ اللّه لك ولهم من الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة» .
فقال معاوية لأصحابه : وأنتم فذوقوا وبال ما قد جنيتم ، فقال له الوليد بن عقبة : واللّه ما ذقنا إلاّ كما ذقت ، ولا اجترأ إلاّ عليك ، فقال معاوية : ألم أقل لكم إنّكم لن تنتصفوا من الرّجل ؟ فهل أطعتموني أوّل مرّة أو انتصرتم من الرّجل إذ فضحكم ، واللّه ما قام حتّى أظلم عليّ البيت ، وهممت أن أسطو به ، فليس فيكم خير اليوم ولا بعد اليوم .
قال : وسمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية وأصحابه المذكورون من الحسن بن عليّ عليهالسلام ، فأتاهم فوجدهم عند معاوية في البيت فسألهم ما الّذي بلغني عن الحسن وزَعَله ؟ قالوا : قد كان ذلك ، فقال لهم مروان : فهلاّ أحضرتموني ذلك فواللّه لأسبّنّه ولأسبّنَّ أباه وأهل البيت سبّا تغنّي به الإماء والعبيد ، فقال معاوية والقوم : لم يفتك شيء ، وهم يعلمون من مروان بذر لسان وفحش ، فقال مروان : فأرسل إليه يا معاوية : فأرسل معاوية إلى الحسن بن علي عليهالسلام فلمّا جاءه الرّسول ، قال له الحسن عليهالسلام : ما يريد هذا الطاغية منّي ؟ واللّه لئن أعاد الكلام لأوقرنّ مسامعه ما يبقى عليه عاره وشناره إلى يوم القيامة .
فأقبل الحسن عليهالسلام ، فلمّا أن جاءهم وجدهم بالمجلس ، على حالتهم الّتي تركهم فيها ، غير أنّ مروان قد حضر معهم في هذا الوقت ، فمشى الحسن عليهالسلام حتّى جلس على السرير مع معاوية وعمرو بن العاص ، ثمّ قال الحسن لمعاوية : لِمَ أرسلت إليّ ؟ قال : لست أنا أرسلت إليك ولكن مروان الّذي أرسل إليك .
فقال مروان : أنت يا حسن السبّاب رجال قريش ؟ فقال : وما الّذي أردت ؟ فقال : واللّه لأسبّنّك وأباك وأهل بيتك سبّا تغنّي به الإماء والعبيد ، فقال الحسن بن عليّ عليهالسلام : أمّا أنت يا مروان ، فلست أنا سببتك ولا سببت أباك ، ولكنّ اللّه عزّ وجلّ لعنك ولعن أباك وأهل بيتك وذريّتك ، وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة على لسان نبيّه محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم .
واللّه يا مروان ! ما تنكر أنت ولا أحد ممّن حضر هذه اللّعنة من رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لك ولأبيك من قبلك ، وما زادك اللّه يا مروان بما خوّفك إلاّ طغيانا كبيرا ، صدق اللّه وصدق رسوله ، يقول : «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً»(الاسراء : 60) .
وأنت يا مروان وذريّتك الشجرة الملعونة في القرآن عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فوثب معاوية فوضع يده على فم الحسن وقال : يا أبا محمّد ما كنت فحّاشا ، فنفض الحسن عليهالسلام ثوبه وقام وخرج ، فتفرّق القوم عن المجلس بغيظ وحزن وسواد الوجوه .
المصدر البحار : ج44 ص70
تعليق