قال الله تعالى: (والسَّماء ذاتِ الرَّجعِ) الطارق/ 11.
فسّرت هذه الآية الكريمة على أنه قسم من الله تبارك وتعالى بالسماء ذات المطر الذي يعود ويتكرر على فترات زمنية متفاوتة.. كما قيل في تفسيرها أيضاً: إذا رميت شيئاً لأعلى فإنه يعود إليك.
إلاّ أن بعض العلماء يعتقدون أن هذه الآية الكريمة المكونة من ثلاث كلمات فقط تحوي في مضمونها الكثير من الحقائق العلمية التي لم تكتشف إلاّ منذ عقود قليلة في ضوء علوم وتكنولوجيا الفضاء.. هكذا يقول الدكتور مسلم شلتوت الأستاذ بالمركز القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية.. فالطبقة الأولى من الغلاف الجوي والمسماة طبقة التروبوسفير والتي يصعد بداخلها بخار الماء، نتيجة تبخير مياه البحر والمحيطات بأشعة الشمس حتى يكون في النهاية السحب السميكة، التي ترتحل من مناطق الضغط المرتفع إلى مناطق الضغط المنخفض بفعل الرياح.. هذه السحب تقوم بعكس (ترجعي) أشعة الشمس للفضاء الخارجي مرة ثانية بمقدار قد يصل إلى 80 أو 90%، بجانب امتصاصها لجزء من هذه الأشعة وتشتيته.. ولولا هذا الانعكاس لأشعة الشمس بالسحب لارتفعت درجة حرارة سطح الأرض والتروبوسفير بدرجة عالية لا تسمح بقيام أو استمرار الحياة على الأرض.. ويبلغ متوسط الأشعة المعكوسة للفضاء الخارجي نتيجة السحب، وسطح الأرض، ومياه البحار والمحيطات، على مدار السنة، نحو 50% من أشعة الشمس الساقطة على الأرض.
ومع باكورة القرن العشرين، واكتشاف أشعة الراديو والبث الإذاعي والاتصالات اللاسلكية، اتضح أن أشعة الراديو تنعكس على طبقات الجو العليا على ارتفاع يتراوح فيما بين 90 إلى 120 كيلومتراً على طبقة تسمى الأيونوسفير.. لأن هذه الطبقة تحتوي على أيونات موجبة والكترونات حرة سالبة.. اتضح فيما بعد أن سبب هذا التأين هو أشعة إكس الصادرة من الشمس.. حيث تقوم هذه الأشعة بتأيين الذرات المتعادلة إلى أيونات والكترونات حرة نتيجة لطاقتها العالية في عملية تسمى (التأين الفوتوني Photoionization) وهذه العملية من نعم الله الكبرى.. فلولا وجود هذه الطبقة لهلكت كل المخلوقات على سطح الأرض نتيجة لأشعة إكس الصادرة من الشمس.. وبجانب هذا فان هذه الطبقة يستفاد منها الآن في عكس (ترجيع) أشعة الراديو في عملية البث الإذاعي والاتصال اللاسلكي عبر المسافات الطويلة.. وقد تمّ اكتشاف أشعة إكس الصادرة من الشمس بعد غزو الفضاء، واتضح أن كل حزمة منها خاصة بتأين جزء معين من طبقة الأيونوسفير.. لذلك فان هذه الطبقة تقسم إلى ثلاث طبقات تأخذ الحروف F-F-D .. وكل طبقة لها خاصية معيّنة في عكس أشعة الراديو عند أطوال موجية معينة.. وعند حدوث انفجارات شمسية فانه يحدث اضطراب مفاجئ في طبقة الأيونوسفير يؤثر على الاتصالات اللاسلكية والبث الإذاعي.
وعلى ارتفاع آلاف الكيلومترات فوق سطح البحر توجد طبقة تسمى الماجنتوسفير تحيط بالأرض.. لها خطوط مغناطيسية ممتدة من القطب المغناطيسي الشمالي للقطب الجنوبي للأرض.. وقد اكتشفت هذه الطبقة خلال القرن العشرين.. وسمّيت (أحزمة فان ألن) نسبة إلى مكتشفها.. ولهذه الطبقة أهمية بالغة.. فعند حدوث الانفجارات الشمسية والتي قد تصل الطاقة المنطلقة من انفجار واحد منها مجموع الطاقات المنطلقة من كل القنابل النووية بالأرض لو أطلقت مرة واحدة أو يزيد.. لذلك فانه بعد حدوث هذه الانفجارات بأيام قليلة تأتي سحابة من الشمس مكونة من الدقائق المشحونة كالبروتونات والالكترونات وذرات الهليوم والليثيوم المؤينة بجانب النيوترونات.. وجميع هذه الدقائق المشحونة تشبه أشعة ألفا وبيتا المنطلقة بعد حدوث انفجار نووي.. وهي أشعة مهلكة.. وتعمل طبقة الماجنتوسفير كدرع مغناطيسي لا يسمح لهذه الدقائق المشحونة بالمرور إلى الأرض ويعمل على ترجيعها إلى الفضاء.. والقليل من هذه الدقائق هو الذي ينجح في الاختراق والسير في خطوط القوى المغناطيسية حتى يصل إلى منطقة أقطاب الأرض محدثاً تفريغاً كهربياً يؤدي إلى إضاءة منطقة الأقطاب بما يعرف بظاهرة الايرورا أو الفجر القطبي.. وعند حدوث هذا الاصطدام ما بين السحابة القادمة من الشمس وطبقة الماجنتوسفير، فإن ذلك يؤدي إلى حدوث ما يسمى بالعواصف المغناطيسية الأرضية.. حيث تؤدي إلى هبوط حاد في المركبة الأفقية للمجال المغناطيسي للأرض.. وتؤثر على خطوط الضغط العالي للكهرباء في المناطق القطبية للأرض.. وتؤثر كذلك على توجيه الصواريخ العابرة للقارات أو المصوبة إلى الفضاء الخارجي.
وهناك جانب آخر من جوانب الإعجاز في الآية.. فطبقة الأوزون الموجودة بطبقات الجو العليا والمعروفة باسم الستراتوسفير هي من أهم نعم الله علينا.. فلولا وجود هذه الطبقة لفتكت أشعة (C) الفوق بنفسجية بنا.. ومن رحمة الله تعالى أن هذه الطبقة في الوقت الذي تمنع فيه هذا النوع القاتل من الأشعة تسمح بمرور النوع (A) وقليل من النوع (B) .. والنوعان لازمان لقتل الفطريات وتكوين فيتامين (د) الذي يعمل على بناء العظام.
ألا تستحق السماء ذات الرجع أن يقسم بها رب العالمين؟.
تعليق