معنى البرزخ
البرزخ لغة: هو الحائل بين شيئين أو مرحلتين، ففي الاية الشريفة ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾(الرحمن:20).
البرزخ اصطلاحاً: المراد منه هنا هو العالم الذي يتوسط بين الدنيا وعالم الاخرة، أي أن الروح بعد انفصالها عن الجسم وقبل عودتها إليه يوم القيامة فإنها سوف تبقى في عالم يتوسط العالمين ويسمى عالم البرزخ.
البرزخ في القران الكريم
وردت في القرآن الكريم عدَّة آيات تتحدث عن عالم البرزخ وتعرَّضت هذه الايات إلى ذكر بعض الخصوصيات.
- الآية الأولى يقول تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾(المؤمنون:99-100).
ففي هذه الآية المباركة يذكر اللّه تعالى حال الكفار والظلمة بعد الموت مباشرة وبداية دخولهم في عالم البرزخ وقد طلبوا العودة إلى دار الدنيا للعمل الصالح حيث أدركوا حجم الخسارة التي وقعوا بها، كما يشير إلى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا"1. ولكن يأتي الجواب من اللّه تعالى بعدم العودة وبداية العالم الجديد الذي هو عالم البرزخ ويبقون فيه إلى يوم القيامة.
وجاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "أتخوَّف عليكم في البرزخ".
فسأله الراوي: ما البرزخ؟
فقال عليه السلام: "القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة"2.
- الاية الثانية: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ﴾(البقرة:154).
- الاية الثالثة: "وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا اتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾(ال عمران:169-170).
هاتان الايتان تتحدثان عن الشهداء والذين يقتلون في سبيل اللّه تعالى وعن بعض التفاصيل في حياتهم من الفرح والاستبشار والحياة والرزق وعدم الخوف والحزن، وهما تدلان على عالم البرزخ بالبيان التالي.
إن الايتين تتحدثان عن الحياة بعد الموت، فأين هي هذه الحياة؟ بالطبع ليست في الدنيا لأن الكلام بعد الموت، وليست في الاخرة أي يوم القيامة لأنها لم تأت بعد، فالنتيجة أنهم أحياء في عالم متوسط بين الدنيا والاخرة وهذه الحياة متناسبة مع تلك النشأة واثارها، وهذا ما سماه القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام بالبرزخ.
ونلاحظ في هاتين الايتين أن اللّه تعالى يتكلم عن حياة الشهداء ولكن هذا لا ينفي حياة غيرهم بل لعلَّ اللّه تعالى خصَّص ذكر الشهداء إما لمدخلية أسباب النزول حيث نزلتا بحق شهداء بدر وأحد، وإما لأن الايتين تبينان فضل الشهداء وكيفية حياتهم البرزخية من النعيم والرزق الكريم.
- الاية الرابعة: قوله تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا الَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾(غافر:46).
هذه الاية المباركة إشارة واضحة إلى عالم البرزخ حيث تتحدث عن آل فرعون كيف يتعذبون في عالم البرزخ حيث يعرضون على النار صباحاً ومساءً، ويدل على ذلك ذيل الآية التي تحدثت عن دخولهم في النار عند قيام الساعة المعبَّر عنه بأشد العذاب، وصار يظهر الفرق بين العالمين والعذابين حيث إنهم في عالم البرزخ يعرضون عرضاً على النار أي لا يدخلونها، فيعذبون فيها عن بعد ومن وهجها كما لو مرَّ إنسان بجانب نار ودنا منها فإنه قد يحرق نفسه من وهجها، وبالمقابل لو مرَّ إنسان بجانب بستان مليء بالأشجار فإنه من نسيمه يشعر بالانتعاش حتى لو لم يدخله.
أما يوم القيامة فإنهم يدخلون إلى النار ويلقاهم أشد العذاب.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يؤيد هذا المعنى: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي فإن كان من أهل الجنة فمن الجنة، وإن كان من أهل النار فمن النار يقال هذا مقعد حين يبعثك اللّه يوم القيامة"3.
وقال: "القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران"4.
- الآية الخامسة: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾(يس:26).
الآية المباركة تتحدث عن مؤمن آل يس الذي ساند ودعم رسل السيد المسيح عليه السلام الذين بعثوا إلى مدينة إنطاكية ودعا الناس ونصحهم بإتباع الرسل لكن هؤلاء القوم لم يكترثوا به وقتلوه، وبعد قتله قيل له ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون....
وهذه الآية تدل على عالم البرزخ بالبيان الاتي:
إن الجنة عرضت عليه مباشرة بعد قتله بدليل أن قومه ما زالوا أحياء وتمنى لهم أن يعلموا بما وصل إليه، وبالطبع أن هذه الجنة هي ليست جنة القيامة لأن القيامة لم يأت موعدها بعد، وليست هذه الجنة في الدنيا قطعاً لذهابه بموته عن هذه الدنيا، فلا بد وأن يكون هناك عالم اخر، فينحصر ذلك في عالم البرزخ. وهذه الاية تشير بشكل واضح إلى نعيم القبر والبرزخ بالنسبة للمؤمنين.
نكتفي بهذا المقدار من ذكر الايات التي يمكن إثبات عالم البرزخ من خلالها ولكي يكتمل البحث نشير إلى بعض الروايات الواردة في هذا المجال.
البرزخ في الأحاديث الشريفة
إن الروايات التي تتحدث عن عالم البرزخ كثيرة.
وفي الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه عندما ألقوا بأجساد قتلى مشركي مكة، الذين قتلوا في غزوة بدر في أحد الابار وقف النبي صلّى الله عليه وآله وسلم على البئر وقال: "يا أهل القليب5هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً، قالوا: يا رسول اللّه هل يسمعون؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن اليوم لا يجيبون"6.
وذكر أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، أنه عندما كان عائداً من حرب صفين وقف على مقبرة تقع خلف باب الكوفة وتحدث إلى الأموات بهذه الكلمات: "أنتم لنا فرط سابق ونحن لكم تبع لاحق، أما الدور فقد سكنت وأما الأزواج فقد نكحت وأما الأموال فقد قسمت، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم"؟ فالتفت إلى أصحابه وقال: "أمَّا لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أن خير الزاد التقوى"7.
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام إنه عندما سُئل عن أرواح المؤمنين أجاب: "في حجرات في الجنة يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها، ويقولون ربنا أقم الساعة لنا وانجز لنا ما وعدتنا"8.
خصوصيات عالم البرزخ
القران الكريم لم يتعرض إلا لبعض حالات عالم البرزخ كالحياة والفرح والاستبشار وعدم الخوف بالنسبة للمؤمنين مقابل العذاب الذي يعيشه الظالمون والعرض على النار في الصباح والمساء، أما الخصوصيات التفصيلية لعالم البرزخ فإن القران الكريم لم يتعرض لذكرها بل تعرَّضت لها الروايات عن النبي وأهل بيتهؤ ونذكر بعضاً منها:
1- السؤال في القبر
عندما يوضع الميت في القبر يأتيه الملكان فيسألانه عن ربه ودينه وبنيّه وأئمته وكتابه وقبلته وكيف قضى عمره وأنفق ماله وغير ذلك. وروي عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام: أنه قال:" ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده وعن نبيك الذي أرسل إليك وعن دينك الذي كنت تدين به وعن كتابك الذي كنت تتلوه وعن إمامك الذي كنت تتولاه ثم عن عمرك فيما أفنيته ومالك من أين اكتسبته وفيما أتلفته..."9.
2- ضغطة القبر
ورد ذكر ضغطة القبر في الأحاديث كثيراً وهي تكون على البعض أشد منها على البعض الاخر، وتعتبر كفارة للذنوب. قال عندما دفن الصحابي سعد بن معاذ: "إنه ليس من مؤمن إلا وله ضُمّة"ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: "ضغطة القبر للمؤمن كفارة لما كان منه من تضييع النعم"10.
وأن الذي لا يدفن في الأرض يضغطه الهواء كالمصلوب أو الماء كالغريق.
في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام : "إن رب الأرض هو رب الهواء فيوحي اللّه عز وجل إلى الهواء فيضغطه ضغطة أشد من ضغطة القبر"11.
3- التزاور
عن الإمام الصادق: "إن المؤمن ليزور أهله فيرى ما يحب ويستر عنه ما يكره وإن الكافر ليزور أهله فيرى ما يكره ويستر عنه ما يحب"12.
4- انتفاع الأرواح بأعمال الاخرين
توجد روايات كثيرة تدل على أن عمل الخير عن أرواح الأموات تنفعهم في عالمهم البرزخي وتصل إليهم على شكل هدايا. وورد في الرواية أن المسيح عليه السلام مرَّ على أحد القبور فوجد صاحبه في العذاب وعندما مرَّ في العام القابل وجده في النعيم فعندما سأل اللّه تعالى عن ذلك خوطب بأن السبب هو فعل خيرٍ أداه ابن مؤمن له...13.
1- بحار الأنوار ج4 ص43.
2- تفسير البرهان ح3 ص120.
3- بحار الأنوار، ح6 ص276.
4- المصدر السابق نفسه.
5- القليب: هو البئر والمراد منه بئر بدر.
6- بحار الأنوار ح6 ص254.
7- نهج البلاغة الكلمات القصار، 130.
8- فروع الكافي ح3 ص244.
9- بحار الأنوار ج6 ص223.
10- بحار الأنوار ج6 ص 271.
11- نفس المصدر السابق ص266.
12- الكافي ج3 ص 230.
13- بحار الأنوار ج6 ص220.
البرزخ لغة: هو الحائل بين شيئين أو مرحلتين، ففي الاية الشريفة ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾(الرحمن:20).
البرزخ اصطلاحاً: المراد منه هنا هو العالم الذي يتوسط بين الدنيا وعالم الاخرة، أي أن الروح بعد انفصالها عن الجسم وقبل عودتها إليه يوم القيامة فإنها سوف تبقى في عالم يتوسط العالمين ويسمى عالم البرزخ.
البرزخ في القران الكريم
وردت في القرآن الكريم عدَّة آيات تتحدث عن عالم البرزخ وتعرَّضت هذه الايات إلى ذكر بعض الخصوصيات.
- الآية الأولى يقول تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾(المؤمنون:99-100).
ففي هذه الآية المباركة يذكر اللّه تعالى حال الكفار والظلمة بعد الموت مباشرة وبداية دخولهم في عالم البرزخ وقد طلبوا العودة إلى دار الدنيا للعمل الصالح حيث أدركوا حجم الخسارة التي وقعوا بها، كما يشير إلى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا"1. ولكن يأتي الجواب من اللّه تعالى بعدم العودة وبداية العالم الجديد الذي هو عالم البرزخ ويبقون فيه إلى يوم القيامة.
وجاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "أتخوَّف عليكم في البرزخ".
فسأله الراوي: ما البرزخ؟
فقال عليه السلام: "القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة"2.
- الاية الثانية: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ﴾(البقرة:154).
- الاية الثالثة: "وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا اتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾(ال عمران:169-170).
هاتان الايتان تتحدثان عن الشهداء والذين يقتلون في سبيل اللّه تعالى وعن بعض التفاصيل في حياتهم من الفرح والاستبشار والحياة والرزق وعدم الخوف والحزن، وهما تدلان على عالم البرزخ بالبيان التالي.
إن الايتين تتحدثان عن الحياة بعد الموت، فأين هي هذه الحياة؟ بالطبع ليست في الدنيا لأن الكلام بعد الموت، وليست في الاخرة أي يوم القيامة لأنها لم تأت بعد، فالنتيجة أنهم أحياء في عالم متوسط بين الدنيا والاخرة وهذه الحياة متناسبة مع تلك النشأة واثارها، وهذا ما سماه القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام بالبرزخ.
ونلاحظ في هاتين الايتين أن اللّه تعالى يتكلم عن حياة الشهداء ولكن هذا لا ينفي حياة غيرهم بل لعلَّ اللّه تعالى خصَّص ذكر الشهداء إما لمدخلية أسباب النزول حيث نزلتا بحق شهداء بدر وأحد، وإما لأن الايتين تبينان فضل الشهداء وكيفية حياتهم البرزخية من النعيم والرزق الكريم.
- الاية الرابعة: قوله تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا الَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾(غافر:46).
هذه الاية المباركة إشارة واضحة إلى عالم البرزخ حيث تتحدث عن آل فرعون كيف يتعذبون في عالم البرزخ حيث يعرضون على النار صباحاً ومساءً، ويدل على ذلك ذيل الآية التي تحدثت عن دخولهم في النار عند قيام الساعة المعبَّر عنه بأشد العذاب، وصار يظهر الفرق بين العالمين والعذابين حيث إنهم في عالم البرزخ يعرضون عرضاً على النار أي لا يدخلونها، فيعذبون فيها عن بعد ومن وهجها كما لو مرَّ إنسان بجانب نار ودنا منها فإنه قد يحرق نفسه من وهجها، وبالمقابل لو مرَّ إنسان بجانب بستان مليء بالأشجار فإنه من نسيمه يشعر بالانتعاش حتى لو لم يدخله.
أما يوم القيامة فإنهم يدخلون إلى النار ويلقاهم أشد العذاب.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يؤيد هذا المعنى: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي فإن كان من أهل الجنة فمن الجنة، وإن كان من أهل النار فمن النار يقال هذا مقعد حين يبعثك اللّه يوم القيامة"3.
وقال: "القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران"4.
- الآية الخامسة: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾(يس:26).
الآية المباركة تتحدث عن مؤمن آل يس الذي ساند ودعم رسل السيد المسيح عليه السلام الذين بعثوا إلى مدينة إنطاكية ودعا الناس ونصحهم بإتباع الرسل لكن هؤلاء القوم لم يكترثوا به وقتلوه، وبعد قتله قيل له ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون....
وهذه الآية تدل على عالم البرزخ بالبيان الاتي:
إن الجنة عرضت عليه مباشرة بعد قتله بدليل أن قومه ما زالوا أحياء وتمنى لهم أن يعلموا بما وصل إليه، وبالطبع أن هذه الجنة هي ليست جنة القيامة لأن القيامة لم يأت موعدها بعد، وليست هذه الجنة في الدنيا قطعاً لذهابه بموته عن هذه الدنيا، فلا بد وأن يكون هناك عالم اخر، فينحصر ذلك في عالم البرزخ. وهذه الاية تشير بشكل واضح إلى نعيم القبر والبرزخ بالنسبة للمؤمنين.
نكتفي بهذا المقدار من ذكر الايات التي يمكن إثبات عالم البرزخ من خلالها ولكي يكتمل البحث نشير إلى بعض الروايات الواردة في هذا المجال.
البرزخ في الأحاديث الشريفة
إن الروايات التي تتحدث عن عالم البرزخ كثيرة.
وفي الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه عندما ألقوا بأجساد قتلى مشركي مكة، الذين قتلوا في غزوة بدر في أحد الابار وقف النبي صلّى الله عليه وآله وسلم على البئر وقال: "يا أهل القليب5هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً، قالوا: يا رسول اللّه هل يسمعون؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن اليوم لا يجيبون"6.
وذكر أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، أنه عندما كان عائداً من حرب صفين وقف على مقبرة تقع خلف باب الكوفة وتحدث إلى الأموات بهذه الكلمات: "أنتم لنا فرط سابق ونحن لكم تبع لاحق، أما الدور فقد سكنت وأما الأزواج فقد نكحت وأما الأموال فقد قسمت، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم"؟ فالتفت إلى أصحابه وقال: "أمَّا لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أن خير الزاد التقوى"7.
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام إنه عندما سُئل عن أرواح المؤمنين أجاب: "في حجرات في الجنة يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها، ويقولون ربنا أقم الساعة لنا وانجز لنا ما وعدتنا"8.
خصوصيات عالم البرزخ
القران الكريم لم يتعرض إلا لبعض حالات عالم البرزخ كالحياة والفرح والاستبشار وعدم الخوف بالنسبة للمؤمنين مقابل العذاب الذي يعيشه الظالمون والعرض على النار في الصباح والمساء، أما الخصوصيات التفصيلية لعالم البرزخ فإن القران الكريم لم يتعرض لذكرها بل تعرَّضت لها الروايات عن النبي وأهل بيتهؤ ونذكر بعضاً منها:
1- السؤال في القبر
عندما يوضع الميت في القبر يأتيه الملكان فيسألانه عن ربه ودينه وبنيّه وأئمته وكتابه وقبلته وكيف قضى عمره وأنفق ماله وغير ذلك. وروي عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام: أنه قال:" ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده وعن نبيك الذي أرسل إليك وعن دينك الذي كنت تدين به وعن كتابك الذي كنت تتلوه وعن إمامك الذي كنت تتولاه ثم عن عمرك فيما أفنيته ومالك من أين اكتسبته وفيما أتلفته..."9.
2- ضغطة القبر
ورد ذكر ضغطة القبر في الأحاديث كثيراً وهي تكون على البعض أشد منها على البعض الاخر، وتعتبر كفارة للذنوب. قال عندما دفن الصحابي سعد بن معاذ: "إنه ليس من مؤمن إلا وله ضُمّة"ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: "ضغطة القبر للمؤمن كفارة لما كان منه من تضييع النعم"10.
وأن الذي لا يدفن في الأرض يضغطه الهواء كالمصلوب أو الماء كالغريق.
في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام : "إن رب الأرض هو رب الهواء فيوحي اللّه عز وجل إلى الهواء فيضغطه ضغطة أشد من ضغطة القبر"11.
3- التزاور
عن الإمام الصادق: "إن المؤمن ليزور أهله فيرى ما يحب ويستر عنه ما يكره وإن الكافر ليزور أهله فيرى ما يكره ويستر عنه ما يحب"12.
4- انتفاع الأرواح بأعمال الاخرين
توجد روايات كثيرة تدل على أن عمل الخير عن أرواح الأموات تنفعهم في عالمهم البرزخي وتصل إليهم على شكل هدايا. وورد في الرواية أن المسيح عليه السلام مرَّ على أحد القبور فوجد صاحبه في العذاب وعندما مرَّ في العام القابل وجده في النعيم فعندما سأل اللّه تعالى عن ذلك خوطب بأن السبب هو فعل خيرٍ أداه ابن مؤمن له...13.
1- بحار الأنوار ج4 ص43.
2- تفسير البرهان ح3 ص120.
3- بحار الأنوار، ح6 ص276.
4- المصدر السابق نفسه.
5- القليب: هو البئر والمراد منه بئر بدر.
6- بحار الأنوار ح6 ص254.
7- نهج البلاغة الكلمات القصار، 130.
8- فروع الكافي ح3 ص244.
9- بحار الأنوار ج6 ص223.
10- بحار الأنوار ج6 ص 271.
11- نفس المصدر السابق ص266.
12- الكافي ج3 ص 230.
13- بحار الأنوار ج6 ص220.
تعليق