بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وهوى بجنب العلقميّ فليته***للشاربين به يداف العلقمُ
الياء في العلقمي ياء النسبة ، والمراد به نهر علقمة ، وهو نهر كان متفرّعاً من الفرات ومنشعباً منه ، وكان يمرّ بأرض كربلاء وضواحيها ، ويسقيها جميعاً ، وعلى مقربة منه صُرع أبوالفضل العباس (عليه السلام) وسقط شهيداً ، وذلك حيث يكون مرقده الشريف الآن .
قيل : إنّ هذا النهر ـ أي : نهر العلقمي ـ كان هو النهر الوحيد الّذي يجري في كربلاء أيّام نزل الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته بها ، وقد شهد هذا النهر بطولات كثيرة من أبي الفضل العباس (عليه السلام) ، بطولات روحية وجسمية معاً .
العلقمي وبطولات العباس (عليه السلام) الجسمية
أمّا بطولات أبي الفضل العباس (عليه السلام) الجسمية الّتي شهدها العلقمي منه (عليه السلام)فحدّث ولا حرج ، فلقد كان أوكل ابن سعد عمرو بن الحجاج مع أربعة آلاف فارس على العلقمي يحموا ماءه ذريّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويمنعوه من الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه وأهل بيته ، فاستقى العباس (عليه السلام) منه لمعسكر الإمام الحسين (عليه السلام) مرّات عديدة ، وذلك بعد أن فرّق جموع الموكّلين به وبدّد شملهم .
ومن المعلوم ان تفريق أربعة آلاف فارس عن العلقمي ، مع أنّ مهمّة هؤلاء الفرسان كان هو الحيلولة بينه وبين كلّ وارد إليه من أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام)وذلك بكلّ ما يملكونه من أسلحة وعتاد ، وجزم وعزم ، هو أمر عظيم ، لا يقدر عليه أحد سوى مثل أبي الفضل العباس (عليه السلام) ، حيث كان يحمل عليهم كالليث الغضبان ، ولا يعبأ بالسهام الّتي كانت تقبل نحوه كالمطر ، فكان جسمه الشريف يصبح من كثرة ما يصيبه من النبل والسهام كالقنفذ ، وهو لا يكترث بشيء من ذلك ، بل كان كلّ همّه اقتحام العلقمي والدخول فيه ، وحمل الماء إلى مخيّم الإمام الحسين (عليه السلام) ومعسكره ، وكان يفعل في كل مرة ذلك وبكلّ جدارة .
العلقمي وبطولات العباس (عليه السلام) الروحية
وأمّا بطولات أبي الفضل العباس (عليه السلام) الروحية الّتي شهدها العلقمي من أبي الفضل العباس (عليه السلام) فحدّث أيضاً ولا حرج ، فإنّ من يستطيع تفريق أربعة آلاف فارس ، ويقدر على تبديد جمعهم ، صحيح أنّه دليل على بطولته الجسمية وقوّته الجسدية ، ولكن لولا قدرته الروحية الكبيرة ، الّتي لا تهاب من الإقدام على الموت ، ولا ترهب من اقتحام لجج الحرب المدمّرة ، لما كان يستطيع التقدّم نحو العدوّ حتّى شبر واحد ، ولا أن يدنو من العلقمي بمقدار أنملة ، فكيف بأن يقتحمه ويملأ الوعاء منه ؟ فما ظهور بطولته الجسمية وبروز قوّته الجسدية ، إلاّ عن دافع الروح القوية ، وقدرتها المعنوية العالية .
ألم تسمع بخبر ابن الحنفيّة في وقعة الجمل وذلك على ما اشتهر عليه ابن الحنفيّة من البطولة والشجاعة ؟ فإنّه لمّا أمره أبوه أميرالمؤمنين (عليه السلام) بأن يحمل على القوم ، تريّث وأبطأ عن مهاجمتهم ومداهمتهم ، فلمّا استفسر (عليه السلام) منه عن سبب تثاقله ، أجاب : بأنّه يتريّث انقطاع رشق السهام الّتي تتوالى نحوه كالمطر ، فدفع (عليه السلام) في صدره وقال له : لقد أصابك عرق من اُمّك ، ممّا يظهر منه أنّ موقف ابن الحنفيّة أمام رشق السهام مع قوّته الجسدية الفائقة ، كانت قد نتجت من ضعف الروح الّتي لحقته من اُمّه ، وإلاّ فأبوه أميرالمؤمنين (عليه السلام) هو من يُضرب بقوّة روحه وعلوّ معنويّاته المثل ، بينما اُمّ أبي الفضل العباس (عليه السلام) هي اُمّ البنين (عليها السلام) المعروفة ببيتها العريق في الشجاعة والبطولة ، والّتي قد ورثت من آبائها الفروسيّة والشهامة وورّثته ابنها أباالفضل العباس (عليه السلام) ، فأبوالفضل (عليه السلام) وريث شجاعة أبيه أميرالمؤمنين (عليه السلام) واُمّه أمّ البنين (عليها السلام) ، ولا كلام في شجاعة مثله (عليه السلام) روحاً وجسداً .
المواساة : بطولة معنوية
أضف إلى كلّ ذلك بطولته الروحية الاُخرى ، الّتي هي أعظم كلّ البطولات الروحية ، وأكبر كلّ القدرات المعنوية ، الّتي شهدها العلقمي من أبي الفضل العباس (عليه السلام) ، ألا وهي بطولة المواساة ، وقدرة التغلّب على النفس ، وزمّ جماحها إلى الماء ، وتلهّفها إلى شربه ، فإنّ إنساناً مثل أبي الفضل (عليه السلام) قد كابد شحّ الماء وقلّته ، وأعطى حصّته من الماء لأطفال أخيه العطاشى ، وعانا من ثقل الحديد ومطاردة الأعداء ، وقاسى حرّ الشمس وحرّ الحرب ، حتّى أصبح فؤاده كالجمر ، وقلبه كالبركان ، قد دخل العلقمي وأحسّ ببرده ، فكان من الطبيعي له ، وبدافع حسّ العطش الكبير ، والظمأ الشديد ، وعبر حركة طبيعيّة ، أن تمتدّ يداه إلى الماء وتغترف منه غرفة لتقربه من فمه ، حتى يُطفئ بها فورة العطش ، ويُخمد عبرها اوار الظمأ ، وكان هذه الغرفة من الماء وتعقيبها بثانية وثالثة واستساغتها ، لكن حاشا لمثل أبي الفضل العباس (عليه السلام) ربيب أميرالمؤمنين (عليه السلام) والمترعرع في حجر أمّ البنين ، أن ينزل إلى ما تتطلّبه طبيعته الجسدية ، ويسف إلى مستوى غرائزه الجسمية ، وقد تعلّم من أبيه واُمّه كيف يحلّق في سماء الفضيلة ، ويعلو في أجواء المعنويات الروحية ، وكيف يكبح جماح نفسه ، ويغلب فورة هواه ، ولذلك عندما قرّب الماء من فمه وتذكّر عطش أخيه الإمام الحسين (عليه السلام) صبّ الماء على الماء ، وملأ القربة ماءاً وخرج من العلقمي متّجهاً نحو الخيام وهو يخاطب نفسه ويقول :
يا نفس من بعد الحسين هوني***وبعده لا كنتِ أنْ تكوني
هذا الحسين وارد المنون***وتشربين بارد المعين
تالله ما هذا فعال ديني***ولا فعال صادق اليقين
جفاف العلقمي واندثاره
نعم ، لقد شهد العلقمي هذه البطولات الروحية والجسمية من أبي الفضل العباس (عليه السلام) وأعجب بها ، كما أعجب بصاحبها الأبي ، وراعيها الوفي ، أبي الفضل العباس (عليه السلام) ، وراح يهتزّ له سروراً ، ويموج به مرحاً ، ويتبختر اعتزازاً وافتخاراً ، لكنّه لمّا شهد مصرع هذا الشهم النفل ، واغتيال هذا الطاهر المبارك ، على مقربة من شواطئه وسواحله ، وضفافه وحافّته ، وهو ضامئ عطشان ، وذلك على أيدي الغدرة الفجرة ، والخونة الكفرة ، اُصيب بخيبة أمل كبير ، وفجع بمن كان قد اعتزّ به وافتخر ، وبقي متحيّراً لا يدري ما يفعل ، ولا يعرف كيف يتصرّف في ردّ فعل منه على هذه الاُمور الصعبة الّتي وقعت بجواره ، والظروف القاسية الّتي جرت على مرأى منه ومسمع ؟ حتّى إذا وقف على ضفافه الإمام الصادق (عليه السلام) وخاطبه قائلاً : «إلى الآن تجري ـ يا علقمي ـ وقد حرم جدّي منك ؟» . وبرواية معالي السبطين أنّه وقف عليه الإمام زين العابدين (عليه السلام) عند رجوعه من الشام وخاطبه بقوله : «منعت ماءك ـ يا علقمي ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) وتجري ؟» . فاستحيى العلقمي من ذلك وعرف من مخاطبة الإمام الصادق (عليه السلام) أو مخاطبة الإمام السجّاد (عليه السلام) له كيف يتعامل مع الواقع المرّ الّذي شهده ، والمنظر المفجع الّذي رآه ، فغار من حينه ، وجفّ الماء ، وصار العلقمي بعد ذلك أثراً تاريخياً مسطوراً في كتب التاريخ ، ومدوّناً في ذاكرة الأيّام ، حيث صار العباس (عليه السلام) يُنسب في بطولته وشجاعته إلى هذا النهر ، ويعرف من بعد ذلك ببطل العلقمي .
ولنعم ما قيل في هذا المعنى :
يا من إذا ذُكرت لديه كربلا***لطم الخدود ودمعه قد أهملا
مهما تمرّ على الفرات فقل : ألا***بُعداً لشطّك يا فرات فمرّ لا
تحلو فإنّك لا هنيّ ولا مر
يّأيُذاد نسل الطاهرين أباً وجدّ***عن وِرد ماء قد اُبيح لمن ورد
لو كنت يا ماء الفرات من الشهد***أيسوغ لي منك الورود وعنك قد
صُدّ الإمامُ سليل ساقي الكوثر
الخصائص العباسية
نسألكم الدعاء
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وهوى بجنب العلقميّ فليته***للشاربين به يداف العلقمُ
الياء في العلقمي ياء النسبة ، والمراد به نهر علقمة ، وهو نهر كان متفرّعاً من الفرات ومنشعباً منه ، وكان يمرّ بأرض كربلاء وضواحيها ، ويسقيها جميعاً ، وعلى مقربة منه صُرع أبوالفضل العباس (عليه السلام) وسقط شهيداً ، وذلك حيث يكون مرقده الشريف الآن .
قيل : إنّ هذا النهر ـ أي : نهر العلقمي ـ كان هو النهر الوحيد الّذي يجري في كربلاء أيّام نزل الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته بها ، وقد شهد هذا النهر بطولات كثيرة من أبي الفضل العباس (عليه السلام) ، بطولات روحية وجسمية معاً .
العلقمي وبطولات العباس (عليه السلام) الجسمية
أمّا بطولات أبي الفضل العباس (عليه السلام) الجسمية الّتي شهدها العلقمي منه (عليه السلام)فحدّث ولا حرج ، فلقد كان أوكل ابن سعد عمرو بن الحجاج مع أربعة آلاف فارس على العلقمي يحموا ماءه ذريّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويمنعوه من الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه وأهل بيته ، فاستقى العباس (عليه السلام) منه لمعسكر الإمام الحسين (عليه السلام) مرّات عديدة ، وذلك بعد أن فرّق جموع الموكّلين به وبدّد شملهم .
ومن المعلوم ان تفريق أربعة آلاف فارس عن العلقمي ، مع أنّ مهمّة هؤلاء الفرسان كان هو الحيلولة بينه وبين كلّ وارد إليه من أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام)وذلك بكلّ ما يملكونه من أسلحة وعتاد ، وجزم وعزم ، هو أمر عظيم ، لا يقدر عليه أحد سوى مثل أبي الفضل العباس (عليه السلام) ، حيث كان يحمل عليهم كالليث الغضبان ، ولا يعبأ بالسهام الّتي كانت تقبل نحوه كالمطر ، فكان جسمه الشريف يصبح من كثرة ما يصيبه من النبل والسهام كالقنفذ ، وهو لا يكترث بشيء من ذلك ، بل كان كلّ همّه اقتحام العلقمي والدخول فيه ، وحمل الماء إلى مخيّم الإمام الحسين (عليه السلام) ومعسكره ، وكان يفعل في كل مرة ذلك وبكلّ جدارة .
العلقمي وبطولات العباس (عليه السلام) الروحية
وأمّا بطولات أبي الفضل العباس (عليه السلام) الروحية الّتي شهدها العلقمي من أبي الفضل العباس (عليه السلام) فحدّث أيضاً ولا حرج ، فإنّ من يستطيع تفريق أربعة آلاف فارس ، ويقدر على تبديد جمعهم ، صحيح أنّه دليل على بطولته الجسمية وقوّته الجسدية ، ولكن لولا قدرته الروحية الكبيرة ، الّتي لا تهاب من الإقدام على الموت ، ولا ترهب من اقتحام لجج الحرب المدمّرة ، لما كان يستطيع التقدّم نحو العدوّ حتّى شبر واحد ، ولا أن يدنو من العلقمي بمقدار أنملة ، فكيف بأن يقتحمه ويملأ الوعاء منه ؟ فما ظهور بطولته الجسمية وبروز قوّته الجسدية ، إلاّ عن دافع الروح القوية ، وقدرتها المعنوية العالية .
ألم تسمع بخبر ابن الحنفيّة في وقعة الجمل وذلك على ما اشتهر عليه ابن الحنفيّة من البطولة والشجاعة ؟ فإنّه لمّا أمره أبوه أميرالمؤمنين (عليه السلام) بأن يحمل على القوم ، تريّث وأبطأ عن مهاجمتهم ومداهمتهم ، فلمّا استفسر (عليه السلام) منه عن سبب تثاقله ، أجاب : بأنّه يتريّث انقطاع رشق السهام الّتي تتوالى نحوه كالمطر ، فدفع (عليه السلام) في صدره وقال له : لقد أصابك عرق من اُمّك ، ممّا يظهر منه أنّ موقف ابن الحنفيّة أمام رشق السهام مع قوّته الجسدية الفائقة ، كانت قد نتجت من ضعف الروح الّتي لحقته من اُمّه ، وإلاّ فأبوه أميرالمؤمنين (عليه السلام) هو من يُضرب بقوّة روحه وعلوّ معنويّاته المثل ، بينما اُمّ أبي الفضل العباس (عليه السلام) هي اُمّ البنين (عليها السلام) المعروفة ببيتها العريق في الشجاعة والبطولة ، والّتي قد ورثت من آبائها الفروسيّة والشهامة وورّثته ابنها أباالفضل العباس (عليه السلام) ، فأبوالفضل (عليه السلام) وريث شجاعة أبيه أميرالمؤمنين (عليه السلام) واُمّه أمّ البنين (عليها السلام) ، ولا كلام في شجاعة مثله (عليه السلام) روحاً وجسداً .
المواساة : بطولة معنوية
أضف إلى كلّ ذلك بطولته الروحية الاُخرى ، الّتي هي أعظم كلّ البطولات الروحية ، وأكبر كلّ القدرات المعنوية ، الّتي شهدها العلقمي من أبي الفضل العباس (عليه السلام) ، ألا وهي بطولة المواساة ، وقدرة التغلّب على النفس ، وزمّ جماحها إلى الماء ، وتلهّفها إلى شربه ، فإنّ إنساناً مثل أبي الفضل (عليه السلام) قد كابد شحّ الماء وقلّته ، وأعطى حصّته من الماء لأطفال أخيه العطاشى ، وعانا من ثقل الحديد ومطاردة الأعداء ، وقاسى حرّ الشمس وحرّ الحرب ، حتّى أصبح فؤاده كالجمر ، وقلبه كالبركان ، قد دخل العلقمي وأحسّ ببرده ، فكان من الطبيعي له ، وبدافع حسّ العطش الكبير ، والظمأ الشديد ، وعبر حركة طبيعيّة ، أن تمتدّ يداه إلى الماء وتغترف منه غرفة لتقربه من فمه ، حتى يُطفئ بها فورة العطش ، ويُخمد عبرها اوار الظمأ ، وكان هذه الغرفة من الماء وتعقيبها بثانية وثالثة واستساغتها ، لكن حاشا لمثل أبي الفضل العباس (عليه السلام) ربيب أميرالمؤمنين (عليه السلام) والمترعرع في حجر أمّ البنين ، أن ينزل إلى ما تتطلّبه طبيعته الجسدية ، ويسف إلى مستوى غرائزه الجسمية ، وقد تعلّم من أبيه واُمّه كيف يحلّق في سماء الفضيلة ، ويعلو في أجواء المعنويات الروحية ، وكيف يكبح جماح نفسه ، ويغلب فورة هواه ، ولذلك عندما قرّب الماء من فمه وتذكّر عطش أخيه الإمام الحسين (عليه السلام) صبّ الماء على الماء ، وملأ القربة ماءاً وخرج من العلقمي متّجهاً نحو الخيام وهو يخاطب نفسه ويقول :
يا نفس من بعد الحسين هوني***وبعده لا كنتِ أنْ تكوني
هذا الحسين وارد المنون***وتشربين بارد المعين
تالله ما هذا فعال ديني***ولا فعال صادق اليقين
جفاف العلقمي واندثاره
نعم ، لقد شهد العلقمي هذه البطولات الروحية والجسمية من أبي الفضل العباس (عليه السلام) وأعجب بها ، كما أعجب بصاحبها الأبي ، وراعيها الوفي ، أبي الفضل العباس (عليه السلام) ، وراح يهتزّ له سروراً ، ويموج به مرحاً ، ويتبختر اعتزازاً وافتخاراً ، لكنّه لمّا شهد مصرع هذا الشهم النفل ، واغتيال هذا الطاهر المبارك ، على مقربة من شواطئه وسواحله ، وضفافه وحافّته ، وهو ضامئ عطشان ، وذلك على أيدي الغدرة الفجرة ، والخونة الكفرة ، اُصيب بخيبة أمل كبير ، وفجع بمن كان قد اعتزّ به وافتخر ، وبقي متحيّراً لا يدري ما يفعل ، ولا يعرف كيف يتصرّف في ردّ فعل منه على هذه الاُمور الصعبة الّتي وقعت بجواره ، والظروف القاسية الّتي جرت على مرأى منه ومسمع ؟ حتّى إذا وقف على ضفافه الإمام الصادق (عليه السلام) وخاطبه قائلاً : «إلى الآن تجري ـ يا علقمي ـ وقد حرم جدّي منك ؟» . وبرواية معالي السبطين أنّه وقف عليه الإمام زين العابدين (عليه السلام) عند رجوعه من الشام وخاطبه بقوله : «منعت ماءك ـ يا علقمي ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) وتجري ؟» . فاستحيى العلقمي من ذلك وعرف من مخاطبة الإمام الصادق (عليه السلام) أو مخاطبة الإمام السجّاد (عليه السلام) له كيف يتعامل مع الواقع المرّ الّذي شهده ، والمنظر المفجع الّذي رآه ، فغار من حينه ، وجفّ الماء ، وصار العلقمي بعد ذلك أثراً تاريخياً مسطوراً في كتب التاريخ ، ومدوّناً في ذاكرة الأيّام ، حيث صار العباس (عليه السلام) يُنسب في بطولته وشجاعته إلى هذا النهر ، ويعرف من بعد ذلك ببطل العلقمي .
ولنعم ما قيل في هذا المعنى :
يا من إذا ذُكرت لديه كربلا***لطم الخدود ودمعه قد أهملا
مهما تمرّ على الفرات فقل : ألا***بُعداً لشطّك يا فرات فمرّ لا
تحلو فإنّك لا هنيّ ولا مر
يّأيُذاد نسل الطاهرين أباً وجدّ***عن وِرد ماء قد اُبيح لمن ورد
لو كنت يا ماء الفرات من الشهد***أيسوغ لي منك الورود وعنك قد
صُدّ الإمامُ سليل ساقي الكوثر
الخصائص العباسية
نسألكم الدعاء
تعليق