سورة هل أتى.. درسٌ وعبرة
قال الله تعالى في كتابه العزيز : (( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا * إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا * إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا )) الى آخر الآيات المباركة من سورة ( هل أتى ) .
جاءت هذه السورة المباركة على شكل سؤال ، يجرّ وراءه سلسلة من الأسئلة ، حيث تبقى كلمة ( هل أتى ) تلحّ على الإنسان بمعرفة ذلك الذي يُسأل عن إتيانه : ما هو ؟ وما هي حقيقته ؟ ولماذا يُسأل عنه ؟ ومن المخاطب ؟ وهل المخاطب هو نفس المسؤول ؟ ومن المجيب ؟ .
وفي الإنسان فضول ، خصوصاً في مثل هذه الحالات ، حيث يلتقي فضوله فيها مع حب المعرفة والعلم ، ومع حب اكتشاف المجهول .
فإن تسمية سورة ( هل أتى ) بهذا الاسم ـ إذن ـ تسمية أريدَ لها أن تعطي الحافز للمعرفة ، وتدفع كل سامع أو قارئ للمتابعة ... فيتحرك لمواصلة التحري ، برغبة وجهوزية تامة ، الأمر الذي يؤهله لأن يلاحظ خصوصيات وتفاصيل ، لم يكن ليلتفت إليها لو ترك على حالةٍ من الاسترخاء والركود ، بل ان السؤال نفسه سوف يحرجه ويثيره ، ويجعله أمام مسؤولية البحث عن الإجابة .
أما لماذا أريد أن يكون لاسم هذه السورة هذا الإيحاء ، فقد يكون هو التأكيد على الاهتمام الإلهي بتعريف الناس بحقائق إيمانية أساسية ، ربما تكثر الصوارف لهم عن متابعة مسيرة التعرف عليها ، لارتباطها بأهل البيت (عليهم السلام) ، الذي سوف تكثر العداوة لهم من قبل أهل الدنيا (1) .
وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) في ثواب قراءة هذه السورة المباركة أنه قال : (( من قرأ هذه السورة كان جزاؤه على الله جنّة وحريراً ، ومن أدمن قراءتها قويت نفسه الضعيفة ، ومن كتبها و شرب ماءها نفعت وجع الفؤاد ، وصح جسمه ، وبرئ من مرضه )) (2) .
وذكرت بعض النصوص أن هذه السورة قد نزلت في الخامس والعشرين من ذي الحجة (3) .
وقد حفلت الروايات بأن سبب نزول سورة ( هل أتى ) ، هو أن الحسنين (عليهما السلام) مرضا ، فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعض من أصحابه ، وجعل عليٌّ على نفسه ـ وكذلك الزهراء والحسنان (عليهم السلام) وفضّة (ره) : إذا عافاهما الله أن يصوموا ثلاثة أيام شكراً لله تعالى .
فألبسهما الله سبحانه عافيةً ، فأصبحوا صياماً ، وليس عندهم طعام ، فحصل علي (عليه السلام) على ثلاثة أصوع من شعير ، جاء بها للزهراء (عليها السلام) ، مقابل أن تغزل جزة صوف .
فغزلت ثلث الصوف ، وطحنت صاعاً من الشعير ، وخبزت منه خمسة أقراص بعددهم .
فصلى عليّ (عليه السلام) مع النبي (صلى الله عليه وآله) ، ثم أتى منزله ، ووضع الطعام ، فأول لقمة كسرها عليّ (عليه السلام) ، إذا بمسكين قد وقف على الباب ، وطلب أن يطعموه ، فوضع علي (عليه السلام) اللقمة من يده ، ودفعوا ما على الخوان إلى المسكين ، وأصبحوا صياماً لم يذوقوا إلا الماء القراح .
وفي اليوم التالي تكرّرت القضية برمتها ، حيث جاءهم يتيم هذه المرة ، وذلك بمجرد أن كسر الإمام علي (عليه السلام) اللقمة ، فأعطوه ما على الخوان ، وباتوا جياعاً لم يذوقوا إلا الماء القراح .
وهكذا جرى أيضاً في اليوم الثالث ، حيث جاءهم أسير من أُسراء المشركين ، وقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد ، تأسروننا ، وتشدوننا ، ولا تطعموننا !
فوضع علي (عليه السلام) اللقمة من يده ، وأعطوه ما على الخوان ، وباتوا جياعاً وأصبحوا مفطرين ، وليس عندهم شيء .
وأقبل علي (عليه السلام) بالحسن والحسين (عليهما السلام) نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع .
فقال (صلى الله عليه وآله) : يا أبا الحسن : أشد ما يسوؤني ما أرى بكم ، انطلق إلى ابنتي فاطمة .
فانطلقوا ، وهي في محرابها ، قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع ، وغارت عيناها .
فلما رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضمّها إليه ، وقال : واغوثاه ، بالله أنتم من ثلاث فيما أرى ؟
فهبط جبرئيل ، فقال : يا محمد ، خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك .
فقال: وما آخذ يا جبرئيل ؟
قال: (( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْر )) (4) .
ـــــــــــ
1 . عن تفسير سورة هل أتى للسيد جعفر مرتضى العاملي: 1/10، بتصرّف.
2 . المصدر نفسه: ص 11.
3 . تفسير نور الثقلين: 5/473 عن: مناقب آل أبي طالب.
4 . انظر: تفسير نور الثقلين: 5/474 و477 عن الأمالي للشيخ الصدوق، وتفسير البرهان: 4/412 و 413
قال الله تعالى في كتابه العزيز : (( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا * إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا * إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا )) الى آخر الآيات المباركة من سورة ( هل أتى ) .
جاءت هذه السورة المباركة على شكل سؤال ، يجرّ وراءه سلسلة من الأسئلة ، حيث تبقى كلمة ( هل أتى ) تلحّ على الإنسان بمعرفة ذلك الذي يُسأل عن إتيانه : ما هو ؟ وما هي حقيقته ؟ ولماذا يُسأل عنه ؟ ومن المخاطب ؟ وهل المخاطب هو نفس المسؤول ؟ ومن المجيب ؟ .
وفي الإنسان فضول ، خصوصاً في مثل هذه الحالات ، حيث يلتقي فضوله فيها مع حب المعرفة والعلم ، ومع حب اكتشاف المجهول .
فإن تسمية سورة ( هل أتى ) بهذا الاسم ـ إذن ـ تسمية أريدَ لها أن تعطي الحافز للمعرفة ، وتدفع كل سامع أو قارئ للمتابعة ... فيتحرك لمواصلة التحري ، برغبة وجهوزية تامة ، الأمر الذي يؤهله لأن يلاحظ خصوصيات وتفاصيل ، لم يكن ليلتفت إليها لو ترك على حالةٍ من الاسترخاء والركود ، بل ان السؤال نفسه سوف يحرجه ويثيره ، ويجعله أمام مسؤولية البحث عن الإجابة .
أما لماذا أريد أن يكون لاسم هذه السورة هذا الإيحاء ، فقد يكون هو التأكيد على الاهتمام الإلهي بتعريف الناس بحقائق إيمانية أساسية ، ربما تكثر الصوارف لهم عن متابعة مسيرة التعرف عليها ، لارتباطها بأهل البيت (عليهم السلام) ، الذي سوف تكثر العداوة لهم من قبل أهل الدنيا (1) .
وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) في ثواب قراءة هذه السورة المباركة أنه قال : (( من قرأ هذه السورة كان جزاؤه على الله جنّة وحريراً ، ومن أدمن قراءتها قويت نفسه الضعيفة ، ومن كتبها و شرب ماءها نفعت وجع الفؤاد ، وصح جسمه ، وبرئ من مرضه )) (2) .
وذكرت بعض النصوص أن هذه السورة قد نزلت في الخامس والعشرين من ذي الحجة (3) .
وقد حفلت الروايات بأن سبب نزول سورة ( هل أتى ) ، هو أن الحسنين (عليهما السلام) مرضا ، فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعض من أصحابه ، وجعل عليٌّ على نفسه ـ وكذلك الزهراء والحسنان (عليهم السلام) وفضّة (ره) : إذا عافاهما الله أن يصوموا ثلاثة أيام شكراً لله تعالى .
فألبسهما الله سبحانه عافيةً ، فأصبحوا صياماً ، وليس عندهم طعام ، فحصل علي (عليه السلام) على ثلاثة أصوع من شعير ، جاء بها للزهراء (عليها السلام) ، مقابل أن تغزل جزة صوف .
فغزلت ثلث الصوف ، وطحنت صاعاً من الشعير ، وخبزت منه خمسة أقراص بعددهم .
فصلى عليّ (عليه السلام) مع النبي (صلى الله عليه وآله) ، ثم أتى منزله ، ووضع الطعام ، فأول لقمة كسرها عليّ (عليه السلام) ، إذا بمسكين قد وقف على الباب ، وطلب أن يطعموه ، فوضع علي (عليه السلام) اللقمة من يده ، ودفعوا ما على الخوان إلى المسكين ، وأصبحوا صياماً لم يذوقوا إلا الماء القراح .
وفي اليوم التالي تكرّرت القضية برمتها ، حيث جاءهم يتيم هذه المرة ، وذلك بمجرد أن كسر الإمام علي (عليه السلام) اللقمة ، فأعطوه ما على الخوان ، وباتوا جياعاً لم يذوقوا إلا الماء القراح .
وهكذا جرى أيضاً في اليوم الثالث ، حيث جاءهم أسير من أُسراء المشركين ، وقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد ، تأسروننا ، وتشدوننا ، ولا تطعموننا !
فوضع علي (عليه السلام) اللقمة من يده ، وأعطوه ما على الخوان ، وباتوا جياعاً وأصبحوا مفطرين ، وليس عندهم شيء .
وأقبل علي (عليه السلام) بالحسن والحسين (عليهما السلام) نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع .
فقال (صلى الله عليه وآله) : يا أبا الحسن : أشد ما يسوؤني ما أرى بكم ، انطلق إلى ابنتي فاطمة .
فانطلقوا ، وهي في محرابها ، قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع ، وغارت عيناها .
فلما رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضمّها إليه ، وقال : واغوثاه ، بالله أنتم من ثلاث فيما أرى ؟
فهبط جبرئيل ، فقال : يا محمد ، خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك .
فقال: وما آخذ يا جبرئيل ؟
قال: (( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْر )) (4) .
ـــــــــــ
1 . عن تفسير سورة هل أتى للسيد جعفر مرتضى العاملي: 1/10، بتصرّف.
2 . المصدر نفسه: ص 11.
3 . تفسير نور الثقلين: 5/473 عن: مناقب آل أبي طالب.
4 . انظر: تفسير نور الثقلين: 5/474 و477 عن الأمالي للشيخ الصدوق، وتفسير البرهان: 4/412 و 413
تعليق