مناظرة
الإمام الرضا عليه السلام مع يحيى بن الضحاك السمرقندي
قال الشيخ الصدوق عليه الرحمة : ذكر ما كلم به الرضا عليه السلام يحيى بن الضحاك السمرقندي في الإمامة عند المأمون ، حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال : حدثني محمّد بن يحيى الصولي قال : .. كان المأمون في باطنه يحب سقطات الرضا عليه السلام وأن يعلوه المحتج ، وإن أظهر غير ذلك ، فاجتمع عنده الفقهاء والمتكلمون فدس إليهم أن ناظروه في الإمامة فقال لهم الرضا عليه السلام : اقتصروا على واحد منكم يلزمكم ما يلزمه ، فرضوا برجل يعرف بيحيى بن الضحاك السمرقندي ، ولم يكن بخراسان مثله ، فقال له الرضا عليه السلام : يا يحيى سل عما شئت.
فقال : نتكلم في الإمامة ، كيف ادعيت لمن لم يؤم وتركت من أم ، ووقع الرضا به؟
فقال له عليه السلام : يا يحيى أخبرني عمن صدق كاذبا على نفسه ، أو كذب صادقا على نفسه ، أيكون محقا مصيبا ، أم مبطلاً مخطياً؟
فسكت يحيى ، فقال له المأمون : أجبه.
فقال : يعفيني أميرالمؤمنين من جوابه.
فقال المأمون : يا أبا الحسن عرفنا الغرض في هذه المسألة.
فقال عليه السلام : لابد ليحيى من أن يخبر عن أئمته : أنهم كذبوا على أنفسهم أو صدقوا؟ فإن زعم أنهم كذبوا فلا أمانة لكذاب (١) ، وإن زعم أنهم صدقوا فقد قال أولهم : وليتكم ولست بخيركم (٢) ، وقال تاليه : كانت بيعته فلته فمن عاد لمثلها فاقتلوه (٣) فو الله ما رضي لمن فعل مثل فعلهم إلاّ بالقتل ، فمن لم يكن بخير الناس والخيرية لا تقع إلاّ بنعوت منها : العلم ، ومنها الجهاد ، ومنها سائر الفضائل وليست فيه (٤) ومن كانت بيعته فلته يجب القتل على من فعل مثلها ، كيف يقبل عهده غيره
_________________
١ ـ في الإحتجاج : فلا إمامة.
٢ ـ روى عبد الرزاق الصنعاني : عن معمر رجل عن الحسن أن أبا بكر خطب فقال : أما والله ما أنا بخيركم ، ولقد كنت لقامي هذا كارها ، ولوددت لو أن فيكم من يكفيني ، فتظنون أني أعمل فيكم سنة رسول الله 6 إذا لا أقوم لها ، إن رسول الله 6 كان يعصم بالوحي ، وكان معه ملك ، وإن لي شيطانا يعتريني ، فإذا غضبت فاجتنبوني ، لا أوثر في أشعاركم ولا أبشاركم ، ألا فراعوني! فإن استقمت فأعينوني ،. إن زغت فقوموني.
راجع : المصنف ، عبد الرزاق الصنعاني : ١١ / ٣٣٦ ح ٢٠٧٠١ و ٢٠٧٠٢ ، السقيفة وفدك ، الجوهري : ٥٢ ، الطبقات الكبرى ، محمّد بن سعد : ٣ / ٢١٢ ، تاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٢٧ ، الثقات ، ابن حبان : ٢ / ١٥٧ ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة الدينوري : ١ / ٣٤ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٢ / ٥٦ و ٦ / ٢٠ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ٣٠ / ٣٠١ ـ ٣٠٣ ، تاريخ الطبري : ٢ / ٤٥٠ و ٤٦٠ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٥ / ٢٦٩ و ٣٣٤ ، السيرة النبوية ، ابن كثير : ٤ / ٤٩٣ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ٥ / ٥٨٩ ح ١٤٠٥ ، و ٥٩٩ ح ١٤٠٦٢ و ٦٠٧ ح ١٤٠٧٣ ، تفسير القرطبي : ٣ / ٢٦٢.
٣ ـ صحيح البخاري : ٨ / ٢٦ ، المصنف ، ابن أبي شيبة : ٧ / ٦١٥ ـ ٦١٦ ح ٥ ، و ٨ / ٥٧٠ ح ١ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٥٨ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٩ / ٣١ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٦ / ٥ ، الثقات ، ابن حبان : ٢ / ١٥٦ ، الفائق في غريب الحديث ، الزمخشري : ٣ / ٥٠.
٤ ـ جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٧ / ١٥٦ : اعترض المرتضى رضي الله عنه فقال : أما
٦٣
إلى غيره وهذه صورته؟! ثم يقول على المنبر : إن لي شيطانا يعتريني ، فإذا مال بي فقوموني ، وإذا أخطأت فأرشدوني ، فليسوا أئمة بقولهم إن صدقوا أو كذبوا ، فما عند يحيى في هذا جواب؟
فعجب المأمون من كلامه وقال : يا أبا الحسن ما في الأرض من يحسن هذا سواك (١).
__________________
قول أبي بكر : وليتكم ولست بخيركم ، فإن استقمت فاتبعوني ، وإن اعوججت فقوموني ، فإن لي شيطانا يعتريني عند غضبي ، فإذا رأيتموني مغضبا فاجتنبوني ، لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم ، فإنه يدل على أنه لا يصلح للإمامه من وجهين :
أحدهما أن هذا صفة من ليس بمعصوم ، ولا يأمن الغلط على نفسه من يحتاج إلى تقويم رعيته له إذا وقع في المعصية ، وقد بينا أن الإمام لابد أن يكون معصوما موفقا مسددا.
والوجه الآخر : أن هذه صفة من لا يملك نفسه ، ولا يضبط غضبه ، ومن هو في نهاية الطيش والحدة والخرق والعجلة ، ولا خلاف أن الإمام يجب أن يكون منزها عن هذه الأوصاف ، غير حاصل عليها ، وليس يشبه قول أبي بكر ما تلاه من الآيات كلها ، لأن أبا بكر خبر عن نفسه بطاعة الشيطان عند الغضب ، وأن عادته بذلك جاريه ، وليس هذا بمنزلة من يوسوس إليه الشيطان ولا يطيعه ، ويزين له القبيح فلا يأتيه ، وليس وسوسة الشيطان بعيب على الموسوس له إذا لم يستزله ذلك عن الصواب ، بل هو زيادة في التكليف ، ووجه يتضاعف معه الثواب .. الخ.
١ ـ عيون أخبار الرضا ، عليه السلام ، الصدوق : ١ / ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ح ١ ، الإحتجاج ، الطبرسي : ٢ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥.
تعليق