من صفات المعصوم القائد والإمام الاتصاف بالخلق الرفيع، وهذه ميزة متجسدة في خلق الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام)، باعتباره صاحب مسيرة كبرى لتركيز إسلام جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفيما يلي بعض ما روي في هذا الباب:
روي عن الحسن بن علي قال (عليهما السلام):وفد أعرابي المدينة فسأل عن أكرم الناس بها، فدُلَّ على الحسين (عليه السلام)، فدخل المسجد فوجده مصلياً فوقف بإزائه وأنشأ:
لم يخب الآن من رجاك ومن حرَّك من دون بابك الحلقه
أنـت جـواد وأنت معـتـمد أبوك قد كان قاتل الفسقه
لو لا الذي كان من أوائلكم كانت علينا الجحيم منطبقه
قال: فسلَّم الحسين (عليه السلام) وقال: يا قنبر، هل بقي من مال الحجاز شيء؟ قال: نعم، أربعة آلاف دينار. فقال: هاتها قد جاء من هو أحقٌّ بها منّا، ثم نزع برديه ولفَّ الدنانير فيها، وأخرج يده من شقِّ الباب حياءً من الأعرابيِّ وأنشأ:
خذها فإنّي إليك معتذر واعلم بأنّي عليك ذو شفقه
لو كان في سيرنا الغاة عصا أمست سمانا عليك مندفقه
لكنَّ ريب الزمان ذو غير والكف منِّي قليلة النفقه
قال: فأخذها الأعرابيُّ وبكى، فقال له: لعلك استقللت ما أعطيناك. قال: لا ولكن كيف يأكل التراب جودك؟، وولى وهو يقول:
مطهرون نقيات جيوبهم تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
وأنتم أنتم الأعلون عندكم علم الكتاب وما جاءت به السور
من لم يكن علوياً حين تنسبه فماله في جميع الناس مفتخر(1)
ومن أخلاقه (عليه السلام): مرَّ الحسين بمساكين يأكلون في الصفة. فقالوا: الغداء، فنزل وقال: (صلى الله عليه وآله وسلم)إن الله لا يحب المتكبرين(عليهم السلام) فتغدّى معهم، ثم قال لهم: (صلى الله عليه وآله وسلم)قد أجبتكم فأجيبوني(عليهم السلام)، قالوا: نعم، فمضى بهم إلى منزلـه فقال للرباب: (صلى الله عليه وآله وسلم)أخرجي ما كنت تدّخرين(عليهم السلام) (2).
قال أنس: كنت عند الحسين (عليه السلام) فدخلتْ عليه جارية فحيته بطاقة ريحان، فقال لها: (عليه السلام)أنت حر لوجه الله(عليه السلام) فقلت له: تجيئك جارية تحييك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها؟ قال: (عليه السلام)كذا أدّبنا الله، قال الله: > وإذا حييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردُّوها < وكان أحسن منها عتقها(عليه السلام)(3).
عن علي بن موسى، عن آبائه (عليهم السلام): (عليه السلام)أنّ الحسين بن علي دخل المستراح فوجد لقمة ملقاة فدفعها إلى غلام له فقال: يا غلام اذكرني هذه اللقمة إذا خرجت، فأكلها الغلام، فلما خرج الحسين قال: يا غلام اللقمة. قال: أَكلتها يا مولاي. قال: أنت حر لوجه الله تعالى. فقال له رجل: اعتقته يا سيدي؟ قال: نعم، سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: من وجد لقمة ملقاة فمسح منها ما مسح وغسل منها ما غسل وأكلها لم يسغها في جوفه حتى يعتقه الله من النار، ولم أكن لأستعبد رجلاً أعتقه الله من النار(عليه السلام)(4).
رويَ أنّ أعرابياً من البادية قصد الحسين (عليه السلام) فسلَّم عليه فرد (عليه السلام)، فسأله حاجة وقال: سمعت جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (عليه السلام)إذا سألتم حاجةً فاسألوها من أحد أربعة، إما من عربي شريف، أو مولى كريم، أو حامل القرآن، أو ذي وجه صبيح(عليه السلام) فأما العرب فشرفت بجدك، وأما الكرم فدأبكم وسيرتكم، وأما القرآن ففي بيوتكم نزل، وأما الوجه الصبيح فإنّي سمعت جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (عليه السلام)إذا أردتم أن تنظروا إليّ فانظروا إلى الحسن والحسين(عليه السلام) فقال الحسين له: (صلى الله عليه وآله وسلم)ما حاجتك؟(عليهم السلام) فكتبها على الأرض، فقال له الحسين: (عليه السلام)سمعت أبي علياً (عليه السلام) يقول قيمة كل امرئ ما يحسنه، وسمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: المعروف بقدر المعرفة، فأسألك عن ثلاث خصال. فإن أجبتني عن واحدة فلك ثلث ما عندي، وإن أجبتني عن اثنتين فلك ثلثا ما عندي، وإن أجبتني عن الثلاث فلك كل ما عندي، وقد حملت إليَّ صرة مـختومة وأنت أولى بها(عليه السلام) فقال: سل عما بدا لك، فإن أجبت وإلاّ تعلمت منك، فأنت من أهل العلم والشرف، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.
فقال الحسين: (عليه السلام)أي الأعمال أفضل؟(عليه السلام).
قال: الإيمان بالله والتصديق برسوله.
قال: (عليه السلام)فما نجاة العبد من الهلكة؟(عليه السلام).
قال: الثقة بالله.
قال: (عليه السلام)فما يزين المرء؟(عليه السلام).
قال: علم معه حلم.
قال: (عليه السلام)فإن أخطأه؟(عليه السلام).
قال: فمال معه كرم.
قال: (عليه السلام)فإن أخطأه ذلك؟(عليه السلام).
قال: فقر معه صبر.
قال: (عليه السلام)فإن أخطأه ذلك؟(عليه السلام).
قال: فصاعقة تنزل عليه من السماء فتحرقه، فضحك الحسين (عليه السلام)، ورمى له بالصرّة وفيها ألف دينار، وأعطاه خاتمه وفيه فص قيمته مائتا درهم، وقال: (عليه السلام)يا أعرابي أعط الذهب إلى غرمائك، واصرف الخاتم في نفقتك(عليه السلام) فأخذ ذلك الأعرابي وقال: الله أعلم حيث يجعل رسالته(5).
هذه الأخلاق العالية لم تصدر من إنسان عادي، بل هي أخلاق الأنبياء والأوصياء، وإنّها لدليل على أهليته للإمامة والخلافة والرئاسة.
ومن أخلاقه (عليه السلام): لما التقى الحسين (عليه السلام) وأصحابه مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حَرّ الظهيرة والحسين وأصحابه معتمون متقلدو أسيافهم، فقال الحسين لفتيانه: (عليه السلام)اسقوا القوم وارووهم من الماء، ورشِّفوا الخيل ترشيفاً(عليه السلام) فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفاً، فقام فتية وسقوا القوم من الماء حتى أرووهم، وأقبلوا يملؤون القصاع والأتوار والطِّساس من الماء ثم يدنونها من الفرس، فإذا عبَّ فيه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه، وسقوا آخر حتى سقوا الخيل كلها. ولما حضر وقت الصلاة قال الحسين (عليه السلام) للحر: (عليه السلام)أتريد أن تصلي بأصحابك؟(عليه السلام).
قال: لا، بل تصلّي ونصلّي بصلاتك(6).
نعم، هذه أخلاق الحسين (عليه السلام) يسقي أعداءه الماء، ويرشف خيلهم اقتداءً بأبيه علي (عليه السلام) في واقعة صفين عندما استولى (عليه السلام) على الماء سمح لهم بالسقي والشرب، بعكس معاوية وأصحابه حينما كانوا مستولين على الماء منعوا علياً وأصحابه منه، وهكذا في واقعة الطف لما أمر عبيد الله بن زياد جيش عمر بن سعد بأن يمنعوا الماء عن الحسين وأصحابه وأهل بيته، وقد تم ذلك بالفعل. عندما أقبل الحر بن يزيد على أهل الكوفة وهو عند الحسين فقال: لأُمكم الهَبل والعُبـْر، دعوتموه حتى إذا أتاكم أسلمتموه فصار في أيديكم كالأسير! قد حلأتموه ونساءه وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهود والنصارى والمجوس، وتتمرغ فيه خنازير السواد، لبئسما خلفتم به مـحمداً في ذريته، فدعوا هذا الرجل يمضي في بلاد الله، أما أنتم مؤمنون؟ وبنبوة مـحمد مصدقون؟ وبالمعاد موقنون؟ لا أسقاكم الله يوم الظماء(7).
وكتب ابن زياد إلى عمر بن سعد يأمره أن يمنع الحسين ومن معه الماء، فأرسل عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وبين الماء، وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيام، ونادى ابن حصين الأزديّ: يا حسين، أما تنظر إلى الماء؟ لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشاً، فقال الحسين: اللهم اقتله عطشاً ولا تغفر له أبداً، قال فمرض فيما بعد فكان يشرب الماء القُلّة ثم يقيء ثم يعود فيشرب،... فمازال كذلك حتى مات. وذكر البلاذري: فمات ابن حصين بالعطش، كان يشرب حتى يبغر(8) فيما يروى، فمازال ذاك دأبه حتى لفظ نفسه(9).
ويقال: إنّ عمرو بن الحجاج قال: يا حسين، هذا الفرات تلغ فيه الكلاب، وتشرب منه الحمير والخنازير، والله لا تذوق منه جرعة حتى تذوق الحميم في نار جهنم(10).
ونادى المهاجر بن أوس التميمي: يا حسين، ألا ترى إلى الماء يلوح كأنّه بطون الحيّات،(11) والله لا تذوقه أو تموت، فقال الحسين: (عليه السلام)إنّي لأرجو أن يوردنيه الله، ويحلئكم(12) عنه(عليه السلام)(13).
هذا موقف معسكر يزيد بن معاوية من الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه لما منعوهم الماء، وإن دل على شيء إنما يدل على قساوة قلوبهم إضافة إلى مروقهم من الدين، فبالأمس كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يتحمل عطش ولده الحسين (عليه السلام) لما طلب منه الماء، وهذا ما رويَ عن جابر قال: كنا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه الحسين بن علي فعطش فطلب له النبي ماء فلم يجده فأعطاه لسانه فمصه حتى رويَ(14).
روي عن الحسن بن علي قال (عليهما السلام):وفد أعرابي المدينة فسأل عن أكرم الناس بها، فدُلَّ على الحسين (عليه السلام)، فدخل المسجد فوجده مصلياً فوقف بإزائه وأنشأ:
لم يخب الآن من رجاك ومن حرَّك من دون بابك الحلقه
أنـت جـواد وأنت معـتـمد أبوك قد كان قاتل الفسقه
لو لا الذي كان من أوائلكم كانت علينا الجحيم منطبقه
قال: فسلَّم الحسين (عليه السلام) وقال: يا قنبر، هل بقي من مال الحجاز شيء؟ قال: نعم، أربعة آلاف دينار. فقال: هاتها قد جاء من هو أحقٌّ بها منّا، ثم نزع برديه ولفَّ الدنانير فيها، وأخرج يده من شقِّ الباب حياءً من الأعرابيِّ وأنشأ:
خذها فإنّي إليك معتذر واعلم بأنّي عليك ذو شفقه
لو كان في سيرنا الغاة عصا أمست سمانا عليك مندفقه
لكنَّ ريب الزمان ذو غير والكف منِّي قليلة النفقه
قال: فأخذها الأعرابيُّ وبكى، فقال له: لعلك استقللت ما أعطيناك. قال: لا ولكن كيف يأكل التراب جودك؟، وولى وهو يقول:
مطهرون نقيات جيوبهم تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
وأنتم أنتم الأعلون عندكم علم الكتاب وما جاءت به السور
من لم يكن علوياً حين تنسبه فماله في جميع الناس مفتخر(1)
ومن أخلاقه (عليه السلام): مرَّ الحسين بمساكين يأكلون في الصفة. فقالوا: الغداء، فنزل وقال: (صلى الله عليه وآله وسلم)إن الله لا يحب المتكبرين(عليهم السلام) فتغدّى معهم، ثم قال لهم: (صلى الله عليه وآله وسلم)قد أجبتكم فأجيبوني(عليهم السلام)، قالوا: نعم، فمضى بهم إلى منزلـه فقال للرباب: (صلى الله عليه وآله وسلم)أخرجي ما كنت تدّخرين(عليهم السلام) (2).
قال أنس: كنت عند الحسين (عليه السلام) فدخلتْ عليه جارية فحيته بطاقة ريحان، فقال لها: (عليه السلام)أنت حر لوجه الله(عليه السلام) فقلت له: تجيئك جارية تحييك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها؟ قال: (عليه السلام)كذا أدّبنا الله، قال الله: > وإذا حييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردُّوها < وكان أحسن منها عتقها(عليه السلام)(3).
عن علي بن موسى، عن آبائه (عليهم السلام): (عليه السلام)أنّ الحسين بن علي دخل المستراح فوجد لقمة ملقاة فدفعها إلى غلام له فقال: يا غلام اذكرني هذه اللقمة إذا خرجت، فأكلها الغلام، فلما خرج الحسين قال: يا غلام اللقمة. قال: أَكلتها يا مولاي. قال: أنت حر لوجه الله تعالى. فقال له رجل: اعتقته يا سيدي؟ قال: نعم، سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: من وجد لقمة ملقاة فمسح منها ما مسح وغسل منها ما غسل وأكلها لم يسغها في جوفه حتى يعتقه الله من النار، ولم أكن لأستعبد رجلاً أعتقه الله من النار(عليه السلام)(4).
رويَ أنّ أعرابياً من البادية قصد الحسين (عليه السلام) فسلَّم عليه فرد (عليه السلام)، فسأله حاجة وقال: سمعت جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (عليه السلام)إذا سألتم حاجةً فاسألوها من أحد أربعة، إما من عربي شريف، أو مولى كريم، أو حامل القرآن، أو ذي وجه صبيح(عليه السلام) فأما العرب فشرفت بجدك، وأما الكرم فدأبكم وسيرتكم، وأما القرآن ففي بيوتكم نزل، وأما الوجه الصبيح فإنّي سمعت جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (عليه السلام)إذا أردتم أن تنظروا إليّ فانظروا إلى الحسن والحسين(عليه السلام) فقال الحسين له: (صلى الله عليه وآله وسلم)ما حاجتك؟(عليهم السلام) فكتبها على الأرض، فقال له الحسين: (عليه السلام)سمعت أبي علياً (عليه السلام) يقول قيمة كل امرئ ما يحسنه، وسمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: المعروف بقدر المعرفة، فأسألك عن ثلاث خصال. فإن أجبتني عن واحدة فلك ثلث ما عندي، وإن أجبتني عن اثنتين فلك ثلثا ما عندي، وإن أجبتني عن الثلاث فلك كل ما عندي، وقد حملت إليَّ صرة مـختومة وأنت أولى بها(عليه السلام) فقال: سل عما بدا لك، فإن أجبت وإلاّ تعلمت منك، فأنت من أهل العلم والشرف، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.
فقال الحسين: (عليه السلام)أي الأعمال أفضل؟(عليه السلام).
قال: الإيمان بالله والتصديق برسوله.
قال: (عليه السلام)فما نجاة العبد من الهلكة؟(عليه السلام).
قال: الثقة بالله.
قال: (عليه السلام)فما يزين المرء؟(عليه السلام).
قال: علم معه حلم.
قال: (عليه السلام)فإن أخطأه؟(عليه السلام).
قال: فمال معه كرم.
قال: (عليه السلام)فإن أخطأه ذلك؟(عليه السلام).
قال: فقر معه صبر.
قال: (عليه السلام)فإن أخطأه ذلك؟(عليه السلام).
قال: فصاعقة تنزل عليه من السماء فتحرقه، فضحك الحسين (عليه السلام)، ورمى له بالصرّة وفيها ألف دينار، وأعطاه خاتمه وفيه فص قيمته مائتا درهم، وقال: (عليه السلام)يا أعرابي أعط الذهب إلى غرمائك، واصرف الخاتم في نفقتك(عليه السلام) فأخذ ذلك الأعرابي وقال: الله أعلم حيث يجعل رسالته(5).
هذه الأخلاق العالية لم تصدر من إنسان عادي، بل هي أخلاق الأنبياء والأوصياء، وإنّها لدليل على أهليته للإمامة والخلافة والرئاسة.
ومن أخلاقه (عليه السلام): لما التقى الحسين (عليه السلام) وأصحابه مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حَرّ الظهيرة والحسين وأصحابه معتمون متقلدو أسيافهم، فقال الحسين لفتيانه: (عليه السلام)اسقوا القوم وارووهم من الماء، ورشِّفوا الخيل ترشيفاً(عليه السلام) فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفاً، فقام فتية وسقوا القوم من الماء حتى أرووهم، وأقبلوا يملؤون القصاع والأتوار والطِّساس من الماء ثم يدنونها من الفرس، فإذا عبَّ فيه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه، وسقوا آخر حتى سقوا الخيل كلها. ولما حضر وقت الصلاة قال الحسين (عليه السلام) للحر: (عليه السلام)أتريد أن تصلي بأصحابك؟(عليه السلام).
قال: لا، بل تصلّي ونصلّي بصلاتك(6).
نعم، هذه أخلاق الحسين (عليه السلام) يسقي أعداءه الماء، ويرشف خيلهم اقتداءً بأبيه علي (عليه السلام) في واقعة صفين عندما استولى (عليه السلام) على الماء سمح لهم بالسقي والشرب، بعكس معاوية وأصحابه حينما كانوا مستولين على الماء منعوا علياً وأصحابه منه، وهكذا في واقعة الطف لما أمر عبيد الله بن زياد جيش عمر بن سعد بأن يمنعوا الماء عن الحسين وأصحابه وأهل بيته، وقد تم ذلك بالفعل. عندما أقبل الحر بن يزيد على أهل الكوفة وهو عند الحسين فقال: لأُمكم الهَبل والعُبـْر، دعوتموه حتى إذا أتاكم أسلمتموه فصار في أيديكم كالأسير! قد حلأتموه ونساءه وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهود والنصارى والمجوس، وتتمرغ فيه خنازير السواد، لبئسما خلفتم به مـحمداً في ذريته، فدعوا هذا الرجل يمضي في بلاد الله، أما أنتم مؤمنون؟ وبنبوة مـحمد مصدقون؟ وبالمعاد موقنون؟ لا أسقاكم الله يوم الظماء(7).
وكتب ابن زياد إلى عمر بن سعد يأمره أن يمنع الحسين ومن معه الماء، فأرسل عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وبين الماء، وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيام، ونادى ابن حصين الأزديّ: يا حسين، أما تنظر إلى الماء؟ لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشاً، فقال الحسين: اللهم اقتله عطشاً ولا تغفر له أبداً، قال فمرض فيما بعد فكان يشرب الماء القُلّة ثم يقيء ثم يعود فيشرب،... فمازال كذلك حتى مات. وذكر البلاذري: فمات ابن حصين بالعطش، كان يشرب حتى يبغر(8) فيما يروى، فمازال ذاك دأبه حتى لفظ نفسه(9).
ويقال: إنّ عمرو بن الحجاج قال: يا حسين، هذا الفرات تلغ فيه الكلاب، وتشرب منه الحمير والخنازير، والله لا تذوق منه جرعة حتى تذوق الحميم في نار جهنم(10).
ونادى المهاجر بن أوس التميمي: يا حسين، ألا ترى إلى الماء يلوح كأنّه بطون الحيّات،(11) والله لا تذوقه أو تموت، فقال الحسين: (عليه السلام)إنّي لأرجو أن يوردنيه الله، ويحلئكم(12) عنه(عليه السلام)(13).
هذا موقف معسكر يزيد بن معاوية من الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه لما منعوهم الماء، وإن دل على شيء إنما يدل على قساوة قلوبهم إضافة إلى مروقهم من الدين، فبالأمس كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يتحمل عطش ولده الحسين (عليه السلام) لما طلب منه الماء، وهذا ما رويَ عن جابر قال: كنا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه الحسين بن علي فعطش فطلب له النبي ماء فلم يجده فأعطاه لسانه فمصه حتى رويَ(14).
تعليق